وفي تقديري أن التماس علة قصد الشمول لجميع أحوال الذكر اللساني في قوله :

(تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول)

أوقع في النفس وآدب في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - من ادعاء أن الإخفاء أدخل في الإخلاص وأقرب إلى حسن التفكر، على ما ذهب إليه الزمخشري والآلوسي(1) ومن حجل بقيدهم، إذ في ذلك من الظن السيئ وإساءة الأدب في حق المعصوم - صلى الله عليه وسلم -، المنزه عن كل شائبة شرك أو رياء ما فيه، وما يجب أن يترفع عن الوقوع فيه أي مسلم.
وفي مقابلة التضرع بالخيفة لطيفة يجب الالتفات إليها وهي أنه لما كان التضرع الذي هو في معنى التذلل يستلزم الخطاب بالصوت المرتفع في عادة العرب، كنى به عن رفع الصوت مرادا به معناه الأصلي والكنائي .. ثم قوبل بالخفية تارة وذلك في قوله تعالى:


(ادعوا ربكم تضرعا وخفية) (الأعراف/55)

حينما جهر الصحابة الكرام بالدعاء وفوق المقدار وأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بخفض الصوت قائلا لهم:
(إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا)،(2) وبالخيفة كما هنا تارة أخرى، فمقابلتها إذن بالتضرع طباق في معنيي اللفظتين الصريحين ومعنييهما الكناءين، فكأنه قيل تضرعا وإعلانا وخيفة وإسرارا، وفي ذلك من الشمول والا ستيعاب لجميع أحوال الإنسان، ومن التحذير من الغفلة ما لا يخفى.

(1) ينظر الكشاف 2/140 وروح المعاني9/223مجلد 6.
(2) رواه البخاري 6610 ،2992 ،6384،ومسلم 2704وأبو داود1526 ،1528والترمذي 3461وابن ماجة 3824 وأحمد 4/403 ،417 ،418.

يتبع