ففي التماسه الوجه في زيادة قوله سبحانه في آية الأحزاب
(وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) (الأحزاب/46)
عقب قوله:
(يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) (الأحزاب/45)
وعقب قوله قبل :
(يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا) (الأحزاب/41، 42)
يشير إلى أن النكتة في ذلك مجيئ الآية في سياق تنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مطاعن المنافقين والكافرين في تزوج زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد بن حارثة بزعمهم أنها زوجة ابنه(1) على الرغم من أن نفس العلة أو قريبا منها يمكن التماسها والقول بها في آية الفتح لورودها هي الأخرى - على حد قوله هو- في سياق إبطال شك الذين ارتابوا في أمر الصلح، والذين كذبوا بوعد الفتح والنصر(2) لا سيما مع تعجب المسلمين الصريح من بنود الصلح وقولهم على ما جاء في الصحيحين:
(سبحان الله كيف يرد من أسلم من المشركين إليهم وقد جاء مسلما)
والتفتوا إلى رسول الله يسألونه : أنكتب هذا يارسول الله، قال: نعم، بل مع قول عمر بن الخطاب للرسول
- صلى الله عليه وسلم - على ما ورد في الصحيحين أيضا:
ألست نبي الله حقا قال : بلي، قلت:ألست على حق وعدونا على باطل، قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، قال: بلى، قلت: ففيم نعطى الدنية في ديننا إذن، قال:
إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري
وقول أبي بكر له حين أتاه في هذا :
(إنه رسول الله ولن يعصي ربه ولن يضيعه الله أبدا)
ونظير ذلك في بلوغ التعجب لدى الصحابة غايته، ما جاء في الصحيح عن سهل بن سعيد رضي الله عنه، فقد قال يوم صفين:
(أيها الناس، اتهموا رأيكم، لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله لرددته).
(1) ينظر التحرير 26/157مجلد 12.
(2) ينظر السابق.
ويفاد مما سبق أن الأمر في حمل التسبيح في قوله سبحانه في سورة الأحزاب:
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا) (الأحزاب/41، 42)
على ظاهره بين، بل إنه من الوضوح بمكان، فذكر الله يعني ذكر اللسان وهو المناسب – على حد قول الطاهر – لموقع الآية مما قبلها وما بعدها(1).
أما مناسبته لما قبلها فلما ذكرنا، وأما مناسبته لما بعدها فلأن التسبيح وهو إيقاع التنزيه لفاطر السموات والأرض جل في علاه، عن كل شائبة نقص مما لا يليق به بإثبات أضداد ما لا يليق أو نفي ما لا يليق بقول: (سبحان الله) هو واحد مما يشمله ذكر الله، والوجه في تخصيصه بالذكر، الإشعار ببيان فضله على سائر الأذكار، لكون معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال، وفي سر تقييده بالغدو والآصال، بيان لفضل هذين الوقتين على سائر الأوقات لتعاقب ملائكة الليل والنهار بهما، ولما يتجدد فيهما من نعم الله الظاهرة، إلى غير ذلك مما سبق ذكره في المبحث الأول.
وهذا التقييد وحده، هو في حد ذاته دليل على حمل المعنى على ظاهره، فما بالك وقد توفرت القرائن الأخرى من خلال السياق على جعله على حقيقته وعلى ما هو الأصل فيه، ويأتي على رأس هذه القرائن تقييد الذكر بالكثرة، وإيثار التعبير بكلمة (الآصال) التي لا يتوسع فيها لتشمل ما تشمله كلمة (العشي) لكونها لا تطلق إلا على ما قبيل غروب الشمس مباشرة، وهو ما لا تصح الصلاة فيه، فذكرها مما يعد قرينة أخرى تدل على حمل التسبيح على ظاهره وعلى تخصيص الوقتين به، وعلى جعل القول بأن كلا الأمرين - الذكر والتسبيح- متوجه إليهما- يعني إلى الوقتين بكرة وأصيلا- كقولك صم وصل يوم الجمعة
(2) قولا بادي الضعف، لذا مرضه أكثرهم بقولهم (وقيل)لأنه تجوز بغير ضرورة .
(1) التحرير22/48مجلد11.
(2) الآلوسي 22/60 مجلد 12وينظر الكشاف 3/265.
يقول الشهاب في تعليقه على قول البيضاوي (وقيل الفعلان موجهان إليهما) : قوله :
(وقيل الفعلان) أي اذكروا) و(سبحوه) ومرضه لأنه على تفسيره بغلبة الأوقات، يكون شاملا لهما فلا حاجة لتعلقه بالأول على التنازع(1)، وأضيف أن العطف في قوله (بكرة وأصيلا) ينبو عنه التمثيل بما ذكره الزمخشري والآلوسي من قولك (صم وصل يوم الجمعة)، إذ ليس ثمة ما يدل على التفريق بين الوقتين، ولا ذكر ذلك أحد من أهل العلم، غاية ما يمكن قوله في هذا جواز أن يكون المراد بالذكر المأمور به، تكثير الطاعات والإقبال عليها، فإن كل طاعة من جملة الذكر، ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وأصيلا(2).
وأشد مما ذكر ضعفا ما ادعاه الرازي في موضع مشابه، وتحديدا أثناء تفسيره لقول الله تعالى في حق زكريا:
(واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار) (آل عمران/41)
من استدلال على إرادة الصلاة من التسبيح، من أنا لو حملناه على التسبيح والتهليل لم يبق بين هذه الآية وبين ما قبلها وهو قوله تعالى : (واذكر ربك ) فرق، وحينئذ يبطل، لأن عطف الشيئ على نفسه غير جائز(3)، ويعني بذلك أن التسبيح في معنى الذكر، وعليه فيتعين حمله على معنى الصلاة .
فإن ما ذكره يرد عليه ما بين الذكر والتسبيح من عموم وخصوص، وآية آل عمران وإن صح ما ذكره من أن التسبيح فيها بمعنى الصلاة لما سبق أن ذكرنا من القرائن الدالة على ذلك، إلا أن تعليله سالف الذكر هو الذي فيه نظر، والحقيقة فيه ما ذكرت.
(1) حاشية الشهاب7/495.
(2) كذا ذكره الآلوسي [22/61مجلد12]، وإن أخطأ في قوله بعد: أي الصلاة في جميع أوقاتها أو صلاة الفجر والعصر والعشاء لفضل االصلاة على غيرها من الطاعات البدنية، ولو أنه حمل التسبيح - مع ما نوه به - على ظاهره، لربما كان قولا وجيها ورأيا سديدا.
(3) الرازي4/205.
مواقع النشر (المفضلة)