+ الرد على الموضوع
صفحة 5 من 6 الأولىالأولى ... 3 4 5 6 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 58

الموضوع: بلاغة القرآن في التعبير بالغدو والعشي والإبكار

  1. #41

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    والخليق بالقبول حمل السجود في حق الكفارعلى الانقياد ـ أي على المجازـ والوجه البلاغي في ذلك، أن تحقيق انقياد الكل لله تعالى في الإبداع والإعدام، أدخل في التوبيخ على اتخاذ أولياء من دونه سبحانه، من تحقيق سجودهم له جل وعلا، والنكتة في تخصيص انقياد العقلاء المدلول عليه بقوله في آية الرعد (من) بالذكر مع كون غيرهم أيضا كذلك، أنهم العمدة وانقيادهم دليل على انقياد غيرهم، والوجه في تخصيص الغدو والآصال بالذكر مع أن انقياد الظلال متحقق في جميع أوقات وجودها، ظهور ذلك فيهما(1).

    ثانيا: ما يجمل فيه حمل التسبيح بطرفي النهار على الحقيقة
    وإن كان من حمل للتسبيح على ظاهره وعلى ما هو الأصل المعهود فيه والمعلوم، من ذكر اللسان بقول (سبحان الله) واعتقاد تنزيهه سبحانه من السوء، والثناء عليه بالخير لا سيما في وقتي الغدو والآصال لما يتجدد فيهما من نعم الله الظاهرة ، فهو يمثل فيما أومأت لإفادته دلالات السياق وقرائن الأحوال في نحو قوله تعالى :

    (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا. لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا)(الفتح/8،9)

    وقوله :

    (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا) (الأحزاب/42)

    وقوله :

    (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا. ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا) (الإنسان/25، 26).

    1) آية الفتح والمناسب لعود الضمير في معطوفاتها

  2. #42

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    (1) ينظر السابق وينظر الآلوسي 13/182 مجلد8.أورد الآلوسي في آية الفتح وتحديدا في قوله منها:
    (وتسبحوه)
    قراءة ابن مسعود وابن جبير:
    (وتسبحوا الله)

    كذا بالاسم الجليل مكان الضمير(1)، وتلك – لعمري- قرينة كافية تدعو لعدم الالتفات لرأي القائلين بعود الضمائر الثلاث في (وتعزروه وتوقروه وتسبحوه) إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعلى رأس هؤلاء الإمام البقاعي في نظم الدرر، ليكون المعنى على زعمه وزعمهم :

    (أرسلناه إليكم لتؤمنوا به وتعينوه على كل من ناوأه وتجتهدوا في حسن اتباعه وفي تبجيله وإجلاله، وتنزهوه عن كل وصمة من إخلاف الوعد بدخول مكة والطواف بالبيت الحرام ونحو ذلك(2)
    إذ في تأويل الأخير من هذه المعطوفات الثلاثة على هذا المعنى من التكلف ما لا يخفى.

    على أن عود الضمير في الأولين منها أي في قوله جل شأنه :

    (وتعزروه وتوقروه)

    لأقرب مذكور أعني للرسول- صلى الله عليه وسلم - لقوله قبلها :

    (لتؤمنوا بالله ورسوله)

    مع كاف الخطاب العائد عليه أيضا في قوله قبل:

    (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) (الفتح/8)

    لمما يوهن هو الآخر- بضميمة ما تأكد لنا من عوده في (تسبحوه) إلى الله في القراءة سالفة الذكر- من شأن الميل إلى جعل الضمائر الثلاث لله سبحانه، وهو ما ترجح لدى الزمخشري والآلوسي والبيضاوي والطاهر(3) ومن لف لفهم وحجل بقيدهم لكون المعنى حينذاك:
    أرسلناه إليكم لتنصروا الله وتوقروه وتعظموه وتنزهوه، إذ في تقدير الآية على هذا النحو من الإخلال بالمعنى وبعود الضمائر في (وتعزروه وتوقروه) ومن استعمال كلمة التعزير بالذات التي هي في معنى الإعانة والإمداد بأسباب القوة اللتين حاشاه سبحانه أن يتصف بهما لكونها مما لا يليق بجلال الله وعظمة سلطانه ما لا يخفى.

