تابع ما قبله
- وحدات إنذار
وأكد الدكتور/ علاء عبد الرءوف ـ باحث بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي أن التغير في المناخ هو تغير متوقع في المناخ الاجمالي للكرة الأرضية نتيجة للانبعاث الغازي لغازات الصوبة وما ينتج عنه من احتباس حراري يؤدي إلي رفع درجة حرارة سطح الكرة الأرضية.
وأوضح أن التأثيرات السلبية لهذه التغيرات المناخية أحدث تغييرا في الانتاجية والموارد الطبيعية المتاحة من أرض ومياه. وفي ضوء ذلك فقد تم اعداد بعض التحضيرات لمواجهة التغييرات المناخية منها ضرورة التغيير من الأنشطة الزراعية وزيادة وعي المزارعين بذلك، وضرورة التكيف مع هذه التغيرات من خلال انتاج أصناف تستطيع تحمل موجات التغيرات المناخية. وقد رأينا كيف أثرت التغيرات المناخية علي انتاجية المحاصيل هذا العام مثل محصول الطماطم بالاضافة إلي كثير من محاصيل الخضر والفاكهة وهو ما أدي إلي ارتفاع أسعار تلك المحاصيل بصورة جنونية:
وقد حذر عبد الرءوف من نشاط الحشرات والآفات الحشرية التي تربطها بارتفاع الحرارة علاقة وطيدة مما يسهم في معدل انتشار الأمراض فمع تدفق الموجات المناخية وتذبذبها بين الارتفاع والانخفاض تتأقلم الحشرات وتتعايش طوال العام مثل حشرة صانعات الانفاق في الموالح.
التي باتت متوطنة طوال العام، فالحشرات كائنات حية مثل سائر الكائنات تتأثر بالعوامل الجوية مثل أي كائن آخر فقد تزيد من معدل تكاثرها أو تقلله حسب نوع الآفة، ومثل هذا التوطن الذي وجدناه لدي حشرة صانعات الأنفاق في الموالح نجده في حشرات المن وذبابة الفاكهة علي الموالح التي تصيب أكثر أنواع الفواكه والتي صارت أكثر تكيفا مع المناخ المصري المرتفع الحرارة فتأتي بسبعة أجيال في العام الواحد ومن المتوقع زيادتها الي 10 أجيال مع حلول عام 2050 وكل هذه الحشرات تسهم بلا شك في انخفضت الإنتاجية وزيادة معدل الفاقد الزراعي.
وأضاف أن المعمل المركزي للمناخ الزراعي قد بادر الي مواجهة هذه التغيرات من خلال سلسلة من الآليات والتطبيقات المختلفة للأرصاد الجوية الزراعية ومنها إنشاء وحدة للإنذار المبكر واستخدام النماذج الرياضية للتنبؤ بإنتاجية بالمحاصيل الزراعية وإنشاء وحدات بالإضافة للآفات والأمراض للمحاصيل الزراعية، فضلا عن الإنذار المبكر باستخدام النماذج العددية لتقلبات الجوية لقياس تأثيرها علي مواسم زراعة المحاصيل ومواعيدها حصارها وجنيها وعلي ظهور الآفات الزراعية وانتشارها كما أن لها تأثيرا علي مختلف المحاصيل الحقلية والأشجار المثمرة مثل الصقيع وموجات البرد والحر والجفاف والسيول أيضا.
وأكد الدكتور زكريا فؤاد الأستاذ المساعد بالشعبة الزراعية البيولوجية بالمركز القومي للبحوث أن التأثيرات الضارة لتغير المناخ علي مصر تتمثل في ارتفاع مستوي سطح البحر ونقص موارد المياه ونقص الإنتاج الزراعي وصعوبة زراعة بعض أنواع المحاصيل، بالإضافة إلي تأثر المقاصد السياحية وكذا الصحة والبنية التحتية، وبالتالي تأثر قطاعات الطاقة والصناعة والأمن والاقتصاد القومي.
