الشاي الأخضر -أو "الأتاي" كما يحب
جل المغاربة أن يسموه فيما بينهم له مكانة خاصة، ليس فقط في موائد الأكل، وإنما أيضا
في دواوين الشعراء والأدباء، الذين أفرد كثير منهم لهذا المشروب العجيب قصائد شعرية وزجلا
ومتونا لم تترك صغيرة ولا كبيرة عنه إلا وأبرزتها، وهذه جولة في أهم ما قيل عن الشاي المغربي
كما فصلته دراسة للأستاذ عبد الحق المريني بعنوان "الشاي في الأدب المغربي"
قصة ظهور الشاي
يورد عبد الحق المريني عدة احتمالات حول كيفية اكتشاف الشاي منها أن أحد أباطرة الصين القدماء كان يغلي إبريقا من الماء تحت إحدى الأشجار وكانت فوهة الإبريق مفتوحة، وإذا ببعض
الأوراق تسقط في الإبريق وتفوح منه رائحة طيبة ويتغير لون الماء، وما إن تذوق الإمبراطور الصيني شيئا من هذا السائل حتى استطاب مذاقه فأوصى المقربين باستعمال هذه العملية حتى شاع في الصين شرب الشاي. وهناك من يشيع أن أحد الكهنة البوذيين في الهند هو من اكتشف هذه النبتة التي كان يستعملها كمنبه للبقاء أكبر وقت ممكن مستيقظا.
ويورد عبد الحق المريني اتفاق جل المؤرخين على أن المغرب عرف الشاي في القرن الثامن عشر، وبدأ انتشاره عبر المغرب في منتصف القرن التاسع عشر لما صار المغرب يتعاطى التجارة مع أوربا". وهكذا يبدو أن دخول الشاي إلى المغرب كان في عصر السلطان المولى إسماعيل حيث تلقى أبو النصر إسماعيل أكياسا من السكر والشاي ضمن مجموع الهدايا المقدمة من قبل المبعوثين الأوربيين للسلطان العلوي تمهيدا لإطلاق سراح الأسرى الأوربيين مما يدل على ندرته في البلاد المغربية
واحتل الشاي منذ بداية القرن العشرين مكانة متميزة في وسط الأسرة المغربية، وأصبح له طقوس وعادات، وظهرت في وسط الصناع حرفة جديدة أبدع أصحابها في صنع أدوات
التصق الشاي بحياة الشعب المغربي وفرضت جلساته حضورها الدائم في وسط مختلف طبقاتهم، وقد تغنى بهذه الجلسات الشعراء والناظمون والزجالون.
الشاي في الأدب المغربي
لقد تميز الأدباء المغاربة بنظم الأراجيز والمتون النثرية والمنظومة
في مختلف الفنون والعلوم
ولعل الرغبة في تسهيل عملية الحفظ والمذاكرة للطلبة أهم دوافع ذلك
إضافة إلي حفظ الذاكرة التراثية.
ويعد الشاي المغربي موضوعا
استفاضت فيه عدة متون لعل أبرزها أرجوزة الأديب
الفاسي والشاعر المغمور "عبد السلام الأزموري" بعنوان
"الرائقة العذبة المستملحة الفائقة"
التي يحكي فيها عن طرق تهيئ الشاي المغربي ولوازمه وأفضل
مجالسه وأوقاته وغيره..
وقد قام بشرح هذه الأرجوزة العلامة المكي البطاوري تحت
عنوان "شرح الأرجوزة الفائقة المستعذبة الرائقة فيما يحتاج الأتاي إليه ويتوقف شربه وإقامته عليه" هذه الأخيرة أيضا لا تخلو من نوادر
طريفة وأخبار أدبية وفوائد تاريخية
ويستهل البطاوري الأرجوزة بقوله:
الحمد لله الذي أطعمنا *** من كل مطعوم به أكرمنا
وبعد أن حمد الله مرة ثانية على نعمة الماء الصافي كالغمم الصيب
استطرد قائلا:
مثل الأتاي "اللندريزي" الجيد *** صفرته مثل مذاب العجسد
إشارة منه إلى مصدره وهي العاصمة البريطانية لندن التي كان يسميها المغاربة آنذاك "لندريز" .
اشرب الشاي .. يتطاير الهم والسقم ثم تعرض البطاوري لذكر منافع الشاي عند شربه كتطاير الهم عن النفس وانشراح الصدر وجلب الفرح والسرور:
إن صب في كاساته مذهبة *** على صفا صينية ملتهبة تطاير الهم لديها وانشرح *** صدر الذي يشربه من الفرح
وقد قدم الشاعر سليمان الحوات الشفشاوني في بضعة أبيات شعرية نصيحة
الإدمان على الشاي لما فيه من المنافع الصحية لكل سقم من الإسقام منها:
وكونوا عليه مدمنين لأنه *** شفاء النفوس إن عراها سقام
إلى أن يقول:
ويكسو الوجوه حمرة في نعومة *** كأن بها وردا سقاه غمام
مواقع النشر (المفضلة)