تسونامي التغيرات المناخية يهدد الزراعة المصرية
قطاع الزراعة في مصر قطاع نشط يسهم بدور فعال في الاقتصاد المصري حيث يشارك بنسبة 20% من اجمالي الناتج المحلي ويستوعب مايزيد علي 30% من العمالة المصرية، وهو مع ذلك معرض لضربة من ضربات تسونامي التغيرات المناخية الذي يهدد بغرق الدلتا وندرة الموارد الطبيعية من أرض ومياه وانتشار الكثير من الامراض والاوبئة النباتية والحيوانية وتوسيع دائرة الفقر الريفي، من جانبنا استطلعنا آراء الخبراء حول هذه الآثار وكيفية التصدي لها، وكان لنا هذا التحقيق.
- العائد المحصولي
بداية تؤكد الدكتورة سامية المرصفاوي ـ رئيس وحدة بحوث الأرصاد الجوية الزراعية بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة ان قطاع الزراعة من أهم القطاعات التي سوف تتأثر بشدة بالتغيرات المناخية، وقد كانت مصر من أوائل الدول التي اهتمت بهذه القضية منذ سنة 1990 وحتي الان تم خلالها إجراء العديد من الدراسات التي تتعلق بتأثير التغيرات المناخية علي إنتاجية المحاصيل والتأثير علي الاستهلاك المائي والعائد المحصولي من وحدة المياه والتأثير الصافي علي عائد المزرعة.
وأشارت الي ان التغير المناخي سوف يؤثر علي الأراضي الزراعية في شمال الدلتا من حيث غرق جزء منها وارتفاع مستوي الماء الأرضي لحد كبير في جزء آخر بالإضافة الي تمليح جزء ثالث وهذا سوف يؤثر سلبا علي المساحة الكلية للرقعة الزراعية، لذا يجب سرعة المبادرة الي وضع برامج قومية لمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية علي جميع القطاعات ويأتي في مقدمتها القطاع الزراعي الذي يعد في حاجة الي طرق جديدة للتكيف مع هذه التأثيرات مثل اقامة بنوك التقاوي وتربية اصناف مقاومة للحرارة والجفاف والملوحة وتغير مواعيد الزراعة لسد الثغرات التي سوف تحدث نتيجة للتغير في المناخ وارتفاع درجة الحرارة وقصر فترة امتلاء الحبوب وبالتالي قصر عمر النباتات بهدف الوصول الي اأنسب موعد لاعطاء اعلي محصول وبالتالي تعويض النقص في المحصول الناتج عن التغير في المناخ جزئيا او كليا فضلا عن تعديل التركيب المحصولي لصالح محاصيل ذات ربح اعلي او تعديل الدورة الزراعية وغيرها من البدائل مع القيام بعمليات التقييم علي كل المستويات بما في ذلك استراتيجيات متخذي القرار وبالنسبة لتأثيرات التغيرات المناخية علي الموارد المائية فقد اكدت علي ضرورة تجنب زيادة او تقليل المساحة المنزرعة بالارز وقصب السكر والتي تستهلك كميات كبيرة من المياه وادخال محاصيل بديلة بهدف توفير المياه والتي يتوقع زيادة الطلب عليها مع الارتفاع المتوقع في درجة الحرارة بالاضافة الي اقامة وحدات او كيانات مؤسسية بحثية لدراسات التغيير في المناخ يعتبر نوعا من التكيف والايمان بقضية التغير المناخي.
- الآفات الحشرية
ومن جانبه اكد الدكتور ـ شاكر ابو المعاطي ـ الباحث بالمعمل المركزي ـ للمناخ ان التغيرات المناخية تلعب دورا كبيرا في معدلات وانتشار الاصابة بالآفات بجميع انواعها فمن المعروف ان لكل افة ظروفا معينة قد تسمح هذه الظروف بحدوث او عدم حدوث اصابة بهذه الآفة في وقت معين حيث انه من الممكن تفويت فرصة الاصابة وعدم إتمام دورة الحياة بسبب اي عنصر من عناصر المناخ فمثلا عدم وجود رطوبة بنسبة معينة أثناء انتشار جراثيم الفطر المسبب لمرض اللفحة المتأخرة علي البطاطس والطماطم وكذا الصدأ الاصفر في القمح لن يحدث اتماما لدورة الحياة، ومن هنا فإن العوامل الجوية هي العامل المحدد لقيام دورة حياة آفة معينة في وقت معين لذا يجب علينا ان ننتبه لهذا الجانب وما يترتب عليه من تأثيرات القطاعات المختلفة.
وأضاف ان تأثير درجة الحرارة علي الامراض النباتية يكون من خلال تأثيره علي كل من العائل النباتي والمسبب المرضي .
