الإستزراع السمكي في مصر ...أسرار النجاح
إن المصرين و الصينين أول من قاموا بالإستزراع السمكي إلا أن مصر لم تحقق نجاح يشار إليه في هذا القطاع إلا في العقدين الأخيرين فقد حققت طفرة كبيرة في قطاع الإستزراع السمكي و على وجه التحديد في استزراع اسماك المياه العذبة حيث زاد إنتاج قطاع الإستزراع السمكي في مصر من 258 طن في عام 1974 إلى 630 ألف طن فى عام 2009
لتبلغ مساهمة قطاع الإستزراع السمكي 63% من إنتاج مصر من الأسماك وأصبحت مصر حاليا رقم 11 على العالم في الإستزراع السمكي وسبقت الكثير من الدول الأوروبية في هذا المجال وحققت معدلات نمو كبيرة جعلتها في 2005 من الدول العشر الأولى من حيث معدلات النمو في الإستزراع السمكي على العالم .
و أصبحت مصر دولة رائدة في الإستزراع السمكي في المياه العذبة فما هي أسرار النجاح ؟
يجيب المهندس محمد مسعد كمون رئيس هيئة الثروة السمكية سابقا في حديث إلى جريدة الجمهورية ويقول:
يرجع سر تفوقنا في الإنتاج السمكي ومعالم التجربة المصرية في الإستزراع السمكي إلي أمرين :
الأول: أن الدولة ممثلة في هيئة الثروة السمكية.. بدأت بثلاث مزارع إرشادية علي مستوي الجمهورية الأولي في "برسيق" بالبحيرة علي مساحة 2000 فدان والثانية مزرعة الزاوية بكفر الشيخ والثالثة مزرعة المنزلة بالدقهلية علي مساحة 1000 فدان لكل منهما.. وكما نجحت هذه المزارع بدأنا في استقطاب القطاع الخاص وقامت هيئة الثروة السمكية باستغلال أراضي الهيئة حول البحيرات. وقمنا بتأجيرها بسعر زهيد مقابل 15 جنيها للفدان.. وتدرج السعر علي مدار العشرين عاما الماضية حتى وصل سعر الفدان 100 جنيه.
ووفرت الهيئة لهم الزريعة والأعلاف اللازمة للسمك وسرعان ما بدأ القطاع الخاص يعمل وينتج حتي بلغت مساحة إنتاجه من الإستزراع السمكي 200 ألف فدان في حين لا يتعدي الإنتاج الحكومي إل 10 آلاف فدان. وهو ما يؤكد أنه لو أخذ القطاع الخاص فرصته مع الإرشاد والترشيد الحكومي سيعطي نتائج مثل التي وصلنا إليها.
الثاني : استخدام تكنولوجيا محلية بسيطة.. تتناسب وطبيعة الفلاح المصري هذا بالإضافة إلي استخدام أصناف مصرية محلية والتي يتفهمها الزراع في مقدمتها سمك البلطي.
هذه هي أسرار النجاح أجملها لنا المهندس كمون لكن تفاصيل تلك الكلمات القليلة تكشف الكثير من أسرار النجاح في الإستزراع في المياه العذبة نوردها في النقاط التالية :
1- دور الدولة
الحق أن دور الدولة المصرية في نجاح الإستزراع السمكي كان كبير فقد قامت بإصدار القرار رقم ( 190 ) لسنة 1983 بإنشاء الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية .
وكلفتها بتنمية الاقتصاد القومي في مجال الثروة السمكية وإقامة مشروعات التوسع الأفقي والرأسي في هذا المجال ضمن إطار السياسة العامة والخطة العامة للدولة كما أعطت رئيس الهيئة الحرية في إصدار النظم واللوائح الداخلية والقرارات المتعلقة بالشئون المالية والإدارية والفنية دون التقييد بالقواعد الحكومية
و جعلت للهيئة موازنة خاصة بها تتكون مواردها من عائد استثمار أموال الهيئة في الشركات والمشروعات التي تشارك فيها , و أصبح للهيئة حساب خاص تودع فيه أموالها بوصفها هيئة اقتصادية .
وهنا فان دور الدولة كان كبير فقد أجادت في تحديد الهدف وفى إعطاء الهيئة بعض السلطات والموارد الاقتصادية التي كفلت لها القيام بدورها.
وكان لها دور أخر ساعد على زيادة التوسع الأفقي ألا وهو فتح الباب للمسؤلين للحصول على رشاوى من مافيا وأضعى اليد الأمر الذي ساعد على زيادة المساحات المتاحة لهم ودفعهم إلى الاستيلاء على أكبر قدر من الاراضى المحيطة بالبحيرات الشمالية مما أدى إلى توسع أفقي كبير في هذا القطاع أدى إلى زيادة الإنتاجية بصورة غير متوقعة وغير مخطط لها وفاقت كل التوقعات .
2- دور الهيئة
قامت الهيئة بتخطيط مشروعات الثروة السمكية والتصنيع السمكي وتنفيذ ما تطلبه المحافظات من هذه المشروعات ووضع التخطيط الخاص بها إما بالذات أو بإسنادها إلى جهات أخرى وساعدها على النجاح أنها هيئة اقتصادية لديها مواردها الخاصة الأمر الذي دفعها إلى أن تطمح في تحقيق أكبر معدلات إنتاجية ومن ثم تحقيق اكبر قدر من الأرباح , فاقامت المفرخات ومصانع الاعلاف من العائد الذى تنتجة المزارع , ومن أموال الايجار التى تتحصل عليها بعد تأجير بعض المزارع التابعة لها بأسعار مغرية وبما يقرب من 10 جنية للفدان فى العام سنة 1986 .
وأنشأت ثلاث مزارع إرشادية على أطراف البحيرات حيث أن تلك المساحات التي أقيمت عليها المزارع كانت كلها عبارة عن أراضى مملؤة بالبوص ولا تنتج أسماك ,وهذا العامل أيضا ساعد البعض على اتخاذ مبرر للاستيلاء على تلك الأراضي المغطاة بالبوص بهدف تحويلها إلى مزارع فمن المعلوم أن ما يقرب من 30% من مساحة البحيرات الشمالية أماكن مغطاة بالكامل بالبوص ولا تساهم في الإنتاج .
وحققت الهيئة نجاح كبير في ذلك الحين بفضل تزاوج معارف المهندسين المصرين النظرية مع الواقع الذي أكسبهم الخبرة العملية , وتركيزها على الإستزراع في المياه العذبة الذي كان بمقدورها أن تجيد فيه بينما لم تفكر في جانب الإستزراع البحري لان الطريق في هذا الجانب محفوف بالكثير من العقبات وتداخل الاختصاصات بين أجهزة الدولة بالمقارنة بالسيطرة المتاحة للهيئة على البحيرات .
3- التجمعات الصناعية
يقول أستاذنا الدكتور أحمد صقر عاشور ممثل منظمة الشفافية الدولية في مصر , ( تلعب السياسة الحكومية دورا هاما في خلق التجمعات الصناعيةclusters حيث ترتبط مجموعة من الشركات مع بعضها البعض في علاقات رأسية بين البائعين والمشترين , وكذلك أفقيا نتيجة للمشاركة في العملاء والتكونولجيا وقنوات التوزيع , وعند ظهور أي تجمع من هذا الشكل يمكن للحكومة أن تلعب دورا هاماً لدعمه وخاصة عن طرق الأصول المتخصصة Specialized Factors مثل المعاهد ومراكز التدريب وبنوك المعلومات والبنية التحتية الخاصة وترتفع نسبة نجاح السياسة الحكومية في دعم التجمعات الصناعية الناشئة عما إذا أردت ترويج تجمع صناعي جديد ) .
ونظرة أستاذنا هنا للتجمع نظرة شاملة ولم تتحقق في هذا القطاع بشكل كامل لكن تحقق قدر كبير من فكرة التجمع في هذا القطاع فقد حدث التجمع في مناطق ناشئة ومؤهلة حيث كان إنشاء الهيئة لثلاث مزارع إرشادية هي برسيق بمساحة 2000 فدان على أطراف بحيرة ادكو و مزرعة الزاوية على مساحة 1000 فدان على أطراف بحيرة البرلس ومزرعة المنزلة على مساحة 1000 فدان على أطراف بحيرة المنزلة , أكبر الأثر في سرعة نمو هذا القطاع فالثلاث مناطق تعتبر تجمعات صناعية طبيعية لا تحتاج إلى عملية إنشاء وبناء بنية أساسية , فالمصارف التي تغذى البحيرات أصبحت تقوم بتغذية المزارع بالمياه لري المزارع أي أن عصب عملية الإستزراع السمكي وهو المياه كان متوفر وبشكل دائم في تلك المناطق , كما توافر في تلك المناطق قربها من تجمعات المستهلكين وأسواق الأسماك وتوافر الزريعة من المفرخات التي قامت لتخدم هذه الصناعة كما تم إنشاء مصانع للأعلاف
وتعتبر فكرة التجمعات الصناعية هي أحد أهم الأسباب التي جعلت دول أسيا تصدر الأسماك إلى أوروبا رغم أن 80% من مزارعها عبارة عن مزارع صغيرة جدا لكن قربها من بعضها دعهما ويسر لها عملية التصدير .
وكان لاقتراب التجمعات أثرة في نقل أي جديد يؤدى إلى زيادة الإنتاجية وذلك بفضل توافر البيئة المثلى للتقليد .
4- عدوى التقليد
من أهم سمات الشخصية المصرية أنه عندما ينجح مشروع نجد الكل يفكر في إنشاء هذا المشروع وهذا ما حدث فبعد أن نجحت وحققت مزارع الهيئة مكاسب أنتشر الحديث عن مكاسب إنشاء المزارع وأدى العائد الاستثماري المرتفع للاستزراع السمكي والذي كان يتعدى 60% إلى اجتذاب عدد كبير من المستثمرين الصغار والمتوسطين وحول من يملك ارض بور أرضة إلى مزارع سمكية وقام الكثيرون بالاستيلاء على أجزاء كبيرة من البحيرات الشمالية لتنخفض مساحتها بحوالي 750 ألف فدان إنشاء على اغلبها مزارع للأسماك ومن ثم حدث توسع افقآ كبير
وقام بعض أصحاب المزارع بالاستعانة بمهندسين من الهيئة للاستفادة من خبراتهم والتي أدت إلى نشر فكر التغذية على الأعلاف وزيادة الكثافة وأدى الأمر إلى زيادة في الإنتاجية اى ترتب على ذلك توسع رأسي .
5- استزراع أسماك محلية
اعتمد الإستزراع السمكي في مصر على ثلاث أنواع بشكل رئيسي هي أسماك البلطي والبوري والمبروك .
كان لتوافر زريعة البلطى بكثرة ورخص أسعاره و قابليته للتكثيف و تحقيقه معدلات نمو سريعة في ظل التغذية الصناعية و ملائمة الظروف البيئة المصرية لاستزراعه دور كبير في هذا التقدم فمع بداية التسعينات أعيد اكتشاف البلطي في مصر وتم زراعة البلطى وحيد الجنس وزادت كمية إنتاجه حتى وصلت في سنة 2009 إلى 480 ألف طن في العام حسب تصريحات الدكتور محمد فنحى رئيس الهيئة وتحتل مصر المركز الثاني في إنتاجه على العالم .
كما كان لتوافر زريعة البوري من المصادر الطبيعية بكميات كبيرة وملائمة للظروف البيئة المصرية لاستزراعة وإقبال المستهلك علية دور كبير في التوسع في استزراعه وتعدى إنتاج مصر من البوري 150 ألف طن في العالم وتنتج مصر حوالي 92% من إنتاج العالم من البوري وتحتل مصر المرتبة الأولى في انتاجة على العالم .
وكان لإنشاء الهيئة مفرخات لتفريخ المبروك وتوزيعه على حقول الأرز وأستزراعه في المزارع الإرشادية دور كبير في انتشار استزراعه في مصر .
تلك هي أهم أسرار نجاح الإستزراع السمكي في مصر بعضها ولد طبيعيا والبعض ولد نتيجة تخطيط وتنفيذ بشكل سليم .
لكن هل ستظل تلك الأسرار هي المقومات التي ستحافظ على استدامة هذا القطاع في المستقبل وهل سيظل هذا القطاع يسير بنفس معدلات النمو أم أن داخل هذا القطاع مشكلات هيكليه قد توقف نموه أو تحد من نموه , هذا ما سنتعرض له في المقالات التالية .
المصــــادر- منظمــة الأغذيـــة والزراعـــة للأمــم المتحــدة " حالة الموارد السمكية وتربية الأحياء المائية في العالم 2006
- منظمــة الأغذيـــة والزراعـــة للأمــم المتحــدة "استعراض قطاع الإستزراع المائي في مصر"
- جريدة الجمهورية " غرائب..في ملف الثروة السمكية "
- قرار إنشاء الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية رقم ( 190 ) لسنة 1983
- د/ أحمد صقر عاشور " إصلاح أداء التنمية في مصر ... المقومات المؤسسية " دار الجامعيين 2001
***************
