+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 46

الموضوع: تاريخ العالم

العرض المتطور

  1. #1

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    أول الفنون

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    من الواضح أن البشرية كانت قد قطعت درباً طويلاً في أواخر العصر الحجري، ومن أبرز العلامات على ذلك ما نراه في جزء صغير نسبياً من غرب أوروبا، حيث يوجد أبهى دليل نملكه حتى الآن على بدايات الفن. تبدأ تلك الأدلة بمجموعات صغيرة مخزنة من صباغ المَغْرة الأحمر، جمعها نياندرتاليون منذ حوالي خمسين ألف سنة خلت. لقد درست هذه الأصبغة كثيراً ولكننا لا نعلم فيما كانت تستخدم. إن سبب صعوبة الحديث عن أصول الفن هو ندرة الأدلة الباقية على بداياته الأولى، يحق لنا أن نخمن أن البشر الباكرين كانوا يخربشون أشكالاً في الطين، ويلطخون أجسامهم بالألوان، ويشكّون الأزهار أو الريش في شعورهم، أو يرقصون بأنماط معقّدة مثل غيرهم من الشعوب اللاحقة، ولكن هذه الأشياء كلها إن وجدت لم يبق منها أي أثر.

    والصعوبة الثانية هي أننا لا ندري لماذا تكلف البشر عناء صنع الفن الأول الباقي، وماذا كانوا يعتقدون أنهم يفعلون.

    في الأزمنة التاريخية اللاحقة كان الكثير من الناس يلونون وجوههم وأجسادهم لأسباب مختلفة، ربما قام بعضهم بأشياء مثل هذه في الأزمنة القديمة، إما لأسباب دينية أو عملية (التمويه) أو كجزء من ثقافتهم الجنسية، أو لمجرد التسلية والمتعة. ولكننا على الأرجح لن نعلم أبداً ماذا كان الغرض من تلك المغرة الحمراء، فلو تخيلنا أن علماء الآثار بعد آلاف السنين من أيامنا لم يكن لديهم كدليل على بعض مجتمعات القرن العشرين إلا بعض علب من كحل العينين وحمرة الشفاه، لشق عليهم معرفة الغرض منها. إلا أننا منذ حوالي 35.000 ق.م فما بعد نجد في أوروبا زاداً مستمراً من المعلومات، وهي أدلة أنتجت على مدى فترة زمنية طويلة استمرت حتى عام 10.000 ق.م تقريباً، كما أن هناك كهوفاً وصخوراً في أماكن أخرى مثل أفريقيا نجد فيها الكثير من التصوير والحفر من فترة ما قبل التاريخ. ولكننا لم نجد حتى الآن فناً قديماً قدم الفن الباليوليتي في أوروبا، وأغلب ما بقي منه يوجد في منطقة محدودة جداً، هي عدد من المواقع في جنوب غرب فرنسا وشمال إسبانيا.
    إن أقدم الأشياء التي وجدت هناك هي أغراض صغيرة مزينة وملونة ومصنوعة في أغلب الحالات من العظم والعاج، كقاذفات الرماح المحفورة مثلاً، وكثيراً ما نجد عليها صوراً محفورة لحيوانات. بعد ذلك، في حوالي عام 20.000 ق.م تبدأ مرحلة استغرقت خمسة آلاف سنة، تركت سلسلة باهرة من اللوحات والرسوم المحفورة على جدران الكهوف وأراضيها، وأكثرها تمثل الحيوانات أيضاً. ثم تأتي بعدها المرحلة الأخيرة من الفن الباليوليتي، حيث تسود صور الأيل، وتنتهي بمجموعة وفيرة من الأدوات والأسلحة المزخرفة، والغريب أن هذا التقليد انقرض بعد ذلك على ما يبدو، ولم يظهر فن جميل طوال ستة آلاف عام.

    إن بقاء هذا الفن أمر مذهل، ولكنه غامض في الوقت نفسه، لقد جرت محاولات تخمين كثيرة لتفسيره، وأكثر ما اجتذب اهتمام العلماء هو السلاسل العظيمة من رسوم الكهوف، فهي متوضعة في زوايا قاصية من الكهوف يصعب الوصول إليها، ولا يمكن أن تظهر إلا باستخدام ضوء اصطناعي، ومن الواضح أن الكثرة الغالبة للحيوانات هي أمر هام أيضاً، ففنان العصر الباليوليتي لم يكن يمضي وقته في رسم المناظر الطبيعية ولا حتى البشر، واللافت أن البشر يظهرون دوماً بشكل مجرد وغير واقعي بينما ترسم الحيوانات بعناية دقيقة بالتفاصيل، فربما كان رسم الأشياء بصورة واقعية يعني السيطرة عليها.
    لقد حاول بعض العلماء البحث عن أنماط ما في تكرار بعض الحيوانات، ولكن من دون جدوى. يحق لنا أن نخمن أن تلك الرسومات كانت تحمل رسائل إلى الذين ينظرون إليها في تلك المجتمعات التي لم تعرف الكتابة، فإذا تذكرنا أيضاً الدلائل القليلة على عادة الدفن في الأزمنة النياندرتالية فإننا نميل للاعتقاد بأن طقوساً دينية أو سحرية كانت تمارس في تلك الكهوف المعتمة، وإذا كان هذا صحيحاً فربما كان مرتبطاً بمحاولة للتأثير في حركات وسلوك الطرائد التي كان البشر الأُول يعتمدون عليها في معيشتهم. ويتوافق هذا التفسير مع تزايد صور الأيل بمرور الزمن، لأن الرنة والماموث الموجودين في الصور الأقدم كانا ينقرضان مع تراجع الجليد البطيء.




    رسوم على جدارن المغاور في العصر الباليوليتي


    إن ما نعرفه عن أول فن عظيم في الحقيقة ضئيل جداً، ولكن ما يوجد منه شيء كافٍ للدلالة على أن البشر في أواخر العصر الباليوليتي كانوا قادرين على القيام بإنجازات عقلية مدهشة، وعلى مراقبة العالم من حولهم بدقة.
    ربما كانوا يفقدون ثقتهم بقدرتهم على التأثير في سلوك الحيوانات، لأنهم لم يكونوا يعلمون أن سلوكها هذا محكوم بالمناخ، ففقدوا معها الحافز لإنتاج الفن أيضاً. ولا يمكن أن يكونوا قد مارسوا الفن للفن أو بغرض بيعه كما هو الحال في عصور لاحقة، ولكن لاريب في أن ما أنتجوه هو فن بالمعنى الكامل للكلمة، لأنه إبداع خلاق تم بعناية ودقة، يصور أشياء جميلة ومؤثرة وقادرة على اجتذابنا ليس بما يمكن فعله بها فقط، بل بحد ذاتها أيضاً.


    يتبع


    الموضوع الأصلي: رد: تاريخ العالم // الكاتب: عبير العبير // المصدر: خير بلدنا الزراعي

    كلمات البحث

    راعي عام زراعه عامة .انتاج حيواني .صور زراعية .الصور الزراعية .هندسة زراعية.ارانب. ارنب.الارنب.خضر.خضار.خضر مكشوفة.محصول.محاصيل.المحاصيل.ابحاث زراعية.بحث زراعي.بحث مترجم.ترجمة بحثية.نباتات طبية.نباتات عطرية.تنسيق حدائق.ازهار .شتلات.افات.افة.الافة.حشرات.حشرة.افة حشريا.نيماتودا.الديدان الثعبانية.قمح.القمح.الشعير.الارز.ارز.اراضي طينية. اراضي رملية.برامج تسميد.استشارات زراعية .برامج مكافحة.امراض نبات .الامراض النباتية.مرض نباتي.فطريات .بكتيريا.كيمياء زراعية .الكيمياء الزراعيه.تغذية .التغذية.خضر مكشوفة.صوب زراعية.السمك.زراعه السمك.مشتل سمكي. زراعة الفيوم.مؤتمرات زراعية.مناقشات زراعية.التقنية.براتمج نت.برامج جوال.كوسة, خيار,طماطم.بندورة.موز.بطيخ؟خيار.صوب.عنكبوت.ديدان.بياض دقيقي.بياض زغبي.فطريا



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  2. #2

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    بداية الزراعة

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    إن للفن ثمناً لابد من دفعه حتى عندما لا يُشترى، فالأشخاص الذين نفذوا رسوم الكهوف العظيمة، لم يكن بإمكانهم الخروج للبحث عن الطعام عندما كانوا منشغلين بالرسم مهما كانت حاجاتهم بسيطة، فقد كان هناك إذن بعض الغذاء الفائض عن الحاجة المباشرة حتى في مجتمعات الصيد وجمع الطعام الباكر.
    إلا أن الخطوة الحاسمة في زيادة ذلك الفائض إنما حصلت عندما تعلم الناس زراعة المحاصيل للغذاء وحصادها، وتدجين الحيوانات واستغلالها.
    فكان اكتشاف (أو اختراع) الزراعة.



