قومية"خوى" :

قومية خوى قومية رئيسة وفاعلة ومؤثرة في الثقافة الصينية , وقد نشأت هذه القومية في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه , كما تشير أغلب المصادر , ويعتقد أن جذور هذه القومية أبعد من ذلك , حيث تكونت مع بداية التبادل التجاري بين العرب والفرس من جهة , والصين من جهة أخرى قبل ظهور الإسلام , حتى وإن لم تأخذ الاسم نفسه , وبعد ظهور الإسلام , وقدوم أعداد اكبر من التجار العرب والفرس المسلمين, واستقرار البعض منهم في الصين , بدأت تظهر صبغة خاصة لهذه القومية , فقد ترسخ اسمها ( خوى خوى ) , وقد يكون الاسم مأخوذ من الكلمة العربية ( إخوان إخوان ) أي إخوان مسلمون مع شيء من التصحيف . وبالرجوع إلى قواميس اللغة الصينية تبين أن لفظ كلمة ( خوى ) تحمل معان كثيرة منها كلمة : يعرف , وم ؤتمر , ويشرب , ويلتقي , ويمكن , واتفق , ويزور , ويفهم , ويدفع , ويلزم . كل هذه المعاني يمكن الاستدلال عليها بلفظ كلمة( خوى ) , غير أنها جميعها تختلف عن بعضها البعض في الكتابة , كما هو المعتاد في اللغة الصينية , التي يكثر فيها التطابق اللفظي , والتعرف على المدلول من السياق العام للجملة , مع تباين في الكتابة للدلالة على كل معنى على حدة . فالكتابة الصينية في أساسها تعتمد على الشكل للاستدلال على المعنى مستمدة ذلك مما يوجد في الطبيعة من مخلوقات , مثل أشكال الحيوانات , والأشجار , والمياه وغيرها , أما كتابة كلمة ( خوى ) الدالة على المعنى المقصود لقومية ( خوى ) فإنها ترسم بشكل مربع بترحال قومية خوى , وعودتهم أثناء قيامهم بالتجارة بين الصين من جهة , والعرب الفرس من جهة أخرى , عن طريق الحرير البري والبحري , أما بعض العلماء المسلمين في الصين فقد رأوا أن هذا الشكل الدال على معنى العودة والذي استخدم للدلالة على قومية ( خوى ) المسلمة إنما هو الشكل دال على مفهوم جملة ( إنا لله و إنا إليه راجعون ) , التي يكررها المسلمون في حياتهم اليومية , وهذه اجتهادات قد تكون صائبة أو تكون غير ذلك,إلا أنها ذات دلالات هامة لهذه القومية ,’ التي ظلت محتفظة بهويتها لمدة تقارب ألف وأربعمائة عام رغم انقطاعها عن التواصل مع العالم الخارجي لمدد غير يسيرة من الزمن. وتتميز قومية " خوى " عن سائر القوميات الأخرى بانتشارها في جميع مناطق الصين المختلفة ,فلا يوجد مدينة أو قرية , أو جبل أو سهل , إلا وفيها عدد من قومية " خوى " قل أو كثر.

والواقع أن لفظ كلمة " خوى " أصبح يطلق على المسلمين الصينيين , رغم أن بعض قومية " هان " قد اهتدى إلى الإسلام ,كما أن عددا قليلا من أبناء قومية " خوى " قد تخلى عن دينه لسبب أو لآخر.
وتتميز قومية " خوى " بامتناع أفرادها عن أكل لحم الخنزير, وقد يكون هذا الامتناع سببا رئيسيا في احتفاظها بهويتها عبر القرون المتعاقبة ,فالبعض منهم قد لا يعرف الشعائر الدينية الإسلامية , ومن ثم لا يمارسها , إلا انه يظل ممتنعا عن أكل لحم الخنزير بصورة قاطعة لا لبس فيها , ولهذا فإن زائر الصين سيجد في كل مدينة وقرية وناحية مطاعم إسلامية , لا يقدم فيها لحم الخنزير , مع وجود معظم الأطباق الصينية المختلفة.
