المدينة المصريةفى مائة عام تغير وجه المدينة المصرية تماما، ولم يكن التغيير من نصيب العاصمة وحدها- وإن كانت آثاره فيها أكبر- بل امتد التغيير إلى غالبية المدن الكبيرة والصغيرة، تضاعفت مساحة المدن الكبرى، واتصل عمرانها، وظهرت ضواحي جديدة، بل مدن كاملة جديدة فى قلب الصحراء، عشرات وربما مئات القرى الكبيرة تحولت إلى مدن توسعت مرافق الخدمات فى المدن دخلتها المياه النقية والكهرباء والصرف الصحي وأصبح توفير هذه الخدمات فى المنازل من الأمر الطبيعي، امتدت الطرق وتطورت وسائل المواصلات، اختلفت المباني والعمائر وتغير السكان وتبدلت عاداتهم، حقا مازالت بعض ملامح المدينة القديمة تعيش فى قلب مدينة اليوم، فعربات الكارو تسير جنبا إلى جنب مع مترو الأنفاق، وبيوت الطين مازالت قائمة إلى جوار أبراج الزجاج والالوميتال، لكن حتى هذه الملامح القديمة تغيرت كثيرا أو اختلفت دلالاتها، بل امتد حسار جحافل التغيير ليحيط بالآثار داخل المدن القديمة ويتعدى عليها ويدمرها.
والتحول إلى الملامح الجديدة لا يعنى دائما التحول إلى أحسن، فقد توسعت المدن على حساب المساحة الخضراء المحيطة بها وابتلعت المباني الأسمنتية والطرق مساحات كبيرة من الرقعة الزراعية وجارت على الخضرة داخل المدينة، وامتد العمران فى كثير من الأحيان بشكل عشوائي دون تخطيط، وارتفع عدد سكان المدن بصورة شكلت عبئا متزايدا على المرافق، وأصبح فى القاهرة وحدها ما يقرب من ربع سكان مصر، وعرفنا ما يسمى بظاهرة ترييف المدينة وانتشرت ظواهر سلبية كثيرة كسكنى المقابر وسكنى الخيام وعشش الصفيح فى المدن الكبرى بل وفى القاهرة نفسها وأصاب الخلل الذوق الجمالي فى المدينة، وفاقت نسب التلوث والضوضاء أعلى المعدلات العالمية.. فهل هذه ضريبة للتقدم؟! أن مدينة العقد الأخير من القرن العشرين تختلف تماما عن مدينة العقد الأخير من القرن التاسع عشر.
والصورة أصدق شاهد على التحول الذى أصاب المدينة المصرية سواء كان هذا التحول إيجابيا أم سلبيا .