    الصيد والجني والزراعة

    لقد بات من الواضح الآن أن قصة البشر كلها هي قصة تغير مستمر، جزء كبير منه من صنع الإنسان، ولكن بعض الخطوات في تلك القصة تبرز بسبب أهميتها الخاصة، والزراعة واحدة منها، مثل السيطرة على النار وتعلم الكلام.
    كانت الزراعة تقريباً آخر الخطوات الكبرى التي خطتها البشرية في حقبة ما قبل التاريخ، والحقيقة أنها قد غيرت الحياة بصورة كبيرة وعميقة للغاية، ولولاها لما حصل أي من التغيرات اللاحقة.
    لقد أنجزت بقاع مختلفة من العالم الزراعة في أزمنة مختلفة، ولابد أن يكون المناخ والبيئة الطبيعية هما السببان الأساسيان لهذا الاختلاف، كما أنهما يفسران لماذا توصلت بعض الشعوب إلى الزراعة لوحدها؟ بعد زمن طويل من عالم أوراسيا
    * القديم – في الأمريكيتين مثلاً- ولماذا عجزت غيرها عن التوصل إلى الزراعة إلا بتأثير من الخارج كما هي الحال في أوروبا الغربية في عصور ما قبل التاريخ. يقال إن أقدم آثار النباتات المزروعة تعود لحوالي عام 10.000 ق.م، وقد وجدت في جنوب شرق آسيا، وهي أشكال باكرة من الدخن (الجاورس) والأرز، ومازال كلاهما نباتين هامين في تلك المنطقة حتى اليوم.
    وبعد حوالي 8.000 عام تعلم الناس في أمريكا الوسطى زراعة نوع من البطاطا الحلوة وشكل بدائي من الذرة.
    إلا أن منطقة الشرق الأدنى هي التي وجدت فيها معلومات وافرة عن المراحل الباكرة من الزراعة، فقد انتشرت في هذه المنطقة بين عامي 9000 و 6000 ق.م تقريباً أنواع كثيرة من الحبوب التي مازلنا نستخدمها حتى يومنا هذا.


    أوروبا وآسيا معاً



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  3. #3

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    الهلال الخصيب

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    يطلق الناس أحياناً تسمية الهلال الخصيب على منطقة هامة للغاية، هي بشكل قوس تمتد شمالاً من دلتا النيل عبر فلسطين وشرق المتوسط، ثم تنعطف شرقاً على طول هضاب الأناضول إلى أن تنتهي على المرتفعات الواقعة بين إيران وبحر قزوين على الطرف الآخر من وديان أنهار بلاد الرافدين. لقد فقد قسم كبير من الهلال الخصيب هذا جاذبيته اليوم، ولكنه منذ عشرة آلاف سنة خلت كان يتمتع بأمطار سخية وتربة خصبة جعلته غنياً بالغابات، وكان غاباته تعج بحيوانات الصيد. ومع انسحاب العصر الجليدي الأخير صار نمو الغابات أقل كثافة منه في الشمال وكان اقتلاعها أسهل.على الهضاب كانت تنمو أجداد نباتات الحبوب اللاحقة، مثل الشعير البري والعلس (القمح البري) وأنواع كثيرة من الأعشاب، ويبدو أن التقنيات الجديدة في الزرع والحصاد قد انتشرت من هذه المنطقة إلى جنوب شرق أوروبا وإلى وادي النيل أيضاً.





    الهلال الخصيب

    ويمكننا أن نرتب تسلسل انتشار الزراعة كما يلي: في حوالي عام 9500 ق.م كان الناس يحصدون الأعشاب والحبوب البرية في آسيا الصغرى، وفي عام 7000 ق.م كانت أولى عمليات الزراعة وتربية النباتات قد بدأت في شرق المتوسط وبلاد الرافدين، ثم انتقلت خلال الآلاف الثلاثة التالية غرباً حتى نهر الراين (تقريباً)، إلى أن بلغت أوروبا الغربية والجزر البريطانية بحلول عام 3000 ق.م، وربما توصلت مناطق أخرى إلى طرق جديدة في زراعة النباتات للغذاء بصورة مستقلة، أما إلى الشرق والشمال من المتوسط فيبدو أن الناس قد تعلموها من جيرانهم.
    كان لتعلم تدجين الحيوانات تأثير ثوري يساوي تأثير الزراعة تقريباً، وكانت شعوب الصيادين في أوروبا قد دجنت الكلاب فكانت تلك خطوة كبيرة أخرى في تسخير طاقة الطبيعة لاستخدام البشر.
    ثم جاءت الخطوة التالية في جمع الحيوانات البرية والاحتفاظ بها ضمن قطعان، وقتل بعضها من أجل لحمها وجلدها وصوفها أو قرونها وعظامها.
    كانت الحيوانات تسرح بكثرة في الهلال الخصيب وكانت طيعة لسيطرة الإنسان، وكثر الغنم والماعز خصوصاً أو أجدادها بينما كانت أنواع مختلفة من الخنازير تعيش طليقة في كافة أنحاء العالم تقريباً. وعندما تعلم الناس تربية الحيوانات حية بدلاً من اصطيادها، ترتب على ذلك نتائج كثيرة مثل استخراج الحليب وأخذ البيض من الطيور الداجنة، وفي مرحلة تالية سوف يأتي استخدام الحيوان للركوب والحمل والجر. هناك أربعة حيوانات كان تدجينها أساس استغلال الحيوانات الأليفة ومازال، وهي الماعز والغنم والخنازير والبقر، تنتمي هذه الحيوانات كلها لفصائل ثدييات نصف الكرة الشمالي، وتكمل بعضها بعضاً بصورة مفيدة للإنسان.

    فالماعز حيوان شديدة التحمل، يستطيع العيش على القليل من العشب، ويمد الإنسان باللحم والحليب والجلد والصوف ويعيش الغنم حيثما وجد العشب، وكان العشب وفيراُ على هضاب المنطقة المعتدلة، ويمكن استخدامه بطرق استخدام الماعز نفسها وتجد أقدم الآثار على تربيته في حوالي عام 9000 ق.م في شمال العراق.
    أما الخنازير فهي تمد الإنسان باللحم، وتستطيع البحث عن طعامها في الأحراش والغابات، كما أنها تنمو بسرعة وتلد عدداً كبيراً من الصغار وبتكرار عال. وينتج عن البقر اللحم والحليب والجلد، كما يمكن استخدامها لجر الأشياء وحملها، ومن أفضل الأدلة على تدجين الحيوان اكتشاف عظام حيوانات كانت تؤكل في المستوطنات الزراعية الباكرة، وهي في جميع الأحوال بقايا صغارها التي قد تقتل قبل أن تبلغ سن النضج، بينما كانت الحيوانات التي تقتلها شعوب الصيادين كاملة النمو في جميع الحالات تقريباً.

    لقد كانت زراعة الحبوب وتربية الحيوانات هي النواة التي تشكلت من حولها النظم الزراعية، ولكن بعض مناطق العالم لم تعرف إلا جزءً من هذا التطور، فعندما صار سكان أمريكا الوسطى يزرعون النباتات لم ينتقلوا إلى مرحلة تدجين الحيوانات والسبب الأرجح هو أنهم لم تكن لديهم حيوانات كثيرة مناسبة لذلك، إلى أن أدخلها بعد زمن طويل من أتوا بعد كولومبوس. لذلك لم يبرع الإنسان في مهارات رعي الحيوانات إلا في جبال الآندس، حيث كان حيوان اللَّامة يُنتج له كل ما يحتاجه من لحم وحليب وصوف، عدا عن حمل الأثقال.
    ويدلك هذا على أن الانعزال سرعان ما بدأ يميز الحياة في الأمريكيتين عنها في أصقاع العالم القديم. وحتى ضمن العالم القديم كانت هناك صعوبات في الاتصال، وربما كان هذا هو سبب الاختلافات الكبيرة في طرق تطور الزراعة. فصحيح أن المعرفة والمحاصيل قد انتشرت بسهولة من الشرق الأدنى عبر شمال أفريقيا إلى غرب أوروبا وحتى إلى وادي نهر الدانوب، ولكن يبدو أن انتشارها شرقاً إلى آسيا كان أصعب بكثير، كما أن الفروق المناخية الكبيرة لم تسمح بتطور الأمور على الصورة نفسها. فعندما صارت الصين بلداً زراعياً كانت محاصيلها المناسبة لظروفها المحلية مشتقة من نباتات محلية، ولم تأتها من الخارج مثلما أتت الحبوب إلى أوروبا من الشرق الأدنى. والمثال البارز على ذلك هو نبات الأرز، الذي يتميز بأنه لا يحتاج إلى حيوانات لزراعته بل يحتاج إلى مجهود بشري مكثف، وربما لهذا السبب لم يرب الصينيون إلا حيواناً واحداً من أجل لحمه وهو الخنزير، ولو أنهم استخدموا أنواعاً مختلفة من البقر لاحقاً في أشغالهم، ولكن علماء الآثار مازالوا منقسمين وغير متأكدين من أصول الزراعة في الصين، لذلك يفضل ألا نجزم بالأمر.



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  4. #4

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم


    عالم يتغير

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    لقد استغرقت هذه الثورة الناجمة عن تعرّف الزراعة في ظروف حياة الإنسان آلاف السنين. كانت المستوطنات الزراعية الباكرة ذوات عمر قصير، وقد ظل المزارعون الأوائل على الأرجح متنقلين يمارسون زراعة القطع والحرق، وهي طريقة مازالت مستخدمة بين الشعوب البدائية حتى اليوم.
    يختار الناس في هذا النوع من الزراعة بقعة من الغابة تكون تربتها خصبة بسبب تراكم الأوراق والفضلات المتعفنة، فيقتلون الأشجار بنزع لحائها، ثم يحرقونها ويقتلعون ما بقي من جذوعها إذا أمكن، ويزرعون المحاصيل بين الجذور. وبعد بضع سنوات تكون نباتات الغابة البرية قد صارت كثيفة جداً أو تستنفذ التربة خصبها، فيتحتم عليهم البحث عن موقع آخر.


