الزرنيخ : سم و دواء الزرنيخ هو عنصر كيميائي شبه معدني من عائلة مجموعة النيتروجين او النيكتوجين( Pnicogen ) المأخوذة من الاغريقية (pigein) ، والتي تعني : االاختناق
اسمه بالانجليزية وبالفرنسية : Arsenic ، وهو مشتق كذلك من اليونانية : Arsenicum
و معناها : الذي يروض الرجل او الذكر ، او : القادر على ترويض الذكر ان صح التعبير ، وذلك كناية عن سميته الشديدة القاتلة .
مادة عديمة الطعم والرائحة وغير قابلة للذوبان في الماء الا باضافتها الى عناصر كيميائية اخرى على شكل املاح .
في خواصه الكيميائية ، يشبه الزرنيخ بشكل كبير الفوسفور .
اشهر مركباته هو ثالث اوكسيد الزرنيخ : Trioxyd
وهو يستعمل كمادة سامة بجرعات ضئيلة جدا في معالجة السرطان وخاصة سرطان الدم ( اللوكيميا )
كما تدخل احدى مركباته في علاج الكثير من الامراض الجلدية مثل السيفيليس
واكثر انواعه سمية هو الزرنيخ غير العضوي ، اذ يمكن التفرقة بين نوعين من الزرنيخ : العضوي وغير العضوي
فالزرنيخ العضوي هو الذي يتواجد في اجسام الحيوانات والنباتات ويكون ضمن تركيبة كيميائية تشمل الكربون والهيدروجين
وهذا يعتبر غير شديد الخطورة كما ويمكن لجسم الانسان ان يتخلص منه بسهولة
اما الزرنيخ غير العضوي فهو الذي يدخل في تركيبة كيميائية تخلو من الكربون وتشمل : الاوكسيجين والكلور والكبريت
عرف الانسان الزرنيخ منذ حوالي 2000 سنة كدواء وكوسيلة قتل وانتقام
التسمم بالزرنيخ : arsenicosis
يمكن ان يتعرض له الشخص اما عن طريق تناول مياه او اغذية ملوثة بنسبة فوق الطبيعي بمادة الزرنيخ
او التعرض الطويل الامد لها عن طريق استنشاق رائحة نشارة خشب معالج بالزرنيخ
او الاشخاص الذين يعيشون في بيئة صخرية غنية بمادة الزرنيخ
او في مجال عمل ما يتطلب التعامل مع هذه المادة ، من بينها المجال الزراعي والمبيدات الحشرية والاسمدة التي يدخل في تركيبها الزرنيخ
في حالة التعرض الطويل الامد للتسمم بمادة الزرنيخ ، تظهر الاعراض في البداية على مستوى الجلد ، اذ يتغير لون الجلد بشكل ظاهر
ويؤدي هذا في اغلب الحالات الى الاصابة بالتهابات جلدية شديدة قد تتطور الى سرطان جلدي ، لكن قد يستغرق الامر سنوات عدة
لكن تبقى هذه الاعراض نسبية وتختلف من منطقة لأخرى حسب الطبيعة الجغرافية وحسب طريقة عيش الشخص المصاب ونمطه الغذائي ، اذ من المؤكد ان سوء التغذية يساهم في الرفع من حدة وخطورة اعراض التسمم بالزرنيخ
اما في حالة التسمم الحاد المباشر بمادة الزرنيخ فتكون اعراض الاصابة على شكل آلام حادة جدا في البطن مع تقيؤ واسهال دموي واحيانا شلل نصفي وفقدان البصر
ثم ايقاف عملية التنفس وضربات القلب وبالتالي وفاة المصاب فورا ( 100 ميليغرام من اوكسيد الزرنيخ كافية لوضع حد لحياة انسان )
اهم وابرز الامراض التي تحدث جراء الاصابة بتسمم الزرنيخ :
سرطان الرئة – سرطان الجلد – سرطان الكلى – سرطان المثانة – تصلب الشرايين
ايكولوجياً يعد الزرنيخ من الملوثات اذا وجد في البيئة بنسبة اعلى من النسبة المفترض له ان يكون عليها
ففي التربة نسبة تركيز الزرنيخ طبيعيا تتراوح بين 2 و15 ملغ / ل-1
في الماء : اقل من 10 ميكروغرام / ل- 1
في الهواء : من 0،005 الى 1 ميكروغرام
ويمكن لهذه النسبة ان تتزايد بفعل الانشطة الانسانية المختلفة من صناعة او زراعة
تنتج البكتيريا الارضية سنويا 26000 طن من مادة الزرنيخ ، اضافة الى 17000 طن منبعثة من البراكين المتفجرة
لكن النسبة الاكبر من تلويث البيئة بمادة الزرنيخ تبقى من طرف الانسان وتقدر سنويا ب : 80000 طن منبعثة جراء حرق الوقود الأحفوري
وبشكل آخر يمكن ان نقول : ان الانشطة الصناعية والزراعية للانسان قد ضاعفت من نسبة تواجد الزرنيخ في البيئة بعشرة الى عشرين ضعفا من النسبة التي كانت تتواجد طبيعيا
كما توجد نسبة ضئيلة جدا منه في جميع الكائنات البحرية لاسباب لا تزال لحد الساعة غير مؤكدة يرجح انها غالبا بسبب التلوث البيئي لكنها تظل نسبة كما قلت ضئيلة جدا لا تشكل خطرا مباشرا على صحة الانسان الا في حالة اذا كان الزرنيخ الذي امتصته اجسام الاسماك غير عضوي
كما تمتصه النباتات بسهولة وخاصة الأرز . وكنت قد قرأت منذ فترة عن اكتشاف العلماء لاحد الجينات النباتية قادر على الحد من التلوث الناجم عن امتصاص النبتة لمادة الزرنيخ من التربة او من مياه الري
لكن لحد الآن لا توجد نتائج تطبيقية لهذا الاكتشاف .
يوجد الزرنيخ كذلك بقدَر في الجسم البشري وله وظائف محددة من بينها انه يساعد على انتاج الهيموغلوبين الموجود في خلايا الدم الحمراء
وتقدر نسبة الحاجة اليومية للجسم البشري من مادة الزرنيخ ب : 0،01 ملغ باليوم
ويوجد كذلك بالهواء الذي نستنشقه ، لكن تعمل الامطار والتساقطات الثلجية على الخفض من نسبة تركيزه في الهواء
ومؤخرا أعلنت وكالة ناسا عن اكتشاف بحيرة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الامريكية – بحيرة مونو - تحوي نوعا من البكتيريا تعبش على مادة الزرنيخ السامة وتدمجها في حمضها النووي بدلا من الفسفور
اذ من المعروف ان كل الكائنات الحية على وجه الأرض تتكون من خلايا حية تعتمد في تكوين بنيتها الأساسية على مجموعة من العناصر من بينها : الكربون والفوسفور والنيتروجين . . . وما الى ذلك
ويعتمد الحمض النووري بالاساس على مادة الفوسفور كوحدة بناء رئيسية
الا ان هذه البكتيريا تفاجأ الباحثون انها قد استطاعت ان تضمن بقاءها في هذه البحيرة الغنية بالزرنيخ بل وتتعايش مع هذه المادة الاكثر سمية على وجه الأرض وتستعيض في تكوين خلاياها بها ، عن مادة الفسفور
وهذا ما يمكن اعتباره ثورة وانقلابا جذريا في جميع المفاهيم المعروفة من قبل حول حقيقة عناصر الحياة ومكوناتها الاولى
استخدامات الزرنيخ تتمظهر في عدة مجالات غير الاستشفاء كما أشرت الى ذلك من قبل
حيث تدخل مركبات الزرنيخ في صناعة بعض انواع الزجاج ومواد حافظة للخشب وصناعة السبائك المعدنية و الاسلحة الكيماوية وكذا صناعة البطاريات وبعض الآلات الحديثة كطابعات الليزر واجهزة التصوير . . .
كما يدخل كذلك في صناعة بعض انواع المبيدات الحشرية وفي تركيبة اعلاف الدواجن والمواشي
وقديما كان الزرنيخ بستخدم في صناعة اللون الأخضر
ونظرا لارتفاع تكلفته ، ظل اللون الاخضر لفترة طويلة يعتبر لون الطبقة البورجوازية فقط وحكرا عليها
اذ كان يستخدم في طلاء الجدران والأبواب وكذا صباغة الأثواب
ولم يكن وقتها من مصدر آخر لاستخراج هذا اللون الا من مادة الزرنيخ
وهذا ما كان سببا في وفاة الامبراطور الفرنسي نابليون بونابرت في فرضية تعتبر من وجهة نظري اقرب الى الحقيقة من فرضية القتل
جل المصادر التاريخية تشير الى ان نابليون بونابرت قد توفي مسموما بمادة الزرنيخ ، وان ذلك كان بفعل بفاعل
لكن حسب معلومات شاهدتها على التلفاز في احد البرامج الوثائقية منذ فترة ، ان نابليون بونابرت توفي مسموما بمادة الزرنيخ جراء تعرضه الطويل للتعامل معها
فقد كان اللون الاخضر اللون المفضل لنابليون وكان يعشقه بشكل ظاهر حسب روايات المؤرخين ، واتخذه شعارا للامبراطورية الفرنسية آنذاك
وكان يحيط به في كل مكان ، سواء في صباغة الجدران او الملابس التي كان يرتديها . . . فكان ان تعرض للتسمم بالزرنيخ جراء عشقه الشديد للون الاخضر
وبعد وفاته واجراء التحليلات وجدت نسبة كبيرة جدا من مادة الزرنيخ في معظم اعضاء جسمه : شعر – أظافر . . .
مما يقوي فرضية تسممه جراء تعامله اليومي لمدة طويلة مع مادة الزرنيخ وينفي فرضية القتل العمد بسم الزرنيخ
وهذا ما يفسر كيف ان عددا من الرسامين اصيبوا في مراحل متاخرة من حياتهم باعراض تتطابق مع اعراض التسمم بالزرنيخ
مثل الرسام الفرنسي Claude Monet الذي اصيب بالعمى ، والرسام الهولندي المشهور Van Gogh الذي اصيب باضطرابات عصبية عنيفة ، وذلك بسبب تعاملهم مع الزرنيخ عند استخدام اللون الأخضر
وختاما لهذا الموضوع
كنت اود ان اجعل الخاتمة على شكل نصائح وارشادات للوقاية من الاصابة بتسمم الزرنيخ أو للحد من آثارها الجانبية
لكن ماذا أقول والتلوث قد طال جميع مجالات حياتنا ؟
فهل نتوقف عن التنفس واستنشاق الهواء الملوث ؟ ام نتوقف عن شرب الماء ؟ ام نمتنع عن الغذاء ؟ ام عن الصناعة وكافة الانشطة الملوثة ؟ . . .
فكل شئ حولنا ملوث ، ان لم يكن بالزرنيخ فبكل أصناف الملوثات المعروفة و غير المعروفة بعد
كل شئ من وجهة نظري يمكن السيطرة عليه بشكل من الأشكال
الا التلوث ، فانه يظل المعضلة الوحيدة التي لا علاج لها ، فلربما فات الأوان .
مصادر المعلومات اعلاه : http://www.lenntech.com/periodic/elements/as.htm
http://mendeleiev.cyberscol.qc.ca/ch...DThibault.html
http://www.futura-sciences.com/fr/ne...iologie_26431/
تعريب واعداد : سلاف فواخرجي
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)