في نهاية العام من سيحاسب نفسه ؟
http://photos.azyya.com/store/up2/081209112502YTcY.gif
في نهاية العام من يحاسب نفسه ؟ كان هذا العام بالأمس مبتدئاً ، وها هو الآن ينتهي ،
وكأننا لم نعش أيامه وشهوره ؛
لكن المرضى والخائفين والجائعين والأسرى والمسجونين ،
قد طالت عليهم أيامه وأبطأت شهوره ، من شدة ما يجدون ويحسون !!.
ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) .
[أخرجه الترمذي وابن ماجه وهو حديث حسن]
فإن صحة الأبدان ، وأمن الأوطان ، ورغد العيش هي مقومات الحياة ،
بفقدان واحدة من هذه الثلاث يكون عيش الإنسان منغصاً ولربما تمنى الموت .
هذه النعم الثلاث عندما يجدها الإنسان فإنه لا يحس بمرور الأيام ، وانقضاء الأعوام ؛ فالأيام تمر عليه سريعاً .
* ضرورة المحاسبة :
في آخر أيام هذا العام لا بد من المحاسبة والمراجعة ؛ فالمؤمن يعلم أن حياته ليست عبثاً ،
ويدرك أنه لم يخلق هملاً ، وهو على يقين أنه لن يترك سدى .
وقد يعمل الإنسان في حياته أعمالاً ثم ينساها ؛ لكنه يوم القيامة سيوفاها كما قال تعالى :
{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد }
[المجادلة:6]
وقال تعالى :
{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }
[ آل عمران:30]
وقال تعالى :
{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }
[الأنبياء:47] .
إن النعم التي يتقلب الناس فيها ، والصوارف التي تحيط بهم تجعلهم ينسون الحساب ، ويغفلون عن ذكر يوم المعاد ،
{ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ }
[الأنبياء:1،2] .
* كيفية المحاسبة :
- لا بد أن ينظر الإنسان في عمله ، ويتأمل حاله كيف قضى عامه ؟ وفيم صرف أوقاته ؟
- في عامه الراحل كيف كانت علاقته بربه ؟
- هل حافظ على فرائضه ، واجتنب زواجره ؟
- هل اتقى الله في بيته ؟
- هل راقب الله في عمله وكسبه وفي كل شؤونه وأحيانه ؟
- فإنه إن فعل ذلك صار يعبد الله كأنه يراه ، فإن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه .
ومن حاسب نفسه في العاجلة أمن في الآخرة ، ومن ضحك في الدنيا كثيراً ولم يبك إلا قليلاً يخشى عليه أن يبكي في القيامة كثيراً .
كما قال تعالى :
{ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً } [التوبة:82].
قال ابن عباس رضي الله عنه :
( الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤا فإذا انقطعت وصاروا إلى الله تعالى استأنفوا في بكاء لا ينقطع عنهم أبداً )
[أخرجه ابن جرير وابن أبي شيبة بإسناد صحيح] .
وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا : قال رسول صلى الله عليه وسلم :
( يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال :
ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً ، وسخرت لك الأنعام والحرث ،
وتركتك ترأس وتربع فكنت تظن أنك ملاقيَّ يومك هذا ؟
فيقول : لا ، قيقول له : اليوم أنساك كما نسيتني )
[أخرجه الترمذي بسند صحيح].
معنى قوله : ( اليوم أنساك كما نسيتني ) : اليوم أتركك في العذاب .
* علاج القلوب قبل علاج الأبدان :
إذا كان مرضى الأبدان يشخصون الداء ، ولا يزالون في متابعة مستمرة للمرض حتى يقضي عليه ؛
فبطريق الأولى والأحرى يفعل ذلك مرضى الذنوب والآثام .
- إن استصلاح القلوب أهم وآكد من استصلاح الأبدان . وإذا كانت الحياة تنقلب عذاباً عند فساد الأبدان ؛
فعذاب الآخرة أشد وأنكى لمن فسدت قلوبهم .
