السلام عليكم. إن الموضوع الذي سأكتبه طويل بعض الشيىء, و هو يتكلم عن الأتربة المستخدمة في زراعة الأسطح.

أولا, أبدأ كلامي بما يلي:

إن الأتربة التي تستخدم في الزراعة في الأوعية البلاستيكية أو الخشبية لا بد أن تسمح للهواء بإختراقها لتهوية جذور النباتات المزروعة فيها. فإذا كانت أجزاء التربة دقيقة أو صغيرة (و أعني بالأجزاء حجم حبات التراب) فإن ذلك يجعلها تصد الهواء بدلا من السماح له بإختراقها. لذلك ما علينا فعله عندئذن هو إضافة بعض المواد العضوية (كالبيتموس, أو نشارة الخشب, أو قشر الأرُز, إضافة إلى الأسمدة العضوية ..) مع التربة لكي نوسّع المسامات الموجودة بين أجزاء التربة.

و لو أنكم قرأتم مقالة "الزراعة من دون تربة" على موقع زراعة دوت نت, فإننا أوردنا هناك أنواع الأتربة (البيئات) التي يمكن إستخدامها للزراعة في الأوعية, و لكن الذي لم نقم بذكره هو تلك التفاصيل المتعلقة بكيفية تعبئة تلك الأتربة في الأوعية. أولا, بما أن الأوعية البلاسكيتية أو الخشبية لابد من وجود فتحة صغيرة أو أكثر في أسفلها تسمح للماء الزائد الخروج منها حتى لا يبقى في الوعاء و يخنق الجذور, فإن وجود تلك الفتحة يمكن أن تكون سببا لتسرّب التربة منها. لذلك لابد أن نجعل الطبقة السفلى من الوعاء مملوئة بمواد تمنع أو تحجز التربة في الوعاء (كالحصى الصغيرة). يمكن أيضا أن نستخدم شبك رفيع نضعه أسفل الوعاء يمنع خروج التربة من الوعاء.

كما أنه على المزارعين أن يكونوا أقل حرصا على مسألة الصرف عند إستخدام أوعية كبيرة و عميقة, و أن يكونوا بالمقابل شديدي الحرص على مسألة الصرف عند إستخدام أوعية غير عميقة. السبب ببساطة هو أن الاوعية الكبيرة الحجم مهما سقيناها فإنها ستسوعب المياه, أم الأوعية الصغيرة نسبيا تتشبع تربتها بالماء بسرعة, و إن لم تتوفر في التربة خاصية الصرف الجيد فنها ستُثقل بالمياه و تصاب جذور النباتات المزروعة فيها بالعفن. بالطبع, إن العفن يعني موت النبتة !!

و لتوضيح الأمور أكثر سأسرد عليكم حقائق علمية عن طريقة إنتقال المياه في التربة الموجودة في الأوعية. بداية لابد أن أقول أن هناك قوتان تجعلان الماء يتحرك داخل التربة - أولهما هي قوة الجاذبية, و آخرهما هو الفعل الشعري (capillary action) و الذي سأتكلم عنه بعد قليل. بالنسبة للعامل الأول في تحريك الماء - و هو قوة الجاذبية - فإننا لن نحتاج إلى شرح كثير, فقط أكتفي بالقول أن قوة إنجذاب الماء تكون كبيرة في القسم العلوي من الوعاء و تكون أعلى من تلك التي في أسفل الوعاء. أما الفعل الشعري, فهو العملية الناتجة عن قوة التماسك و الإلتصاق (cohision and adhision). في هذه الحالة, إن قوة الإلتصاق هي قدرة الماء على الإلتصاق بأشياء صلبة مثل حبات التراب أو جدار الأوعية البلاستيكية. أما التماسك فهو قوة الماء في الإلتصاق ببعضه البعض. و لهذا السبب إننا نرى الماء عادة على شكل قطرات. بعد هذه المقدمة نستطيع أن ندخل في الموضوع المراد بحثه.