وتتمتع قومية خوى بالحكم الذاتي في بعض المناطق والولايات والمحافظات , فهناك واحدة ذات حكم ذاتي , و ولايتين وثمان محافظات تتمتع بحكم ذاتي أيضا . ومنطقة " نينغشيا" ذات الحكم الذاتي لقومية " خوى " تبدو فيها المظاهر الإسلامية جلية , في كثرة المساجد , وثقافة الناس وتعاملهم . وقد أصبحت هذه المنطقة ذات حكم ذاتي في 25 أكتوبر عام 1985 وعاصمتها مدينة " ينتشوان" , وتعتبر إحدى المدن الصينية الثقافية المشهورة , وهي تقع على سفح جبل " خهلان" وتطل على النهر الأصفر , ويعود تاريخ هذه المدينة إلى عام 678 ميلادي وكانت تسمى محافظة " هواييون" , ثم تحول اسمها إلى " شينغتشو" عام 1020, وفي عام 1038 اتخذتها مملكة " شيشيا" عاصمة لها , وأطلقت عليها اسم " شينغتشنج" , واستمرت هذه العاصمة 189 سنة , ثم أصبحت مركزا سياسيا ل " لنشيا" في العهود اللاحقة , وعندما أقيمت مقاطعة " لينغشيا" عام 1929 تحول اسمها إلى اسم " نينغشيا" ثم تحول اسمها إلى "ينتشوان " عام 1949 . والواقع أن هذه المدينة تزخر بالآثار المرتبطة بالحقبة التي حكمت فيها مملكة " شيشيا" , وقد وفد إليها العرب والفرس حاملين معهم ثقافتهم , أثناء ترحالهم عبر طريق الحرير البري , واستوطن بعضهم هذه المدينة مكونين جزءا من قومية " خوى" , أما البعض الآخر من هذه القومية فقد وفد إلى الصين من عدة طرق , منمها طريق الحرير البحري , ولهذا فإن آثارهم في مناطق مثل " قوانغشو" , و" تشيوانتشو" , و " يانغشو" ,’ و " هانغتشو" مازالت عامرة , كما ان الإمبراطور " قبلاي خان" حفيذ " جنكيز خان" بعد أن غزا وسط آسيا وبلاد العرب والفرس , جلب عددا من أبناء تلك البلاد إلى الصين للمرابطة العسكرية , ولغرض الزراعة والري , وقد بقي معظم هؤلاء في الصين وتزوجوا مع قومية " هان" والقوميات الأخرى مضيفين حلقة أخرى من حلقات تشكيل قومية" خوى" المعروفة الآن , وقد امتزجت ثقافتهم بثقافة قومية " هان" , مما جعل أبناءها يهجرون لغاتهم الأصلية , ويستخدمون لغة " هان" , غير أن بعضا من رجال الدين المسلمين ظلوا عاجزين عن معرفة اللغة الصينية نطقا وكتابة , ولا سيما ما يخص النصوص الدينية , مما حدا بهم أن يستخدموا اللغة العربية لتدريس أبنائهم الذين لا يجيدون سوى اللغة الصينية , لهذا ظهر في الصين لغة عربية خاصة ليست سوى خليط من العربية والفارسية , وشيء من الصينية , وهي تختلف من مكان إلى آخر , متأثرة باللهجات المحلية السائدة في كل جهة من جهات الصين , وأصبح من العسير على بعض القاطنين في جهة , التفاهم مع الجهة الأخرى , وجرت العادة على تسميتها " اللغة الخاصة بالتعليم الإسلامي الصيني" , وهي تنقسم إلى نوعين يسمى أحدهما " جينغ تانغ يو" (اللغة الصينية المنطوقة الخاصة بالتعليم الإسلامي الصيني ) , والآخر " بشياو آر جينغ" ( اللغة الصينية المكتوبة الخاصة بالتعليم الإسلامي الصيني ) ولكن ترجمتها الحرفية تعني " كتب الأطفال المقدسة " وهي اللغة الصينية المكتوبة بالحروف الهجائية العربية الممزوجة بالمفردات الفارسية , وليس هناك تدوينات خاصة بتاريخ ظهورها, ويبدو أن هذه التسمية ترتبط بأبناء المسلمين الذين كانوا يدرسون الكتب الإسلامية العربية والفارسية, وكان هؤلاء الأطفال الناطقون باللغة الصينية الدارجة في الصين , والذين لا يحسنون الكتابة باللغة الصينية , يلجأون إلى كتابة بعض الألفاظ التي يجيدون نطقها باللغة الصينية بأحرف عربية , فكانوا كلما صادفوا كلمات أو عبارات صعبة الحفظ في مجرى قراءاتهم النصوص العربية أو الفارسية , قاموا بشرحها مستفيدين من الألفاظ الصينية المكتوبة بالحروف العربية , شانهم في ذلك شأن دارسي اللغات الأجنبية من لغتهم الأم في شرح الكلمات الجديدة عليهم, ولأن هؤلاء الأطفال كانا أول من اتخذ اللغة الصينية المهجاة بالحروف العربية , وسيلة مساعدة في دراستهم , فمن المنطق أن تنسب إليهم . أما كلمة " جينغ " في المصطلح " شياو آر جينغ" فتحمل معنى " الكتب المقدسة" , وهو تعبير خاص في الحضارة الصينية التقليدية . ومعروف أن كلمة كتاب في اللغة العربية يشار بها إلى كل أنواع الكتب , سواء كانت مقدسة أو غير مقدسة . لكن الصينيين من عادتهم أن يسموا الكتب المقدسة " جينغ" ويسموا الكتب العامة " شو" , وبعد دخول الإسلام إلى الصين اعتبر المسلمون الصينيون القرآن الكريم والحديث الشريف من قبيل" جينغ",واعتبروا سائر الكتب من قبيل " شو" متأثرين بالتقاليد الصينية. ولما تحولت اللغة العربية واللغة الفارسية إلى لغتين خاصتين بالدين في الصين , ومع مرور الزمن اختلط مدلول"جينغ" ومدلول" شو" بالتدريج لدى المسلمين الصينيين, حتى اعتبروا جميع الكتب العربية والفارسية من قبيل كتب "جينغ" سواء كانت مقدسة أو غير مقدسة,كما اعتبروا جميع كتب الصين من قبيل " شو" , وعليه فقد استمر هذا المسمى حتى وقتنا الحاضر. وعموما فقد لعبت هذه اللغة دورا كبيرا في نشر الإسلام في الصين , في وقت كان فيه كثير من الأئمة يجهلون اللغة الصينية , لكنها الآن أصبحت أثرا بعد عين بعد أن أصبح الأئمة الصينيون قادرين على قراءة الكتب الصينية وكتابتها.