ولعل أبرز تلك الآثار المدمرة للتغير المناخي يتركز في غرق الدلتا، فارتفاع مستوي سطح البحر سوف يغمر مساحة لا تقل عن 4.1 مليون فدان من أراضي الدلتا وهو ما يمثل 25% من الأراضي الزراعية المصرية التي تبلغ مساحتها 6 ملايين فدان، فالمخاطر التي تهدد الدلتا أكثر بكثير من الساحل الشمالي وذلك بسبب هبوط الدلتا من تلقاء نفسها من 1: 5 مليمترات في السنة وذلك بسبب التغيرات البيولوجية بالإضافة الي تعرضها للتأكل بسبب التيارات الملاية من البحر المتوسط.
وأضاف أن الزيادة السكانية وزيادة معدل الاستهلاك خاصة في قطاع الزراعة والصناعة زيادة في الضغط علي مصادر المياه، الذي سيطالها أثر كبير من التغيرات المناخية كحدوث تغير في كميات وأماكن سقوط الأمطار ومواسمها، وتشير بعض الدراسات الي احتمالية نقص تدفق المياه الي نهر النيل بمعدل قد يصل الي حوالي 60%.
- التكيف والزراعة
وشدد أن أي تغيير يطرأ علي تغير تركيز ثاني أكسيد الكربون، أو نسبة سقوط أشعة الشمس أو تغير كميات المياه، يؤثر علي إنتاجية النبات. وعلي ذلك، فأي تغير في المناخ، قد يؤدي إلي اضطراب العمليات الزراعية والإنتاجية.
فالأصناف والأنواع النباتية، تحتاج الي تغيير مواعيد الزراعة (تبكيرا)، حتي تتاح أطول فرصة للنمو في درجات حرارة معتدلة، أو زراعة الأصناف والأنواع التي كانت تجود في الجنوب واستخدامها للزراعة في المناطق الشمالية.
فقد يؤدي ارتفاع درجة الحرارة، الي زيادة احتياجات النبات للمياه حتي ينتج المحصول المطلوب، ومن المتوقع أن تصل هذه الزيادة الي 8% وهو رقم كبير. ونتيجة لذلك، يجب التعامل مع الواقع بإجراء مزيد من الدراسات علي الري بكميات مياه أقل من المعتاد، وهذا يتطلب أن تكون وسائل الري أكثر تطورا لإمكانية التحكم في كميات المياه، أما الري التقليدي بالغمر فسيؤدي إلي انحسار المساحة المنزرعة. الأمن الغذائي يشتمل علي، ليس فقط إنتاج الغذاء، ولكن أيضا وسائل نقله، والمسافات التي سيقطعها المنتج، وأثر تغير المناخ علي المناطق التي تبيع أو تصدر هذا المنتج الآن، وكذلك الآثار علي الأسعار والتجارة العالمية. كل هذه الأمور توجب النظر الي تغير المناخ والزراعة علي أنها منظومة عمل تمس جميع نواحي الحياة.
وهنا لا يجب إهمال دور الهندسة الوراثية والتربية لإنتاج أصناف جديدة تنتج جيدا بكميات مياه أقل، وتكون أكثر مقاومة للآفات وتكون أكثر كفاءة في امتصاص العناصر من التربة.
- الإنتاجية الفدانية
تناولت العديد من الدراسات قياس الآثار الاقتصادية المتوقعة للتغيرات المناخية علي إنتاجية عدد من المحاصيل الزراعية، من أهمها القمح والذرة والقطن في ثلاث مناطق اساسية في مصر. وقد تم استخدام نماذج مختلفة استنتجت ان مصر سوف تعاني من ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في منتصف القرن الحادي والعشرون. كما استنتجت الدراسات أن التغيرات المناخية سوف تؤدي مستقبلا إلي انعكاسات سلبية جوهرية علي الإنتاجية القومية لمحصولي القمح والذرة. بينما يتوقع أن ترتفع إنتاجية القطن مقارنة بالأحوال المناخية الحالية. وتشير الدراسات الي استفادة بعض المحاصيل الزراعية كالقطن والأرز والذرة والموز من الزيادة الحرارية. ولكنها ستتأثر سلبيا بزيادة معدلات البخر وزيادة ملوحة التربة والمياه، مما قد يؤدي إلي ارتفاع تكلفة الزراعة، كما أن استخدام المزيد من الأسمدة والمبيدات سيؤدي إلي زيادة تلوث المياه السطحية.