داخل كل وعاء, هناك دائما طبقة من التربة (تدعى PWT - perched water table) تكون مشبعة بالماء. هذه الطبقة لا تجف, لكن يمكنها أن تتبخر أو يمكن للنبتة أن تستخدم الماء الموجود بها. يعود سبب ذلك إلى تساوي الفعل الشعري مع قوة الجاذبية. و لو ملئنا خمسة أوعية ذات أحجام مختلفة بالتربة فإننا سنكتشف أن الطبقة التي تكلمنا عنها آنفا موجودة على نفس الإرتفاع في كل وعاء. لذلك يمكننا أن نستنتج أن إستخدام الأوعية الكبيرة نسبيا أفضل من الأوعية الصغيرة, لان طبقة (PWT) تكون منخفضة و سيكون هناك مساحة تربة أكبر فوق هذه الطبقة.

إن مساحة التربة ذات الأجزاء الكبيرة تكون أكبر من مساحة التربة ذات الأجزاء الصغيرة و لو جئنا بنفس الوزن من كل منهما. و بالتالي, فإن التربة ذات الأجزاء الكبيرة تكون أقل قابلية لجذب المياه إليها و ذلك لأن قوة الإلتصاق (adhesion) التي تكلمنا عنها آنفا تكون ضعيفة. كما أن قوة الجاذبية للمياه تكون أكبر في التربة ذات الأجزاء الكبيرة من الفعل الشعري - لذلك فإن هذه التربة تعتبر جيدة الصرف, أو في بعض الأحيان كثيرة الصرف (بشكل زائد عن اللزوم). و لو خلطنا نوعا التربة معا, فإن ذلك سيجعل التربة مثالية الصرف لأن الأجزاء الصغير ستدخل بين الأجزاء الكبيرة, و هكذا سيزيد قوة الفعل الشعري, مما يعني أن التربة ستصبح قادرة على إمتصاص أو الإحتفاض بما هو ضروري من الماء و صرف الكمية الزائدة ... و خلافا لما يظنه البعض, إن الرمل لا يحسن من صرف التربة, بل إنه لا يأثر في هذا المجال لأن حباته متناسقة الشكل. وبما أن الماء و الهواء لا يستطيعان إحتلال نفس المساحة في نفس الوقت, إن الأمر يحتاج إلى إستخدام بيئات مختلفة عن الرمل لتحسين الصرف. إن البيئات التي تكون أشكال حباتها عشوائية تعتبر من المحسنات للصرف في التربة. و لتوضيح الامر أكثر, لو أخذنا مثلا مكعبات متجانسة من الحصى و رتبناها بشكل متناسق في وعاء مستطيل, و ملئنا الوعاء ماء, هل سيكون وضع الصرف مماثل للوعاء الذي ملئناه بالماء و وضعنا فيه الحصى بشكل عشوائي ؟؟

أيضا أود أن أشير إلى نقطة مهمة, و هي فترة إستخدام التربة. فالتربة أو البيئة التي نستخدمها في الزراعة في اللأوعية تظل صالحة للإستخدام ما دمنا نضيف إليها الأسمدة العضوية والبيتموس كل فترة, إلا أنها بعد سنتين أو أكثر لا تعود صالحة للزراعة, لذلك فإنه يستحسن إستبدالها بتربة جديدة دون إلحاق الضرر بجذور النباتات المزروعة.

بالنسبة إلى النباتات المزروعة في أوعية إن جذورها لا تتحمل الكثير من الحرارة كما يتحمل ساقها العلوي, لذلك يرجى لسكان المناطق الحارة أن يستخدموا أوعية ملونة لا تمتص أشعة الشمس (كاللون الأسود و غيره من الألوان).

الكلمة الاخيرة عن التربة هي أنه في حال إستخدام تربة الحقل في الزراعة في الأوعية يجب وضعها قبل في الفرن قبل إسنخدامها لعدة ساعات على درجة حرارة 300 مؤوية, و ذلك لكي نضمن قتل جميع البكتيريا و بذور الأعشاب الضارة. و بعد الإنتهاء من تسخين التربة تبرّد بواسطة المياه. تُضاف بعد ذلك الأسمدة العضوية و البيتموس. بعدها تصبح التربة جاهزة للزراعة.

هذا ما أحببت ان أطلعكم عليه بالنسبة لكيفية إستخدام التربة في الزراعة الأسطح ... أرجوا أن أكون أفدتكم, و أنا أنتظر منكم التعليقات أو الإضافات. وشكرا.