سيد قطب.. الأديب والمصلح الاجتماعي

معظم ما كُتب عن سيد قطب تَرَكَّزَ حول فكره وجهاده أو سجنه وتعذيبه وإعدامه، ولكنهلا يُلمّ بحياة هذا الشهيد وجوانبها الأدبية والإصلاحية، كما أنه يهمل فترة الضياعالروحي والصراع النفسي التي أعقبها انضمامه للحركة الإسلامية الإصلاحية، وتبنيهلقضية العدالة الإسلامية دون أن تعرف أن حياته سلسلة متصلة الحلقات لم تشهد تحولاًمفاجئًا أو تغييرًا غامضًا!

نشأة قرويةولد سيد قطب مولدًا خاصةلأسرة شريفة في مجتمع قروي (صعيدي) في يوم 9/10/1906 م بقرية موشا بمحافظة أسيوط، وهوالابن الأول لأمه بعد أخت تكبره بثلاث سنوات وأخ من أبيه غير شقيق يكبره بجيل كامل. وكانت أمه تعامله معاملة خاصة وتزوده بالنضوج والوعي حتى يحقق لها أملها في أن يكونمتعلمًا مثل أخوالهكما كان أبوه راشدًا عاقلاً وعضوًا في لجنة الحزب الوطنيوعميدًا لعائلته التي كانت ظاهرة الامتياز في القرية، واتصف بالوقار وحياة القلب،يضاف إلى ذلك أنه كان دَيِّنًا في سلوكه.

ولما كتب سيد قطب إهداء عن أبيه فيكتابه "مشاهد القيامة في القرآن" قال: "لقد طبعتَ فيّ وأنا طفل صغير مخافة اليومالآخر، ولم تعظني أو تزجرني، ولكنك كنت تعيش أمامي، واليوم الآخر ذكراه في ضميركوعلى لسانك.. وإن صورتك المطبوعة في مُخيلتي ونحن نفرغ كل مساء من طعام العشاء،فتقرأ الفاتحة وتتوجه بها إلى روح أبيك في الدار الآخرة، ونحن أطفالك الصغار نتمتممثلك بآيات منها متفرقات قبل أن نجيد حفظها كاملات".

وعندما خرج إلى المدرسةظهرت صفة جديدة إلى جانب الثقة بالذات من أمه والمشاعر النبيلة من أبيه وكانتالإرادة القوية، ومن شواهدها حفظه القرآن الكريم كاملاً بدافع من نفسه في سنالعاشرة؛ لأنه تعود ألا يفاخره أبناء الكتاتيب بعد إشاعة بأن المدرسة لم تعد تهتمبتحفيظ القرآن.

وفي فورة الإحساس والثقة بالنفس كان لظروف النضال السياسيوالاجتماعي الممهدة لثورة 1919 أثر في تشبعه بحب الوطن، كما تأثر من الثورةبالإحساس بالاستقلال وحرية الإرادة، وكانت دارهم ندوة للرأي، شارك سيد قطب فيهابقراءة جريدة الحزب الوطني، ثم انتهى به الأمر إلى كتابة الخطب والأشعار وإلقائهاعلى الناس في المجامع والمساجد.

الاستقرار في القاهرةذهب سيد قطبإلى القاهرة في سن الرابعة عشرة وضمن له القدر الإقامة عند أسرة واعية وجهته إلىالتعليم وهي أسرة خاله الذي يعمل بالتدريس والصحافة، وكان لدى الفتى حرص شديد علىالتعلمإلا أنه في القاهرة واجه عقبات محصته تمحيصًا شديدًا جعلته يخرج منالحياة برؤية محددة قضى نحبه –فيما بعد- من أجلها.

والتحق سيد قطب أولاًبإحدى مدارس المعلمين الأولية –مدرسة عبد العزيز- ولم يكد ينتهي من الدراسة بها حتىبلغت أحوال الأسرة درجة من السوء جعلته يتحمل المسئولية قبل أوانه، وتحولت مهمتهإلى إنقاذ الأسرة من الضياع بدلاً من استعادة الثروة وإعادة المجد.

واضطرإلى العمل مدرسًا ابتدائيًا حتى يستعين بمرتبه في استكمال دراسته العليا من غيررعاية من أحد اللهم إلا نفسه وموروثاته القديمة. وكان هذا التغير سببًا في الاحتكاكالمباشر بالمجتمع الذي كان لا بد له من أسلوب تعامل يختلف عن أسلوب القرويينوتجربتهم.

فالمجتمع الجديد الذي عاش فيه انقلبت فيه موازين الحياة فيالمدينة السليمة، وبدت في القاهرة سوءات الاحتلال الأجنبي ومفاسد السياسة؛ حيث سادتعوامل التمزق الطبقي والصراع الحزبي وغدت المنفعة وما يتبعها من الرياء والنفاقوالمحسوبية هي الروح التي تسري، ويصف عبد الرحمن الرافعي هذا المجتمع بأنه "مجتمعانهارت فيه الثقافة العربية أمام الثقافة الغربية التي تؤمن بالغرب حتى بلغت في بعضالأحيان حد التطرف في الإيمان بالغرب وبمبادئه إيمانًا مطلقًا". فكيف يواجهها هذاالشاب الناشئ المحافظ الطموح؟كانت صلته بهذا المجتمع صلة تعليم، ثم أصبحالآن مشاركًا فيه، وعليه أن يختار ما بين السكون والعزلة، وبالتالي عدم إكمالتعليمه أو الحركة والنشاط، واختار سيد قطب المواجهة مع ما ينبت معها من عناصرالإصرار والتحدي وعدم الرضا بهذا الواقع المؤلم.

ارتحالفكريواختار سيد قطب حزب الوفد ليستأنس بقيادته في المواجهة، وكان يضموقتذاك عباس محمود العقاد وزملاءه من كتاب الوفد، وارتفعت الصلة بينه وبين العقادإلى درجة عالية من الإعجاب لما في أسلوب العقاد من قوة التفكير ودقة التغيير والروحالجديدة الناتجة عن الاتصال بالأدب الغربي.

ثم بلغ سيد قطب نهاية الشوطوتخرج في دار العلوم 1933 وعين موظفًا –كما أمل وأملت أمه معه- غير أن مرتبه كانستة جنيهات ولم يرجع بذلك للأسرة ما فقدته من مركز ومال؛ فهو مدرس مغمور لا يكاديكفي مرتبه إلى جانب ما تدره عليه مقالاته الصحفية القيام بأعباء الأسرةبالكامل.

وهذه الظروف التي حرمته من نعيم أسلافه منحته موهبة أدبية إلا أنالأساتذة من الأدباء –كما يصفهم- كانوا: "لم يروا إلا أنفسهم وأشخاصهم فلم يعدلديهم وقت للمريدين والتلاميذ، ولم تكن في أرواحهم نسمة تسع المريدين والتلاميذ" كلهذا أدى إلى اضطرابه وإحساسه بالضياع إلى درجة –وصفها الأستاذ أبو الحسن الندوي فيكتابه "مذكرات سائح من الشرق" انقطعت عندها كل صلة بينه وبين نشأته الأولى وتبخرتثقافته الدينية الضئيلة وعقيدته الإسلامية" ولكن دون أن يندفع إلى الإلحاد، وكاندور العقاد حاسمًا في ذلك.

وانتقل سيد قطب إلى وزارة المعارف في مطلعالأربعينيات، ثم عمل مفتشًا بالتعليم الابتدائي في عام 1944 وبعدها عاد إلى الوزارةمرة أخرى، وفي تلك الفترة كانت خطواته في النقد الأدبي قد اتسعت وتميزت وظهر لهكتابان هما: "كتب وشخصيات"، "والنقد الأدبي – أصوله ومناهجه".

وبعد ميدانالنقد سلك سيد قطب مسلكًا آخر بعيدًا: بكتابه "التصوير الفني في القرآن" الذي لاقىمقابلة طيبة من الأوساط الأدبية والعلمية فكتب: "مشاهد القيامة في القرآن" ووعدبإخراج: "القصة بين التوراة والقرآن" و"النماذج الإنسانية في القرآن"، و"المنطقالوجداني في القرآن"، و"أساليب العرض الفني في القرآن"، ولكن لم يظهر منهاشيء.

وأوقعته دراسة النص القرآني على غذاء روحي لنفسه التي لم تزل متطلعةإلى الروح. وهذا المجال الروحي شده إلى كتابة الدراسات القرآنية فكتب مقالاً بعنوان "العدالة الاجتماعية بمنظور إسلامي" في عام 1944.

ولما وضعت الحرب العالميةالثانية أوزارها زادت الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية سوءًا وفسادًاوكانت جماعة الإخوان المسلمين هي أوضح الجماعات حركة وانتشارًا حتى وصلت لمعاقل حزبالوفد كالجامعة والوظائف والريف، وأخذت تجذب بدعوتها إلى الإصلاح وقوة مرشدهاالروحية المثقفين، وأخذت صلة سيد قطب بالجماعة تأخذ شكلاً ملموسًا في عام 1946 ثمازدادت حول حرب فلسطين 1948.

وفي هذا الاتجاه ألف سيد قطب كتاب "العدالةالاجتماعية في الإسلام"، وأهداه إلى الإخوان؛ ثم سافر إلى أمريكا وعند عودته أحسنوااستقباله، فأحسن الارتباط بهم وأكد صلته حتى أصبح عضوًا في الجماعة.

الرحلةإلى أمريكاوجد سيد قطب ضالته في الدراسات الاجتماعية والقرآنية التي اتجهإليها بعد فترة الضياع الفكري والصراع النفسي بين التيارات الثقافية الغربية، ويصفقطب هذه الحالة بأنها اعترت معظم أبناء الوطن نتيجة للغزو الأوروبيالمطلق.

ولكن المرور بها مكنه من رفض النظريات الاجتماعية الغربية، بل إنهرفض أن يستمد التصور الإسلامي المتكامل عن الألوهية والكون والحياة والإنسان من ابنسينا وابن رشد والفارابي وغيرهم لأن فلسفتهم – في رأيه – ظلال للفلسفةالإغريقية.

فكان من المنتظر حين يوم 3/11/1948 في بعثة علمية من وزارة المعارفللتخصص في التربية وأصول المناهج ألا تبهره الحضارة الأمريكية المادية ووجدها خلوامن أي مذهب أو قيم جديدة، وفي مجلة الرسالة كتب سيد قطب مقالا في عام 1951 بعنوان: "أمريكا التي رأيت" يصف فيها هذا البلد بأنه: "شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمةالنمو والارتقاء، بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشريةالأولى، بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك".


المصلحوالأديبامتلك سيد قطب موهبة أدبية قامت على أساس نظري وإصرار قوي علىتنميتها بالبحث الدائم والتحصيل المستمر حتى مكنته من التعبير عن ذاته وعن عقيدتهيقول: "إن السر العجيب – في قوة التعبير وحيويته – ليس في بريق الكلمات وموسيقىالعبارات، وإنما هو كامن في قوة الإيمان بمدلول الكلمات وما وراء المدلول، وإن فيذلك التصميم الحاسم على تحويل الكلمة المكتوبة إلى حركة حية، المعنى المفهوم إلىواقع ملموس".

وكان سيد قطب موسوعيًا يكتب في مجالات عديدة إلا أن الجانبالاجتماعي استأثر بنصيب الأسد من جملة كتاباته، وشغلته المسألة الاجتماعية حتىأصبحت في نظره واجبًا إسلاميًا تفرضه المسئولية الإسلامية والإنسانية، وهذا يفسرقلة إنتاجه في القصة التي لم يكثر فيها بسبب انشغاله بالدراسات النقدية ومن بعدهابالدراسات والبحوث الإسلامية.

وطوال مسيرته ضرب سيد قطب مثل الأديب الذي غرسفيه الطموح والاعتداد بالنفس، وتسلح بقوة الإرادة والصبر والعمل الدائب؛ كي يحققذاته وأمله، اتصل بالعقاد ليستفيد منه في وعي واتزان، ولم تفتنه الحضارة الغربية منإدراك ما فيها من خير وشر، بل منحته فرصة ليقارن بينها وبين حضارة الفكر الإسلامي،وجمع بينه وبين حزب الوفد حب مصر ومشاعر الوطنية، وجمع بينه وبين الإخوان المسلمينحب الشريعة وتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع إسلامي متكامل. واستطاع بكلمتهالصادقة أن يؤثر في كثير من الرجال والشباب التفوا حوله رغم كل العقبات والأخطارالتي أحاطت بهم، وأصبح من الأدباء القلائل الذين قدموا حياتهم في سبيل الدعوة التيآمنوا بها.

العودة والرحيلعاد سيد قطب من أمريكا في 23 أغسطس 1950ليعمل بمكتب وزير المعارف إلا أنه تم نقله أكثر من مرة حتى قدم استقالته في 18أكتوبر 1952، ومنذ عودته تأكدت صلته بالإخوان إلى أن دُعي في أوائل عام 1953 ليشاركفي تشكيل الهيئة التأسيسية للجماعة تمهيدًا لتوليه قسم الدعوة،.

وخاض معالإخوان محنتهم التي بدأت منذ عام 1954 إلى أن أُعدم في عام 1966. وبدأت محنتهباعتقاله – بعد حادث المنشية في عام 1954(اتهم الإخوان بمحاولةإغتيال الرئيسالمصرى جمال عبد الناصر) – ضمن ألف شخص من الإخوان وحكم عليه بالسجن 15 سنة ذاقخلالها ألوانًا من التعذيب والتنكيل الشديدين، ومع ذلك أخرج كتيب "هذا الدين" و"المستقبل لهذا الدين"، كما أكمل تفسيره "في ظلال القرآن".

وأفرج عنه بعفوصحي في مايو 1964 وكان من كلماته، وقتذاك: أن إقامة النظام الإسلامي تستدعي جهودًاطويلة في التربية والإعداد وأنها لا تجئ عن طريق إحداث انقلاب.

وأوشكتالمحنة على الانتهاء عندما قبض على أخيه محمد قطب يوم 30/7/1965 فبعث سيد قطب برسالة احتجاج إلىالمباحث العامة؛ فقبض عليه هو الآخر 9/8/1965 وقدم مع كثير من الإخوان للمحاكمة،وحكم عليه وعلى 7 آخرين بالإعدام، ونفذ فيه الحكم في فجر الإثنين 13 جمادى الأولى 1386 هـ الموافق 29 أغسطس 1966.

من مؤلفاته:

طفل من القرية (سيرةذاتية).

المدينة المسحورة (قصة أسطورية).

النقد الأدبي – أصولهومناهجه.

التصوير الفني في القرآن.

مشاهد القيامة في القرآن.

معالم على الطريق.

المستقبل لهذا الدين.

هذا الدين.

في ظلال القرآن.

كيف وقعت مراكش تحت الحماية الفرنسية؟الصبح يتنفس (قصيدة)

قيمة الفضيلة بين الفرد والجماعة.

حدثيني (قصيدة).

الدلالة النفسية للألفاظ والتراكيب العربية.

هل نحن متحضرون؟هم الحياة (قصيدة)

وظيفة الفن والصحافة.

العدالة الاجتماعية.

شيلوك فلسطين أو قضية فلسطين.

أين أنتيا مصطفى كامل؟هتاف الروح (قصيدة).

تسبيح (قصيدة).

فلنعتمد على أنفسنا.

ضريبة الذل.

أين الطريق؟.