قبضة جديدة على العالم

كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ

قبل أن يصبح صيد الحيوانات الكبيرة ممكناً كان يجب أن يعرف الكثير عن عاداتها، وأن يصبح من الممكن نقل هذه المعرفة إلى الآخرين المشاركين في مغامرة الصيد التعاونية، من جيلٍ إلى جيل، فلابد أن يكون إذاً ثمة نوع من أنواع الكلام.
يقول بعضهم إن الاصطفاء الجيني الذي أدى إلى تغيرات بشكل الدماغ قد ساعد أيضاً على تطور اللغة.
قد لا يُعرف أبداً كيف كانت قردة الجنوب تتفاهم فيما بينها، ولكننا نعلم أن رئيسات أقل تطوراً منها كانت تملك طرقاً للتفاهم.

ربما كانت الخطوات الأولى في تنظيم اللغة هي تقطيع نداءات تشبه نداءات الحيوانات الأخرى إلى أصوات متميزة يمكن إعادة ترتيبها، بحيث يمكن إيصال رسائل مختلفة. وربما كان هناك تطورات أخرى مساعدة أيضاً، فالبصر كان يتحسن، وكذلك الإحساس بالعالم كمجموعة كبيرة من الأشياء المنفصلة، وصناعة الأشياء الجديدة (الأدوات) كلها كانت تحدث بشكل متزامن مع تطور اللغة على مدى مئات آلاف السنين، فتضافر كل تلك العوامل هو الذي مكّن من ظهور التفكير المجرد أي التفكير بأشياء ليس لها وجود ملموس، ولابد أن يكون الصيد قد عزز هذا التطور، لأنه زاد من أهمية حفظ المعلومات وتذكرها.
يحتاج الصيد أيضاً إلى مجال واسع من التقنيات والمهارات، لأن الإيقاع بحيوانات عملاقة مثل الماموث ووحيد القرن الصوفي وقتلها باستخدام أسلحة من الحجر والخشب فقط هو في الحقيقة أمر في غاية الصعوبة، ولابد من الكثرة والتنظيم لدفع الحيوان إلى مكان مناسب لقتله، كوجود مستنقع يتخبّط فيه، أو نقاط إشراف جيدة وآمنة للصيادين، وحتى بعد موته تبقى مشكلة تقطيعه بتلك الأدوات الخشبية والحجرية، ثم نقل اللحم إلى البيت. كان وجود كميات أكبر من اللحم خطوة صغيرة جداً نحو توفر بعض وقت الفراغ، لأنه يحرر آكليه مؤقتاً من عناء التفتيش الدائم عن كميات زهيدة من الطعام ولو كانت متوفرة دوماً، ويتيح لهم الوقت لفعل أشياء أخرى، فيمكنهم عندئذٍ أن يضيفوا شيئاً ما إلى التقنية الموجودة.

لقد حسّن الإنسان المنتصب الفؤوس اليدوية ذوات الوجهين، كما خلّف أول دليل أكيد على بناء مساكن، وأول خشب مشغول وأول رمح خشبي، وأول وعاء وهو طاسة خشبية. إن اختراع أشياء على هذا المستوى يدل على سرعة في التطور وقدرة مختلفة تماماً عما كان موجوداً من قبل. كان العقل يشكل أفكاراً عن الأشياء قبل البدء بصنعها، إذ يقول بعضهم إن الأشكال البسيطة من مثلثات وأشكال إهليلجية وبيضوية، والمطبّقة على أعداد هائلة من الأدوات الحجرية يمكن اعتبارها البدايات الأولى للفن، أي إنتاج أشياء تسر بشكلها عدا عن فائدتها.