كانت شيآن تحمل اسم تشانغآن، وهي عاصمة الصين في عهد أسرة تانغ (618-907م). كما هي بداية طريق الحرير المعروف. ونظرا الى ان الصين وبلاد العرب قد حافظتا على علاقات حسن الجوار بينهما، فقد كانت تشانغآن مقصد أعداد كبيرة من العرب الذين جاءوا للتجارة أو للاستيطان. ويضاف الى ذلك ان جماعة من أهل الشيعة الهاربين من اضطهاد الأمويين، وجماعة من المسلمين العرب العسكريين الذين عاونوا أسرة تانغ في الإطاحة بعصيان آن لو شان، قد استوطنوا هذه المدينة. وقد عرفنا من المصادر العربية ان إمبراطور الصين لي يوي من أسرة تانغ قد بنى مسجدا في المدينة سنة 762م، مما أتاح للجاليات العربية الإسلامية ان يمارسوا عاداتهم. ومع ان هذه الحادثة غير مذكورة في المصادر الصينية، إلا ان وقوعها مكن تماما حسب الأحوال آنذاك.
وفي شيآن اليوم بضعة عشر مسجدا وجامعا. ولكن جامع "هواجيويه" (التوعية) هو الأكبر من نوعه حجما. وقد سمي هذا الاسم لوقوعه في زقاق هواجيويه غربي برج الطبول بالمدينة وترى في الجامع أعداد كبيرة من الأنصاب الحجرية، ولكن تاريخ بنائه الوارد فيها متعدد. فقد صار من الصعوبة بمكان تمييز الصحيح من الخاطئ. وارجح الظن ان الأنصاب الخاصة بجامع هواجيويه قد التبست بمثيلاتها الخاصة بالجوامع الأخرى التي طواها الزمان، واختلطت اختلاط الحابل بالنابل بعد نقل أنصابها الى هذا الجامع اعتزازا بالآثار الإسلامية. ومن جراء ذلك صعب على المرء تمييز أنصاب جامع هواجيويه من أنصاب الجوامع البائدة مع مرور الأيام.
تقع محافظة توتغشين في المنطقة الجبلية الجنوبية بنينغشيا. ويمثل المسلمون فيها 80% من مجموع سكانها. ويتواجد اليوم فيها أكثر من ثلاثمائة مسجد، علما بأن جامع تونغشين الواقع في المركز المحافظة هو الأكبر والأقدم من نوعه. وقد بني هذا الجامع في زمن غير معروف. ويعتقد بأن تاريخه يرجع الى عهد أسرة تشينغ (1644-1911م) على وجه التقريب. وتفيدنا التدوينات التاريخية بأن منطقة نينغشيا قد شهدت انتفاضة مسلحة شارك فيها عشرات الآلاف من الثوريين المسلمين بتأثير من ثورة مملكة السلام السماوية (1853-1864م). وكان جامع توتغشين مقرا لقيادة الثوريين المسلمين بزعامة يانغ شنغ شيانغ، على خط النار. وقد انهدم الجامع بحرائق متعمدة على أيدي القوات المسلحة الحكومية بعد احتلالها مدينة تونغشين سنة 1865م. وبعد أربعين من ذلك قام المسلمون هناك بإعادة بنائه اعتمادا على تبرعاتهم، الأمر الذي جعله يحتفظ بملامحه الأصلية المبدئية. ولكن زخارفه الجديدة اقل روعة من زخارفه الأصلية.
ينتصب الجامع على مصطبة يبلغ ارتفاعها سبعة أمتار، وهي مكسوة بالطوب الأزرق الضارب الى السمرة. ويبدو الجامع في منتهى المهابة والروعة لارتفاع موقعه. وتفتح بوابته الى الغرب. وقبالته حاجر زخرفي من الطوب، نقش عليه رسم جميل تحت عنوان "القمر بين أشجار الصنوبر والسرو" وعلى جانبيه عبارتان متوازيتان، إحداهما في تسبيح الله، والثانية في الصلاة على نبيه المصطفى.
ومع ان جامع تونغشين أصغر حجما من سائر الجوامع في الصين، إلا أن زخارفها المعمارية لها سماتها الخاصة. فأنت ترى على جملون قاعة الصلاة اليساري مثلا نقوشا دقيقة وممتعة، تصور أدوات الكتابات الأربع (القلم والحبر والورق والمحبرة) وطقم الشاي وأزهار البرقوق وعود الصليب واللوطس وأشجار الصنوبر والسرو ودالية العنب وشجيرات البامبو ..الخ. أما أبواب قاعة الصلاة ونوافذها الخشبية فهي تسر الناظرين أيضا بما تزهو به من الزخارف الجميلة. من ذلك ان ستة عشر ضلعا من أبواب القاعة المخرمة مميزة بأربعة أنواع الشعريات، مما يجيز لنا القول بأن هذه الأبواب من روائع الصناعات الفنية الى جانب قيمتها الاستعمالية. وذلك يزيد من رونق القاعة الى حد كبير. ومع ان قاعة الصلاة عتيقة وبسيطة وخالية من الزخارف المبرقشة ، إلا ان حسن إضاءتها ونظافتها تشرح الصدور.
ولا يعتبر جامع تونغشين مجرد متعبد مفضل للعابدين، بل له قيمته الأثرية الثورية، إذ أعلن فيه عن تأسيس حكومة محافظة يوهاي الذاتية الحكم لقومية هوي سنة 1936 بمساعدة الجيش الحمر للعمال والفلاحين. وما ان تحررت هذه البقعة حتى أدرج الجامع في قائمة أهم الآثار المحمية. ونتيجة لذلك فقد صار في مأمن من التخريب، حتى في هوس "الثورة الثقافية". ومنذ تطبيق سياسة الانفتاح على الخارج في الصين استقبل جامع توتغشين عددا كبيرا من البعثات الإسلامية والأخوة المسلمين من مختلف البلدان، والذين عبروا عن سرورهم الشديد بنجاته من التخريب الجسيم بأعجوبة.
مواقع النشر (المفضلة)