ومن خلال بعض الدراسات التي اجريت ان نباتات العائلة النجيلية كالقمح تصبح اكثر عرضة للإصابة بامراض الاصداء وذلك في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي هي محصلة التغيرات المناخية وعلي عكس ذلك يوجد بعض محاصيل الاعلاف تكون اكثر مقاومة للاصابات الفطرية في ظل ارتفاع معدلات درجات الحرارة وكذلك نمو الفطريات التي تسبب امراضا للنبات في درجات الحرارة المتوسطة. وفي المناطق المناخية المعتدلة التي تسود فيها مواسم ذات درجات حرارة متوسطة من المرجح ان تشهد فترات طويلة من درجات الحرارة المناسبة لنمو وتكاثر المسبب المرضي ويكون ذلك عندما تسود درجات حرارة مرتفعة في المناخ المعتدل او اذا كان المناخ حارا، واشارت بعض الدراسات الي ان استخدام نماذج التنبؤ بمرض الندوة المتأخرة في الطماطم والبطاطس ان الفطر المسبب للمرض يسبب الاصابة ويتكاثر بكثرة عند توفر او تعرضها لفترات من الرطوبة العالية ودرجات الحرارة مابين 7.21 الي 26.8 م5 حيث يمكن التكهن بما يحدث مستقبلا من خلال استخدام النماذج الزيادة في نمو المسبب المرضي وحدوث الاصابة خلال نظاقات من درجات الحرارة المحددة وبالتالي يمكن التعامل مع هذه الامراض بطرق سليمة وفي وقت محدد.
وأضاف أن الرطوبة ستؤثر علي كل من العائل النباتي والمسبب المرضي بطرق مختلفة، نجد أن المسببات المرضية لبعض الأمراض مثل جرب التفاح والندوة المتأخرة والعديد من مسببات أمراض الجذور تحدث اصابة للنبات عند توفر الرطوبة العالية فنجد أنه من خلال نماذج التنبؤ لهذه الأمراض يتبين لنا أن الرطوبة النسبية ودرجة بلل الورقة وتوافر الأمطار يكون ذلك في صالح المسبب المرضي. ومن جهة أخري تميل مسببات الأمراض الأخري مثل البياض الدقيقي إلي أن تنمو وتتكشف عند توفر رطوبة أقل (ولكن ليست منخفضة). تتوفر الظروف البيئية المناسبة للمسبب المرضي عند حدوث أمطار غزيرة ومتكررة حيث تكون متوقعة من قبل النماذج الخاصة بتغير المناخ. تتوقع بعض نماذج تغير المناخ ارتفاع تركيز بخار الماء في الغلاف الجوي عند ارتفاع درجات الحرارة. وهذا أيضا سيكون في صالح أو أن هذه الحالة مناسبة للمسبب المرضي وتزيد من تطور المرض.
وأكد أن الزيادة في مستوي ثاني أكسيد الكربون ستؤثر علي كل من العائل النباتي والمسبب المرضي بطرق عديدة. فقد لاحظ الباحثون ارتفاع معدلات نمو أوراق وسوق النباتات وذلك عند نمو النباتات تحت تركيزات عالية من co2 كما ينتج عنه كثافة العروش ارتفاع نسبة الرطوبة النسبية مما يوفر جو ملائما ومناسبا للمسبب المرضي.
وقد لوحظ علي بعض العوائل النباتية من خلال الدراسات التي أجريت أنه في حالة توفر ثاني أكسيد الكربون co2 بتركيزات عالية يمكن أن يزيد ذلك من مخلفات المحصول التي تكون مناسبة للمسببات المرضية حيث تقضي في هذه المخلفات فترة من دورة حياتها وقد ينتج عن ذلك أو يؤدي إلي توافر اللقاح بكميات كبيرة في بداية موسم النمو وبالتالي يحدث المرض بسرعة وبصورة وبائية. عند توافر تركيزات عالية من ثاني أكسيد الكربون يزداد انتاج الجراثيم الفطرية كما تحدث تغيرات فسيولوجية للعائل النباتي التي تزيد من مقاومته للممسببات المرضية. قد يتأثر نمو المسبب المرضي بتركيزات ثاني أكسيد الكربون العالية حيث يزيد انتاج الجراثيم الفطرية ومع ذلك فإن زيادة co2 يمكن أن تؤدي إلي حدوث تغيرات فسيولوجية للعائل النباتي التي تمكنه من مقاومة المسببات المرضية. ولقد اهتم بعض الباحثين بالعوامل المسببة للمرض التي قد تصيب المحاصيل نتيجة التغيرات المناخية، حيث تحدث بعض التبدلات الوظيفية والحيوية في النبات العائل من ناحية، كما أن تغير ثاني أكسيد الكربون يؤثر في وظائف التغذية للآفات الحشرية من جهة أخري ومن ثم تحدث تغييرات هامة في سلوك الحشرات نتيجة الدفء الحراري والتغيرات المناخية الأخري مما قد يؤدي إلي قصر دورة حياة الحشرات وتزايد أعداد تجمعاتها بسرعة كبيرة. رأي الباحثون أن زيادة معدلات النمو في النبات سواء السيقان أو الأوراق يتكون مع التركيزات العالية لثاني أكسيد الكربون وهذا النمو الزائد يعمل علي زيادة رطوبة الأوراق وتوافرها نتيجة النمو الزائد للنباتات وبالتالي يتوفر مهد جيد للمسببات المرضية.
