الاستثمار في مجال الزراعة العضوية واقتصادياته
إعداد
أ.د/ زكريا عبد الرحمن الحداد
المدير التنفيذي للجمعية المصرية للزراعة الحيوية
- نشأة الزراعة العضوية وتطورها في العالم :
1-1 ماهية الزراعة العضوية :
نظم الإنتاج الزراعي متعددة ومتداخلة وللتعرفعلى نظام الزراعة العضوية يلزم معرفة خصائص هذا النظام وما يتميز به عن النظم الأخرى والشكل رقم (1) يوضح هذه النظم وتطورها. ومن الشكل يتضح أن جميعها بدأت من النظام التقليدي للزراعة والذي يتضمن بدء استخدام الأصناف عالية الإنتاج مع بداية نظم الميكنة الزراعية ولكن لم تكن عملية استخدام الأسمدة المعدنية والمبيدات قد ازدهرت وتطور هذا النظام إلى نظامين هما النظام الزراعي المألوف Conventional Agriculture والذي ساد مع ما يعرف بالثروة الخضراء والتي نشأت عن الاستخدام المكثف للأسمدة المعدنية والمبيدات والميكنة الزراعية وأصناف الهجن المختلفة عالية الإنتاج ،والنظام الثاني أطلق علية الزراعة المستدامة Sustainable Agriculture وهـو نظام غير محـدد المعالم يهـدف إلى المحافظة على التربة الزراعية. وتطور النظام المألوف Conventional Agriculture إلى نظام الإنتاج المتكامل أو ما يطلق علية الزراعة النظيفة والذي لا زال يستخدم المبيدات والأسمدة المعدنية ولكن بكميات أقل ومن هذه النظم جميعها تطور نظام الزراعة العضوية
1-2 نشأة الزراعة العضوية في العالم :
من الصعوبة القول متى بدأت الزراعة العضوية ومن المعتقد أنها بدأت حتى قبل ما أطلق علية الثورة الخضراء والتي نجمت عن استخدام المواد الكيماوية في الزراعة في صورة أسمدة معدنية ومبيدات الآفات والأمراض ، ويمكن القول ان الزراعة العضوية بدأت في أوروبا عندما عقد الألماني Rudolf Steiner أولي محاضراته عن الزراعة الحيوية Biodynamic في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي في ألمانيا وفي سويسرا بمعرفة Han Muller وفي بريطانيا بمعرفة Lady Evc Bulfour والسيد Albert Howard وفي اليابان بمعرفة Masanobu Fukuoka . وعندما اصبح استخدام الكيماويات الزراعية مع الأصناف عالية الإنتاج والاستخدام المكثف للميكنة الزراعية هو الأسلوب الذي تسعى جميع المجتمعات لتطبيقه ، فإن قليل من المشتغلين بالزراعة لم يقتنعوا بهذا الأسلوب وبدلا من ذلك بدأوا في تطبيق أسلوب الزراعة العضوية عن طريق عمل السماد العضوي المصنع Compost والاهتمام بالدورة الزراعية والأسمدة الخضراء . ولما ظهرت الآثار السلبية لهذه الثورة الخضراء على صحة الإنسان وعلى البيئة المحيطة به ، وأصبحت حقيقة ملموسة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي بدأ يتضح أهمية المنتجات العضوية لكل من المنتجين والمستهلكين على حد سواء ، ومنذ التسعينات بدأ دعم هذه المزارع عن طريق تقديم المنح والمعونات من الحكومات والهيئات المختلفة . ونظرا لتطور الاحتياج للمنتجات العضوية في أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان زادت المساحات المنزرعة عضويا بهذه الدول وبدأت دول عديدة أخرى في الاتجاه نحو الزراعة العضوية .
