النفس هي من توسوس ، وهي من تتعب ، هي من تتذمر وتشكو ، هي تفرح وتحزن
وهي تمرض أحيانا فيمرض الجسد لمرضها ويتعب القلب ويتوشوش الفكر
فيفقد صاحب النفس العليلة التفكير الصحيح ويغادره التركيز
لنر في المقال التالي أدناه إلى ما توصلت إليه الأبحاث والدراسات الحديثة في هذا الأمر وذلك من خلال هذه الورقة .
بكل بساطة فإن النفس في الدراسات العلمية الحديثة تستعمل بمعنى الجانب غير العضوي أو الفيزيولوجي من ( الشخصية ) ، وإذا قمنا بتشريح هذه النفس بصورة أفقية نجد لها مكونان ثلاث :
1 التفكير
2 العاطفة
3 السلوك
وقصر النفس على الجانب العاطفي وحده وهو المعنى المتداول في كثير من الكتابات وفي الاستعمال الشائع غير سليم لأسباب عدة منها أنه يوهم بأن الجانب العاطفي مستقل في تطوره ونضجه وتفاعلاته وتأثيراته ، وهو غير ذلك كما سنواه .
وهكذا يمكن تعريف النفس بأنها الطريقة التي يفكر بها الشخص ، والتي يحس بها وينفعل ، والتي يتحرك بها ويعمل .
وبعبارة أخرى هناك ثلاثة جوانب تكونها هي :
1 الجانب العقلي والفكري
2 الجانب الانفعالي والعاطفي
3 الجانب السلوكي والعملي
ولذلك فإن علم النفس يدرس ثلاثة أوجه من النشاط البشري هي :
1 النشاط العقلي
2 النشاط الوجداني
3 النشاط الحركي .
الجانب العقلي أو الفكري:
ويرتبط بالقدرة على النظر إلى الواقع وفهمه كما هو ، وبقدر مقبول من الموضوعية ، وعلى الحكم على الأشياء والمواقف بطريقة سليمة ، كما يرتبط بالقدرة العقلية على مواجهة هذا الواقع والتكيف معه بنجاح من خلال من خلال اتخاذ القرارات الصائبة والسليمة وإن كانت هذه القرارات مؤلمة وصعبة ما دامت تؤدي إلى تحقيق النجاح في مواجهة الواقع والتكيف معه بأقل خسائر صحية ونفسية ممكنة .
ويرتبط هذا الجانب أيضا بقدرة الشخص على أن يتبنى لنفسه فلسفة عامة في الحياة بأن تكون لديه مجموعة من التصورات والقيم والمعتقدات الشخصية التي تساعده على حب الحياة وتقبل الناس وتقبل الذات وتساعده على تحقيق السعادة الشخصية .
الجانب الانفعالي أو العاطفي :
ويرتبط بالمشاعر والأحاسيس الداخلية للإنسان وحاله المزاجية مثل الاطمئنان أو القلق ، السعادة والفرح أو الحزن والكآبة ، الإعجاب والود أو الغضب والحسد والكره ، الرضا والقناعة أو الإحباط إلى آخر المشاعر الإنسانية الفطرية التي يشعر بها الإنسان .
وهكذا فإن حياة الإنسان هي مزيج من خبرات متناقضة تضم هذه الأحاسيس كلها في تداخل وتفاعل ، وقد قضت حمكة الله تعالى أن على الإنسان أن يختبرها على الرغم من تناقضها خلال حياته ، لأن
شعور الإنسان بها جميعا يعتبر ضروريا لكي يستطسع أن يتعلم ويتكبف معها فيكتسب - وفق بعض
الشروط - صلابة عاطفية أو انفعالية ، وهذا يؤهله بالتالي إلى للوصل إلى درجة النضج العاطفي والانفعالي.
الجانب السلوكي والعملي :
ويرتبط بقدرة الإنسان على الفعل في الواقع وفق ما يمليه الجانبان الفكري والعاطفي والقدرة على التفاعل العملي مع واقعه والتكيف معه.
ما هي أهم تطبيقات هذه المقدمات في مجال الصحة النفسية يا ترى ؟
هناك أولا استنتاج تعريف بسيط للصحة النفسية يقول بأنها عبارة عن سلامة كل مكوناتها ، فهي قدرة الشخص على التفكير والحكم على الأشياء بطريقة سليمة وعلى استثمار عواطفه بصورة مناسبة ، وعلى التعامل والتفاعل مع وسطه بطريقة إيجابية .
وغني عن البيان أنه ليس هناك حد دقيق فاصل بين وجود أو انعدام الصحة النفسية ، بل الأمر نسبي يتعلق بستويات متدرجة في كل مكون من المكونات ، ونحكم على ان بعضها أقل أو أكثر سلامة من بعضها .
ونستفيد من تقسيم النفس إلى مكوناتها ثانيا ترابط هذه المكونات وتفاعلها ، فأي سلوك للفرد هو نشاط كلي متكامل ، ليس نشاطا معرفيا بحتا ولا نشاطا انفعاليا أو حركيا بحتا .
وبالتالي فإن أي اضطراب في أي من هذه المكونات يؤثر سلبا على الآخر ، فإذا وقع اضطراب في الجانب العقلي تبعه بصورة او بأخرى الجانبان العاطفي والسلوكي .
وفي المقابل فإن معالجة ذلك الاضطراب قد يكون مدخله من أي واحد من المكونات الثلاثة ، والبتالي يمكن مثلا أن نتحدث عن المدخل السلوكي أو المدخل الفكري أو المعرفي لمعالجة اضطراب عاطفي والعكس صحيح ، وهذا الأمر له تطبيقات عملية في مقابرة الاضطرابات النفسية ،
وثبتت نجاعته وفاعليته .
مقتبس