- سياسة المقاومة
وفي حين أن التغيرات الفسيولوجية في العوائل النباتية قد تسفر عن زيادة مقاومتها للأمراض تحت ظروف تغير المناخ، إلا أن مقاومة العائل يمكن التغلب عليها بسرعة من قبل دورات المرض السريعة، مما يزيد ذلك من فرصة المسبب المرضي ليتغلب علي مقاومة العائل النباتي.
قد تتغير فعالية المبيدات الفطرية والبكتيرية مع زيادة ثاني أكسيد الكربون والرطوبة ودرجة الحرارة. عندما تتنبأ نماذج التغير المناخي بنزول الأمطار بغزارة، يقابل المزارعون صعوبة في الحفاظ علي بقايا المبيدات الفطرية متصلة علي النباتات (ثبات المبيد) فينتج عن ذلك المزيد من عمليات الرش من المبيدات وبالتالي يتحمل المزارعون زيادة التكاليف اللازمة لطلبات جديدة من المبيدات كما أن استخدام كميات كبيرة من المبيدات تؤثر بالسلب علي البيئة. هذه المبيدات نفسها يمكن أن تتأثر إيجابيا وذلك من خلال زيادة معدلات التمثيل الغذائي للنبات والتي تزيد من عملية امتصاص المبيدات الفطرية.
وفي النهاية يمكن القول بأن حركة الأمراض والحشرات التي تصيب النباتات وكذا الحيوان سوف تتأثرا تأثر كبيرا بالتغير في المناخ لذا تقوم البلاد بتخصيص موارد مالية كبيرة للحد من انتشار الحشرات والأمراض والسيطرة عليها مثل مرض انفلونزا الطيور والخنازير والحمي القلاعية والجراد وغيرها.
ولذلك تقوم الدول بأقلمة النباتات والحيوانات من خلال الدرسات والبحوث وجميع الأنشطة الأخري التي تحد وتمنع انتشار الأمراض والحشرات من خلال استخدام برامج الإنذار المبكر. هناك أدلة واضحة علي أن التغير في المناخ له تأثير علي كثافة وانتشار الأمراض سواء النباتية أو الحيوانية وذلك مثل المرض الذي يصيب الأغنام (اللسان الأزرق) حيث تحرك هذا المرض من المناطق الشمالية إلي المناطق المعتدلة في أوروبا ويرجع العلماء السبب الرئيسي في انتشار هذا المرض هو تغير المناخ. ومن الأمثلة علي ذلك الهجرة الكبيرة لدودة ورق القطن حيث زادت زيادة هائلة في المملكة المتحدة في الفترة من 1969 ـ 2004 وكانت هناك حالات تفشي في الحدود الشمالية في أوروبا وكذا البق الدقيقي في الشمال أيضا يرجع ذلك إلي الارتفاع في درجة الحرارة. ويوجد في مصر بعض النماذج لتأثير تغير المناخ علي الآفات حيث يلاحظ الآن تواجد حشرة صانعات الأنفاق علي الموالح طول العام دون توقف وكذا انتشار العناكب والمن وذباب الفاكهة وغيرهم من الأمثلة التي تبرهن علي أن سلوك الحشرات قد تغير في ظل ظروف تغير المناخ وقد أجريت بعض الدراسات في مصر علي تأثير تغير المناخ علي الأمراض حيث وجد هناك علاقة وطيدة بين تغير المناخ ووبائية هذه الأمراض مستقبلا. في الفترة الأخيرة حدث دخول بعض السلالات لمرض الصدأ الساق الأسود والأصفر في القمح إلي البلاد وهذه السلالات قد تطور من نفسها مما يهدد بحدوث وباء بهذا المرض لذا يجب عمل التدابير اللازمة لمجابهة هذه الأمراض وذلك من خلال البحوث والدراسات اللازمة وتوصيل نتائج البحوث لصانعي القرار.
تقبلوا تحياتى
د ربيع
يتبع
مواقع النشر (المفضلة)