2- التنظيمات العالمية في مجال الزراعة العضوية :
مع تزايد توجه المستهلكين إلى المنتجات العضوية ونظرا لما يدفعه المستهلك من سعر أعلى في هذه المنتجات فقد أنشئت في العديد من الدول جمعيات ومنظمات وجهات للتفتيش والرقابة وذلك لحماية المستهلكين وضمان حصولهم على السلع المطابقة للمواصفات العضوية. وبدأت الحكومات تتدخل لوضع القواعد وسن القوانين المنظمة لهذا المجال. وفى النهاية أنشئت أيضا بعض التنظيمات التي تعمل على المستوى الدولي. ثم أخذت المنظمات الدولية الكبيرة تهتم بهذا الشان وتصدر أيضا قواعد وتشريعات لتنظيم هذا النشاط على المستوى الدولي.
2-1 الاتحاد الدولي لحركات الزراعة العضوية :
International Federation of Organic Agriculture Movements (IFOAM)
نشأ الاتحاد الدولي لحركات الزراعة العضوية عام 1972 من عدد 6 منظمات وبعد 15 عام من إنشائه أي في عام 1987 زاد عدد أعضائه إلى 100 عضو في عدد 25دوله . في عام 2002 بلغ عدد المنظمات التي يضمها الاتحاد 750 منظمة تعمل في 104 دوله حول العالم. ويمثل الاتحاد حركة الزراعة العضوية على الصعيد العالمي ويوفر قاعدة للتواصل والتعاون الدوليين، والاتحاد ملتزم بتطبيق أسلوب شامل لتطوير نظم الزراعة العضوية بما في ذلك تأمين تنمية مستدامة وتلبية الحاجات البشرية . والمهمة الرئيسية للاتحاد هي تنسيق شبكة الحركة العضوية حول العالم. والاتحاد منظمة ديموقراطية وهو يهدف إلي خدمة المجتمعات الأهلية. ويتم تنفيذ الأنشطة الرئيسية داخل الاتحاد من قبل مجلسه الدولي ومختلف لجانه ومجموعاته العاملة وفرقه المنتدبة لمهمات معينة والأهداف والأنشطة الرئيسية هي على النحو التالي : * تبادل المعرفة والخبرة بين أعضائه وإعطاء الجمهور معلومات عن الزراعة العضوية . * تمثيل الحركة العضوية على الصعيد العالمي في المنتديات البرلمانية والإدارية ومنتديات صنع القرار (للاتحاد على سبيل المثال وضع استشاري لدي منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة "فاو") . * وضع المقاييس الأساسية للزراعة العضوية وتصنيع الأغذية التي يصدرها الاتحاد على الصعيد العالمي، وتنقيحها بانتظام (تترجم هذه المقاييس الأساسية الصادرة عن الاتحاد إلى 19 لغة) . جعل الضمانة الدولية لجودة المنتجات العضوية حقيقة وتدير مؤسسة الخدمات الدولية للاعتماد العضوي(IOASٍِ) برنامج الاعتماد في الاتحاد لضمان تكافؤ برامج منح الشهادات في أنحاء العالم.
2-2 هيئة الديمتر الدولية Demeter International :
هي شبكة عالمية تضم 19 جهة تسجيل ورقابة في كل من أفريقيا و أستراليا و أوروبا و شمال أمريكا و يعمل معها 3500 مشارك في 35 دولة تغطى حوالي مليون هكتار من الزراعات البيوديناميكية . وتباع المنتجات التي تحمل علامتها في أكثر من 50 دولة و لهذه المنظمة قواعدها الزراعية البيوديناميكية المتفق عليها عالميا مع مراعاة الظروف المحلية ببعض الدول.لكنها في النهاية تتفق تماما والقواعد العالمية للزراعة الحيوية.