    وقد بقيت هذه حال الزراعة لزمن طويل، لأن الناس لم يكونوا يعرفون طرقاً أفضل لحرث التربة، وكان من الصعب عليهم أن يزيلوا ما بقي من جذوع الأشجار بأدواتهم الحجرية ومعاولهم المصنوعة من قرون الوعول. ولكن مع مرور القرون ظهرت في بعض الأماكن حقول نتيجة عودة الناس المستمرة إليها لسكنها وزراعتها، وعندها بدأ المزارعون الأوائل يصبحون أكثر ارتباطاً بمكان واحد أي أنهم باتوا مستقرين. وقد اكتشف علماء الآثار الكثير من تلك الأماكن المبكرة، وإن هذا الميل للاستقرار هو واحد من أول التأثيرات المعروفة للزراعة في سلوك البشر.


    لقد أثرت الزراعة في البيئة غير البشرية أيضاً، لأن الخضار والمحاصيل القديمة كانت مختلفة الشكل كثيراً عما نعرفه اليوم. فنباتاتنا اليوم أكبر بكثير، كما أنها تختلف أحياناً عن الأنواع البرية من ناحية الشكل واللون والحجم، لأن البشر تدخلوا في عملية التطور، فهم باختيارهم سلالات معينة للزراعة ونبذهم سلالات أخرى بدؤوا منذ زمن بعيد بتبديل توازن الطبيعة، ولولا تدخلهم لأنتجت الطبيعة أنواعاً مختلفة جداً.
    كانت الحبوب والبذور من أهم تلك المحاصيل الجديدة، صحيح أن محاصيل الأوراق والجذور والبصلات كان بالإمكان زرعها وسرعان ما زرع بعضها فعلاً، إلا أن القمح والشعير والبازلاء والعدس تدوم فترة أطول بكثير، لأنها عندما تجفف يمكن تخزينها فتؤمن الغذاء في الشتاء وفي السنوات التي لا تكفي فيها الغلال.
    فكانت هذه خطوة جديدة في التحرر من جمود إيقاعات الطبيعة، ولو أنها لم تكن كاملة، لأن عمليات البذار والحصاد تحتاج بدورها إلى متطلبات جديدة، إلا أنها كانت على كل حال خطوة جديدة نحو حرية فعل أشياء أخرى غير الصيد من أجل البقاء الذي ابتدأته البشريات اللاحمة منذ زمن بعيد جداً.

    وقد ظهرت آثار أفعال البشر في الحيوانات أيضاً، فلاشك أن أولى الخراف والخنازير المدجنة كانت صغيرة وهزيلة جداً بالقياس إلى الأغنام السمينة الغزيرة الصوف التي ترعى في هضاب انكلترا اليوم، أو الخنازير الضخمة الراقدة في زرائبها. ولم تقتصر التغيرات على الحجم وحده، ففي أغلب الحيوانات والطيور المدجنة نلاحظ قصر الخطم، لأن البشر ضمنوا لها طعامها، فتمكنت من البقاء كسلالات أقل تطور من ناحية أسنانها وأفكاكها حسب ما تحتاجه الحياة في البرية.
    بل ربما كانت الحيوانات الحالية أقل ذكاء من أجدادها البرية، لأن الإنسان حماها من أعداء وأخطار الطبيعة الكثيرة، فتمكنت من البقاء كسلالات ضعيفة التطور من الناحية الدماغية في الأجزاء التي تعالج الرسائل الآتية من العالم الخارجي. ثم أن هناك فرقاً لافتاً آخر، هو أن ألوان الحيوانات تصبح أكثر تنوعاً عند تدجينها، لأن انتزاعها من موطنها الطبيعي يسمح ببقاء أشكال ذوات ألوان مختلفة ربما كانت هلكت في البرية بسبب سهولة تمييزها.
    ولكن لا يمكننا أن نعلم متى بدأ الناس بمحاولة إحداث تغيرات كهذه وإلى أي مدى، فقد صار بديهياً اليوم أن مزاوجة الخراف ذوات الصوف الكثيف أو الأبقار ذوات الحليب الغزير تعطي سلالات أفضل، ولكن لابد من أن تكون الصدفة قد لعبت دوراً كبيراً في المراحل الأولى. وربما كانت الدوافع الأولى لتدخل الإنسان في عملية الاصطفاء الطبيعي مختلفة عن دوافعه اليوم، فربما اختار بعض الرعاة الأوائل مثلاً أن يزاوجوا حيوانات معينة ويربوها بسبب علامات مميزة أعجبتهم، أو لأنها تسهل التعرف عليها؛ ونحن في الحقيقة لا نعلم شيئاً عن هذا الأمر.


    إن النتيجة الأهم لتلك الأساليب الجديدة أو لأي شكل من أشكال الزراعة هي نتيجة واضحة، ألا وهي توفر كميات من الغذاء أكبر بكثير من السابق، صحيح أن الفرق بين الصيد والزراعة يتعلق بنوع حيوانات الصيد من جهة، وبنوع النباتات والتربة من جهة أخرى، إلا أن أهمية الزراعة تبقى واضحة إذا عرفنا أن عائلة من البشر تعتمد على جمع الطعام والصيد تحتاج إلى مئات الأكرات
    * لكي تحصّل كمية كافية، في حين تكفيها خمسة وعشرون أكراً في حال الزراعة البدائية.
    كانت هذه إذن نتيجة أول قفزة كبيرة في إنتاج الغذاء، وقد تبدو ضئيلة بالقياس إلى التطورات الهائلة التي حدثت منذ ذلك الحين، إلا أن الزراعة قد جلبت معها في الحقيقة أول زيادة جادة في تأمين الغذاء بعد عملية الصيد، وكانت تحمل في ثناياها بذوراً أغنى. لقد أدّت وفرة الغذاء إلى زيادة أعداد البشر، لأنها مكنت من إطعام أعداد أكبر ولا يمكننا أن نقيّم هذا التطور بشكل جيد، إلا أن نتائجه واضحة لعلماء الآثار في بقايا المستوطنات التي صارت أكبر من السابق، وهي القرى الأولى.


    يدل ظهور القرى على حدوث تغيرات أخرى في الحياة الاجتماعية أيضاً، فقد ازدادت الإقامة المستمرة في المستوطنات نفسها وضعفت الحاجة للتنقل سعياً وراء حيوانات الصيد والنباتات الفصلية. وفي الوقت نفسه ظهرت أبنية أكثر صلابة. ومن الأمثلة المعروفة على هذا التطور أريحا، التي كان فيها قبل عام 9000 ق.م قرية على موقع ينبوع ماء لا يشح، بعد ألف عام كان حجمها قد ازداد إلى أن غطت بيوتها المصنوعة من الصلصال مساحة بين 8-9 أكرات
    ، وكانت محاطة بأسوار كبيرة من الواضح أن سكانها كانوا يشعرون أن لديهم أشياء تحتاج للحماية، وربما كان لهم أعداء يخشون منهم عليها، لقد كانت لديهم ثروات، ومنذ ذلك الزمان كان البشر قد اكتشفوا طريقة سريعة للحصول على الثروة، هي أخذها ممن يملكونها.

    لقد بزغت في أماكن مثل أريحا رويداً رويداً أنماط جديدة من الحياة، بينما كانت المجتمعات تعالج المتطلبات والفرص الخاصة ببيئاتها بمزيد ومزيد من النجاح. وكان هذا مختلفاً عما حدث بعد عصور الجليد الأبكر، عندما لم يكن هناك كائن واسع الحيلة مثل الإنسان العاقل قادر على استغلال ما خلفته العصور الجليدية. ولكن بما أن عدد الناس في العالم قد ظل قليلاً لزمن طويل فقد بقيت جماعاتهم معزولة إحداها عن الأخرى في العادة، بعد ذلك طورت تلك الجماعات مهارات جديدة، وتغلبت على المزيد من التحديات في بيئاتها، وازداد تباعد بعضها عن بعض في أساليب حياتها، أي في ما يمكننا أن نسميه ثقافاتها، التي مابرحت تزداد تعقيداً.
    ولابد أن يكون الناس الذين نشؤوا في تلك الثقافات قد قبلوها دون تفكير، كما هي حال أكثر الناس في العالم اليوم، وأن يكون الروتين هو السائد فيها إذا أرادت الجماعة البقاء. لذلك ظلت الثقافات المختلفة تتباعد لزمن طويل، ولاريب أن اللغة قد اتخذت أشكالاً مختلفة من أجل تلبية الحاجات المختلفة، فحتى يومنا هذا مازلنا نجد لغات كثيرة تعيش جنباً إلى جنب في مناطق مازالت بدائية. إن لكل قبيلة تقريباً لغتها الخاصة التي تلبي حاجاتها الدقيقة الخاصة بها، أما اللغات العالمية الكبرى مثل الإنكليزية والإسبانية الحديثتين فلم تظهر إلا بعد ذلك بزمن طويل وهي نتيجة للحضارة.

    بالرغم من هذه الفروق كانت تلك الجماعات تعيش بأساليب تبدو لنا متشابهة جداً، فقد كانت كلها ترتكز على تقنية بسيطة جداً، ولو أنها أكثر تعقيداً بكثير مما كانت عليه الحال قبلها بآلاف قليلة من السنين، وكانت تحمل قدرة هائلة على توليد المزيد من التغير المتسارع، كما ستبين المرحلة المتميزة التالية من تطور البشرية.