    (1) ينظر روح المعاني26/146مجلد14.
    (2) ينظر نظم الدرر7 /193.
    (3) ينظر على الترتيب المذكور الكشاف 4/542 وروح المعاني 26/146 مجلد 14 وتفسير البيضاوي 8/520 والتحرير 26/156 مجلد 12 .



  3. #43

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    والعجب كل العجب أن يجنح أئمة التفسير إلى مثل هذا القول المؤدي إلى هذه اللوازم الشنيعة، بل والمفضي إلى ما هو أشنع منها بما ورد في الكلمة من قراءات أخرى، فقد قرأ الجحدري (تعزروه) بفتح التاء وضم الزاي مخففا، وفي رواية عنه فتح التاء وكسر الزاي مخففا، وروي هذا عن جعفر الصادق - رضي الله عنه - ، وقرأ بضم التاء وكسر الزاي مخففا، وقرأ ابن عباس ومحمد بن اليماني :

    (تعززوه) بزاءين من العزة أي تجعلوه عزيزا (1).

    (1) الآلوسي 26/146 مجلد14 وينظر الكشاف 3/543 .

    والزعم بضرورة القول بهذا، لئلا يلزم فك الضمائر من غير ضرورة، على ما ادعاه الآلوسي، وأورده الشهاب في حاشيته على البيضاوي(1).
    وكذا الزعم بأن من فرق الضمائر فقد أبعد على ما ذكر الزمخشري(2)، زعم باطل، ذلك أن فك الضمائر والذهاب مذهب عود الأولين منها إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعود الثالث إليه سبحانه - فضلا عن تعين القول به لدلالة السياق من خلال المعنى وعود الضمائر، وللقراءة الواردة عن ابن مسعود وابن جبير- هو من الطي والنشر، أو ما يسمى باللف والنشر.
    وهذا من أعظم أبواب المحسنات المعنوية في علم البديع، وهو على ما ذكر البلاغيون: أن يذكر متعدد - كما هو الحال في النظم الكريم :

    (وتعزروه وتوقروه وتسبحوه)

    ثم يذكر ما لكل من أفراده شائعا من غير تعيين اعتمادأ على تصرف السامع في تمييز ما لكل واحد منها، ورده إلى ما هو له، وهو في هذه الآية - على ما ترجح لدينا - يتمثل في جعل الأولين عائدا إلى الرسول، وفي الأخير راجعا إلى الله، وفي العود على هذا النحو من تهيئة النفوس وإعدادها كيما تتلقى ما يذكر من النشر العائد في الآية إلى اللف قبلا ما فيه.

    وحسب صاحب الذوق البلاغي أن يدرك كيف وقع العود على الطريقة الذي ذكرنا موقعه، وكيف تمت الفائدة على أتم وجه وأحسنه، وتحقق الغرض بأبلغ ما يكون، وحسبه كذلك أن يأتنس للوقوف على جمال هذا الصبغ من البديع، بتلاوة قوله سبحانه :

    (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) (القصص/73)

    وقوله :

    (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب)
    (الإسراء/12)

    وقول ابن الرومي مادحا:
    آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم في الحادثات إذا دجون نجوم

    (1) الآلوسي 26/146 مجلد 14 والشهاب 8/521 .
    (2) الكشاف 3/542 .
    فيها معالم للهدى ومصابح تجلوا الدجى والأخريات رجوم(1)


  4. #44

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    فإذا ما تقرر هذا – وهو متقرر بمشيئة الله تعالى – فإن الأليق لمعنى التسبيح في الآية الكريمة من سورة الفتح، أن يجعل المعنى فيه على ظاهره، وقد تنبه لهذا ونوه إليه الدامغاني(2) وله في ذلك حق فالمقام مقام تعجب والآية مدنية وليس فيها ما يدعو إلى القول بحث المؤمنين على صلاة بغداة أو عشي، وليس فيها كذلك ما يشير من قريب أو بعيد إلى تواقيت للصلاة على نحو ما سبق في آيات هود وطه والروم، وتأتي التسبيح فيها من المؤمنين للرسول - صلى الله عليه وسلم - في البكرة والأصيل أعني في الوقتين المخصصين لذلك فيما يجئ عادة لإفراد الله سبحانه بالتقديس إجلالا وتعظيما وتنزيها، أمر لا يقبله من له مسكة من عقل.

    فلا جرم إذن والحال هكذا من جعل الأمر بالتسبيح بحمد الله مسوقا لحث المؤمنين، والصحابة منهم على جهة الخصوص، على تنزيهه سبحانه والثناء عليه بماهو أهل، أن أرسل فيهم نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - شاهدا ومبشرا ونذيرا، و

    (إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)
    (آل عمران/164)

    وذلك يستلزم أن يكون التقدير في الآية والمعنى: أرسلناه إليكم لتؤمنوا به وتقووا من أزره وتعينوه على إظهار دينه على كل دين، وعلى مناصرة دعوته، وتمنعوا عنه كل ما يكيده - مبالغين في ذلك - باليد واللسان والسيف والجنان، وأن تؤثروه على أنفسكم ولا تجهروا له بالقول تعظيما له وتفخيما ولا تقدموا بين يديه، وأن تسبحوا من من به عليكم كل بكرة وكل عشية حمدا له وشكرا.

    (1) دجون : أظلمن

    والمعالم : جمع معلم وهو مايستدل به على الطريق
    والدجى : جمع دجية وهي الظلمة
    والرجوم : الشهب.
    (2) ينظر الوجوه والنظائر للدامغاني 1/ 447.

  5. #45

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    ولا حجة فيما ذكره الطاهر وهو من مؤيدي عود الضمائر الثلاثة على الله، من أن إفراد الضمائر مع كون المذكور قبلها اسمين، دليل على أن المراد أحدهما وأن القرينة على تعيين المراد، ذكر (وتسبحوه)(1).
    لأنا نقول إن إفراد الضمائر مع كون المذكور قبلهما اسمين، لا يمنع من أن يكون الأولان منها راجعين إلى الاسم الأخير، بل هذا هو الأوقع لكونه الأقرب ذكرا والأوفق في عود الضمير، والأدخل في تصحيح المعنى.

    وغني عن البيان أن نشير إلى أن لفظ (التسبيح)، ما جاء في القرآن – على كثرته – إلا وهو مصروف إلى الله، وشذوذ هذا الموضع عن القاعدة بلا سبب بل ومع وجود ما يفيد عكسه هو شذوذ في الفهم.
    2) السياق والمقام في آية الأحزاب :
    والغريب في أمر ابن عاشور أن يسوق ما جاء في نظير ذلك من آية الأحزاب


    (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا) (الأحزاب/41، 42)

    ويذهب به إلى العكس مما ذكره في آية الفتح، وحجته الواهية في ذلك اختلاف السياق، على الرغم من أن كلامه في اختلاف السياق هذا، هو غاية في التناقض.

    (1) التحرير22/48 مجلد11.



    يتبع


  6. #46

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    ففي التماسه الوجه في زيادة قوله سبحانه في آية الأحزاب

    (وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) (الأحزاب/46)

    عقب قوله:

    (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) (الأحزاب/45)

    وعقب قوله قبل :

    (يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا) (الأحزاب/41، 42)

    يشير إلى أن النكتة في ذلك مجيئ الآية في سياق تنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مطاعن المنافقين والكافرين في تزوج زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد بن حارثة بزعمهم أنها زوجة ابنه(1) على الرغم من أن نفس العلة أو قريبا منها يمكن التماسها والقول بها في آية الفتح لورودها هي الأخرى - على حد قوله هو- في سياق إبطال شك الذين ارتابوا في أمر الصلح، والذين كذبوا بوعد الفتح والنصر(2) لا سيما مع تعجب المسلمين الصريح من بنود الصلح وقولهم على ما جاء في الصحيحين:

    (سبحان الله كيف يرد من أسلم من المشركين إليهم وقد جاء مسلما)

    والتفتوا إلى رسول الله يسألونه : أنكتب هذا يارسول الله، قال: نعم، بل مع قول عمر بن الخطاب للرسول
    - صلى الله عليه وسلم - على ما ورد في الصحيحين أيضا:

    ألست نبي الله حقا قال : بلي، قلت:ألست على حق وعدونا على باطل، قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، قال: بلى، قلت: ففيم نعطى الدنية في ديننا إذن، قال:
    إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري

    وقول أبي بكر له حين أتاه في هذا :

    (إنه رسول الله ولن يعصي ربه ولن يضيعه الله أبدا)

    ونظير ذلك في بلوغ التعجب لدى الصحابة غايته، ما جاء في الصحيح عن سهل بن سعيد رضي الله عنه، فقد قال يوم صفين:

    (أيها الناس، اتهموا رأيكم، لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله لرددته).

    (1) ينظر التحرير 26/157مجلد 12.
    (2) ينظر السابق.
    ويفاد مما سبق أن الأمر في حمل التسبيح في قوله سبحانه في سورة الأحزاب:

    (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا) (الأحزاب/41، 42)

    على ظاهره بين، بل إنه من الوضوح بمكان، فذكر الله يعني ذكر اللسان وهو المناسب – على حد قول الطاهر – لموقع الآية مما قبلها وما بعدها(1).
    أما مناسبته لما قبلها فلما ذكرنا، وأما مناسبته لما بعدها فلأن التسبيح وهو إيقاع التنزيه لفاطر السموات والأرض جل في علاه، عن كل شائبة نقص مما لا يليق به بإثبات أضداد ما لا يليق أو نفي ما لا يليق بقول: (سبحان الله) هو واحد مما يشمله ذكر الله، والوجه في تخصيصه بالذكر، الإشعار ببيان فضله على سائر الأذكار، لكون معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال، وفي سر تقييده بالغدو والآصال، بيان لفضل هذين الوقتين على سائر الأوقات لتعاقب ملائكة الليل والنهار بهما، ولما يتجدد فيهما من نعم الله الظاهرة، إلى غير ذلك مما سبق ذكره في المبحث الأول.

    وهذا التقييد وحده، هو في حد ذاته دليل على حمل المعنى على ظاهره، فما بالك وقد توفرت القرائن الأخرى من خلال السياق على جعله على حقيقته وعلى ما هو الأصل فيه، ويأتي على رأس هذه القرائن تقييد الذكر بالكثرة، وإيثار التعبير بكلمة (الآصال) التي لا يتوسع فيها لتشمل ما تشمله كلمة (العشي) لكونها لا تطلق إلا على ما قبيل غروب الشمس مباشرة، وهو ما لا تصح الصلاة فيه، فذكرها مما يعد قرينة أخرى تدل على حمل التسبيح على ظاهره وعلى تخصيص الوقتين به، وعلى جعل القول بأن كلا الأمرين - الذكر والتسبيح- متوجه إليهما- يعني إلى الوقتين بكرة وأصيلا- كقولك صم وصل يوم الجمعة
    (2) قولا بادي الضعف، لذا مرضه أكثرهم بقولهم (وقيل)لأنه تجوز بغير ضرورة .

    (1) التحرير22/48مجلد11.
    (2) الآلوسي 22/60 مجلد 12وينظر الكشاف 3/265.
    يقول الشهاب في تعليقه على قول البيضاوي (وقيل الفعلان موجهان إليهما) : قوله :
    (وقيل الفعلان) أي اذكروا) و(سبحوه) ومرضه لأنه على تفسيره بغلبة الأوقات، يكون شاملا لهما فلا حاجة لتعلقه بالأول على التنازع(1)، وأضيف أن العطف في قوله (بكرة وأصيلا) ينبو عنه التمثيل بما ذكره الزمخشري والآلوسي من قولك (صم وصل يوم الجمعة)، إذ ليس ثمة ما يدل على التفريق بين الوقتين، ولا ذكر ذلك أحد من أهل العلم، غاية ما يمكن قوله في هذا جواز أن يكون المراد بالذكر المأمور به، تكثير الطاعات والإقبال عليها، فإن كل طاعة من جملة الذكر، ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وأصيلا(2).

    وأشد مما ذكر ضعفا ما ادعاه الرازي في موضع مشابه، وتحديدا أثناء تفسيره لقول الله تعالى في حق زكريا:

    (واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار) (آل عمران/41)

    من استدلال على إرادة الصلاة من التسبيح، من أنا لو حملناه على التسبيح والتهليل لم يبق بين هذه الآية وبين ما قبلها وهو قوله تعالى : (واذكر ربك ) فرق، وحينئذ يبطل، لأن عطف الشيئ على نفسه غير جائز(3)، ويعني بذلك أن التسبيح في معنى الذكر، وعليه فيتعين حمله على معنى الصلاة .
    فإن ما ذكره يرد عليه ما بين الذكر والتسبيح من عموم وخصوص، وآية آل عمران وإن صح ما ذكره من أن التسبيح فيها بمعنى الصلاة لما سبق أن ذكرنا من القرائن الدالة على ذلك، إلا أن تعليله سالف الذكر هو الذي فيه نظر، والحقيقة فيه ما ذكرت.