3- تطور المساحة المنزرعة عضويا :
طبقا لدراسة بعنوان الزراعة العضوية والتنوع الطبيعي عام 2002 تمت بين الاتحاد الدولي لحركات الزراعة العضوية IFOAM والاتحاد الأوروبي للمحافظة على الطبيعة IUCN فإن المساحة المسجلة عضويا بلغت 20 مليون هكتار ، ومن المعتقد أن هناك مساحات كثيرة تزرع عضوي وغير مسجلة وذلك للاستهلاك داخل الدول المنتجة والتي لا تحتاج إلى شهادات لتسويق منتجاتها . وطبقا لأحدث دراسة والتي تمت في فبراير عام 2003 بمعرفة SOL وهي منظمة ألمانية فإن ما يقرب من 23 مليون هكتار يتم حاليا زراعتهم عضويا (شكل رقم2) منها نحو 50% في أستراليا و21.6% في أوروبا حيث تبلغ المساحة نحو 5.1 مليون هكتار وتبلغ في دول أمريكا اللاتينية 4.7 مليون هكتار بنسبة 20% وتبلغ في الولايات المتحدة 1.5 مليون هكتار . في أسيا المساحة ما زالت محدودة حيث تبلغ في جملتها نحو 0.6 مليون هكتار وفي أفريقيا تبلغ المساحة المنزرعة حاليا نحو 0.2 مليون هكتار وتزيد بصفة مستمرة وذلك نظرا لحاجة الدول الصناعية لهذه المنتجات وكذلك للمحافظة على الأراضي من التصحر والرغبة في إعادة بناء خصوبة الأرض من جديد
شكل رقم (2)
المساحات المسجلة عضويا في العالم
http://i578.photobucket.com/albums/s...obeco/5468.jpg
الشكل رقم (3)
الدول العشر الأوائل من حيث مساحات
المزارع الحيوية بها
http://i578.photobucket.com/albums/s...ecobeco/45.jpg
الشكل رقم3 يوضح أكبر عشر دول من حيث المساحة المنزرعة عضويا ومن الجدير بالذكر أن المساحة المنزرعة عضويا تزيد بشكل مطرد وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الزيادة بين عامي90-2001 كانت 100 ضعف في أيطاليا وفي أسبانيا 25 ضعف (91-96) وفي اليونان11 ضعف (93-96) وفي تركيا10 أضعاف (90-96) .
-1 الزراعة العضوية في العالم العربي :
الجدول رقم (1) يوضح الدول العربية التي تمارس هذا النشاط يتضح أن المساحة الإجمالية المسجلة طبقا للدراسة السابقـة بلغـت 45536 هكتار فقط مـوزعة علـى 5 دول وعـدد 1442 مزرعـة وهـذه المساحة تعتبر ضئيلة للغاية إذا ما قورنت بباقي الدول أو كنسبة من المساحة المنزرعة بالعالم العربي .
- خصائص الجودة ومميزات المنتجات العضوية :
4-1 الملائمة لعمليات الحفظ والتصنيع :
من الدراسات الهامة التي أجريت أتضح أن المنتجات العضوية تختلف في سرعة نموها. وحالة النضج الفسيولوجي عند الجمع لها أهمية ليس فقط من حيث الطعم بل أيضا على خصائصها بالنسبة لملاءمتها لعمليات الحفظ. فقد وجد أن معدل التنفس والنشاط الأنزيمي أكثر بطئا بالمنتجات العضوية مما يؤدي إلى انخفاض درجة تدهورها نتيجة التخزين. وحديثا اتضح أن الفروق بين المنتجات العضوية والتقليدية يكون في عدد مجاميع الكائنات الحية الدقيقة وتكون النيتريت وبمقارنة معدل الفقد بالتخزين بين منتجات الخضر المنتجة عضويا وتلك المنتجة بالطرق التقليدية كان متوسط الفقد في الخواص بالتخزين 30% و46.20% على الترتيب .
