الفصل السابع


الجزء الثاني




إن الدين إن أنكره العاقل فإنما ينكره لأسباب معقولة منها :

أن تكون عقيدته باطلة لا دليل لها من العقل

ومنها : أن يكون مصادما للعلم مانعا للناس معه

ومنها : أن يكون منافقا لمصلحة الإنسان غير مناسب لحياته

ومنها : أن تكون شريعته غير موافقة للوقت غير مناسبة لأحوال أهله .

والعاقل المنصف يشهد أن الإسلام برئ من هذه العيوب ،كما ثبت ذلك بشهادات العلماء من الأمريكيين والأوربيين التي أوردنا بعضها فيما تقدم من هذا الكتاب ، وذكرنا أكثرها في باب الشهادات من ( دلائل الإسلام ).
فمن رام أن يتدين بالدين الصحيح الصالح للدنيا والآخرة لم يجد مثل الإسلام ، ومن أراد أن يعيش
غير متدين بدين فإنه سيعيش شقيا قلقا من مصيره المحتوم.
ليس هناك مانع يمنع العقلاء من الدخول في الإسلام إلا أمر واحد وهو - تقييد الحرية - التي يرون
الحياة مع تقييدها معدومة الفائدة .

والباحث المنصف إذا بحث وجد الإسلام لا يقيد الحرية المحبوبة لدى العقل والطبع ، ولكنه يجعل لها حدودا تحفطها من الفوضى الوحشية والإباحة الهمجية .
إن الحرية بدون حدود ليست بحرية بل هي وحشية مفسدة للأخلاق مدمرة لخصائص الإنسانية.
وليس في الوجود حرية ليس لها حدود حتى عند الملحدين ، إن الملحدين لهم قوانين لا بد لهم من
الوقوف عند حدودها وإلا فسدت حياتهم ولم يكن لها نظام ، وغاية ما في الامر أن حدود الحرية تختلف بين المسلمين والملحدين.
والذي لا يمكن للعاقل أن ينكره هو ان الحرية النافعة هي أن يكون للإنسان الحق في أن يعمل ما لا يمنعه الدين أو العقل أو الطبع السليم.
أما إذا كان للإنسان أن يعمل كل ما تهواه نفسه وإن كان ممنوعا في الدين أو العقل أو الطبع السليم فهذه فوضى وحشية وشهوة بهيمية وليست بحرية إنسانية.

لهذا لم يكن من الحرية أن يقتل الإنسان نفسه أو ولده ، إن ذلك ممنوع عقلا وطبعا وشرعا ، ولم يكن من الحرية أن يرمي الإنسان ماله في البحر لأن ذلك ممنوع عقلا وطبعا وشرعا ، ولم يكن أن يترك المريض ليأكل ما يزيده مرضا ، غن ذلك ممنوع عقلا وطبعا وشرعا ، ولم يكن من الحرية أن
يترك أن يترك الولد الكاره للتعليم هائما في أودية الجهل والطيش ولا يؤذي الإنسان جيرانه وأصحابه لأن ذلك ممنوع عقلا وطبعا وشرعا ، ولم يكن من الحرية أن يغش البائع في بيعه والصانع في صنعته لان ذلك ممنوع شرعا وطبعا ، ولم يكن من الحرية أن يتهاون الموظف بوظيفته أو يأخذ الرشوة على عمله ، ولم يكن من الحرية أن يتهاجر الإنسان بالعمل القبيح المنافي للأدب والأخلاق .

فقد علم أن الإنسان حر ولكن في حدود الدين والعقل والطبع والأخلاق والفضيلة التي يمتاز بها الإنسان عن الحيوان الأبكم.
والإسلام الذي هو دين الأخلاق والفضيلة لا يمكنه أن يوافق على الفوضى الوحشية باسم الحرية
والحضارة لأن حرية الفوضى الوحشية أضرت بالملحدين من الشيوعيين الذين لا يدينون بدين ، فقد
ذكرنا في كاب لنا نشرته الصحف من شكوى - خروشوف - رئيس روسيا في فساد شباب روسيا بسبب ما هو غارق فيه من الشهوات الفاسدة الناتجة عن الحرية الوحشية.