الشكر كل الشكر لمساهماتكم القيمة
إن الإنسان ومنذ تواجده على الأرض والذي يقدره علماء الأنثربولوجيا لأكثر من عشرة آلاف عام
يسعى إلى الكمال ويسعى إلى النمو والتطور والارتقاء إلى الأعلى . فقامت حضارات وثقافات في مناطق شتى من أرجاء المعمور الأربعة ، والتاريخ ينبئنا عن حضارة بلاد ما بين الرافدين
( الميسوبوتاميا ) وحضارة الهند وبلاد فارس وحضارة الفراعنة الأقدمين ، وهذه الحضارات كلها
تواجدت في عصر واحد أو سبقت بعض منها أختها فكانت تقتبس ما يصلح لها وتترك ما لا يصلح
وذلك تبعا للمعطيات الاجتماعية والعقدية والاقتصادية .
وهكذا ومع مرور السنوات وتوالي العصور كان الناس دائما يسعون إلى بناء ثقافتهم وحضارتهم
على ما خلفه سابقوهم فكانوا يأخذون منهم الأسس والركائز الفكرية التي يبنون عليها حضارة عصرهم ، فالإغريق مثلا وكما يقول المؤرخون أخذوا علومهم من المصريين ومن الفرس ومن الهند كذلك ولقحوها وطوروها لما يتلاءم وطبيعتهم ، ثم أخذ الرومان من اليونان بنفس الطريقة
اقتبسوا منهم قانون ( صولون) واقتبسوا منهم ما يسمى بنظام الحكم الجمهوري
(res publica) كما أخذوا منهم آدابهم وفلسفتهم ثم أتى المسلمون فاحتضنوا هذه الثقافة والحضارة الإغريقية الرومانية وغيرها وطوروها وبنوا عليها الحضارة الإسلامية التي ارتكزت عليها أوربا في عصر النهضة لبناء حضارتها في جميع المجالات ، ففي العقيدة مثلا خرج المصلحان
والمجددان المسيحيان -كالفان - و- لوثر - بما يسمى بالمذهب البروتستانتي واعتمدا في ذلك على
مدرسة المعتزلة ، وفي الأدب نرى الشاعر والأديب الإيطالي - دانتي - وهو يكتب ( الرحلة الإلهية )
معتمدا على( رحلة الغفران للمعري) ونرى -ديكارت- العالم والفيلسوف الفرنسي يأخذ من أبي حامد
الغزالي كتاب ( المنقذ من الضلال ) ويطبقه في فلسفته ورياضياته والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحصى
حتى نرى الحضارة الغربية في هذا العصر والقرن (21) وهي في أبهى حللها واجمل صورها وإن
كانت خليطا من الفلسفات المختلفة التي تغلب عليها الفلسفة المادية الجدلية .
أريد أن أقول من كل ما سبق - وإن لم أكن قد أجملت القول وذلك لأن في ذكر الأصل غنى عن ذكر الفرع أن ما يطلق عليه الجديد ما هو إلا إحدى تجليات القديم وإن كان بعض من الناس يعارض هذا الجديد فلأنه لم يستوعبه وذلك إما لأمور شخصية أو أمور اجتماعية .
والتاريخ الذي هو ديوان البشرية يعلمنا دائما أن ما يسمى بالجديد يتغلب على القديم لأن الصراع بين الجديد والقديم ما هو إلا صراع بين الشيء ونفسه أو إن صح القول بين حلل هذا الشيء.