4-2 القيمة الغذائية :
يهتم المستهلك بالقيمة الغذائية أكثر من الصلاحية للحفظ والتخزين سواء كانت صفات سلبية مثل مدى محتوى الأغذية من بقايا المبيدات ومكسبات الطعم واللون ومحتواها من الدهون أو مميزات إيجابية مثل محتواها من البروتين والفيتامينات والعناصر الدقيقة والمظهر والطعم . واصطلاح خالي من الكيماويات Chemical free يقصد به أن المنتج خالي من المبيدات والعناصر الثقيلة ، وهذا مشكوك فيه لآن تلوث الهواء وماء الري والتربة تساهم إلى حد ما في تلوث المنتجات الزراعية رغم عدم استعمال المبيدات والكيماويات الزراعية ويمكن القول أن مخاطر التلوث ببقايا المبيدات اقل في الزراعة العضوية لأن استخدام الكيماويات الزراعية غير مسموح به كما يتضح من نتائج الدراسة التي تمت في ألمانيا لمدة ثلاث سنوات (جدول رقم 2) لتقدير بقايا المبيدات في المنتجات العضوية والتقليدية (د/ عبد المنعم الجلا) .
http://i578.photobucket.com/albums/s...ecobeco/88.jpg
من الملاحظ نتيجة للدراسة أن نسبة العينات الخالية من المبيدات للمنتجات العضوية تتراوح بين 89-93% ونسبة العينات التي تحتوي على نسبة اقل من المسموح به هي 2-11% في حين كانت العينات المنتجة بالطريقة التقليدية تمثل 46-53% فقط خالية من المبيدات و44-51% عينات تحتوى على نسبة أقل من الحد المسموح به.
وفي دراسة أخرى تمت في فرنسا لوحظ تلوث لبن النساء المرضعات ببقايا كيماويات زراعية DDT والملوثات الأخرى كما أثبتت عديد من الأبحاث في كثير من الدول أن زيادة التسميد الآزوتي لا يؤدي فقط إلى زيادة نسبة النترات الحرة في النبات بل أيضا يؤدي إلى زيادة نسبة الأحماض الأمينية الحرة والأكسلات ومواد أخرى غير مرغوبة بالإضافة إلى انخفاض نسبة فيتامين C.
والمطلوب معرفة علاقة هذه التغيرات والاختلافات على الإنسان. ويعتبر هذا سؤال صعب حيث إن دور كل عنصر غذائي معروف ولكن التفاعلات والارتباط والتضاد بين المكونات المختلفة أكثر تعقيدا. كما أن إجراء تجارب على الإنسان لمعرفة المردود أكثر صعوبة لوجود اختلافات وراثية بين البشر وأن طريقة حياتهم تتأثر بعوامل البيئة المختلفة. ولاختبار ذلك وجد أنه من الأفضل إجراء دراسات على الحيوان ، وتشير نتائج التجارب التي تمت على تغذية الأرانب على عشب تقليدي كانت أكثر عرضة للإصابة بالأمراض من تلك التي تم تغذيتها على أعشاب عضوية وتشير الدراسات إلى وجود فرق بين الأفراد التي تغذت على غذاء عضوي بالمقارنة بالمجموعة التي تغذت على غذاء تقليدي وأن النتائج كانت في صالح المنتجات العضوية. والدراسات مستمرة في هذا المجال وربما تؤدي إلى نتائج أكثر وضوحا بالنسبة لخصائص الغذاء وعلاقته بصحة الإنسان.
5- اقتصاديات الزراعة العضوية :
الاقتصاد في مجال الزراعة العضوية ينبغي النظر اليه ليس فقط بدراسة المؤشرات الاقتصادية للاستثمار مثل العائد الداخلي وفترة استرداد رأس المال والأرباح المتوقعة ولكن هو استثمار له مردود إيجابي على النواحي البيئية والاجتماعية وهذا بطبيعة الحال مردود اقتصادي من نوع أخر .
-1 الزراعة العضوية والمردود البيئي :
الزراعة العضوية تقدم للبيئة مجموعة في المحسنات البيئية تتمثل فيما يلي :
الأرض :
زيادة احتواء التربة على المادة العضوية وتعني زيادة الخصوبة والقدرة على الاحتفاظ بالرطوبة. بالأرض التي تزرع عضويا يزيد بها النشاط الحيوي لزيادة كمية وتنوع الإحياء الدقيقة بها وبالتالي سرعة الدورة الغذائية كما يؤدي إلى تحسين بناء التربة