فبالنسبة إلي محصول الذرة فنتيجة للتغيرات المناخية تتوقع الدراسات أن يكون هناك نقص في محصول الذرة يصل الي 19%، الي جانب الزيادة المتوقعة في الاستهلاك المائي، أما بالنسبة إلي محصول القمح فنتيجة للتغيرات المناخية فتشير الدراسات أن يكون هناك تأثير سلبي لتغير في درجات الحرارة علي إنتاجية محصول القمح مستقبلا، حيث من المتوقع انخفاض الإنتاجية الفدانية للقمح بنحو 18 % خلال عام 2050، لذلك هناك حاجة الي زراعة أصناف من القمح تتحمل درجات الحرارة المرتفعة بالإضافة الي مقاومتها للجفاف. الي جانب التوسع في زراعة المحاصيل الشتوية الأخري مثل العدس والفول البلدي بالإضافة إلي زراعة القمح في الميعاد المناسب مع التوزيع الجيد لأصناف القمح علي المناطق الجغرافية من المحتمل أن يمنع الآثار السلبية المتوقعة أو علي الأقل يخفف تلك الآثار السلبية.
وتشير الدراسات إلي تأثير التغيرات المناخية علي خفض إنتاجية الكثير من المحاصيل الزراعية بنسب تتراوح بين 11% للأرز، و28% لفول الصويا بحلول عام 2050 مقارنة بإنتاجيتها تحت الظروف الحالية، في حين يؤدي التغير في درجات الحرارة إلي ارتفاع إنتاجية القطن، والتي من المتوقع أن تزيد إنتاجيته بحوالي 29% مقارنة بالوضع الحالي. في نفس الوقت يتوقع أن يزيد الأستهلاك المائي للمحاصيل الصيفية بنحو 8% للذرة، 16% للأرز بحلول عام 2050 مقارنة باحتياجاتها المائية الحالية.
وفي دراسة أخري للمخاطرة والتكيف مع التغيرات المناخية علي قطاع الزراعة في مصر (المرصفاوي. 2008) وبالتالي تأثيرها علي الإنتاجية الفدانية في منطقة دلتا الوادي القديم باستخدام عدد من النماذج والاحتمالات والمعادلات، فقد أوضحت نتائج الدراسة إلي زيادة الإحتياجات المائية للمحاصيل الرئيسية بمنطقة الدلتا فوق المعدلات الحالية بحلول عام 2050 حيث تزداد الاحتياجات المائية للذرة، القمح، الذرة الرفيعة، الشعير، الأرز، فول الصويا، عباد الشمس، الطماطم بمعدل 19%، 9%، 19%، 18%، 11%، 28%، 29%، 14% علي الترتيب.
وتستخلص إحدي الدراسات حول أثر المناخ علي إنتاج محاصيل الحبوب في مصر (نوفل 2009) إلي ان تأثير تغير المناخ علي مستوي توافر الحبوب الأساسية في مصر سوف يكون خطرا كبيرا بسبب الانخفاض المتوقع في مستويات الإنتاجية، إلي جانب الزيادات المتوقعة في عدد السكان، وقد أشارت الدراسة إلي انخفاض نسب الاكتفاء الذاتي لكل من الأرز والقمح والذرة الشامية إلي نحو 153%، 45،4 %، 80،7% علي التريب، هذا إذا ما ارتفعت درجة الحرارة علي الأرض من 2 ـ 3 درجات مئوية.
- محاصيل غير تقليدية
وأشار أن أحد الحلول المقترحة للحد من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية المستقبلية هو العمل علي ادخال محاصيل غير تقليدية في الزراعة المصرية وتنمية زراعتها ومن تلك المحاصيل كنموذج هام هو زراعة وأنتاج نبات الكسافا ويقع العبء الأكبر علي جهاز الإرشاد الزراعي في تبني وتوصيل فكرة إدخال تلك المحاصيل غير تقليدية في الزراعة المصرية وبيان فائدتها ويعتبر إنتاج المحاصيل البستانية والحقلية غير تقليدية من الأهمية بمكان لعدة أسباب منها أن محاصيل الخضر الغير تقليدية مثل الأسبرجس والطرطوفة والكسافا والفينوكيا والبروكولي وكرنب بروكسيل وكرنب أبوركبة وغيرها من محاصيل الخضر الغير تقليدية لها أهمية كبيرة من حيث أن محصول الأسبرجس من المحاصيل التي تتحمل الملوحة وتمكث في الأرض لأكثر من 15 عاما إنتاجيا وبذلك يمكن زراعته بنجاح في الأراضي الجديدة المستصلحة وهو محصول تصديري واعد.
ويعد محصول الطرطوفة من المحاصيل الهامة والتي يستخرج منها بعض المواد التي تستخدم في العمليات الصناعية، أما محصول الكسافا من المحاصيل التي يمكن زراعتها وإنتاج بعض المواد التي يمكن استخدامها في صناعة المخبوزات وبالتالي يقلل من الأعتماد الكلي علي محصول القمح، بالاضافة الي ذلك فيوجد هناك كثير من محاصيل الخضر غير التقليدية تحتوي علي مواد ضد التأكسد مما تستخدم في الوقاية من الأمراض التنكسية مثل السرطان علاوة علي أهميتها التصديرية للأسواق الخارجية.
وذكر فؤاد أن هناك العديد من المحاصيل الحقلية غير التقليدية لها أهميتها للاقتصاد الوطني سواء محليا أو للتصدير للأسواق الخارجية ومنها محصول الكانولا وهو نبات يستخرج منه نوع جيد من الزيت يمكن عن طريق زيادة المساحة المنزرعة منه خاصة بزراعة أصناف جديدة قادرة علي النمو وإعطاء محصول جيد خاصة في الأراضي الجديدة مما يقلل من الفجوة الزيتية الكبيرة الموجودة حاليا في مصر والتي يقدر نسبة الاكتفاء الذاتي من الزيوت حوالي 6% فقط.
أما محصول الأستيفيا وهو محصول سكري غير تقليدي ممكن من خلال نشر زراعته في الأراضي المصرية زيادة كمية السكر المنتجة حيث أن نسبة الحلاوة في هذا المحصول تبلغ أضعافا مضاعفة من محاصيل السكرية التقليدية كما أنه يستخدم نسبة قليلة من المياه بخلاف محصول قصب السكر، ليس هذا كل شيء حيث بوحد هناك العديد من محاصيل العلف غير التقليدية مثل علف الفيل والسورجم وحشيشة السودان وتؤدي زراعة مثل تلك المحاصيل تقليل كمية الأعلاف المستوردة وزيادة كمية الأعلاف المحلية مما يتيح انتاج لحوم بأسعار مناسبة وتقليل الفجوة الغذائية الموجودة حاليا.
وإذا انتقلنا إلي محاصيل الفاكهة فيوجد العديد من محاصيل الفاكهة غير التقليدية مثل الأناناس والكاكي والقشطة وغيرها والتي أثبتت التجارب المقامة بالمركز القومي للبحوث نجاح زراعتها خاصة بالأراضي الجديدة مما يتيح انتاجها وتصديرها في الاسواق الخارجية.
وبالنسبة لمحاصيل الزينة والمحاصيل الخشبية غير التقليدية فيوجد هناك العديد من محاصيل الزينة غير التقليدية والتي تزرع وتنمو بنجاح في الأراضي المصرية والتي يمكن زيادة مساحتها وزيادة جودتها مما يتيح تصديرها للأسواق الخارجية.
وهناك العديد من محاصيل الأشجار الخشبية والتي يمكن بزيادة المساحات المنزرعة منها تقليل حجم استيراد الأخشاب من الخارج والذي يكلف مبالغ طائلة سنويا مما يحسن من الاقتصاد القومي المصري.

تقبلوا تحياتى
د ربيع