- إن مجالات الذنوب والمعاصي في هذا الزمن واسعة ، والداعي لها كثير ، وسبل الطاعة ضيقة ، والداعي لها قليل.
فالفتن تلاحق الناس في أسواقهم وأعمالهم ، وتملأ عليهم بيوتهم ، وتفسد أولادهم ونساءهم ،
ولا يزال أهل الباطل يجرون عباد الله إلى باطلهم وسيستمرون ، فماذا علمنا لدرء الشر عن أنفسنا وبيوتنا ؟!.
- إن عامنا يمضي وذنوبنا تزداد ، وإن آخرتنا تقترب ونحن عنها غافلون – إلا من رحم الله وقليل ما هم!-
نمنّ على الله بالقليل من الطاعات ، ونواجهه بالكبائر والموبقات !! فهل ندرك أننا لا نزال غافلين ؟!
* آثار الذنوب على الأمة :
- بسبب الذنوب والمعاصي ، وإصرار كثير من العباد عليها :
أصبحت أمة الإسلام مائدةً ممدودة لكل طاعم ، وصندوقاً مفتوحاً لكل آخذ ، وقصة يحكيها كل شامت ،
نسوا الله فنسيهم ، وتركوا أمره فسلط عليهم أعداءهم .
- أورثتهم الذنوب ذلاً ومهانة ، سكنت معها القلوب بل ماتت . ألفت العيون دموع اليتامى ، واعتادت الآذن على أنات الأيامى .
ولقد أصبح قتل المسلم الأعزل في كثير من الأقطار أمراً سهلاً ؛ بل ممتعاً يدعو للفرحة والنزهة من قبل الكافرين ..
ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم .
- والمصيبة أنه يصاحب هذا التسلط من الأعداء تفرق المسلمين ؛ وتشتت أمرهم ، واختلاف كلمتهم ؛
فبعضهم يكره بعضاً ، ويتباغضون أشد من بغضهم لأعدائهم في كثير من الأقطار والبقاع .
فلماذا كل هذا ؟!
- إن النظرة المتأنية لأسباب هذا الذل والهوان ، وذلك الاختلاف والافتراق توجد قناعةً مفاداها أن الذنوب والمعاصي من أهم أسباب ذلك ؛
بل هي السبب الرئيسي له .
* ماذا قدمنا لأمتنا ؟! :
- إن جميع المسلمين في الأرض لم يرضوا عن واقعهم المهين ؛
لكن هل تحركوا لتغييره ؟!
- كل فرد من الأفراد يتأسف ويأسى لواقع أمته ، ولو تأملت حاله لوجدته سبباً من أسباب هذا الواقع !!
- إن صلاح الأفراد فيه صلاح الأمم ، وإن فسادهم فيه فسادها ..
إذا أصلح كل فرد نفسه ومن هم تحت يده ، ونشر الإصلاح بين الناس على قدر جهده ووسعه صلحت الأمة بإذن الله تعالى .
- أما أن يكون كل فرد فاسداً في نفسه مفسداً لمن هم تحت يده – إلا من رحم الله – ويريد أن تصلح الأمة ،
وأن تعتز وتنتصر على أعدائها ؛ فذلك من أبعد المحال ، والله لا يصلح عمل المفسدين .
- إن مشكلتنا تتخلص في أننا لا نحس بأننا سبب من أسباب انحدار أمتنا وتخلفها ، ونتغافل عن كوننا جزءاً من أجزاء الأمة التي نريد صلاحها ،
وكل واحد منا يرمي باللائمة على الغير .
- ومن المضحك جداً أن نلوم عدوّنا ، ونجعله سبب مشاكلنا ؛
لكي نتنصل من مسؤولياتنا ، ونرتاح من تبعات التحليل والتدقيق ، والمحاسبة والتقويم ،
فهل ندرك ذلك في نهاية عام نودعه وبداية عام نستقبله ؟!
ونفقه أن الأمة لن تصلح وتنتصر حتى يصلح كل فرد من أفرادها نفسه ، وينتصر على أهوائه وشهواته ؟!
نرجو أن ندرك ذلك ونعقله .
وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم .