التقوى : أن تجعل بينك وبين ما يغضب الله تعالى وقاية ، ولا يكون ذلك إلا بامتثالِ الأوامرِ واجتناب النواهي ، أن يراك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه في معنى قوله تعالى
وقد سأل عمر رضي الله عنه أُبَي بن كعب فقال له : ما التقوى؟ فقال أُبَي : يا أمير المؤمنين لو سلكت وادٍ ذا شوكٍ كثيرٍ ماذا تصنع ؟ قال: أُشَمِّرُ عن ثيابي وأحْتَرِزُ ، أي أحترزُ مخافة أن يصيبني الشوك. فقال أُبَي بن كعب: ذاك التقوى فهي تشمير في طاعة الله واحتراز من معصيته .
تنبيه : حقيقة التقوى أن تخلي الذنوب كلها صغيرها وكبيرها ، وإياك ومحقرات الذنوب .
أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في سُنَّتِهِ المُشَرَّفَة أن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه كما في الحديث الآتي :
حديث سهل بن سعدرضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
والحديث دليلٌ أوفى على التحذيرِ من صغائر الذنوب فإنها إذا اجتمعت على الإنسان ولن تكفَّرْ تُهْلِكُه .
قال المناوي رحمه الله في فيض القدير :
( إياكم ومحقرات الذنوب )
أي صغائرها لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدّية إلى تحري كبارها قال الغزالي :
صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة اهـ . وإن اللّه يعذب من شاء على الصغير ويغفر لمن شاء الكبير
ثم إنه ضرب لذلك مثلاً زيادة في التوضيح فقال :
( فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه )
يعني أن الصغائر إذا اجتمعت ولم تُكَفَّرْ أهلكت ولم يذكر الكبائر لندرة وقوعها من الصدر الأول وشدة تحرزهم عنها فأنذرهم مما قد لا يكترثون به .
علاقة التقوى بالعلم :
بين التقوى والعلم علاقةٌ قوية وارتباطٌ وثيق،فالتقوى لا تقوم إلا على ساق العلم، فالجاهل لا يمكن أن يكون تقيا، لأنه لا يعلم ما يتقى وما لا يتقى، وهذا غاية التخليط.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:وأصل التقوى: أن يعلم العبد ما يتقى ثم يتقى.
ثم إن التقوى قرينة العلم في كتاب الله تعالى ، قال تعالى:
التقوى شأنها عظيم، ونفعها عميم، لها فضائل لا تحصى، وثمراتٌ لا تعد ، ولها أهمية كبرى، وثمرات جليلة، وفضائل عظيمة، وأسرار بديعة ، وهي طريق النجاة، وسلم الوصول، ومنهاجُ القاصدين ، ومطية الصالحين في سيرهم إلى رب العالمين ، وهاك غَيْضٌ من فيض ونقطةٌ من بحر مما ورد في فضائل التقوى :
والآيةُ دليلٌ أوفى على أن التقوى من أسباب نيل حب الله تعالى ، ووالله الذي لا إله غيرُه لو لم يكن للتوبة من الفضائل إلا نيل حب الله تعالى لكفى بذلك فضلاً وكفى بذلك فوزاً عظيما ، لأن نيلَ حب الله تعالى
«هو منتهى أملُ العبد وأقصى غايته وغايةُ النهاية »
«وأنت إذا نِلت حبَ الله تعالى فقد فُزْتَ بمعيةِ الله تعالى ، ومن كان معه الله فمن عليه؟ ، وكانت جوارحك معصومةً من الزلل ومُوَفَقَةٌ لصالح العمل ، وأحبك أهل السماء وكنت مقبولاً بين الناس في الأرض»
«إذا نِلت حب الله تعالى وفقك الله لفعلِ المأمور وترك المحظور وأن تتذكر البعث والنشور »
«إذا نِلت حب الله تعالى جعلك تخشى الرحمن وتمثل القرآن وعصمك من العصيان والخذلان واستحواذ الشيطان »
« إذا نِلت حب الله تعالى وفقك لحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وأن تذكر الموت والبلى فتستحي من الله حق الحياء »
بفضل الله تعالى ، وتأمل في الحديثين الآتيين بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيهما واجعل لهما من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيهما من غرر الفوائد ، ودرر الفرائد.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
قال ابن القيم رحمه الله :ولو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه؛ فلمحبته لتوبة عبده ابتلاه بالذنب الذي يوجب وقوع محبوبه من التوبة وزيادة محبته لعبده؛ فإن للتائبين عنده محبة خاصة.
(5) التوفيق للعلم :لقوله تعالى:
فيعلمكم الحلال والحرام ومصالحكم وحفظ أموالكم وما أمركم وما نهاكم عنه ويعلمكم كل ما تحتاجون إليه ، ومن أسباب نقصان العلم و نقص الحفظ وذهاب المسائل وعدم انفتاح النفس للعلم وعدم الحماسة للعلم؛ المعاصي فهي تصد النفس عن العلم. ومن أسباب تحصيل العلم وانفتاح الذهن والقلب والحماس له؛ التقوى.
(6) الهداية للصواب والتفريق بين الحق والباطل: لقوله تعالى:
فما منا من أحدٍ إلا منتهى أمله وأقصى غايتة وغاية النهاية أن يتقبل الله عمله وأن لا يكون في جملة من قال الله تعالى فيه :
(وَقَدِمْنَآ إِلَىَ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مّنثُوراً) [الفرقان : 23][*]وكان بعض السلف يقول:لو أعلم أن الله تقبّل مني سجدة واحدة لتمنّيت الموت لأن الله يقول
{ إنما يتقبل الله من المتقين}.
(11) التقوى سبب للنجاةمن عذاب الدنياوالآخرة : قال تعالى:
مواقع النشر (المفضلة)