    أنف الحيوان وفكه الناتئان
    الأكر يساوي نحو أربعة آلاف متر مربع


    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  5. #5

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم


    الثورة النيوليتية

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    تدل تسمية "نيوليتي" على علاقة بالحجر، مثل تسمية "باليوليتي". وقد حاول الناس أحياناً تمييز مراحل ضمن العصر الحجري، فصاروا يتحدثون عن حقبة "ميزوليتية". وكما هي الحال في جميع التقسيمات الأخرى في ما قبل التاريخ، تبدأ هاتان الحقبتان وتنتهيان في أزمان تختلف باختلاف المناطق، ولم تحدث فيهما تغيرات مفاجئة، فالناس لم يستيقظوا في يوم من الأيام ليجدوا أنفسهم في حقبة جديدة، بل إن أساليب قيامهم بالأشياء كانت تتغير رويداً رويداً خصوصاً أساليب صنع أدوات معينة من الحجر، وهي أسهل الأمور تتبعاً على علماء الآثار، ولكن رغم أن هذا التغير كان متدرجاً فإن نتيجته النهائية واضحة، ومازالت المجتمعات وهي أشياء معقدة تتغير بالطريقة نفسها، ولو أن ذلك يجري اليوم بسرعة أكبر.
    ولاتهمنا الحقبة الميزوليتية لأغراضنا هنا رغم أهميتها للمختصين، أما الحقبة النيوليتية فهي تدل على مرحلة هامة جداً في تطور البشرية.

    ولكن ما سبب هذه الأهمية الكبيرة؟ إن علماء الآثار لا يستخدمون تسمية "نيوليتي" بمعناها الدقيق إلا للدلالة على ثقافة حلت فيها الأدوات الحجرية المشحوذة والمصقولة على الأدوات المصنوعة بقشر الرقائق. وقد لا يبدو هذا التطور بحد ذاته أمراً مثيراً، ولكن الحقيقة أن الموضوع ينطوي على أشياء أكثر بكثير، فقد أتت المرحلة النيوليتية من وجود الإنسان بعدد من التغيرات ذات الأهمية العظيمة والتي تفوق بكثير أهمية التطور في صنع الأدوات الحجرية، ولو كانت الأخيرة طريقة مناسبة لتحديد مراحله. صحيح أن تلك التغيرات قد تعود جذورها إلى الماضي السحيق، إلا أنها ما كانت لتبلغ مستواها الكبير ومداها الجغرافي الواسع إلا بفضل اكتشاف الزراعة قبلها.
    فالزراعة هي التي مكنت من ظهور مجموعة من التطورات سميت "الثورة النيوليتية"، وإذا كنا نفصلها إلى عناصر متميزة فما ذلك إلا لتسهيل وصفها. إن المجتمعات البشرية كلها مترابطة بأساليب معقدة، ويتعلق عمل كل قسم وتطوره بوجود الأقسام الأخرى، وعندما ندرك الأهمية العظيمة لتوافر كميات أكبر من الغذاء بفضل الزراعة، لا تعود بك حاجة ملحة لاعتبار هذه الناحية أو تلك حاسمة. لنبدأ إذن عند نقطة واضحة، ولو أن اختيارها اعتباطي، هي تقنية شغل الحجارة، وهي التي أعطت هذه الحقبة اسمها.


    لأن كلمة Ithos اليونانية تعني الحجر، وباليو تعني القديم، وميزو تعني الوسيط، ونيو تعني الجديد





    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  6. #6

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    التغير التقني

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    كان تقطيع الأشياء القاسية يتم بالفؤوس اليدوية طوال عشرات الألوف من السنين، وهي سواطير حجرية تمسك بقبضة اليد وتشحذ أطرافها بنزع شرائح عنها. ولقد ظلت الأدوات النيوليتية حجرية، ولكنها كانت أنعم وكانت شفراتها تشحذ وتصقل على حجارة أخرى أقسى.
    كما أن الشفرات صارت تثبت بمقبض وقد زاد هذا من قوة القطع التي كانت قد تحسنت قبل ذلك بتحسن شكل الحجارة وصقلها. وقد ثبت ببعض الفؤوس الحجرية النيوليتية مقابض حديثة وجربت في الغابات وتبين أنها أدوات قوية للغاية وذوات عمر طويل أيضاً، لأنها عندما تثلم يمكن شحذها من جديد بنفس العملية التي صنعت بها.
    وكانت هذه أداة عظيمة الأهمية للزراعة، لأنها سهلت إزالة أشجار الغابات ونباتاتها من أجل زراعة المحاصيل.
    ومن بعدها جاءت الجواريف الحجرية من أجل حراثة الأرض، كان تغير تقنية الحجر إذاً مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بثورة إنتاج الغذاء، ومع أننا لا نعلم بالضبط تسلسل الأسباب والنتائج فإن العلاقة بين الاثنين أمر واضح.

    إن هذه التطورات الكثيرة والمترابطة في حياة الإنسان خلال الحقبة النيوليتية تبرر اعتبارها مرحلة حاسمة في قصة البشرية

    لقد استغرقت تلك التغيرات خمسة أو ستة آلاف سنة، وكانت نتيجتها الإجمالية أكبر تسارع في التطور الاقتصادي والاجتماعي قبل مجيء طاقة البخار في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد.
    فإضافة إلى إطعام عدد أكبر من الناس، صار بالإمكان إطعامهم من دون أن يشاركوا في عملية تنمية الغذاء وإحضاره.
    ربما كان هناك بعض المختصين في أزمنة أبكر، ولكن التخصص الاقتصادي والتقني صار أكثر احتمالاً وأسهل بكثير من اختراع الزراعة. وضمن تلك الجماعات الأكبر والأكثر استقراراً صار هناك عدد أكبر من الحرفيين، الذين يقومون بأعمال مثل صنع الأدوات والأغراض المزينة، ويأخذون مقابلها ما يلزم لمعيشتهم من غيرهم، وكان بعض أنشطتهم ذات أهمية كبيرة في إحداث فروق جديدة في حياة الأفراد بعضهم عن بعض، وفي تحقيق اكتشافات تقنية جديدة أيضاً.


    من تلك الاكتشافات اكتشاف الفخار، ربما صنع الفخار للمرة الأولى في اليابان عام 10.000 ق.م، ولكنه كان واسع الانتشار في الهلال الخصيب بعد بضعة آلاف من السنين. كانت الأوعية المصنوعة من الخشب وربما من الحجر أيضاً مستخدمة في أزمنة أبكر، ولكنها صارت أكثر ضرورة بقدوم الزراعة وإمكانية تخزين الطعام.
    لقد لاحظ بعضهم، ربما صدفة، أن معاملة الطين بالنار تبدل من طبيعته، فصار بالإمكان صنع الأوعية بأسرع وأسهل بكثير ومن ثم صار من الممكن الطبخ بطريقة مختلفة، وزيادة تنويع الأطعمة، عدا عن تخزين الطعام، والتخفيف من عناء تأمينه. كما أن الخزف يمكن تزيينه بسهولة إما بتلطيخه بالألوان أو بتغير شكله، فقدم بذلك وسيلة جديدة للفن، ولو أنه بقي فظاً لزمن طويل. وقد نتجت عن هذا كله سلسلة واسعة من النتائج. كان النسيج المحبوك اختراعاً نيوليتياً آخر، كان الناس يرتدون التنانير منذ آلاف السنين، وربما بدت ملابسهم في أفضل الأحوال مثل الملابس التي كان يرتديها هنود أمريكا الشمالية في القرون الماضية
    ، أو الأسكيمو حاليا

    ويمكن اعتبار هذين الشعبين من شعوب العصر الحجري حتى وقت قريب، أما في الأزمنة النيوليتية فقد ظهرت أولى المواد المحبوكة أي الأنسجة في الشرق الأدنى. تدل الزراعة والفخار والأنسجة وحدها على تغيرات واسعة خلال بضعة آلاف من السنين، لقد كانت تلك المرحلة بحق تمهيداً لحضانة المرحلة التالية من تطور البشرية، وهي المرحلة التي مازلنا نعيش فيها أي حقبة الحضارة. ولكن العصر النيوليتي لا يقتصر على هذه التغيرات، بل حدث فيه تغير آخر يمتد إلى عصر الحضارة.
    لهذا لا يعتبره بعض العلماء جزءً من العصر النيوليتي، ألا وهو استخدام المعادن.



    التاسع عشر لأن الكتاب صدر عام 1993
    القرن العشرين




    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  7. #7

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    ظهور التعدين

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    لقد غير استخدام المعادن عالم البشر على المدى الطويل، بقدر ما غيرته الزراعة تقريباً.
    إلا أن هذا التغيير حدث ببطء وهو أصعب على التحديد، إذ كان لابد من حدوث أشياء كثيرة قبل الشعور بتأثيراته الكاملة.
    وقد بقيت الخامات قليلة لزمن طويل، عندما اكتشف الناس كيف يعالجونها، وكان استخدام المعادن في مراحله الباكرة قليلاً ومتفرقاً ولم يكن ذا تأثير كبير. بالرغم من هذا تقع آثاره الأبكر ضمن الحقبة النيوليتية.

    كان النحاس أول معدن استغله الإنسان، وقد حدث هذا بين عامي 7000 و 6000 ق.م في موقع الأناضول، حيث كان من السهل إيجاد خاماته، كما أنه ظهر في قبرص وبعض جزر إيجة، وتبين الدلائل انتشار استخدام النحاس رويداً رويداً نحو الغرب إلى حوض المتوسط، ثم إلى إيطاليا وهنغاريا على البر الرئيسي، بالإضافة إلى الجزر البريطانية. في المراحل الباكرة كان النحاس يشغل بعملية التطريق، ولم يكن هذا ممكناً إلا بالخامات النقية جداً، وكانت الخطوة التالية هي سبكه، أي تسخينه إلى أن يصبح سائلاً ثم صبه في قوالب.
    وأخيراً اكتشف الناس أن الخامات المشوية يمكن تحسينها بالحرارة أيضاً، من أجل الحصول على معدن أنقى، وعندما صارت هذه العمليات معروفة وضع للتعدين نمطه الأساسي الذي سوف يستمر لآلاف السنين. وقد تابع التطور طريقه باكتشاف مصادر جديدة للخامات، وإجراء التجارب عليها، واكتشاف معادن مختلفة وتخصيص استعمالها لأغراض معينة، والحصول على درجات حرارة أعلى لشغلها وتنقيتها، وبمزج المعادن أيضاً للحصول على معادن صنعية أي ما نسميه اليوم سبائك.

    ويبدو أن أول سبيكة كانت البرونز، وهو مزيج من القصدير والنحاس، ويكفي مزج مثل واحد من القصدير مع عشرة أمثال من النحاس للحصول على نوع جيد منه. كان البرونز على درجة عظيمة من الأهمية، ومن هنا أتت تسمية عصر البرونز.
    لقد بقي الناس يعتقدون لزمن طويل أنه صنع واستخدم للمرة الأولى في بلاد الرافدين قبل عام 3000 ق.م بقليل، وكان من المعروف أنه كان يصنع في الصين بعد ذلك بحوالي ألف سنة. ولكن أشياء مصنوعة من البرونز في شمال شرق تايلاند قد أُرّخت مؤخراً بعام 3600 ق.م، أي أنها أبكر ما اكتشف في العالم.
    وما زلنا بحاجة إلى أدلة أكثر قبل أن يتفق العلماء على تحديد أول مجتمع قديم استخدم البرونز، ولكن النقطة الأساسية هي أن عصر البرونز كان مرحلة في تطور المجتمع البشري تمكن فيها الإنسان من تلبية حاجاته الأساسية للمعادن عن طريق هذا المعدن المزيج. إن البرونز معدن أفضل بكثير من النحاس، إذ يمكن أن تصنع منه شفرات أكثر حدة بكثير وأطول عمراً، أما النحاس فهو أضعف حتى من الصوان من هذه الناحية، ويمكن سبكه في قوالب بسهولة أكبر، وبالتالي صنع أشكال أكثر تنوعاً. وقد أضفى اكتشافه بالطبع أهمية على أماكن وجود القصدير أيضاً، والتي كانت أحياناً في مناطق توضع النحاس نفسها.



    أدوات برونزية وحديدية

    إننا لا نعلم كيف حدث هذا التطور، ولكن ربما لاحظ بعضهم أن النحاس عندما يترك في فرن الخزف يذوب، ويمكن بالتالي صبه في قوالب. تتطور التقنية دوماً بفضل نتائج جانبية، أي أن نتائج ثانوية لتطور ما تصبح خطوات أساسية في تطور آخر فمقالي الطبخ الحديث الذي لا يلتصق الطعام بها مثلاً قد صنعت بالاستفادة من المعرفة بالمواد المقاومة للحرارة والناتجة عن بناء صواريخ الفضاء.وعندما تلاحظ نتائج ثانوية ما يبدأ الخبراء بإجراء التجارب عليها، فتعطي هذه التجارب نتائج جانبية أخرى. لقد قال بعض العلماء مؤخراً إن عملية تنقية الخامات المعدنية لم تكتشف بطريق المصادفة، بل كانت نتيجة ما نسميه اليوم أبحاثاً وتجارب مقصودة، فإذا كان الأمر صحيحاً فهو دليل واضح على أن البشر كانوا صانعي تغيير بصورة مقصودة منذ العصر النيوليتي.

    لقد اكتشف الذهب أيضاً واستخدم منذ زمن باكر، والأرجح أنه كان يوجد في العالم القديم بشكل توضّعات قريبة من سطح الأرض، فكان الحصول عليه أسهل منه في أزمنة لاحقة، لكن استخدامه ظل محصوراً بأمور الزينة تقريباً، بعكس النحاس الذي استفيد منه لصنع الأسلحة والأدوات عدا عن صنع أغراض الزينة، ولم يكن هذا الأمر ممكناً باستخدام الذهب.
    وحتى البرونز نفسه كان أقل أهمية للأسلحة والأدوات من معدن الحديد.
    في الحقيقة أن استغلال الحديد يدخل في حقبة التاريخ وليس ما قبل التاريخ، لأنه لم يظهر إلا بعد أن كانت الحضارات الأولى قد ثبتت أقدامها، كما أن استعماله لم ينتشر بشكل واسع إلا بعد عام 1000 ق.م، أي في زمن متأخر جداً.
    لقد عاش جميع مستخدمي الحديد بعد بداية الحضارة ولو لم يكونوا متحضرين، أي أنهم عاشوا في الحقبة التي نعتبرها عادة حقبة التاريخ وليس ما قبل التاريخ.
    ولكن من المنطقي أن نتناول موضوع الحديد هنا، لأن قدومه هو فعلاً تتمة قصة التعدين في الأزمنة الباكرة، كما أن علماء ما قبل التاريخ مازالوا يتحدثون عن "عصر الحديد" و ثقافات عصر الحديد وهي تعابير لا تدل على حقبة معينة من الزمن
    بل على مرحلة من الثقافة المادية. ويمكننا اعتبار عصر الحديد ذروة الحقبة النيوليتية ونهايتها معاً، ولو أن الشعوب التي تستخدمه قد عاشت لزمن طويل إلى جانب شعوب أخرى لا تستخدم إلا الأدوات الحجرية.

    يتفق أكثر العلماء على أن شغل الحديد قد ابتدأ في آسيا الصغرى، مثل شغل النحاس، ولكن هناك اختلافات كثيرة حول تحديد ذلك المكان. لا ريب أن بداية شغل الحديد في هذا الجزء من العالم تفسر بتوفر خاماته المعدنية، فضلاً عن تنامي خبرة شغل المعادن الأخرى. إن تنقية الحديد تحتاج إلى حرارة أعلى بكثير من النحاس، وكان الناس في الأناضول يعرفون أفراناً حرارتها عالية تكفي لصنع الفخار عن طريق إشعالها بالفحم النباتي ونفخ الهواء فيها. ولكنهم مع هذا لم يستطيعوا الوصول إلى حرارة كافية لصب الحديد في قوالب، مثلما كانوا يفعلون بالنحاس والبرونز، لهذا بقي شغل هذا المعدن لزمن طويل مقتصراً على عملية التطريق دون السبك.
    لقد انتشر صنع الحديد انتشاراً سريعاً، هناك شعب أوروبي سمي لاحقاً الشعب السلتي كان من أفضل شاغلي الحديد، وكان السلتيون ماهرين في شغل البرونز أيضاً، ولو أن الصينيين احتفظوا باللقب لزمن طويل، ولكن استخدام الحديد كان معروفاً قبل ذلك في مناطق كثيرة، وأول شعب استخدمه بشكل كبير هو شعب الأناضول اسمه الشعب الحثي. كان الحثيون يحكمون إمبراطورية كبيرة في الشرق الأدنى في حوالي عام 1500 ق.م، أظهروا أن النصر العسكري أيسر بكثير لمن يمتلك الأسلحة الحديدية، لأن السيف الحديدي أقوى بكثير من السيف البرونزي، فما بالك الخنجر النحاسي أو الفأس الحجرية.

    إلا أن تأثير الحديد في تغيير التاريخ كان أكبر من خلال استخدامه في الزراعة، فالأدوات الحديدية أفضل من أية أدوات أخرى لحراثة الأرض، لأنها مكنت من الحفر بصورة أسهل وأعمق، فأمنت بالتالي كميات أكبر من الطعام، ونتجت عن ذلك محاصيل أفضل. كما أمكن زراعة نباتات أعمق جذوراً، وصار قطع الأشجار أسهل أيضاً. ولكن تأثير الحديد بقي لزمن طويل بطيئاً جداً كما كان غالياً جداً، وقد ظلت المحاريث الخشبية هي السائدة في روسيا لمئة سنة خلت، ومازالت الملايين منها تعمل في كافة أنحاء العالم اليوم.
    وتغير شغل الخشب أيضاً بفعل المعادن، كانت الأدوات النحاسية والبرونزية قد مكنت من شغل الخشب على مستوى يجوز لنا أن نسميه "نجارة"، بينما سار به الحديد خطوة أخرى إلى الأمام.
    لقد أمن الحديد للناس أغراضاً أكثر للاستعمال والمتعة، وزاد من إمكانية التخصص في المهارات المختلفة. كانت أهمية المناطق الحاوية على خامات المعادن تزداد بشكل مستمر، وعندما نصل إلى عصر الحضارة يصبح بر أوروبا أكثر أهمية للعالم الخارجي من أي وقت مضى بسبب ذلك، ويزداد اهتمام الغرباء بها. لقد بقيت الشعوب الأوروبية لزمن طويل شعوباً متخلفة بالقياس إلى الشعوب الأخرى، ولكن قارتهم كانت غنية بخامات يسهل استخراجها وغابات كثيفة خلّفها تراجع الجليد يمكنها أن تؤمن الوقود. وكان المنقبون من الشرق الأدنى قد بدؤوا يبحثون عن المعادن في أوروبا قبل عام 3000 ق.م بزمن طويل، وبعد ألف سنة سوف تكون فيها مناطق عديدة مختصة بالتعدين، خاصة في إسبانيا واليونان ووسط إيطاليا، وسرعان ما ستصبح أوروبا منطقة تصنيع كبرى عدا عن كونها منتجة للخامات.
    وقد كان للتعدين بعض التأثيرات البيئية الضارة أيضاً إذ يبدو أن استنفاذ الخشب لم يبدأ بإزالة الأشجار من أجل الزراعة، بل بقطعها من أجل الحصول على الفحم اللازم لصهر المعادن. ولكن هذه القصة تصل بنا إلى مرحلة متقدمة جداً بالنسبة لعصر ما قبل التاريخ، وهي بداية موضوع هائل، هي قصة صعود أوروبا رويداً رويداً حتى صارت في النهاية مسيطرة على العالم بفضل استغلال مواردها المعدنية والتقنية.



    يتبع







    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  8. #8

    • م/ صالح الشواخ غير متواجد حالياً
    • مشرف

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا/ الرقة
    المشاركات
    140

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    بارك الله بجهودك
    سبحان الله العظيم وبحمده
    سبحان الله العظيم - استغفر الله

    اللهم ارنا الحق حقا وحببنا فيه .......وارزقنا اتباعه ...... وارنا الباطل باطلا وكرهنا فيه .... وارزقنا اجتنابه

  9. #9

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم



    على عتبة التاريخ

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    تبدو الحيوانات التي تعيش في جماعات، مثل النمل والنحل وقطعان الأيل، على درجة عالية من التنظيم، كما تبدو أفضل من البشر في الحفاظ على القواعد في مجتمعاتها. ولكن السبب هو أنها في الحقيقة مختلفة كل الاختلاف عن البشر
    فهي لا تلتزم أبداً بالقواعد، كما نفهمها نحن، بل تسلك سلوكاً آلياً تقريباً، أي أنها تفعل ما تفعله لأنها مبرمجة من خلال جيناتها أو من خلال أنماط سلوك محفورة فيها بصورة عميقة أو مغروزة، لذلك نسميها "غرائز" ولا يمكنها أن تسلك غير هذا السلوك إذا أرادت، بل إنها في الحقيقة لا تملك أن تريد أو أن لا تريد.
    أما المجتمعات البشرية فأمرها مختلف، صحيح أنها مضطرة لأن تأخذ بالاعتبار طبيعة البشر الأساسية بحاجاتها ودوافعها ولكنها تقدم طرقاً مختلفة كثيرة للقيام بهذا الأمر، وكثيراً ما يختار أفرادها هذه الطرق بإرادتهم.
    ففي كل أنحاء العالم مثلاً ينجذب الرجل والمرأة أحدهما إلى الآخر ويعيشان معاً وينجبان الأطفال، ولكن هناك الكثير من المجموعات المختلفة من القواعد التي يمكنهما أن يقوما بهذا الأمر ضمنها، وهذه القواعد وضعها البشر ولم تضعها الطبيعة. ففي إنكلترا مثلاً لا يسمح لك القانون باتخاذ أكثر من زوجة واحدة أو زوج واحد في الوقت نفسه، بينما يجيز لك ذلك في بلدان أخرى، أو لنأخذ مثالا مختلفاً تماماً:
    منذ بضع مئات من السنين لم يكن ممكناً في أوروبا أن يتخذ المرء مهناً معينة، كصنع الأحذية مثلاً إلا بعد أن ينتمي إلى نقابة خاصة بمن يمارسون تلك المهنة ويخضع لقواعدها في طريقة أداء عمله.
    ثم انهار هذا النظام لأسباب مختلفة، وانخفضت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر القيود القانونية المفروضة على الإنسان في اتخاذ المهنة التي يريدها والعمل بها كما يشاء، ولكن بقي من الصعب في بعض البلاد أن يختار الإنسان مهناً معينة دون الانتماء إلى النقابة المهنية المناسبة.
    قد لا يبدو للوهلة الأولى أن لهذا الأمر علاقة بما قبل التاريخ، ولكنه يجب أن يلفت انتباهنا إلى حقيقة أن ما نسميه "مؤسسات اجتماعية" أي طرقاً في تنظيم الناس لفعل الأشياء، هي إلى حد ما من اختيار المجتمعات المختلفة، وأنها قد تتباين كثيراً من مجتمع لآخر، وقد كان هذا الأمر صحيحاً حتى في الأزمنة الباكرة.

    تدل الفروق في الأساليب التقليدية لفعل الأشياء على أن بعض المجتمعات البشرية كانت قد أصبحت متميزة جداً منذ نهاية الأزمنة قبل التاريخية. وكان نهجها لتقاليدها الخاصة قد بدأ منذ زمن بعيد في العصر الباليوليتي. إلا أن تلك الفروق قد صارت أكثر حدة بكثير مع الاستقرار، وكان هذا بالطبع نتيجة أخرى من نتائج قدوم الزراعة. ففي أعالي وادي أحد روافد نهر دجلة، على هضاب يقطنها الأكراد، كانت هناك بحلول عام 6500 ق.م قرية صغيرة في مكان يدعى جرمو، لم يكن أهلها يعرفون تسخين الفخار بعد، ولكن كانت لديهم منازل من الصلصال، وكانت أساساتها من الحجر أحياناً وفيها أكثر من غرفة واحدة، وكان في بعض مساكنهم قطع أثاث ثابتة، مثل الأفران والأحواض المتوضعة في الأرض.
    وكان بإمكان سكانها أن يصنعوا أواني من الحجر الأملس عن طريق قطعه وشحذه، كما كانوا يصنعون منه أغراضاً للزينة مثل حبات الخرز والأساور. وكانوا يمارسون الزراعة وكانت لديهم حيوانات مدجنة من نعاج وماعز وثيران وخنازير وكلاب أيضاً. منذ ذلك الحين كان بعض الناس في جرمو يتميزون عن غيرهم بامتلاك ثروات صغيرة من أغراض زينة وأسلحة يعتزون بها. كان هناك دور للأفراد المختصين في هذا المكان، إذ لم يكن هناك بد من تنظيم شؤونها الإشراف على عمليات الحصاد وتخزين المحاصيل، ولكن عدد الأشخاص في جرمو لم يتجاوز بعض مئات على الأرجح. فإذا ابتعدنا غرباً إلى فلسطين، وجدنا أن أريحا كان يسكنها حوالي ثلاثة آلاف شخص في ذلك الوقت، وكانت هذه مجموعة كبيرة من الناس.

    كان في أريحا واحة هامة تحتاج إدارتها وصيانتها إلى تنظيم كبير، لذلك كانت الحاجة فيها للمهارات المختصة والحكومة المنظمة أكبر بكثير منها في جرمو. كانت تنشأ خلال العصر النيوليتي إذن، على الأقل بالشرق الأدنى، جماعات أكبر يؤدي لها الناس الولاء والطاعة، وكانت حياة البشر قد ابتعدت كثيراً عن حياة القبائل الرحل، وسارت باتجاه تنظيم الحياة الاجتماعية في وحدات أرضية مستقرة وخاضعة للقوانين نفسها، ومازالت هذه هي طريقة حكم الناس التي نألفها اليوم.


    مازلنا نجهل كيف كان كل من الرجل والمرأة يرى دور الآخر في تلك المجتمعات الباكرة، ولكن لابد أن تكون جذور هذا الأمر كامنة في الحقائق البيولوجية والاقتصادية المذكورة آنفاً.
    لما كان أطفال البشر وهم مستقبل القبيلة محتاجين إلى الكثير من العناية المديدة، فقد ترسخ تقسيم العمل بين الجنسين على الأرجح قبل أن تصبح الجماعات أكثر استقراراً، فصار الرجال يذهبون إلى الصيد وجمع الطعام، وبينما تبقى النساء في البيت. وعلى هذا التقسيم سوف تنمو تقاليد مختلفة من التربية، فيذهب الصبية مع الرجال عندما يكبرون ويصبحون قادرين على مجاراتهم في الصيد، أو لا يعودون مصدر إزعاج لهم على الأقل، أما النساء فربما كن يتعلمن مراقبة الحياة النباتية بعناية قرب البيت، فيجمعن المحاصيل المفيدة والمغذية، وربما كن يشكلن في أماكن كثيرة قوة العمل الأساسية في الزراعة، كما هي الحال اليوم. إننا نعلم بالتأكيد أنه قبل أن نصل إلى عصر التاريخ كانت قد ظهرت أشياء كثيرة سوف تصبح عادية طوال آلاف السنين، وسوف تستمر حتى اليوم.


    لنأخذ عام 5000 ق.م كنقطة إشراف وهمية، وليس لهذا التاريخ أية ميزة خاصة عدا عن أنه سهل التذكر. في ذلك الزمان كان شكل الأرض قريباً جداً من شكلها الحالي، ولم تتغير أشكال القارات وحواجز الاتصال ومسالكه الطبيعية كثيراً منذ ذلك الحين. كما يمكننا أن نعتبر أن المناخ قد استقر خلال هذه الفترة لأن سبعة آلاف سنة هي فترة زمنية لا تذكر بالقياس إلى تقلبات المناخ العنيفة على مدى مئات الألوف من السنين قبل آخر عصر جليدي، ولا يحتاج المؤرخ بعدها إلا للنظر في تقلباته القصيرة المدى. في المستقبل كان يقبع العصر الذي مازلنا نعيش فيه والذي كان أكثر التغيير فيه من صنع الإنسان.

    كانت بعض أجزاء العالم في عام 5000 ق.م قد قطعت شوطاً بعيداً ضمن الحقبة النيوليتية، فصارت حياة البشر كثيرة التنوع والتعقيد، ومختلفة جداً عن حياة الإنسان المنتصب، الذي كان قد بقي على حاله في كل مكان تقريباً رغم تطوراته الكبيرة. ولكن حياة الإنسان المنتصب كانت بدورها مختلفة جداً عن حياة الأشكال الضعيفة البائسة من قرد الجنوب، التي كانت تنتقل حول البحيرة التي كانت تملأ ممر أولدفاي الحالي منذ مليوني عام خلت، والتي لم تكن وسائلها في البقاء بأفضل من وسائل البهائم التي تزحف قربها وتشاركها موارد غذائها.


    بحلول الأزمنة النيوليتية أصبحنا في عالم ملأه البشر بتنوعهم وطاقاتهم الكامنة، وسوف يزداد هذا التنوع. سوف تتطور بعض الجماعات البشرية بسرعة، بينما تتطور بعضها ببطء، وسوف تلعب قوى جديدة دورها في تطور البشر مع اتصال الشعوب المختلفة بعضها ببعض وتعلمها الواحد من الآخر، أو مع تفكيرها في خبراتها واندفاعها نحو تجارب جديدة.
    أي أن تنوع البشرية سوف ينشأ أكثر فأكثر من قدرتها على تغيير الأمور بطريقة واعية فضلاً عن حقائق البيئة العمياء. وسوف تكون النتيجة المزيد من التعقيد، فلم توجد يوماً إمكانيات لاختلاف البشر كما هي الحال في عالمنا اليوم. ولكن العالم كان متنوعاً جداً حتى في عام 5000 ق.م، وليس ثمة خط واضح يفصل نهاية حقبة بشرية عن الأخرى، بل مرحلة زمنية ضبابية غير واضحة الحدود، فيندفع بعض الناس إلى الأمام على طريقهم نحو التحضر، بينما يبقى غيرهم عالقين في العصر الحجري الذي سوف يظل بعضهم فيه بعد آلاف السنين.


    لقد صار تسارع التغيير في هذا العالم هائلاً، وكان قد ابتدأ في زمن بعيد من مرحلة ما قبل التاريخ. ومن المهم هنا أن نرى الأمور بأبعادها الصحيحة. إن من يذكر اليوم أن الطائرة لم تكن موجودة عام 1900م، وأن الطاقة الذرية لا يزيد عمرها عن نحو خمسين سنة، وأن الكثير من أمم أفريقيا لم تكن قد اكتشفت قبل أربعين عاماً، وأن مرض الإيدز لم يعرف إلا في الثمانينيات؛ يُعْذَر إذا شعر أن شيئاً لم يتغير لقرون طويلة في العصور الوسطى مثلاً، فقد بقي الناس في قسم كبير من أوروبا يزرعون في القرن الخامس عشر بالطريقة نفسها التي كانوا يزرعون بها في القرن التاسع. ولكنك إذا نظرت إلى الفن الأوروبي في الأبنية مثلاً، في عام 800 م ثم بعد ذلك بخمسمائة عام، وجدت أن تغيراً كبيراً جداً قد حصل.


    أما فيما يتعلق بأول الفنون التي ظهرت، أي فن العصر الباليوليتي الأعلى، فيقول لنا الخبراء إن رسوم الكهوف العظيمة تكاد تظهر تغيراً لا يذكر في الأسلوب طوال خمسة أو ستة آلاف سنة. وإذا عدت إلى الماضي الأبعد، وجدت أن الاستمرار الطويل لطرق صنع الأدوات من الحجر دليل على بطء أكبر في التطور، وإذا رجعت إلى أزمنة أبكر منها أيضاً وجدت أن التطور الفيزيولوجي للكائنات البشرية يمكن ملاحظته، ولكنه كان ببطء أنهار الجليد حتى بالقياس إلى التغيرات الهزيلة في الفن الباليوليتي.


    إن السبب الحاسم لهذا التسارع الكبير في حدوث التغيير بحلول عام 5000 ق.م هو أن المصدر الأساسي للتجديد كان قد انتقل في ذلك الحين من القوى الطبيعية إلى البشر أنفسهم، وعند نهاية ما قبل التاريخ باتت قصة البشرية قصة اختيارات متزايدة. إن البشر يتخذون قرارات أكثر فأكثر للتصرف والتأقلم بأساليب معينة من أجل مواجهة مشاكلهم وتطوير طرق معينة في أداء الأشياء واستخدام مواد أو مهارات معينة.
    لهذا فإن ما يمكننا اعتباره أهم تغير على الإطلاق قد حدث في البداية، ولو أننا لا نستطيع أن نعلم زمانه أو مكانه بالتحديد. لقد حصل هذا عندما بدأ كائن ما ربما يكاد يكون بشرياً في أعيننا، يفكر في العالم كمجموعة من الأشياء المنفصلة والمتميزة عنه، ولو أمكننا أن نعلم متى حدث هذا التطور لربما كانت تلك خير بداية لما قبل تاريخ الإنسان، لأنها هي التي فتحت الطريق لاستخدام العالم. وتلك هي قصة كل الانتقال من الحياة التي تشكلها الطبيعة بصورة عمياء إلى الحياة التي تشكلها ثقافة البشر وتقاليدهم.
    ومن بعد ذلك يظهر ما يشبه الفائدة المركبة، لأنه مع ازدياد أعداد البشر اتسعت ساحات مواهبهم وتراكمت إنجازاتهم وخبراتهم التي يمكنهم التعويل عليها واستثمارها، وحتى الجماعات الصغيرة لم تعد بها حاجة لتجشم عناء تعلم كل شيء من البداية.

    إلا أننا نعلم جيداً أن البشر بالرغم من كل هذا قد خلقوا مشاكل جديدة بمثل سرعة حلهم للمشاكل القديمة، وأن قصة البشرية مليئة بالنكسات والفشل المأساوي أحياناً. ولكن هذا الأمر يعود فيؤكد من جديد حقيقة أساسية تتعلق بالبشر عند اقترابهم من حقبة خلق الحضارات الأولى، هي أنهم فريدون من ناحية قيامهم باستخدام العالم وتغييره بطريقة واعية.
    إن إحدى الطرق القليلة الجيدة لوصف الإنسان العاقل هي أنه قبل كل شيء حيوان صانع للتغيير، والدليل على هذا إنما يكمن فيما فعله، أي في تاريخه.
    وراء هذا التاريخ يقبع كل ما نظرنا إليه في هذا الكتاب نظرة سريعة، ملايين من السنين كانت خلالها الكائنات تتشكل بطرق جعلت البشر وحدهم من بين الرئيسات قادرين على قولبة مصائرهم، ومع أنهم لم يكونوا قادرين على فعل ذلك إلا ضمن حدود ضيقة، فإن أبكر الأدلة على تأثيره تعود إلى أزمان قديمة جداً.



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  10. #10

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم



    الحضارات الأولى

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الثاني - أولى الحضارات


    بزغت الحضارات الأولى بين عامي 3500 ق.م و 500 ق.م، واستهلت العصر الذي صارت فيه كل التغيرات الهامة في حياة البشر من صنع الإنسان نفسه. وفيها يمكننا البحث عن أسس عالمنا نحن، لأنها مازالت تحدد جزءاً كبيراً من الخريطة الثقافية للعام حتى اليوم. لقد كانت تلك الحضارات نتيجة امتزاج مهارات البشر وعوامل الطبيعة بأشكال معينة، فأعطت كل حالة مستوى جديداً من الحياة المبنية على استغلال الطبيعة. صحيح إن أبكر الحضارات قد ظهرت كلها خلال بضعة آلاف من السنين، وهي تكاد تكون لحظة صغيرة أمام حقبة ما قبل التاريخ المديدة، ولكنها لم تظهر على نحو متزامن، ولا كانت على نفس الدرجة من النجاح، فقد اندفعت بعضها إلى الأمام فأحرزت إنجازات دائمة، بينما تقهقرت بعضها الأخرى
    أو اختفت، ولو من بعد ازدهار مذهل. إلا أنها جميعاً قد أظهرت ازدياداً حاداً في سرعة التغير ومستواه بالقياس إلى أي من إنجازات الأزمنة الأبكر.

    يبدأ تسلسل الأمور بشكل تقريبي في حوالي عام 3500 ق.م في بلاد الرافدين، عندما ظهرت للعيان أول حضارة يعترف بها، وظهرت الحياة المتحضرة في مصر في تاريخ لاحق ولكنه باكر أيضاً، ربما في حوالي 3100 ق.م، ثم نجد في جزيرة كريت بحلول عام 2000 ق.م تقريباً معلماً آخر هو الحضارة التي تسمى الحضارة المينوية.
    ومنذ ذلك الحين يمكننا تجاهل الأسبقيات في شرق المتوسط والشرق الأدنى، لأن المنطقة أمست مكونة من مركب حضارات متداخلة ومتبادلة في التأثير. في تلك الأثناء، ربما بحلول عام 2500 ق.م ، كانت الحضارة قد نشأت في الهند، أما حضارة الصين فتبدأ بعدها في نحو منتصف الألف الثانية ق.م، وهي حالة منعزلة تدل على أن التفاعل قد لا يكون بالضرورة عاملاً هاماً في تفسير ما يحدث. ومنذ ذلك الحين لم تظهر حضارات من دون تحفيز خارجي أو صدمة أو ميراث من حضارات أخرى نضجت قبلها، إلا في أمريكا الوسطى والجنوبية.

    ليس من السهل أن نجد أموراً مشتركة بين الحضارات الأولى عدا عن اعتمادها الكامل على الزراعة المحلية، وإنجازها الكتابة، وتنظيمها المجتمع على مستوى جديد في المدن. وحتى إذا كانت تقنيتها متقدمة بالقياس إلى تقنيات أسلافها غير المتحضرين، فإن مصادر الطاقة فيها مازالت قوة عضلات الحيوان والإنسان التي كانت تستخدمها لتلبية أغراضها المادية.

    وقد ظل شكل تلك الحضارات وتطورها يتحددان إلى درجة كبيرة ببيئتها، ولكن بدأت تقضم قيود الجغرافية وتزداد قدرة على استغلالها والتغلب عليها. إن تيارات الرياح والمياه التي كانت توجه السفر البحري الباكر مازالت اليوم هي هي، وحتى في الألف الثانية ق.م كان الناس يتعلمون تسخيرها لمنفعتهم، لذلك كانت إمكانيات التبادل والتفاعل بين البشر منذ زمن باكر جداً أوسع بكثير منها في الأزمنة قبل التاريخية.



    طرق التجارة القديمة في الشرق الأدنى

    بعض معالم التطور الزراعي في الحضارات الباكرة

    8000-5000 ق.م زراعة أنواع مدجنة من القمح والشعير، تدجين الغنم والماعز والبقر في جنوب غرب آسيا والأناضول واليونان وفارس وحوض بحر قزوين، انتقال تقنيات الزراعة والحصاد من آسيا الصغرى إلى أوروبا، زراعة الدخن –الجاورس- في الصين.
    3400-3100 ق.م استخدام الكتان لصنع الأنسجة في مصر، وأول دليل على الحراثة وتقليب الأرض وتسميدها فيها.
    3000 ق.م الحمير تستخدم للحمل في مصر، السومريون يزرعون الشعير والقمح والتمر والكتان والتفاح والخوخ والبرقوق والعنب.

    2900 ق.م تدجين الخنازير في شرق آسيا
    2540 ق.م تعتبر بداية صناعة الحرير في الصين
    2500 ق.م الأفيال المدجنة في وادي نهر الهندوس، البطاطا تزرع في البيرو.
    2350 ق.م صناعة الخمر في مصر
    1600 ق.م زراعة الكرمة والزيتون في كريت
    1500-1300 ق.م الشادوف يستخدم للري في مصر، وأدلة على قنوات الماء فيها.
    1400 ق.م المحاريث الحديدية تستخدم في الهند
    1200ق.م الجمال المدجنة في الجزيرة العربية

    لا يجوز إذاً أن نجزم في أصول الحضارات أو أسباب نشوئها أصلاً، لأن الحضارة لم تظهر بطريقة واحدة. لا ريب أنها كانت تنتج عادة من تضافر عدد من العوامل التي تؤهب منطقة معينة لإعطاء شيء معقد يعترف به بعد كحضارة، ولكننا لا نعلم ما هي العوامل التي تسرّع هذه العملية أو تطلقها. لقد كانت البيئات والتأثيرات الخارجية والمواريث الثقافية تختلف من مكان لآخر، لذلك لم يكن تطور البشرية بالسرعة نفسها ولا نحو النتائج نفسها في كل مكان.
    إن البيئة الجغرافية المناسبة هي عامل أساسي، ولكن للثقافة أهميتها أيضاً.
    لقد كان على الشعوب أن تستغل بيئاتها وأن تواجه التحديات، ومن الواضح أن وديان الأنهار كما في بلاد الرافدين ووادي الهندوس والصين ومصر كانت بيئات ملائمة، لأن أراضيها كانت غنية وسهلة الزراعة وقادرة على إطعام جماعات كثيفة من الفلاحين في قرى سوف تنمو لتشكل المدن الأولى. إلا أن الحضارات قد ظهرت أيضاً في بيئات مختلفة جداً
    مثل ميزو- أمريكا وكريت المينوية واليونان، ونحن نعلم عن وجود تأثيرات خارجية هامة في الحالتين الأخيرتين، ولكن مصر ووادي الهندوس أيضاً كانا على اتصال ببلاد الرافدين منذ زمن بعيد جداً.
    وقد تكون الاتصالات الخارجية هامة حتى في حالة الصين، ولو بدت منعزلة عن العالم الخارجي تقريباً للوهلة الأولى.
    كان الناس في السابق يقولون في البحث عن مصدر مركزي واحد للحضارة أتت منه جميع الحضارات الأخرى، ولكن هناك حالة الحضارات المنعزلة في القارتين الأمريكيتين التي يصعب تفسيرها بهذه النظرية، كما أنه من الصعب جداً أن نضع تسلسل هذا الانتشار المفترض بشكل يتفق مع تحسن معلوماتنا عن التواريخ القديمة بفضل استخدام طريقة الكربون المشع.

    الحقيقة أن تمييز الحضارات الباكرة بعد ظهورها أسهل من معرفة طريقة نشوئها، ولا يمكننا إعطاء أحكام مطلقة تنطبق على نشوئها جميعاً. إننا نطلق كلمة حضارة على تفاعل البشر بطريقة خلاقة جداً، عندما تتراكم كمية حاسمة من القدرة الثقافية والموارد المادية، فتتحرر طاقات البشر على التطور الذي يسير عندئذٍ بقوته الذاتية. تضم الحضارة الجهود المشتركة لأعداد أكبر من الناس، وذلك بضمهم معاً في تجمعات أكبر، وإن كلمة حضارة civilization مرتبطة بكلمة لاتينية تعني المدينة city، وقد قدمت المدينة أكثر من أية مؤسسة أخرى ذلك التجمع الكبير والحاسم من البشر، ودعمت الإبداع بأكثر من أية بيئة أخرى، حتى الآن، ففي المدن الأولى استخدمت الثروة الناتجة عن الزراعة لإعالة طبقات الكهنة التي طورت بنى دينية معقدة، وشجعت على تشييد أبنية كبرى لها وظائف أوسع من دورها الاقتصادي، وبهذا خصصت موارد أكبر بكثير من الأزمنة السابقة لأغراض غير الاستهلاك المباشر.
    ومع ظهور الكتابة تركز تخزين الأعمال والخبرات وباتت هذه الثقافة المتراكمة بالتدريج أداة أكثر فأكثر فعالية في تغيير العالم.

    مع قدوم الحضارة ازداد تباين الشعوب بعضها عن بعض سرعة في أصقاع العالم المختلفة.
    إن أوضح حقيقة حول الحضارات الباكرة هي التنوع المدهش بين أساليبها المختلفة، ولكننا نغفل هذه الحقيقة في العادة بسبب وضوحها الكبير.
    لقد سبب قدوم الحضارة تبايناً متزايداً وسريعاً في الملابس والعمارة والتقنية والسلوك والأفكار والأعراف الاجتماعية.
    ولا ريب أن حقبة ما قبل التاريخ قد أعطت مجتمعات تختلف فيما بينها في أنماط الحياة والعادات والذهنية عدا عن صفاتها الجسمانية المختلفة، إلا أن غياب الثروة والتقنية المتخصصة في ذلك الحين قد حد من درجة الاختلاف. أما مع الحضارات الأولى فيصبح التمايز أوضح بكثير، وهو نتيجة للطاقة الخلاقة للحضارة نفسها.
    ومنذ الحضارات الأولى حتى يومنا هذا توجد في الوقت نفسه نماذج متباينة من المجتمعات البشرية التي تؤثر إحداها في الأخرى وتخصبها، سواء كان ما تعرفه إحداها عن الأخرى كثيراً أو قليلاً.
    إن جزءاً كبيراً من هذه القدرة الجديدة عصي على الكشف اليوم، لأن معلوماتنا زهيدة جداً عن حياة الفكر في المراحل الأولى من الحضارة، إلا ما يتعلق منها بالمؤسسات حسبما نفهمها والرموز المقصودة، والإشارات غير المقصودة في الفن والأفكار المجسدة في الأدب.



    الجزء المتحضر من المكسيك وأمريكا الوسطى، قبل زمن الإسبان ( الموسوعة البريطانية).



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. تاريخ ونشأة الزّراعة في العالم
    بواسطة عبير العبير في المنتدى الزراعي العام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-12-2012, 11:40 PM
  2. تاريخ صناعة السكر في العالم
    بواسطة محمد كامل في المنتدى المنتدي العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 28-04-2011, 11:54 PM
  3. تاريخ مصر القديم
    بواسطة الصباح النجار في المنتدى أخبار الدنيا
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-10-2009, 06:34 PM
  4. تاريخ مصر القديمة
    بواسطة الصباح النجار في المنتدى أخبار الدنيا
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-09-2009, 07:04 PM
  5. تاريخ الأسكندرية
    بواسطة خالد محمد كمون في المنتدى أخبار الدنيا
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 13-05-2009, 09:25 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك