أحداث خطيرة في أول عهد اليزيد

تُوُفِّي معاوية رضي الله عنه بدمشق في رجب سنة 60 هـ، وجُدِّدَت البيعة ليزيد بعد وفاة أبيه، ولم يَشِذّ عن ذلك إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، وسيكون لكل منهما مع يزيد شأن كما سنرى، أما بقية الصحابة فقد بايعوا ليزيد جمعًا للكلمة، وحفظًا لوحدة الأمة، وخوف الفتنة مثل: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر.
وفي عصر يزيد حدثت عدة أحداث خطيرة جعلت المسلمين ينظرون إليه نظرة اتهام، ولو لم يكن هو مخطئًا فيها، ومن ذلك خروج الحسين بن علي رضي الله عنهما على يزيد استجابةً لأهل الكوفة، رغم رفض مَن وُجِد من الصحابة لذلك؛ خوفًا من شق عصا المسلمين، ولكن الحسين أصرَّ، وكان ما كان من أمر تخلِّي أهل الكوفة عنه كما تخلوا عن أبيه من قبل، ثم قتاله بأهل بيته وأنصاره الذين لم يبلغوا الثمانين عددًا ضد قوات الوالي عبيد الله بن زياد بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص في كربلاء، ثم استشهاده رضي الله عنه، ومن معه من الرجال.
*يزيد يبكى الحسين ويكرم أهله
وقد نَدِمَ عبيدُ الله بن زياد على قتله الحسين، وبكى يزيد بن معاوية لمّا أتاه الخبر، وقال للرسول: كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سمية (عبيد الله بن زياد)، أَمَا واللهِ لو أني صاحبُه لعفوت عنه، ورَحِمَ اللهُ الحسين. ثم أكرم يزيد بن معاوية نساء الحسين وأهله، وأدخلهنَّ على نساء آل معاوية وهُنَّ يبكين ويَنُحْنَ على الحسين وأهله، واستمر ذلك ثلاثة أيام، ثم أرسل يزيد بن معاوية إليهن يسأل كل امرأة عما أُخِذَ منها؟ فليس منهنَّ امرأةٌ تدَّعي شيئًا بالغًا ما بلغ إلا أضعفه لها.
ثم أمر يزيد بن معاوية النعمان بن بشير أن يبعث معهنَّ رجلاً أمينًا معه رجال وخيل يصحبهن أثناء السفر إلى المدينة.
وعندما ودعهن يزيد قال لعلي بن الحسين (علي الأصغر): قبَّح الله ابن سمية، أما والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة إلا أعطيته إياها، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، ولكنَّ الله قضى ما رأيت. ثم جهَّزه وأعطاه مالاً كثيرًا، وكساهم وأوصى بهم ذلك الرسول، وقال لعلي: كاتِبْنِي بكل حاجة تكون لك.
*الحرة بالمدينة، وحصار الكعبة بالمجانيق
كانت حادثة كربلاء الشرارة التي أشعلت الحرب، كما تركت آثارًا سياسية خطيرة في العالم الإسلامي، فعندما وصل خبر مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما إلى الحجاز أعلن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما خلع يزيد، وبدأ يأخذ البيعة لنفسه من الناس في مكة، وكان ذلك سببًا في عزل عمرو بن سعيد بن العاص عن الحجاز، وتولية الوليد بن عتبة بن أبي سفيان مكانه، ثم لم يلبث أن عزله وأَمَّر عثمان بن محمد بن أبي سفيان، وكَثُرَ الحديث في المدينة عن يزيد، فأرسل إليهم النعمان ابن بشير يحذرهم الفتنة، ويذكرهم الطاعة، فأبوا عليه، ثم أعلنوا خلع يزيد، وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل، ووثبوا على عثمان بن محمد بن أبي سفيان، والي يزيد، ثم حاصروا بني أمية في دار مروان بن الحكم، وكان عددهم حوالي الألف شخص.
فلما علم يزيد بن معاوية بذلك أرسل إليهم جيشًا عليه مسلم بن عقبة المري، وإن حدث له حدث فالأمير من بعده الحصين بن نمير السكوني، وأقبل مسلم بن عقبة بالجيش، والتقى ببني أمية بوادي القرى، وقد أخرجهم أهل المدينة.
وصل مسلم بن عقبة المري إلى المدينة فأمهل أهلها ثلاثة أيام فأبوا إلا القتال، وكان عليهم: عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري، وعبد الله بن مطيع، ومعقل بن سنان، وعبد الرحمن بن زهير بن عوف الزهري ابن أخ عبد الرحمن بن عوف، وكان مجيء مسلم عن طريق الحرة الشرقية، ووقعت الوقعة وكانت في أواخر ذي الحجة من سنة ثلاث وستين للهجرة، وقُتِلَ أكثر سادة أهل المدينة في هذه الوقعة.
وعندما انتهى مسلم بن عقبة المري من المدينة اتجه بجنده نحو مكة يريد عبد الله بن الزبير، وخلف على المدينة روح بن زنباع الجذامي، ولم يقطع مسلم مسافة حتى نزل به الموت، فتولى أمر الجند بعده الحصين بن نمير السكوني حسب وصية يزيد بن معاوية فسار إلى مكة، وقد بايع أهلها والحجاز كله عبد الله بن الزبير، فقاومه ابن الزبير وقُتِلَ من أصحابه المسور بن مخرمة، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، وأخوه المنذر بن الزبير، واستمر القتال بقية المحرم وصفر من سنة أربع وستين، وفي أوائل ربيع الأول قُذِفَ البيت بالمنجنيق، وأُحْرِقَ بالنار، ثم جاءهم نعي يزيد في مطلع ربيع الثاني، وقد توفي في 14من ربيع الأول عام 64 هـ.