مبايعة عبد الله بن الزبير على الخلافة

توفي يزيد وأهل الشام يحاصرون أهل مكة وابن الزبير، ووصل الخبر إلى ابن الزبير قبل أن يصل إلى أهل الشام، فناداهم أهل مكة: لماذا تقاتلون؟ لقد هلك يزيد. فلم يصدقوهم، واستمروا في قتالهم، فلما تأكدوا من النبأ توقفوا عن القتال.
بعث الحصين بن نمير إلى عبد الله بن الزبير، والتقى معه، وقال له:
إن يكُ هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الأمر، هَلُمَّ فلنبايعك، ثم اخرج معي إلى الشام؛ فإن هذا الجند الذين معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم، فوالله لا يختلف عليك اثنان، وتُؤَمِّن الناس، وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك، والتي كانت بيننا وبين أهل الحرة. ولكن ابن الزبير خشي من الذهاب إلى الشام، ولم يرغب في مغادرة مكة التي احتمى بها، وكان رأي الحصين أن هناك بالشام من يطالب بالخلافة فماذا يكون موقفه؟ أمّا إذا ذهب عبد الله بن الزبير فإنه لن يطالب فيها أحد لمكانة ابن الزبير أولاً، ولعدم وجود أبناء كبار ليزيد أو أحد من أسرته يفكر في هذا الأمر.
ولما لم يتفق ابن الزبير والحصين بن نمير سار جيش الشام إلى بلدهم تاركين الحجاز مبايعًا لابن الزبير.
اعترض بعض علماء المدينة على خلع يزيد بن معاوية، والخروج عليه، ولم يؤيدوا من قام بالخروج، وقاموا بنصح إخوانهم واعتزلوا الفتنة، وكان أغلب هذا الرأي من أهل العلم والفقه في الدين، وفي مقدمة هؤلاء الصحابي الجليل والإمام القدوة عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن علي ابن أبي طالب (ابن الحنفية)، والنعمان بن بشير الأنصاري، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعًا، وسعيد بن المسيب سيد التابعين رحمه الله.

خرجوا على الإمام رغم عظمتهم

كان مقتل الحسين، ووقعة الحرة بالمدينة، وحصار الكعبة بالمجانيق من أهم ما أساء لصورة يزيد بن معاوية رحمه الله ولكن الرجل معذور؛ فقد كان الخليفة الشرعي، ومن خرجوا عليه - رغم عِظَم مكانتهم في الإسلام، وسابقتهم فيه، بل وأفضليتهم على يزيد بمراحل، كالحسين وابن الزبير رضي الله عنهم جميعًا، وكذلك عبد الله بن حنظلة - في هذا الموقف كانوا خارجين على الإمام الشرعي المُبايَع من جمهور المسلمين الأعظم