    (1) حاشية الشهاب7/495.
    (2) كذا ذكره الآلوسي [22/61مجلد12]، وإن أخطأ في قوله بعد: أي الصلاة في جميع أوقاتها أو صلاة الفجر والعصر والعشاء لفضل االصلاة على غيرها من الطاعات البدنية، ولو أنه حمل التسبيح - مع ما نوه به - على ظاهره، لربما كان قولا وجيها ورأيا سديدا.
    (3) الرازي4/205.

  7. #47

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    ويتعين من خلال كل ما سبق من مقدمات جعل العطف في قوله (وسبحوه) على (واذكروا) من عطف الخاص على العام اهتماما بالخاص لأن معنى التسبيح، التنزيه عما لا يجوز على الله من النقائص فهو من أكمل الذكر لاشتماله على جوامع الثناء والتحميد، ولأن في التسبيح إيماء إلى التبرؤ مما يقوله المنافقون في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - .

    وكلمة (سبحان الله) يكثر أن تقال في مقام التبرؤ من نسبة ما لا يليق إلى أحد(1)، لاسيما إذا تعلق الأمر بسيد الأولين والآخرين صلوات الله عليه.
    والسر البلاغي في هذا العطف، عطف (وسبحوه ) الخاص على (اذكروا) العام، الإشعار بالعناية بأمر الخاص وتعظيم شأنه وذلك بذكره مرتين، مرة مندرجا تحت العام، ومرة بلفظه، ومثل هذا اللون من الإطناب الذي اقتضاه المقام واستدعاه السياق وجاء مطابقا لمقتضى الحال، مطلوب وهو مما كثر وروده في القرآن، وحسبنا مما جاء فيه قول الله تعالى :


    (تنزل الملائكة والروح ) (القدر/4)

    وقوله :

    (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) (البقرة / 238)،

    فذكر جبريل معطوفا على الملائكة على الرغم من دخوله في عداد المعطوف عليهم يؤذن بمزيد تكريم له وعظم شأن في حقه، وكأنه جنس آخر غير جنس الملائكة، وعطف الصلاة الوسطى وهي واحدة من الصلوات داخلة في عمومها يجيئ تنبيها إلى مزية المعطوف وزيادة فضله .. وهكذا دواليك.
    الأمر الذي يعني شيوع هذا اللون من العطف في جيد الكلام وأبلغه كلما اقتضاه المقام ودعت إليه الأحوال ..

    فأنى لما جاء على صورته وورد على شاكلته أن يدعى فيه نحو ما ادعاه الفخر الرازي من أنه من عطف الشيئ على نفسه، ويحكم عليه من ثم بعدم جوازه؟

    (1) التحرير 22/48مجلد 11بتصرف.

  8. #48

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    يقول الزمخشري بعد أن نص على أن التسبيح من جملة الذكر وأفصح عن حمل الأمر فيهما على ظاهره:
    إنما اختصه من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل - يقصد في قوله تعالى

    (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) (البقرة/98) - .

    ليبين فضله على سائر الأذكار لأن معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال وتبرئته من القبائح، ويستطرد منوها عن مكانته وقائلا :
    ومثال فضله على غيره من الأذكار فضل وصف العبد بالنزاهة من أدناس المعاصي، وبالطهر من أرجاس المآثم، على سائر أوصافه من كثرة الصلاة والصيام والتوفر على الطاعات كلها والاشتمال على العلوم والاشتهار بالفضائل ا.هـ)(1)، وهو في معنى ما ذكر.
    ولعل الوجه في هذا العطف، وفي تخصيص الذكر المأمور به أولا بالكثرة دون التسبيح ،أنه بتفسير الذكر الكثير بما يعم أغلب الأوقات لا تبقى حاجة إلى تعلق الظرفين المختصين بالفعل الأول كذا ذكره الآلوسي(2)، وبمثل ما ذكره تلتمس العلة فيما دلت القرائن عليه، لا أن يضرب عنها وعن معلولها الصفح ويثني عنهما العطف، وسيأتي الكلام - بمشيئة الله تعالى- عن معنى الذكر الكثير وعن فضله إبان حديثنا عن مقام الحث عليه بالمبحث الثالث.

    (1) الكشاف 4/265.
    (2) روح المعاني22/60مجلد 12بتصرف.

