+ الرد على الموضوع
صفحة 4 من 6 الأولىالأولى ... 2 3 4 5 6 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 58

الموضوع: بلاغة القرآن في التعبير بالغدو والعشي والإبكار

  1. #31

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    والقول بهذا أيا ما كان الأمر فيه يقتضي أن يكون الخطاب موجها - بالطبع - إلى المؤمنين(1)، ومناسبة ذلك مع سابقه أنه سبحانه لما وعدهم بحسن مصيرهم فى قوله قبل :

    (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون. فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم فى روضة يحبرون) (الروم/14 ،15)

    لقنهم شكر نعمته بإقامة الصلوات في أجزاء اليوم والليلة(2)، و(سبحان) على هذا مصدر واقع بدل فعل الأمر بالتسبيح، والتقدير (فسبحان الله سبحانا) وعليه تخرج رواية نافع بن الأزرق سالفة الذكر، ويكون المراد بقوله (سبحان) أمر بأن يقولوا (سبحان الله) وهو مجاز كما قلنا عن الصلاة، أو كناية عنها، لأن الصلاة تشتمل على قول
    (سبحان ربي العظيم .. سبحان ربي الأعلى).

    وقد حدا القول بجعل المراد من التسبيح في آية الروم التنزيه وحمل الأمر على ظاهره خلافا لما ذكرنا من حمل وتوجيه خطاب... حدا أصحابه القائلين به لأن يتعسفوا ويجعلوا الخطاب في قوله (تمسون) و(تصبحون) و(تظهرون) تابعا للخطاب الذي قبله في قوله :

    (الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون) (الروم/11)

    فيكون بهذا خطابا موجها للمشركين على طريقة الالتفات من ضمائر الغيبة المبتدئة من قوله :

    (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون. أولم يسيروا في الأرض فينظروا )(الروم/8 ،9)

    ويكون المقصود من قول (سبحان الله) إنشاء تنزيه لله عما نسبوه من العجز عن إحياء الناس بعد موتهم، وإنشاء ثناء عليه . علما بأن هذا الخطاب يفصل بينه وبين الأمر بالتسبيح بالإمساء والإصباح خمس آيات، وفي ذلك فضلا عما دلت القرائن والآيات على نقيضه، من البعد والتكلف ما لا يخفى.

    (1) وليس موجها - كما زعم- إلى المشركين على طريقة الالتفات على ما سنذكر.
    (2) ينظر التحرير 21/66 مجلد 10.

    والزعم بأن الفاء في قوله (فسبحان الله) هي فاء الفصيحة وهي تقتضي اتصال ما بعدها بما قبلها، يرد عليه أن هذا ليس شرطا فيها، وهو إن سلم فإنه لا ينافي كون الخطاب لآهل الإيمان، ولعل هذا ما أشار إليه أبو السعود بقوله:

    الفاء لترتيب ما بعدها بما قبلها، أي إذا علمتم ذلك – يعني مصير من جاء ذكرهم في قوله جل وعلا :

    (وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون) (الروم /16)

    فسبحوا الله تعالى تسبيحه اللائق في هذه الأوقات واحمدوه، فإن الإخبار بثبوت الحمد له تعالى ووجوبه على المميزين من أهل السموات والأرض في معنى الأمر به على أبلغ وجه وآكده(1)، أو أنها للاستئناف أو للابتداء.

    والادعاء بأن الأنسب والأغلب أو المتعين في استعمال مصدر (سبحان)، أن يجعل الخطاب فيه موجها للمشركين لكثرة وروده في القرأن على هذا النحو في مثل قوله :

    (سبحانه وتعالى عما يشركون ) (يونس/)18، (النحل/1)، (الروم/)40، (الزمر/67)

    وعلى ما تقضيه أقوال أئمة اللغة(2).. يرده أيضا- بضميمة القرائن والأدلة سالفة الذكر- هذه الآية الكريمة من سورة الروم، وكذا ما جاء فى نحو قوله جل ذكره فى مخاطبة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - :

    (وسبح بحمد ربك حين تقوم) (الطور/48)

    وقول الأعشى في داليته:

    (وسبح على حين العشيات والضحى).

    (1) تفسير أبي السعود 7/ 54مجلد 4.
    (2) ينظر التحرير 21/65 مجلد10.

    وفي الاعتراض بجملة (وله الحمد في السموات والأرض) في آية الروم بين الظروف إشعار بأن تسبيح المؤمنين لله ليس لمنفعة تعود عليه سبحانه فهو الغني عن العالمين، بل لمنفعة المسبحين أنفسهم، لأن الله محمود في السموات والأرض من غير وقوع الحمد منهم، فهو غني عن حمدهم، وقد أفاد تقديم المجرور في (وله الحمد)، القصر الادعائي لجنس الحمد على الله تعالى، لأن حمده هو الحمد الكامل على نحو قولهم: فلان الشجاع (1).

    وتوسيطه بين أوقات التسبيح إنما هو للاعتناء بشأنه والإشعار بأن حقها أن يجمع بينهما كما ينبئ عنه قوله تعالى:

    (ونحن نسبح بحمدك) (البقرة /30)

    وقوله :

    (فسبح بحمد ربك ) (الحجر /98، والنصر /3)(2)

    ولعل هذا يفسره ما جاء عن عائشة قالت :
    كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده:
    (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)
    يتأول القرآن(3)، وعنها أنها فقدته - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فظنت أنه ذاهب إلى بعض نسائه، فتحستسه فإذا هو راكع أو ساجد يقول :
    (سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت) فقالت:
    بأبي أنت وأمي، إني لفي شأن وإنك لفي شأن آخر (4).
    2- ما جاء في حق الأنبياء السابقين:

    (1) ينظر التحرير 21/ 66 مجلد 10والرازي12/ 451.
    (2) ينظرتفسير أبي السعود 7/ 54 مجلد 4.
    (3) رواه أحمد والبخاري ومسلم.
    (4) رواه أحمد ومسلم والنسائي.



  2. #32

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    هذا وقد ورد في التنزيل صدور الأمر بالتسبيح في حق بعض الأنبياء السابقين لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما في قوله جل شأنه في حق زكريا عليه السلام :

    (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار)
    (آل عمران/41)

    وقوله :

    (قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا. فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوه بكرة وعشيا) (مريم/1-11)

    وكذا قوله فى حق نبى الله داود عليه السلام بعد توجيه الخطاب لخاتم المرسلين - صلى الله عليه وسلم - :

    (اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب. إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق)
    (ص/17- 18).


    وقد كان لأمر التسبيح الصادر من الله على سبيل الإلزام فى حق نبيي الله زكريا وداود، ما يستدعي التعجب من بديع صنع الله، ويستوجب - من ثم - التسبيح على ما أعطى سبحانه من نعم وما أسبغ من فضل، فقد طمع زكريا عليه السلام
    - بعد أن رأى أن الله يرزق مريم عليها السلام فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، أن يرزقه الله الولد وهو وإن كان شيخا كبيرا قد وهن منه العظم، واشتعل فيه شيب الرأس، وكانت امرأته هي الأخرى مع ذلك كبيرة وعاقرا، إلا أنه لم يقطع الرجاء في نيل ما تأمله وصبت نفسه إليه، ثقة منه في رحمة الله وقدرته على خرق نواميس الكون، فراح يسأل ربه ويناديه نداء خفيا وكان الجواب الفوري، الماثل هو ودعاؤه في قول الله تعالى :

    (رب هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء. فنادته الملائكة وهو قائم يصلي فى المحراب أن الله يبشرك بيحيى)
    (آل عمران/28، 29) .
    وقد أعرب بعض المفسرين عن مدى تعجبهم لطلب زكريا، ودعاهم ذلك لأن يقولوا إنما أخفى دعاءه - يعني المفاد من قوله تعالى :

    (إذ نادى ربه نداء خفيا) (مريم/3)

    - لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره، كذا حكاه الماوردي، وكان الوازع لدى زكريا عليه السلام خوفه أن تتصرف عصبته من بعده في الناس تصرفا سيئا، فسأل الله ولدا يرثه في النبوة ويرث من آل يعقوب ويكون مرضيا عند ربه واستجاب الله دعاءه وكان من عجيب ما انتابه من إجابة الله له، أن طلب من ربه أن يجعل له علامة يستدل بها على وجود الولد منه كيما تستقر نفسه ويطمئن قلبه، ولتلك أجابه سبحانه أيضا وقال :

    (آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار) (آل عمران/ 41)

    أي جعلت آيتك التي طلبت، أن تحبس لسانك عن الكلام ثلاثة أيام بلياليهن وأنت صحيح سوي قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة ووهب والسدي وقتادة وغير واحد، اعتقل لسانه من غير مرض ولا علة، وقال ابن زيد بن أسلم كان يقرأ ويسبح ولا يستطيع أن يكلم قومه إلا إشارة، ولهذا قال في آية مريم (فخرج على قومه من المحراب) يعني الذي بشر فيه بالولد (فأوحى إليهم) بإشارة خفيفة سريعة (أن سبحوا بكرة وعشيا) موافقة له فيما أمر به في هذه الأيام الثلاثة زيادة على أعماله وشكرا لله على ما أولاه، كذا قال مجاهد ووهب وقتادة(1)، ويحتمل أنهم كانوا يصلون معه في محرابه هاتين الصلاتين فكان يخرج إليهم فيأذن لهم - يعني بكلام - فلما اعتقل لسانه خرج إليهم كعادته فأذن لهم بغير كلام (2).

    1) ينظر تفسير ابن كثير 3/114وما بعده والرازي 10/413.
    (2) الرازي 10/413 بتصرف.


  3. #33

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    ولكون الأمر في حق داود لا يقل غرابة عما كان في حق زكريا فقد استوجب هو الآخر تسبيحا وتنزيها لصاحب القوى والقدر جل جلاله، وعن غرابة ما في أمره يقول سبحانه:

    (إنا سخرنا الجبال معه)
    أي جعلناها مصاحبة له منقادة ذلولا كالجمل الأنف
    (يسبحن بالعشي والإشراق).

    وقد تباينت كلمة أهل العلم في شأن التسبيح في حق هذين النبيين المباركين
    -عليهما وعلى نبينا أفضل السلام وأزكى التسليم - فارتأى بعضهم أن المراد بالتسبيح في حقهما هو التسبيح اللساني بقول (سبحان الله)، فحملوا بذلك، الأمر على ظاهره والوجه فيه بمقتضى قولهم، أن العادة جارية أن كل من رأى أمرا عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة أو غريب حكمة يقول
    (سبحان الله .. سبحان القادر المقتدر).

    وهكذا كان الأمر في حقهما فزكريا- عليه السلام - لما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر، عجب من ذلك فسبح وأمر قومه بالتسبيح، وبمثل ذلك فعل داود عندما عاين الجبال تؤوب معه وتشاركه - بطريق الاقتداء به - عبادة الله تعالى وتقديسه.وذهب الراسخون منهم إلى أن المراد بالتسبيح الصلاة مجازا بعلاقة الاشتمال، وهو المروي عن ابن عباس وقتادة وجماعة
    (1)وهذا يعني أن ثمة صلاة خاصة بهم كانت تؤدى - كما سبقت الإشارة - في هذين الوقتين، بواقع ركعتين في أول النهار وركعتين في آخره، والظاهر أن هذه من بقية ما ورثوه عن إبراهيم - عليه السلام - .

    وقد كان نبينا صلوات الله وسلامه عليه، يقتدي بهما وبه في صلاته طوال فترة بقائه بمكة قبل أن تفرض عليه الصلوات الخمس، لكونهما ولكونه داخلين فيمن قال سبحانه في حقهم آمرا

    (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) (الأنعام/90)

    يقول البوطي : كان عليه السلام قبل مشروعية الصلاة يصلي ركعتين صباحا ومثليهما مساء(2)
    كما كان يفعل إبراهيم - عليه السلام - (3).


    (1) الآلوسي 16/103 مجلد 9.
    (2) والزعم بأنهما كانتا ركعتين في أي وقت اتفقت كما روي عن الحسن
    [ينظر الكشاف 3/217والآلوسي 21/44 مجلد 12، 24/118 مجلد 13 والبيضاوي
    وحاشيته 7/380 ،8/274]
    يرده تعيين وقتيهما بالعشي والإبكار... وما ذكر في نظم الدرر من أن الصلاتين كانتا الصبح والعصر، وأنه لم يكن أمر في أول الإسلام بغيرهما، وبهما أمر من كان قبلنا، وهما أفضل الصلوات، وكانتا ركعتين ركعتين
    [نظم الدرر 8/276]
    يرد عليه ما جاء في آية (ص) من قوله تعالى :
    (بالعشي بالإشراق)
    إذ من المعلوم أن الصبح إنما يكون قبل شروق الشمس.
    (3) فقه السيرة ص116.

  4. #34

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    والحق أن الأدلة التي اتكأ عليها أولئك الراسخون من غير ما ذكرنا، ترشح القول بحمل التسبيح على الصلاة
    بل وترجح من كفة الذهاب إلى أن الأولين منهما يمثلان في شريعتنا ركعتي الضحى، فقد ذكروا أن تخصيص هذين الوقتين بالذكر واختصاصهما بمزيد شرف، وشدة الموافقة فيهما لقوله تعالى :

    (أقم الصلاة طرفي النهار) (هود/114)

    يصلح أن يكون سببا لتعيينهما للصلاة والعبادة، فإن لفضيلة الأزمنة والأمكنة أثرا في فضيلة ما يقع فيهما من العبادات وهذا أصفى(1)

    ويشعر به مجيئ الأمر بالتسبيح في آية آل عمران عقب الأمر بالذكر الكثير، والتصريح فيها بقيام زكريا
    - عليه السلام - في محراب الصلاة، وذلك في قوله :

    (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب) (آل عمران/39)

    وكذا قوله في آية مريم :

    (فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) (/مريم11)

    كما يشعر به تقييد الوقتين بالباء كما في آيتي آل عمران و ص، أو بالظرفية كما في آية مريم، وكذا الاحتجاج على مشروعية صلاة الضحى بآية (ص).


    (1) ينظر الآلوسي 23/257مجلد 13 والرازي 4/205.

  5. #35

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    ففضلا عما اتفق المفسرون عليه من جواز إطلاق التسبيح عليها بقولهم عنها: (سبحة الضحى) أي صلاة الضحى، وبما روي عن عائشة في شأنها: (وإني لأسبحها) أي لأصليها(1)، فقد ورد ما يدل صراحة على أنها هي بعينها، من ذلك ما جاء عن أم هانئ قالت:

    (دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى الضحى، وقال يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق)(2)

    وعن طاووس عن ابن عباس قال: هل تجدون ذكر صلاة الضحى في القرآن، قالوا: لا، فقرأ

    (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق)

    وقال: كان يصليها داود عليه السلام، وقال:

    (لم يزل في نفسي شيئ من صلاة الضحى حتى وجدتها في قوله:

    (يسبحن بالعشي والإشراق)(3)

    وهي رواية عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء الخراساني عنه، وفي رواية أخرى عنه:
    ماعرفت صلاة الضحى إلابهذه الآية، وثالثة أخرجها الطبراني في الأوسط وابن مردويه عنه أيضا قال :
    كنت أمر بهذه الآية

    (يسبحن بالعشي والإشراق)

    فما أدري ما هي حتى حدثتني أم هانئ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم فتح مكة صلاة الضحى ثمان ركعات . فقال ابن عباس :
    ظننت ان لهذه الساعة صلاة لقوله تعالى :

    (يسبحن بالعشي والإشراق)

    ولأهل الأثر والحديث في صلاة الضحى كلام طويل، وقد ورد فيها كما قال الشيخ ولي الدين العراقي أحاديث كثيرة مشهورة حتى قال محمد بن جرير الطبري:
    إنها بلغت مبلغ التواتر ومن ذلك حديث أم هانئ الذي في الصحيحين، وكذا ما رواه أبو داود من طريق كريب عنها، أنها قالت :
    صلى عليه الصلاة والسلام سبحة الضحى
    ومسلم في كتاب الطهارة من طريق أبي مرة عنها أيضا.

    (1) الرازي 10/413.
    (2) أخرجه الطبراني كما في المجمع2/238

    والسيوطي في الدرالمنثور 5/298وابن مردويه مرفوعا وكرره موقوفا
    وقال الهيثمي : فيه حجاج بن نصير، ضعفه المديني وجماعة ووثقه ابن معين وابن حبان.
    (3) الرازي13/296 وينظر الكشاف3/364 وابن كثير4/30.


  6. #36

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    وفيه ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى، وابن عبد البر في التمهيد من طريق عكرمة بن خالد أنها قالت:

    قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة فصلى ثمان ركعات، فقلت ما هذه الصلاة؟ قال:
    هذه صلاة الضحى(1).

    والزعم بأن تلك الصلاة كانت صلاة شكر من قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك الفتح العظيم صادفت ذلك الوقت، أو أنها كانت قضاء عما شغل به - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة من حزبه فيها،
    خلاف ظاهر الخبر السابق عنها(2).
    وما جاء عن عائشة بنفي صلاة النبي لها حمله القائلون بالإثبات، على نفي رؤيتها ربما في بداية مشروعيتها، وذلك لما ورد عنها بعد ذلك من إثبات كما في نحو ما رواه مسلم وأحمد وابن ماجة أنها قالت:
    كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى أربعا، ويزيد ما شاء الله تعالى .
    وقد شهد أيضا بأنه عليه الصلاة والسلام كان يصليها على ما قال الحاكم، أبو ذر الغفاري وأبو سعيد وزيد بن أرقم وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وأبوالدرداء وعبد الله بن أبي أوفى وعتبان بن مالك وعتبة بن عبد السلمي ونعيم بن همام الغطفاني وأبو أمامة الباهلي وأم هانئ وأم سلمة. ومن القواعد المعروفة أن المثبت مقدم على النافي، على أن رواية الإثبات أكثر بكثير من رواية النفي وتأويلها أهون من تأويل غيرها، وتمام الكلام في ذلك في كتب الحديث والفقه وحسبنا منه ما ذكرنا مما اقتضاه المقام(3).


    (1) ينظر روح المعاني23/257مجلد 13.
    (2) ينظر السابق.
    (3) السابق23/257، 258، 256 مجلد 13..والحواشي الشهابية8/136.


    والحق أن ماسيق قبلا من أمر الصلاتين اللتين كان يؤديهما زكريا في محرابه وأمر بهما قومه، وما ذكر هنا في حق داود عليه السلام، وماقيل في أمر استنباط المفسرين من أنه حيث كانت صلاة لداود وقصت على طريق المدح علم منه مشروعيتها، وأنه عليه السلام كان يصلي مسبحا فيهما لمما يستجمع منه كيفية صلاة من كان قبلنا ويستشف من خلاله أن صلاة البكرة أو الإشراق كانت - بالإضافة إلى ركعتين أخريين وقت العصر بالعشي - مفروضة في حق الأمم السابقة، وأن ذلك أضحى شرعا لنا حتى فرضت الصلوات الخمس، فصارت ركعتا الإشراق بعد فرض الصلوات سنة في حق هذه الأمة، وأن هذا العمل بموجب قوله تعالى في حق نبينا :

    (أولئك الذين هدى الله فبهداه اقتده) (الأنعام/90)

    وقوله في حق أمته :

    (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) (الأحزاب/21)

    وبموجب تقرير شرعنا لها إضافة لما خص الله هذه الأمة ونبيها به – ملزم لنا ويعمل به.
    كما يستكنه مما سبق أن ما روي في الصحيح عن عائشة من أن الصلاة فرضت ركعتين فلما قدم رسول الله

    - صلى الله عليه وسلم - المدينة أقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر(1). مرجح لما قلنا من أن الصلاة المفروضة في بداية الأمر - أعني قبل فرضية الصلوات الخمس، وطوال فترة بقائه - صلى الله عليه وسلم - بمكة - كانت ركعتي الضحى ومثليهما بالعشي، وبعد الأمر بالخمس ليلة الإسراء أقرت الرباعية منها على حالها ركعتين ركعتين في السفر وزيدت في الحضر، وعليه فما نقل عن أبي العالية من أن الصلاتين الواجبتين في ابتداء الحال كانتا متعينتين -وتحديدا -
    بصلاة الصبح والعصر(2)، فيه نظر.


    (1) أخرجه البخاري 350 ،1090ومسلم685وأبو داود1198والنسائي1/225 ،226
    وأحمد1/234والبيهقي3/143وكلهم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
    (2) ينظر الرازي10/413، 11/594.


  7. #37

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    وهذه وإن كانت إطالة لأمر فقهي إلا أن الذي دعى إليها كثرة ما دار بين أهل التأويل من لغط حول مجازية التسبيح في الآيات التي مرت بنا، فهي إطالة استدعاها المقام والقصد منها إثبات صحة ما ارتأيناه من حمل التسبيح على المعنى المجازي له وهو الصلاة.

    هذا وقد أورد الحافظ ابن كثير طرفا مما كان عليه نبي الله داود من أمر العبادة مما يعد معلما لهذه الأمة، وزادا لها في طريقها إلى الله، كما أفاد في تفسيره أن جوانب تعبده عليه السلام لم تكن قاصرة على ما ذكرنا من صلاة ركعتين بكرة ومثليهما عشيا، ونقل عن قتادة قوله :

    (أعطي داود عليه الصلاة والسلام قوة في العبادة وفقها في الإسلام)

    وذكر أنه

    (كان يقوم ثلث الليل ويصوم نصف الدهر)

    وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله:

    (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى، وإنه كان أوابا)

    وهو الرجاع إلى الله عز وجل في جميع أموره وشئونه(1).
    3- ما تعلق بتسبيح الجبال وسجود الظلال:
    (1) ينظر ابن كثير4/29.


  8. #38

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    وعلى نحو ما كانت دلالة التسبيح في حق نبي الله داودعليه السلام مجازية، كذا كانت دلالته في حق الجبال مجازية أيضا وهذا من البداهة بمكان، بله أن المجاز في حق داود منصرف كما قلنا إلى معنى الصلاة، لكون التسبيح جزءا منها فهي علاقة جزئية لمجاز مرسل ، بينا هو في حق الجبال له دلالة مغايرة، فهو تجوز عن التسخير والانقياد وإن كان تسخيرا وانقيادا يحمل معنى الطواعية على ما يدعو إليه نسق الآية ويدل عليه قوله سبحانه :

    (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين)(فصلت/11)

    فالفعل (يسبح) الواقع من نبي الله داودعليه السلام والموصوف به الجبال، مستخدم في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب، ومستعمل في حقهما بمعناه المجازي، وإن اختلفت دلالة المجاز فيهما كل بحسبه.
    ونظير هذا في الحمل على المجاز والقول به جعل التسبيح بمعنى الترجيع، فإن التأويب(1)الذي جاء مرادفا للتسبيح هو في اللغة بمعنى الترجيع وترديد الصوت، وعليه فتكون الجبال الشامخات قد أمرت من قبل القادر المقتدر سبحانه أن ترجع معه وتجيبه بأصواتها وتسبح تبعا له واقتداء به، ويكون المراد من الآية، الإخبار بـأنه تعالى سخر الجبال معه عند إشراق الشمس وآخر النهار، كما قال عز وجل :


    (ياجبال أوبي معه والطير) (سبأ/10) (2)

    وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه إذا مر به الطير وهو سابح في الهواء فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لايستطيع الذهاب بل يقف في الهواء ويسبح معه(3).


    (1) مصدر آب بمعنى رجع،ويجوز فيه:أوبا وأوبة وأيبة وإيابا ومآبا
    [ينظرلسان العرب 1/166مادة (أوب)، كما ينظر3/1591مادة(رجع)].
    (2) تفسير ابن كثير4/29.
    (3) السابق وينظر 3/543.


    وأغرب صاحب (الجمل) حين جعل التسبيح مجازا عن السير، أي أنها كانت تسير إلى حيث يريد فيكون قد جعل السير تسبيحا للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وحكمته، أوعلى اعتبار أن (يسبحن) من السباحة فيكون المعنى :
    سيري معه بالنهار كله(1)، فإن هذا وإن كان له مساعدة من حيث اللفظ في اللغة على اعتبار أن التأويب سير النهار كله والسرى سير الليل كله، إلا أن السياق في الآية لايساعده، وأغرق في الإغراب من ذكر أن التسبيح في حق الجبال إنما هو تقديس بلسان الحال! إذ لا اختصاص بتسبيحهن الحالي بالوقتين، وكذا لا اختصاص له حينئذ بكونه معه، كما أن التقييد بالوقتين المذكورين يأباه(2).

    ونظير ذلك في الغرابة جعل التسبيح للجبال مجازا عن الفيئ، فإن هذا المعنى لايسوغ بحال جعله مجازا عن التسبيح وإن استقام جعله مجازا عن السجود، وليس هذا الأخير قاصرا على الجبال بل يعمها وغيرها مما يتأتى أن يكون له فيئ أو ظل، لذا جاء التعبير به في قوله تعالى:

    (ألم ترأن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب )
    (الحج/18).

    يقول أبو العالية فيما نقله عنه الحافظ ابن كثير:
    ما في السماء نجم ولا شجر ولا قمر إلا يقع لله ساجدا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه، وأما الجبال والشجر فسجودهما بفيئ ظلالهما عن اليمين والشمائل(3).

    والحاصل أن السجود للجبال يصح جعله مجازا عن الفيئ، لأنه لاوجه فيه للاختصاص لكونه واقعا منها ومن غيرها على كل حال، أما التسبيح الذي خصت به مع داوود فله وجه آخر هو ما ذكرناه آنفا واستقر عليه أمرنا.

    (1) ينظر ابن كثير 3/543 والرازي 13/296والآلوسي 23/256 مجلد 13.
    (2) ينظر الآلوسي 23/256 مجلد 13.
    (3) ابن كثير 3/217.

  9. #39

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    وفي التعبير بالمضارع (يسبحن) في حقهن والعدول به عن (مسبحات) مع أن الأصل في الحال الإفراد، دلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال، نظير ما وقع في قول الأعشى:

    لعمري لقد لاحت عيون كثيرة إلى ضوء نار في يفاع تحرق

    فلصيغة الفعل خصوصية في الدلالة على حدوثه، ولا كذلك اسم الفاعل(1).

    ويجئ التعبير بالظرف في قوله تعالى:

    (إنا سخرنا الجبال معه)

    متناغما مع السياق وكاشفا عن عظمة الله وتفرده بالخلق والإيجاد، ومسوقا مساق التعليل لقوة داود - عليه السلام - في الدين وأوابيته إلى مرضاته جل في علاه، ومؤكدا في الوقت ذاته على مدى المشاركة في تأدية هذه المهمة الجليلة، مهمة التنزيه والتقديس لقيوم السموات والأرض.

    والشيئ بالشيئ يذكر فإن المتأمل لآية الرعد:

    (وله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) (الرعد/15)

    يجد مصداق مابين أيدينا، فقد خص فيئ الظلال - بما فيها ظلال الجبال - بالسجود دون التسبيح لكونه الأدوم والأبقى ولأنه الأظهر، لذا ساغ جعله - أعني السجود- مجازا عن الفيئ، قال مجاهد:
    سجود كل شئ فيؤه وذكر الجبال فقال: سجودها فيؤها(2).

    (1) ينظر الكشاف3/346 والآلوسي 23/256 مجلد 13.
    (2) تفسير ابن كثير 3/589.

    ولعدم اختصاص أهل الكفر بسجود ظلالهم بالغدو والآصال، تنوزع في حمل المعنى في آية الرعد على الحقيقة أو المجاز بما لم يتنازع عليه في حمل تسبيح الجبال على المجاز في آية ص، حتى ذهب بعضهم إلى القول بالجمع في آية الرعد بين الحقيقة والمجاز، وعلق أبو السعود على ذلك بالقول بأنه لايخفى ما في الشقوق من النظر(1).

    ومنشأ النزاع يكمن في ضمير (ظلالهم) العائد ـ كما يفيده السياق في الآية - على الكفار والتعبير عن سجودها بقوله: (كرها)، أمر مستغرب إذ أنى لظلالهم أن تخص بالسجود ويتحقق فيها معنى الانقياد وأصحابها أصلا لا يتأتى منهم سجود قط؟ وأنى لمن هذا حالهم أن يجعلوا في مقابلة من عناهم سبحانه بقوله:
    (ولله يسجد من السموات والأرض)

    وهو شامل ـ بالطبع ـ لمن أتوه طوعا من الملائكة وصالحي الإنس والجن وهم الذين يتصور منهم السجود على جهة الحقيقة؟.
    فمن قائل ممن حمل المعنى على ظاهر معناه، إن المراد حقيقة السجود فإن الكفرة حالة الاضطرار يخصونه سبحانه بالسجود كما جاء في قوله تعالى:


    (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين .. العنكبوت/65)

    ومن قائل بجواز أن يخلق الله في الظلال أفهاما وعقولا تسجد بها لله كما خلقها للجبال حين اشتغلت بالتسبيح وظهر فيها آثار التجلي كذا ذكره ابن الأنباري، ومن قائل: إنه عبر بالطوع عن سجود الملائكة عليهم السلام والمؤمنين، وبالكره عن سجود من ضمه السيف إلى الإسلام فراح يسجد لله نفاقا.

    (1) ينظر تفسير أبو السعود 5/12 مجلد3.


  10. #40

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    بيد أن هذه الأقوال جميعا يعكر صفوها مساق الآية، فهي تنبئ بأن العالم كله مقهور لله خاضع لما أراده منه، مقصور على مشيئته لايكون منه إلا ما قدر، وأن الذين يعبدون غيره ويقصدون سواه كائنا من كانوا داخلين تحت القهر، ويدل على هذا تشريك ظلالهم في السجود، وهي ليست أشخاصا يتصور منها السجود بالهيئة المخصوصة، ولكنها داخلة تحت مشيئته تعالى في الإمداد والتقلص والفيئ والزوال فهو يصرفها حسبما أراد، كما قال :

    (أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله) (النحل/48)

    غاية ما هنالك أن في ذكرها إشعار بأنها بريئة منهم ومن فعالهم القبيحة، وفي ذلك إعلام على عظمة الخالق جل وعلا الذي دانت له المخلوقات بأسرها وخضع له كل شيئ.

    كما يعكر صفو القول باختصاص سجود الكافر حال الضرورة والشدة لله سبحانه أن ذلك لا يجدي، فإن سجوده للصنم حال الاختيار والرخاء مخل بالقصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور في قوله :

    (وله يسجد من في السموات والأرض) ( الرعد/15)

    وقوله :

    (ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة) (النحل/49)

    ويلحق بالكافر فيما ذكرنا المنافق الذي لم يخلص في سجوده لله، كذا يعكر صفو القول بأن الله يخلق في الظلال أفهاما وعقولا تدرك معنى السجود وتفعله، وقياسها في ذلك على الجبال، أن الجبال يمكن أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة أما الظل فعرض لايتصور قيام الحياة به، وإنما يكون سجوده بميله من جانب إلى جانب واختلاف أحواله ـ سيما في الوقتين اللذين يظهر فيهما ذلك بوضوح ـ كما أراد سبحانه.


+ الرد على الموضوع
صفحة 4 من 6 الأولىالأولى ... 2 3 4 5 6 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. القرآن و النبات
    بواسطة أم محمد في المنتدى علم النبات
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 03-03-2011, 12:33 AM
  2. القرآن فلاش
    بواسطة كريم يحيى في المنتدى المنتدي الديني
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 16-01-2011, 05:00 AM
  3. قالوا عن القرآن
    بواسطة كريم يحيى في المنتدى المنتدي الديني
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-01-2011, 06:36 PM
  4. التعبير بأقل الالفاظ
    بواسطة البسيط في المنتدى عذب الكلام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-08-2009, 10:37 PM
  5. القرآن كائن حي
    بواسطة كريم يحيى في المنتدى قسم الكتب الدينية
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 05-07-2009, 09:43 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك