في الشك
يُقَالُ : شَكَكْتُ فِي الأَمْرِ ، وَارْتَبْتُ فِيهِ ، وَاسْتَرَبْتُ ، وَتَرَيَّبْتُ ، وَامْتَرَيْتُ ، وَتَمَارَيْتُ ، وَخَامَرَنِي فِيك شَكٌّ ، وَدَاخَلَنِي فِيهِ رَيْب وَتَنَازَعَتْنِي فِيهِ الشُّكُوكُ ، وَتَجَاذَبَتْنِي فِيهِ الظُّنُونُ ، وَحَكَّ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْء ، وحاك , وَاحْتَكَّ ، وَتَخَالَجَ فِي صَدْرِي مِنْهُ أَشْيَاءُ .
وَيُقَالُ تَخَالَجَ هَذَا الشَّيْء فِي صَدْرِي ، وَاخْتَلَجَ ، إِذَا نَازَعَك فِيهِ ، وَقَدْ رَابَنِي الأَمْرُ ، وَأَرَابَنِي ، وَرَابَنِي فِيك شَكّ ، وَهُوَ أَمْرٌ مُرِيبٌ ، وَفُلانٌ مِنْ هَذَا الأَمْرِ فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ، وَهُوَ فِي لَيْلٍ مِنْ الشَّكِّ مُظْلِم .
وَفِي الْمَثَلِ : كَفَى بِالشَّكِّ جَهْلا .
وَتَقُولُ قَدْ تَرَدَّدْتُ فِي صِحَّةِ هَذَا الأَمْرِ ، وَتَوَقَّفْتُ ، وَتَثَبَّتُّ ، وَهَذَا أَمْر لَسْتُ مِنْهُ عَلَى يَقِينٍ ، وَأَمْر لا أُثْبِتُهُ ، وَلا أَحُقّه
وَلا أُوقِنُهُ ، وَلا أَقْطَعُ بِهِ ، وَلا أَجْزِمُ بِوُقُوعِهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي ، وَلَمْ تَتَحَقَّقْ لِي صِحَّته ، وَقَدْ شَكَكْتُ فِيهِ بَعْض الشَّكِّ وَعِنْدِي فِي هَذَا كُلّ الشَّكِّ ،وَهَذَا أَمْر لا يُطْمَأَنُّ إِلَيْهِ بِثِقَة ، وَلا تُنَاطُ بِهِ ثِقَة ، وَلا يُخْلَدُ إِلَيْهِ بِيَقِين ، وَإِنِّي لَعَلَى مِرْيَة مِنْهُ وَعَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْهُ ، وَعَلَى غَيْرِ يَقِين .
وَيُقَالُ : فُلانٌ يُؤَامِرُ نَفْسَيْهِ إِذَا اتَّجَهَ لَهُ فِي الأَمْرِ رَأْيَانِ .
وَرَأَيْتُ فُلانا فَجَعَلَتْ عَيْنِي تَعْجُمُهُ إِذَا شَكَكْتَ فِي مَعْرِفَتِهِ كَأَنَّك تَعْرِفُهُ وَلا تُثْبِتُهُ .
في اليقين :
وَيُقَالُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ : قَدْ أَيْقَنْتُ الأَمْر ، وَتَيَقَّنْتُهُ ، وَاسْتَيْقَنْتُهُ ، وَحَقَّقْتُهُ ، وَتَحَقَّقْتُهُ ، وَأَثْبَتُّهُ ، وَعَلِمْتُهُ يَقِينًا ، وَعَلِمْتُهُ عِلْم الْيَقِين ، وَهُوَ أَمْرٌ لا شَكَّ فِيهِ ، وَلا مِرْيَةَ ، وَلا اِمْتِرَاءَ ، وَلا يَعْتَرِينِي فِيهِ شَكّ ، وَلا تَعْتَرِضُنِي فِيهِ شُبْهَة ، وَأَمْر لا ظِلَّ عَلَيْهِ لِلرَّيْبِ ، وَلا غُبَارَ عَلَيْهِ لِلشَّكِّ ، وَهُوَ أَمْرٌ بَعِيدٌ عَنْ مُعْتَرَكِ الظُّنُونِ ، وَهُوَ بِنَجْوَةٍ عَنْ الشَّكِّ، وَبِمَعْزِلٍ عَنْ الشَّكِّ ، وَقَدْ تَجَافَى عَنْ مَوَاطِنِ الرَّيْبِ ، وَخَرَجَ مِنْ سُتْرَة الرَّيْب إِلَى صَحْن الْيَقِين .
وَتَقُولُ : قَدْ اِنْجَلَى الشَّكُّ ، وَانْتَفَى الرَّيْب ، وَنَسَخَ الْيَقِين آيَة الشَّكّ ، وَانْجَلَتْ ظُلُمَاتُ الشُّكُوكِ ، وَانْحَسَرَ لِثَام الشُّبُهَات وَأَسْفَرَ وَجْه الْيَقِينِ ، وَأَشْرَقَ نُورُ الْيَقِينِ ، وَلاحَتْ غُرَّة الْيَقِين ، وَظَهَرَ صُبْح الْيَقِين .
وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى جَلِيَّةِ الأَمْرِ ، وَاطَّلَعْتُ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَأَنَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ هَذَا الأَمْرِ ، وَأَنَا مِنْهُ عَلَى يَقِينٍ جَازِمٍ ، وَقَدْ عَلِمْتُهُ عَنْ يَقِين عِيَان .
وَهَذَا أَمْر لا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ إِلا كَذَا ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَاتِ الْوَاضِحَةِ ، وَالْحُجَجِ الدَّامِغَةِ، وَثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْمَقْنَعِ، وَشَهِدَتْ بِصِحَّتِهِ التَّجْرِبَة ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الْوِجْدَانِ، وَأَيَّدَهُ شَاهِدَا الْعَقْل وَالنَّقْل ، وَتَنَاصَرَتْ عَلَيْهِ أَدِلَّة الطَّبْعِ وَالسَّمْعِ .
فصل فِي الظَّنِّ:
يُقَالُ : أَظُنُّ الأَمْر كَذَا ، وَأَحْسَبُهُ ، وَأَعُدُّهُ ، وَإِخَاله، وَأَحْجُوهُ ، وَهُوَ كَذَا فِي ظَنِّي ، وَفِي حِسْبَانِي ، وَفِي حَدْسِي
وَفِي تَخْمِينِي ، وَفِي تَقْدِيرِي ، وَفِيمَا أَظُنُّ ، وَفِيمَا أُرَى، وَفِيمَا يَظْهَرُ لِي ، وَفِيمَا يَلُوحُ لِي .
وَأَنَا أَتَخَيَّلُ فِي الأَمْرِ كَذَا ، وَأَتَوَسَّم فِيهِ كَذَا ،وَيُخَيَّل لِي أَنَّهُ كَذَا وَيُخَيَّلُ إِلَيَّ ، وَقَدْ صُوِّرَ لِي أَنَّهُ كَذَا ، وَتَرَاءَى لِي أَنَّهُ كَذَا وَتَمَثَّلَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ كَذَا ، وَقَامَ فِي نَفْسِي ، وَفِي اِعْتِقَادِي ، وَفِي ذِهْنِي ، وَوَقَعَ فِي خَلَدِي، وَسَبَقَ إِلَى ظَنِّي ، وَإِلَى وَهْمِي وَإِلَى نَفْسِي ، وَأُشْرِبُ حِسِّي أَنَّهُ كَذَا ، وَنَبَّأَنِي حَدْسِي أَنَّهُ كَذَا ، وَأَقْرَب فِي نَفْسِي أَنْ يَكُونَ الأَمْر كَذَا ، وَأَوْقَعُ فِي ظَنِّي أَنْ يَكُونَ كَذَا .
وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الأَمْرِ ، وَالْغَالِب فِي الظَّنِّ ، وَالرَّاجِح فِي الرَّأْيِ ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ فِي هَذَا الأَمْرِ ، وَأَمْثَلُهُمَا وَأَشْبَهُهُمَا ، وَأَشْكَلُهُمَا ، وَهَذَا أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ ، وَأَرْجَحُهُمَا ، وَأَدْنَاهُمَا مِنْ الصَّوَابِ ، وَأَبْعَدُهُمَا مِنْ الرَّيْبِ ، وَأَسْلَمُهُمَا مِنْ الْقَدْحِ.
وَتَقُولُ : فُلان يَقُولُ فِي الأُمُورِ بِالظَّنِّ ، وَيَقُولُ بِالْحَدْسِ ، وَيَقْذِفُ بِالْغَيْبِ ، وَيَرْجُمُ بِالظُّنُونِ ، وَقَالَ ذَلِكَ رَجْماً بِالظَّنِّ ، وَإِنَّمَا هُوَ يَتَخَرَّصُ ، وَيَتَكَهَّنُ ، وَقَدْ تَظَنَّى فُلان فِي الأَمْرِ ، وَأَخَذَ فِيهِ بِالظَّنِّ ، وَضَرَبَ فِي أَوْدِيَةِ الْحَدْسِ ، أَخَذَ فِي شِعَاب الرَّجْم .
وَهَذَا أَمْر لا يَخْرُجُ عَنْ حَدّ الْمَظْنُونَات ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الظَّنِّيَّات ، وَمِنْ الْحَدْسِيَّات ،وَإِنَّمَا هَذَا حَدِيث مُرَجَّم.
وَتَقُولُ : كَأَنِّي بِزَيْدٍ فَاعِلٌ كَذَا، وَظَنِّي أَنَّهُ يَفْعَلُ كَذَا ، وَأَكْبَر ظَنِّي ، وَأَقْرَب الظَّنّ أَنَّهُ يَفْعَلُ كَذَا ، وَلَعَلَّ الأَمْرَ كَذَا ، وَلا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الأَمْر كَذَا ، وَأَحْرِ بِهِ أَنْ يَكُونَ كَذَا ، وَأَحْجِ بِهِ ، وَأَخْلِقْ بِهِ ، وَمَا أَحْرَاهُ أَنْ يَكُونَ كَذَا .
وَيُقَالُ : اِفْعَلْ ذَلِكَ عَلَى مَا خَيَّلَتْ أَيْ عَلَى مَا أَرَتْكَ نَفْسك وَشَبَّهَتْ وَأَوْهَمَتْ .
وَفُلانٌ يَمْضِي عَلَى الْمُخَيَّلِ أَيْ عَلَى مَا خَيَّلَتْ .
وَسِرْتُ فِي طَرِيق كَذَا بِالسَّمْتِ أَيْ بِالْحَدْسِ وَالظَّنِّ .
وَيُقَالُ : حَزَرَ الأَمْر ، وَخَرَصَهُ ، إِذَا قَدَّرَهُ بِالْحَدْسِ ، وَخَرَصَ الْخَارِص النَّخْل وَالْكَرْم إِذَا قَدَّرَ كَمْ عَلَيْهِ مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ ، وَالاسْم مِنْ ذَلِكَ الْخِرْص بِالْكَسْرِ يُقَالُ كَمْ خِرْص أَرْضك أَيْ مِقْدَار مَا خُرِصَ فِيهَا .
وَأَمَتَهُ مِثْل حَزَرَهُ يُقَالُ ائْمِتْ لِي هَذَا كَمْ هُوَ أَيْ احْزِرْهُ كَمْ هُوَ
وَتَقُولُ : كَمْ أَمْتُ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ بَلَد كَذَا أَيْ قَدْر مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُ . وَتَقُولُ فُلان صَادِق الظَّنّ ، صَادِق الْحَدْسِ ، صَادِق الْفِرَاسَة صَادِق الْقَسْمِ، وَإِنَّهُ لَيُصِيب بِظَنِّهِ شَاكِلَة الْيَقِين، وَيَرْمِي بِسَهْم الظَّنّ فِي كَبِد الْيَقِين ، وَإِنَّهُ لَيَظُنّ الظَّنّ فَلا يُخْطِئُ مَقَاتِل الْيَقِين ، وَإِنَّهُ لَرَجُل مُحَدَّث أَيْ صَادِق الْفِرَاسَة كَأَنَّهُ قَدْ حُدِّثَ بِمَا يَظُنُّهُ ، وَفُلان كَأَنَّمَا يَنْطِقُ عَنْ تَلْقِين الْغَيْب ، وَكَأَنَّمَا يُنَاجِيه هَاتِف الْغَيْبِ ، وَيُمْلِي عَلَيْهِ لِسَان الْغَيْب .
وَيُقَالُ : فُلان جَاسُوس الْقُلُوب إِذَا كَانَ حَاذِق الْفِرَاسَة ، وَإِنَّ لَهُ نَظْرَةً تَهْتِكُ حُجُب الضَّمِير ، وَتُصِيبُ مَقَاتِل الْغَيْب ، وَتَنْكَشِفُ لَهَا مُغَيَّبَات الصُّدُور ، وَيُقَالُ هَذِهِ فِرَاسَة ذَات بَصِيرَة أَيْ صَادِقَة .
وَتَقُولُ لِمَنْ أَخْبَرَ بِمَا فِي ضَمِيرِك : قَدْ أَصَبْتَ مَا فِي نَفْسِي ، وَوَافَقْتَ مَا فِي نَفْسِي ، وَلَمْ تَعْدُمَا فِي نَفْسِي ، وَكَأَنَّك كُنْت نَجِيَّ ضَمَائِرِي ، وَكَأَنَّك قَدْ خُضْت بَيْنَ جَوَانِحِي، وَكَأَنَّمَا شُقَّ لَك عَنْ قَلْبِي
وَتَقُولُ : فُلان فَاسِد الظُّنُونِ ، كَاذِب الْحَدْسِ ، كَثِير التَّخَيُّلاتِ ، وَقَدْ كَذَبَ ظَنّه فِي هَذَا الأَمْرِ ، وَأَخْطَأَتْ فِرَاسَته ، وَكَذَبَتْهُ ظُنُونه ، وَطَاشَ سَهْم ظُنُونه ، وَقَدْ أَبْعَدَ الْمَرْمَى ، وَرَمَى الْمَرْمَى الْقَصِيّ، وَهَذَا وَهْم بَاطِل ، وَخَيَال كَاذِب ، وَهَذَا أَمْر لا أَتَوَهَّمُهُ ، وَأَمْر يَبْعُدُ مِنْ الظَّنِّ ، وَيَبْعُدُ فِي نَفْسِي أَنْ يَكُونَ الأَمْر كَذَا ، وَهَذَا ضَرْب مِنْ الْخَرْصِ، وَمِنْ التَّخَرُّصِ ، وَهَذَا مِنْ فَاسِدِ الأَوْهَامِ ،وَمِنْ بَعِيدِ الْمَزَاعِمِ .
نجعة الرائد
لإبراهيم اليازجي
مواقع النشر (المفضلة)