    لكن ما تجدر الإشارة إليه هنا أنه وابتناء على ما سبق، فإن اطلاق الذكر في وقتي التسبيح في نحو قوله تعالى:

    ( واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا) (الإنسان/25)

    جمعا بين الأدلة وطرقا للباب على وتيرة واحدة، يرجح أن يكون من إطلا ق الكل وإرادة الجزء فيكون بذلك من المجاز المر سل لعلاقة الكلية، ولا يبعد أن يدخل في هذا قوله تعالى في سورة الأعراف :

    (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) (الأعراف/205)

    ليفيد إطلاق الذكر كي يعم سائر الأحوال والأوقات، وتقييد الوقتين المذكورين بأفضله وأشمله وهو التسبيح فيكون من باب حمل المطلق على المقيد، كما أن التسبيح يطلق – على ما سبق تقريره - ويراد به الصلاة مجازا.
    ثالثا: ما يجمل حمله من التسبيح على معناه الكنائي
    سبق أن ذكرت أن من مشهور إطلاقات العرب قولهم:


    (إني لآتيه بالغدايا والعشايا) يرومون به استدامة المجئ واستمراره، وقد جاء القرآن في هذا على طريقتهم في التكنية بهذين الوقتين عن نفس هذا المعنى، ومن الأمثلة الواضحة في ذلك قوله سبحانه عن أهل الجنة:

    (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) .( مريم/62).

    وقد صدرت عبارات كثيرة من أهل التأويل تشير إلى أن المقصود بذكر الوقتين فيما كان الأمر فيهما بالدعاء مثلا أو بالتسبيح أو الذكر، استيعاب الزمان والدلالة على الدوام، وعقبت على ذلك بضروة أن توضع الآيات تلك في سياقاتها لتفهم وتحمل على وجهها الصحيح، ذلك أنه يشتم من كلامهم، أنهم يقصرون المعنى فيما يمكن حمله على الكناية كما في الآية المذكورة وكذا ما جاء على شاكلتها على معنى الاستدامة ويجعلونه حقيقة فيه، وربما حملوا الآية بسبب هذا ما لا تحتمل، والذي ينبغي الالتفات إليه أن الكناية أخت الحقيقة إذ ليس هنالك ما يمنع من إرادة المعنى الأصلي للفظ مع المعنى الكنائي، وذلك ما أراده البلاغيون بقولهم عنها أنها: (لفظ أطلق وأريد به لازم معناه، مع جواز إرادة معناه الأصلي).

    وعلى نحو ما أغرب البعض في الاقتصار على المعنى الكنائي لما يحسن حمله عليه، كما فعل ابن عاشور والآلوسي مثلا في تناولهما لقوله سبحانه :

    (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) ( الأنعام/52)

    على ما ذكرته لهما قبلا، لم يتوسط آخرون فقصروه على الحقيقة وربما حملوا المعنى في الآية بسبب هذا أيضا ما لا تحتمل، ونذكر على سبيل المثال ما ذكره الطاهر في معنى الغدو والآصال الواردين في قول الله تعالى :

    (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ) (النور/36، 37)

    يقول: المراد بالغدو: وقت الغدو وهو الصباح، لأنه وقت خروج الناس في قضاء شئونهم، والآصال جمع أصيل وهو آخر النهار(1)، مع أن سياق الآية ناطق بغير ذلك، ولك أن تستشعر مصداق ذلك عندما تبصر صدر الآية ذاتها، وكذا وأنت تقرأ قوله تعالى بعد :

    (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .. الآية).

    (1) التحرير 18/248مجلد 9.

  9. #49

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    هذا وقد تردد المفسرون في متعلق الجار والمجرور في قوله :

    (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال)

    فقيل هو من تمام التمثيل المشار إليه في قوله قبل:

    (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونه لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيئ عليم) (النور/35)،

    فيكون للجار والمجرور متعلق، هو الفعل المذكور (يوقد)، والمعنى: يوقد المصباح في بيوت أذن الله لها أن ترفع وهذا ما قاله الرماني، وقيل إن شبه الجملة متعلق بمحذوف وهذا المحذوف صفة لمشكاة على ما ذكره الحوفي ونقله عنه الآلوسي وابن عاشور، والمعنى: مثل نوره كمشكاة مستقرة أو كائنة في بيوت أذن الله أن ترفع، وما بينهما اعتراض، أو صفة لمصباح، وقيل بل للزجاجة.
    ومهما يكن من أمر فشبه الجملة على هذه الأقوال الأربعة قيد للممثل به قصد منه المبالغة فيه، وسوغ مجيئ (بيوت) جمعا مع أن موصوفه المحتمل (مشكاة) أو (مصباح) أو (زجاجة) مفرد، كون المراد بذلك الموصوف الجنس، فتساوى الإفراد والجمع لذا كان تنوين الموصوف للنوعية لا الفردية(1).

    (1) ينظر روح المعاني 18/254مجلد 10 والتحرير18/245 وما بعدهامجلد 9.والأظهر عندي أن يكون متعلق الجار والمجرور أعني في قوله (في بيوت) هو الفعل (يسبح)، ولا يرد على ذلك أن فيه تكرير لشبه الجملة المتعلق به لكون قوله (فيها) الذي وليه متعلق به أيضا، أو وجود أكثر من متعلق بالفعل الواحد … لأنا نقول أن لهذا التكرير سره البلاغي وهو التأكيد والتذكير بما بعد في الجملة، والإيذان بأن ما تقدم من شبه الجملة هو للاهتمام بتلك البيوت والتشويق إلى متعلق المجرور وهو التسبيح، ويكون قوله (في بيوت)…إلخ، غير مرتبط بما قبله لكونه استئنافا قصد به بيان حال من حصلت لهم الهداية لذلك النور والإشادة ببعض أعمالهم(1)، ونظير ما ذكر في التكرير للتأكيد قوله تعالى:

    (ففي رحمة الله هم فيها خالدون) (آل عمران/107)(2).

    وفي النسق الكريم من آية النور تنويه بالمساجد وإعلام بضرورة إيقاع الصلاة والذكر فيها كما في الحديث:
    (صلاة في المسجد - أي الجماعة- تفضل صلاته في بيته بسبع وعشرين درجة).

    (1) ينظر السابقين.
    (2) وفي مغني اللبيب -هو من توكيد الحرف بإعادة ما دخل عليه مضمرا، وليس الجار والمجرور توكيدا للجار والمجرور، لأن الظاهر – لكونه أقوى- لا يؤكد بالضمير، وليس المجرور به بدلا بإعادة الجار لأنه لا يبدل مضمر من مظهر وإنما جوزه بعض النحاة قياسا - .



  10. #50

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    ويعضد من شأن هذا المساق المعبر فيه بالظرفين والمشاد فيه بملازمة المسجد وبمواصلة الذكر والدعاء فيه سيما في الوقتين المباركين، ما ينبئ به أمثال قوله تعالى مثنيا على الصحابة الكرام عليهم الرضوان:

    (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) (الأنعام/52)،

    وقوله :

    (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) (الكهف/28)

    وكذا ما جاءت به الأحاديث الدالة على فضل المشي إلى المساجد والتردد عليها وانتظار الصلاة فيها بعد الصلاة من نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - :

    (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح)(1)

    وقوله :
    (ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط)(2)

    وقوله :
    (لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)(3)

    وقوله:
    (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده)(4)

    وقوله:
    (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)

    ثم تلا قوله تعالى:

    (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) (التوبة/18) (5)

    إلى آخر ما جاء في هذا، والوجه في تخصيص الرجال في الآي والأحاديث، أنهم الغالب على المساجد والذين الأصل فيهم أن تكون صلاتهم بها كما في الحديث:

    (ورجل قلبه معلق بالمساجد).

+ الرد على الموضوع
صفحة 5 من 6 الأولىالأولى ... 3 4 5 6 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. القرآن و النبات
    بواسطة أم محمد في المنتدى علم النبات
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 03-03-2011, 12:33 AM
  2. القرآن فلاش
    بواسطة كريم يحيى في المنتدى المنتدي الديني
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 16-01-2011, 05:00 AM
  3. قالوا عن القرآن
    بواسطة كريم يحيى في المنتدى المنتدي الديني
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-01-2011, 06:36 PM
  4. التعبير بأقل الالفاظ
    بواسطة البسيط في المنتدى عذب الكلام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-08-2009, 10:37 PM
  5. القرآن كائن حي
    بواسطة كريم يحيى في المنتدى قسم الكتب الدينية
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 05-07-2009, 09:43 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك