+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 16

الموضوع: التاو (( إبتهالات إالى إمرآة من برج العقرب ))

  1. #1

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي التاو (( إبتهالات إالى إمرآة من برج العقرب ))

    التاو



    رواية




    صالح احمد الشبلي

    بعلبك شتاء 2000




    كلمات البحث

    راعي عام زراعه عامة .انتاج حيواني .صور زراعية .الصور الزراعية .هندسة زراعية.ارانب. ارنب.الارنب.خضر.خضار.خضر مكشوفة.محصول.محاصيل.المحاصيل.ابحاث زراعية.بحث زراعي.بحث مترجم.ترجمة بحثية.نباتات طبية.نباتات عطرية.تنسيق حدائق.ازهار .شتلات.افات.افة.الافة.حشرات.حشرة.افة حشريا.نيماتودا.الديدان الثعبانية.قمح.القمح.الشعير.الارز.ارز.اراضي طينية. اراضي رملية.برامج تسميد.استشارات زراعية .برامج مكافحة.امراض نبات .الامراض النباتية.مرض نباتي.فطريات .بكتيريا.كيمياء زراعية .الكيمياء الزراعيه.تغذية .التغذية.خضر مكشوفة.صوب زراعية.السمك.زراعه السمك.مشتل سمكي. زراعة الفيوم.مؤتمرات زراعية.مناقشات زراعية.التقنية.براتمج نت.برامج جوال.كوسة, خيار,طماطم.بندورة.موز.بطيخ؟خيار.صوب.عنكبوت.ديدان.بياض دقيقي.بياض زغبي.فطريا



  2. #2

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    أنفاسهُ المتلاحقة كانت تتكاثف بخاراً على الزجاج البارد لنوافذ الباص. اقترب بوجهه من الزجاج حتى أحس ببرودته تلسع أرنبة أنفه ،كل شيء مظلم .. الأرض ، السماء ، البيوت .. السيارات .. مضت عدةُ دقائق على مغادرة المدينة . كان البخار يتكاثف أكثر وأكثر ليحول بينهُ وبين رؤية الظلام .. مدَّ سبابتهُ تجاه النافذة . ليكتب على الزجاج وفي البخار .. إسماٌ طالما كان رفيقه في أسفاره الكثيرة
    (.. ل .. ي ..)
    - : الخائنة …
    أحس بسبابته تنقبض فجأة ثم بقبضته تنعصر ثم بأصابعه جميعاً تنفرج وبحركةٍ عصبية سريعة مسح بقعة البخار فلم يبقَّ منها إلا آثار ، ألقى برأسه الذي أثقلته الهموم والأفكار إلى المسند الخلفي . وفرك كلتا يديه لإزالة ما علق في يِّدهِ من أثار الرطوبة وكمن يبحث عن شيء مهم جداً . راحت يده تنتقل و بسرعة من جيب لأخر .. حتى استقرت أخيراً في أحدها . لتخرج وبين إصبعيها لفافة تبغٍ من النوعية الرديئة عبث بها بين أصابعه قليلا .ً
    لحظة شرود من لحظات الشرود الكثيرة التي أصبحت تلاحقه طوال يومه. خلالها كانت اليد الثانية قد وجدت علبة الكبريت .
    وراح يرقب لون النار الجميل الدافئ بعد أن أشعل لفافته
    لحظة الشرود مرةً أخرى ..
    - آه ..
    رمى بالعود على الأرض ونظر إلى أثر الحرق على أصابعه .
    - : الخائنة …
    كانت سحب الدخان تُجرَّحُ صدره . لكنه كان يستلذ بالتهامها بسرعة .ونفثها بسرعة أكبر .. كانت سحب الدخان تستمر بجرحه وهو يستمر بتلذذه ..
    تجرحه
    يستلذ
    تجرحه .. يستلذ ..
    لقد أصبح يدخن بشراهة غير معقولة في الأيام الستة الماضية .. أصبح يلتهم التبغ التهاماً ..
    لطالما أقسم لأصدقائه في هذه الأيام الأخيرة وهو يقول لهم لو لم أكن أدخن لمتُّ أو جننت من ساعتها .. عندما كانوا يلومون عليه إفراطه في التدخين ..
    أشعل لفافةً أخرى قبل أن يسحق الأولى تحت كعب حذائه بقوة .. ولما يآبه لنظرة الضيق في عيون بقية الركاب .. ولا لمحاولات المعاون بمنعه من التدخين .. استطاع بصعوبة أن يغير وضع جلسته التي ملَّ منها في المقعد الضيق
    نظر مرةً أخرى الى الزجاج . مازال الظلام يزداد ..ويزداد.... ويزداد ..
    لم يبقَّ في الدنيا إلا الظلام – ظلام في كل مكان - والليل يخيم على الأرض شعر لوهله أن هذا الباص تابوت جماعي .. وإن هذه الأرض قبرٌ كبيرٌ مظلم
    ابتسم للخاطر الأخير .. – إنه يتمناه –
    قطرة .. اثنتان .. ثلاثة ..
    وبدأت قطرات المطر تتوالى تباعاً لتصطدم كلها الزجاج المواجهة له دون غيره – هكذا أحس – كانت تلتصق للحظة ثم تسيل كخيط من الدموع .. …
    هل بكت السماء لخاطرهِ الأخير .؟! ..ربما ..
    نظر الى المعالم البسيطة التي بدت من صورته المتموجة على الزجاج .. تبين فيها ذقنه السوداء التي استطالت أكثر من المعتاد .. شعرهُ الذي نسي شكل المشط منذ أسابيع وبقايا عيونٍ ذابلة أرهقها السهر ..شفاههُ وأسنانه التي رسم عليها التبغ والقطران والنيكوتين رسوماً صفراء
    تململ قليلاً .. دسَّ يدهُ تحت معطفهِ .. شعر بالدفء .. تحسس المسدس إنه ما زال في مكانه .. تحسس علبة الرصاص .. إنه لم ينساها
    - (( : الخائنة .. سأقتلها .. سأقتلها .. وأقتله .. ))
    رمى برأسه للخلف .. ونظر لأعلى بمحاولةٍ لكبح جماح دمعةٍ .. أحس أنها ستفر من عينيه .. في تلك اللحظة ..استمر على تلك الوضعية .. دون تركيز .. دون تفكير .. دون حركة ..لا شيء سوى الظلام .. وهدير محرك السيارة وقطرات المطر التي تسيل على الزجاج

    رويداً .. رويداً .. بدأت رائحة الياسمين والجوري تعبق في الباص .. يا للذاكرة التي توقظ عطور نيسان وشباط لماَّ يبدأ . بعد

  3. #3

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    يسمونها عروس الفرات . لطالما اعتقدت أن السبب في ذلك هو كونها الأجمل بين مدن الفرات…
    لكني بعد أن عشت فيها ما عشت وعرفت فيها ما عرفت .. ومن عرفت
    ابحث عن سببٍ أخر للتسمية .. أعتقد – وهذا اعتقاد شخصي – أن هذه التسمية ما هي إلا أسلوب بلاغي من تلك الأساليب التي تزخر بها لغتنا العربية على نفس مبدأ وصف الأعمى بالبصير ..
    كل شيء فيها مختلف .. بدأٌ من إسمها ( دير الزور) مروراً بجهاتها وعاداتها وأزقتها وأهلها وأمورٌ أخرى ستعرفها إذا ما زرتها وإنتهاءً بطقسها وهذا أول ما يلفت النظر
    فالطبيعة في دير الزور مختلفة عن بقية أنحاء الأرض _ هي ليست جميلة..لكنها مختلفة – فدورة الفصول فيها مثلاً تدير الرؤوس .. حيث أنك تجد فصلاً واحداً يمتد ويتطاول ويبتلع الفصول واحداً تلو الأخر غير خجلٍ من روائحهِ ولا من ذبابهِ أو عجاجه أو سمومه أو حشراته ….
    – إنه الصيف …
    الصيف الذي يسيطر على ثلثي العام لوحده . بينما بقية الفصول المسماة بالخريف والشتاء والربيع تمر بخجل وبسرعة .. مرور الكرام .. متحدةٌ بفصل واحد يصعب عليك معرفة أي فصل من الفصول الثلاثة هوّ .َ
    مكان واحد في دير الزور تشعر أنه وجد خطأ في هذه المدينة .. إنه تلك المنطقة المحيطة بالجسر المعلق ..
    ففي أي وقت من العام و أي وقت من اليوم تقف هناك تشعر ان وروداً جديدة تفتحت بقلبك ، دعك من حرارة آب وأمطار كانون إن ربيع القلب لا يعترف بكل هذه الأمور ..
    ربما لهذا السبب إضافة الى تطرف هذا لمكان عن المدينة وهدوئه وكثر ظلالهِ ومقاعدهِ ومخابئهِ ..... أصبح أشهر مكان للمواعيد الغرامية في دير الزور وأكثرها رومانسية وحرية ..
    إنه مكان يضج بالجمال والحب والسكون ... لم يكن يقطع ذلك السكون ، سوى وقع أقدامه البطيء الرتيب على الطريق الإسفلتي للجسر المعلق .
    كانت الساعة التي تطـوق معصمه الأيسر تشير للتاسعة والربع صباحــاً - مازال الوقت مبكراً ..
    قال هذه الكلمة وتحرك يميناً حتى سار ملاصقاً للحاجز الأيمن للجسر .المصنوع من حبال معدنية سميكة وطويلة تتخللها كتل معدنية ضخمة جداً .. وراحت أصابع يده وبحنوٍ غريب تتحرك فوقها ببطئ بمحاولةٍ لمسح غبار غير موجود ..
    دقق النظر جيداً .. كانت هناك بقايا خطوط زرقاء باهتة فعل الزمن فيها فعلته فكاد أن يخفيها ..
    إنها لعبة الزمن المفضلة - النسيان –
    وبدأ يتهجى حروفها وما كان ليستطيع قراءتها لولا أنها خطوط يدهُ .
    ( غريب – إنه اسمه – ثم رسمٌ لقلبٍ صغير يتخلله سهم ثم ليلى ) ووضع تحتها تاريخ كتابة الذكرى 29/6/1998 م الساعة الواحدة ليلا
    مشروع ابتسامة كانت ترفرف حول شفتيه وسيلٌ من الدماء والعواطف والآهات كان يتدفق من قلبه .. اتكأ بكلتا يديه على الكتلة المعدنية الضخمة .. رويداً .. رويداً .. بدأ الفرات يداعب أذنيه بأغاني العشق والحنين والحزن .. وبدأ نهر الذكريات بالفيضان ليعيد للبال ذكرى أيام قريبة . بعيدة . ما نساها أبداً .. بـدأ الماضي يتراكض أمام عينيه بكل ما فيه و بكل من فيه ما زالت ذاكرته تحتفظ بصورة ذاك الشاب الريفي – الريفي حتى الصميم- ببشرته التي كثيراً وكثيراً جداً ما داعبتها الشمس حتى أكسبتها سمرةً ذهبية بلون القمح .. ويديه اللتين ترك الريف عليهما شقوقه التي يسمُ بها أبنائهُ .. وثيابه التي لا تدل عـلى أنهُ سمع بشيء يسمى الموضة ..
    هاهو تراه قادماً من بلدته البعيدة ليتم دراسته الجامعية في المدينة التي احتضنت كـل آلامه وجراحاته وقتلت كل آماله وأحلامه وعلمته ما معنى الخبث والخداع كان ذلك منذ سنين أربعة ..
    وبدأت عجلة الأيام بالدوران وتوالت الأحداث .. لقد أحب دير الزور وأخلص لها الحب . أما هي فخدعته .. وأخلصت له الخداع .. ازداد حبه لها .. وازداد خداعها له .. خدعته بأضوائها وأنوارها وبريقها ومظاهرها .. ومساحيقها التي أخفت تحتها ما أخفت
    أصبح يقسم أن دير الزور هي جنة عاد المفقودة أو هي الفردوس الذي طرد منه آدم ..
    ومر عام تلاه عام أخر وعرف فيها معنى جراح القلب والروح .. وعرف فيهما كل أوليات الحياة .. أول كأس خمراً .. أول سهرة في ملهى .. أول ليلة مع امرأة أول لفافة تبغ .. أول كذبة ..أول رفيق سوء .. و..أول .. حب … و..أول فشـل في الحب
    تتالت الوجوه والأسماء … بسرعة .. اسمان فقط .. توقف ليلتقط أنفاسه عندهما ..
    ( زهور ,قمر .. )
    كان كل منهما في يومٍ ما .. عالمٌ كامل بالنسبة له .. زهور ابنة البحر .. وقمر بنت الفرات ..
    كانت إحداهما حبه الأول .. والأخرى حبه الأخير ... ومرَّ العام الأول والثاني وذهبا بسلام ولم يتركا سوى ذكرى رائعة وجرحٌ تكفل الزمن به
    حتى كان عامه الثالث .. عندما بدأ وجه الدير يتكشف له على حقيقته .. وشيئاً فشيئاً .. اكتشف انه كان يعيش في وهم .. اسمه دير الزور الجنة .. فالجنة لم تكن جنة وما هي إلا إحدى بنات أفكاره التي ضخمها خياله حتى حولها الى جنة .. وكان الخلاص من هذا الفردوس الزائف هو أقصى ما يتمناه وكعادته دولاب الأيام .. لا يقف عند حدثٍ ولا عند شخصٍ ولا عند تاريخٍ … ويستمر بالدوران .. فيدور … ويــدور
    وتستمر.. الأيام بالانتقال من مستقبل الى حاضر الى ماضي .. ومن أمل الى .. واقع .. الى ذكرى .
    هكذا كانت أيامه في عامه الثالث .. وبدأ يعد الأيام عداً ينتظر اليوم المناسب ليحلق بعيداً عن هذا المكان ليلحق بسربه الذي هاجر الى مغيب الشمس وتركهُ وحيداً هنا ..في الفردوس .؟!..
    حتى انتبه لنفسه في ذلك اليوم وهو يبحث عن المبررات .. أدب .. أخلاق .. جمال غير فاضح .. هدوء .. رزانة.. ذكاء .. طيبة .. وكلها صفات كانت تحوم حولها .. ليلى
    لماذا أحبها . كيف أحبها . متى أحبها . لماذا هي دون غيرها..؟! ودوامة من الأسئلة . بدأ يبحث عن أجوبة ومبررات يقنع بها نفسه هي ليست الأجمل ولا الأذكى ولا الأكثر أدباً وأخلاقاً .. لكنها التي أحبها .. وهي الوحيدة التي استطاعت التسلل لقلبه من كثيرات يحطن به .
    وهكذا بدأت البذرة الغافية في صدره – الحب- تتململ من مكانها وبدأت بالنمو . ترتوي من بريق عينيها وتتدفأ بحنان قلبها .. حتى كبرت وكبرت . وكان ذاك الحب الذي كان …
    وجد من المبررات والأسباب ما يكفي لإقناع أهل الأرض بحبه لها … لكن هل تكفي لإقناعها هيَّ ..؟!..
    وكانت الصداقة.. ثم الصداقة الحميمة .. ثم تلك المرتبة من الصداقة التي يليها الحب مباشرةً ..
    وكان كل ما فيها .. وكل تصرفاتها وابتساماتها ونظراتها .. وكل شيء فيها يقول له (( أحبك .. يا غريب)) ما عدا لسانها ..
    وكان كل شيء فيها يقول له (( متى ستتكلم ..؟! ))
    وكان شيء فيه يهمس .. (( عندما أتأكد من شعورك تجاهي .. )) .
    وبدأت الأيام تتراكض بعد أن كانت تحبو حبواً .. وأصبحت اللحظات تضيع كماء من بين الأصابع .. وبدأت الشجرة تكبر وتكبر في القلبين وكان الصمت أيضاُ يكبر .. وكان البوح صعباً .. وكانت سرهُ الذي يحبه ويخاف عليه من نفسـه………

  4. #4

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    ( - : إنها ليلـى )
    وللحق كانت تلك الليلة .. ليلة شتوية .شتوية بكل ما في الكلمة من معنى .. إنها من الليالي القليلة التي تستطيع أن تتبين من أي فصل هيَّ ... كانت قطرات المطر تقرع زجاج النافذة بعناد ..والبرق ينتظر الفرصة المناسبة لينقض على الظلام فيمزقه وكانت سحب البخار تتصاعد من الشاي الأحمر الساخن لتختلط بسحب الدخان الذي ملأ الغرفة . لكن الخوف من البرد منعهما من تجديد هوائها ..
    وكانت لحظةُ صمتٍ طويلة بين الصديقين اللذين كانا يتزاحمان حول المدفأة الكهربائية الصغيرة .
    وحدهُ صوت أم كلثوم الخافت جداً .. كان يختلط مع صوت المطر . ليعطي للزمن معناه …
    - ماذا قلت يا ساهر.. ليلى ؟!
    - نعم .. يا غريب .. هي من أحب .. ولا أحد سواها ..
    كانت الكلمات ثقيلة كالرصاص .. طويلة كأيام الصوم .. بطيئة كخروج الروح ..
    وعاد الصمت مرةً أخرى ..
    ساهر وللحق كان أول اسم يحضره حينما يعتقد أن له أصدقاء في هذا الفردوس المزعوم ..
    كان ساهر من القلة اللذين نسميهم رجالاً في ذلك الفردوس المنفى . فكان رجلاً بحق ,و أول من يجده الى جانبه كلما ضاقت به الدنيا .. ثقتهما ببعض لا حدود لها لا توجد بينهما حواجز أو حدود أو رسميات . كانا روحُ واحدة في جسدين .. وكان ساهر هو عزائهُ الوحيد في ذلك المكان . لم يكن يخفي عنه شيئاً سوى موضوع ليلى .. لأنه لم يكن يعتبره ملكاً له ..
    ويمكنك أن تبحث عن الثروة كلما اقتربا .فصداقتهما قوية جداً . كحبال من المـاس
    لكنه القدر ..
    – وآهٍ من القدر –
    يأبى إلا أن يسخر منهما معاً .. عندما جعل قلبيهما يدقان معاً لنفس الفتاة .. يا إلهي ما اضيقك أيتها الدنيا .. ليلى .. ليلى ؟!.. ألم يجد غيرها .. لماذا هي بالذات .. آهٍ يا ساهر .. لو تعلم كم أحبها لو تعلم منذ متى أحبها ماذا سأقول لك يا صديقي .. هل اختارك أم اختارها هي ..
    يا إلهي خذ بيدي .. ما أصعب الخيار ..
    - ما رأيك في الموضوع يا غريب ؟!
    - أتقصد ليلى ..؟!
    - نعم ما رأيك فيها .
    - بنت حلال
    - أتعتقد أنها ستوافق
    - ولم لا وأين ستجد شاب مثلك .. ألف بنت تتمناك يا ساهر
    - أنت تقول ذلك لأنك تراني بعين الصديق الوفي
    - هذه الحقيقة يا ساهر
    - على كل أنا أعتمد عليك في هذا الموضوع . واحتاج لمساعدتك
    - وكيف يمكنني ذلك
    - لا أدري .. هذه مشكلتك .. أريدك أن تساعدني .. وأترك لك اختيار الطريقة التي تراها مناسبة .. لا تنسى أنك من أعز أصدقائها ..
    - خيراً .. سأحاول ..
    وفي الخارج مازالت قطرات المطر تقرع زجاج النافذة وما زال البرق ينتظر الفرصة المناسبة وفي الداخل مازالا يتزاحمان حول المدفأة وتتعالى ضحكاتهما الحقيقية والمزيفة .

  5. #5

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    إذا ما قدر لك أن تقف ساكناً على الجسر المعلق وصدف أن اجتاز هذا الجسر بعض الناس فإنك ستشعر باهتزازات خفيفة تسري في جسدك ..
    هذه الاهتزازات وتلك الضحكات المتداخلة مع النكات والتعليقات التي تنطلق من حناجر وأفواه الشبان والصبايا اللــذين بدأوا يجتازون الجسر ، أخرجته من دوامة الذكريات التي كاد أن يغرق فيها وقد ألقـى برأسه المتعب بين راحتيه وهو متكئ بكلتا يديه على الكتلة المعدنية الضخمة التي كتبت عليها تلك الكلمات التي أوشك الزمن أن يمسحها .. اختفت و بسرعة .. الأشباح والصور والأشخاص والذكريات في اللا شيء..
    نظر الى ساعته التي تطوق معصمه الأيسر كانت العاشرة تماماً .. همَّ بمتابعة طريقه .. لكن وكمن خطر على باله شيء مهم . عاد الى تلك الكتلة المعدنية وأخرج قلماً مر به فوق بقايا الخطوط الزرقاء الباهتة وأضاف لها سطراً جديداً كتب فيه ( الأحد 4/10/1998م ) تاريخ هذا اليوم فكأنها كانت مقارنة بين يومه الأخير الذي قضاه في هذا المكان ويومه الأول من هذا العام في نفس المكان ،

    لم يبق في الجسر من المارة .. سواه .. كان يسير ببطئ شديد .. يمتع ناظريه بزرقة المياه وزرقة السماء واخضرار البردي والغرب والطرفاء ويمتع مسمعيه بخرير المياه وخفيف الغرب وصوت العصافير وأنين الجسر ، كانت سمفونية من الألوان والأنغام .. أحس بوردة جديدة تتفتح في قلبه .


    أثناء سيرك في الطريق الممتد من نهاية الجسر المعلق وحتى بداية كلية الزراعة ، حيث يتفرع هناك لفرعين . تقفز لذهنك مباشرة الأسطورة التي تتحدث عن الطريق الذي كان يسلكه هارون الرشيد من الرقة الى بغداد حيث يقال أنه لم يكن يرى الشمس في هذا الطريق لكثرة أشجاره وظلاله .
    المقارنة بين الطريقين تجر مقارنة بينك وبين الرشيد .. شيء من الغرور ثم شيءٌ من الوضاعة ثم لا شيء..
    فعلى يمينك وعلى يسارك تمتد أشجار الأزدرخت الخضراء الضخمة التي تسعى نحو السماء والتي اصطفت بنسقين غاية في الانتظام والروعة .
    ويقال أن هذا الاسم الغريب ( أزد رخت ) ذو أصل فارسي ترجمته الحرفية ((أنا القاتل)) أنت لن تقنع بهذه الترجمة خصوصاً إذا شاهدتها في نيسان وشاهدت جمال أزهارها الزرقاء التي تثير البهجة في النفوس وتذكرك بالبنفسج .
    اندست بين أشجار الأزدرخت هذه وبخجل أشجار الأكاسيا والكازورينا والكينا والصفصاف والصنوبر وخف الجمل والى الخلف قليلاً أشجار المشمش والى اليمين أشجار الغرب والى اليسار أشجار النخيل وشجيرات الزعرور .
    فترى – وبخلفية زرقاء – اللون الأخضر بكل تدرجاته في الصيف وترى الأصفر بكل تدرجاته في بقية فصول السنة . ويكون المشهد أخاذا ، غاية في الروعة عندما تتحد ألوان الطبيعة بألوان الثياب والعيون وأحمر الشفاه لطالبات الكلية والمعاهد والعاملات في الحقول القريبة بعيونهن الجميلة . ويندر أن تسير في هذا الشارع دون أن تصادف أو تجتاز مواكب العشاق بخطواتهم البطيئة وضحكاتهم الخافتة وهمساتهم الهادئة وآهاتهم المحرقة ينظرون إليك دونما إكتراث وغالباً لا ينظرون البتة فهم غائبون عن عالمنا هذا …
    أما الذين لا تتاح لهم مثل هذه الخطوات البطيئة والضحكات الخافتة والهمسات الهادئة والآهات المحرقة فلا تسكن عيونهم لحظة واحدة . فتراها تختلس النظر هنا وهناك و تتلص على هؤلاء وهؤلاء …
    ويبدأ البحث في الذاكرة عن الأسماء ويبدأ الخيال بالعمل لتلفيق الأكاذيب وتفريق المحبين …
    ما قطع هذه السلسلة من التأملات حتى كان وسط زملائه اللذين أبعدتهم عنه العطلة اللعينة الطويلة . وبدآ الإتيكيت .وبدآ العناق و القبلات الحارة تنهال من كل جانب فكان يرد عليها بأحسن منها .
    وكان عناقاً طويلاً وقبلات دافئة وكلمات تنقل صدق المشاعر وإبتسامات نابعة من القلب تلك التي تبادلها مع ساهر .
    - ……..
    - ……..
    - لماذا لم تدخل الى محاضرتك يا غريب .
    - لقد وصلت للتو .
    - حمداً لله ....
    - ………….
    - ………….
    (دقائق قليلة وستخرج … وسآراها..أيعقل ذلك .. هل مضت هذه الأيام المائة بل هذه الأعوام المائة … هل سيغمى عليَّ … هل ستراني … هل سنتحدث سوية.. )



    - ما بك يا غريب .؟.
    - لا شيء
    - ما بك صامتاً ..؟!
    - إنني متعب قليلاً من السفر .
    ( تسألني ما بي يا صديقي .. ليتك تعرف كم سببت لي من الألم … لقد أحرقتني بنيران الغيرة وأنا أرى صداقتك معها تتوطد يوماً بعد يوم .. تلك الصداقة التي شجعتك عليها وباركتها .. لقد إخترتك يا صديقي عندما خيرت ما بينك وبينها .. لكني ما زلت أحبها .. ليتك أنهيت الموضوع يا ساهر .. فاتحتها وإنتهى
    الأمر .. كنت سأكون سعيداً لو وافقت عليك .. صدقني .. وكنت سأخبرك بكل شيء لو رفضتك .. لكنك عذبتني أكثر مما عذبت نفسك وعذبتها .. متى ستكلمها .. متى تنهي هذا الموضوع .. )
    - غريب
    - هاه
    - ما رأيك ؟!
    - بماذا ؟!
    - لا .. أنت لست طبيعي في هذا اليوم .. كنت أقول لك أنني اليوم سأرى ليلى … يا إلهي .. لا تعلم يا صديقي كم أنا مشتاق لها .
    - ألم ترها طوال هذه العطلة .
    - لا.... لكننا كنا نتحدث في الهاتف .
    - …. ليلى ….
    - ………….
    -….. ليلى ….
    ( كانت عيونه تبرق بآلوان عجيبة عندما كان يتحدث عنها … وكانت عيوني أيضاً تبرق بألوان عجيبة أخرى .. كان كل شيء فيه يقول أنه مشتاق لها .. وكان كل شيء فيَّ يقول أنني مشتاق لها
    لكنني الوحيد الذي كان يعرف كل الألوان ويفهم اللغتين ...كان قلبي يرتجف كعصفور صغير تحت مزراب كلما ذكر إسمها .. كذلك كان قلبه – فيما أعتقد – كان قلبانا يغردان معاً لنفس الزهرة … وعلى نفس الشجرة .كانت أربعة عيون صغيرة -على الأقل – ترصد باب الكلية تنتظر معجزة ستحل أو مفاجأة ستحدث أو رسول سينزل أو ملاك سيخرج منه .
    في ذلك المكان حيث المشهد أخاذٌ غايةٌ في الروعة عندما إتحدت ألوان الطبيعة بألوان الثياب والعيون وأحمر الشفاه ولحظات الانتظار .

  6. #6

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    بحثت عنه – تحسست صدري .. لم أجده – قلبي – تدحرج ، ذاب ، تبخر ، فرَّ ، كطائر سمان فزع لم ينهي بعد بناء عشه . أبحث عن الهواء - لا أجده – أفتح فمي ، أنفي ، أصرخ … لا أحد يسمع ..
    قطرات العرق عنيدة … باردة … باردة … الضباب . الغشاوة . أقطب حاجبي .. كان النور قوياً … ورائحة الياسمين … الجوري ..
    لقد خرجت … ليلى …
    تداخلت العظام – اللحم – العضلات – الأعصاب .
    لا أستطيع .. أكرر المحاولة أكرر – أكرر – لا أستطيع حبال المقعد قوية . الجسد ثقيل . ثقيل جداً – أبقى جالساً – الأصابع البلهاء تتحرك حركات غبية
    - الشاي بارد
    أشرب … أدخن … أضحك … أمسح العرق … (( أخرق ))
    - بعد أذنك يا غريب .
    - بالتوفيق .
    ركض إليها … وقفت تنتظره
    ابتسم لها … ابتسمت له … تكلم … أنصتت … تكلمت … تكلمت … ضحكت … ضحكت … أسنانها … أضراسها … بلعومها …
    (( رائحة الياسمين والجوري تزكم الأنوف ))
    كنت أتقطر من مقعدي … وكان المشهد أخاذاً غاية في الروعة … كانت تقف أمامه وطائر سمان يرفرف حولها .. لم يغمَّ عليَّ .. لم تراني … لم نتحدث …

  7. #7

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    إفتح الفرجار عن أخره وإرسم دائرة ، إملائها بالثلج ، إرسم داخلها وبقلم أسود دائرتان متماستان – إجعلهما كبيرتان – أفرغ فيهما ماء البحر وزرقة السماء . إن كنت رأيت الهلال لحظة ولادته في أول ليلة من الشهر فإرسم هلالاً فوق كل دائرة صغيرة .. وإن لم تره .. فإرسم - بقلم دقيق – خطاً ذهبياً فوق كل دائرة . بين الدائرتين الزرقاوين إرسم – إن أجدت الرسم – أنفاً دقيقاً مستقيماً ألقي تحته حبة كرز ناضجة ندية ويمكن – لو شئت – أن تستبدلها ببتلة جوري أو نقطة دم دافئة . لف الدائرة الكبرى بقطعة قماش بيضاء – ناصعة البياض – ثمينة لامعة – ولتكن من الحرير – صل ما بين بداية قطعة القماش ونهايتها بدبوس معدني صغير لا يكاد يظهر .
    تخيل – لو إستطعت – هيكلاً لآفروديت أو فينوس أو عشتار . ضعه تحت الدائرة الكبرى ، ألقي على الجسد ما إستطعت من الثياب الأنيقة الجميلة ولتكن حريراً أيضا ، وأسكب عليه شيء من رائحة الياسمين والجوري وماء الورد . ثم توضأ وأدعو الله – إن كنت تقياً – أن يسكن أحد ملائكته في هذا الجسد الجميل فإن تحقق دعائك .
    فإن ما تراه … هو من أحب …… ليلى……

  8. #8

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    عبثاً كنت أحاول رسم الإبتسامة . كانت تتضاءل سريعاً … كانت عيوني لو نظر إليها تفضح حقيقة مشاعري .. الغيرة .. كان الدخان يتصاعد كنت أتصنع الملل .. الإهمال .. آتثائب ..أنظر للسقف .. لكني بحقيقتي كنت أنصت لكل حرف ينطقه ولكل كلمة يلقيها .. أجاريه بضحكاته ، لكنه كان يضحك .. لا أستطيع الاستمرار .. أجمع بقايا الخبز البارد .. الطعام البارد .. الشاي البارد .. الكلمات الباردة …
    - صدقني يا غريب … كل شيء فيها كان يقول أحبك .. عيونها – نظراتها – سكتاتها حركاتها – ضحكاتها .. قالت أن العطلة طويلة .. لقد تذكرتني كثيراً .. لقد تكلمنا و تكلمنا .. اليوم كان للكلام طعم أخر
    (( مازال الدخان يتصاعد ))
    - قالت إنها كانت تتمنى أن أكون في نفس قسمها
    - قالت إنها تراني مختلفاً عن كل شباب الكلية (( لم تسأله عني أبداً ….))
    - تريدني أن أداوم غداً في قسمكم … ظل يثرثر ويثرثر وأنا أضمحل وأضمحل .. والأمل يتبخر ويختفي كالدخان .. (( لقد اختارته )) كانت ثرثرته هي هي في الأيام التالية وكنت أنا أضمحل .. كلما نظرت إلي بغرابة ودهشة – وهكذا كان يبدو ليَّ –لم تكلمني لم أكلمها

  9. #9

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    سعاد
    كان الإسم يلح على ذاكرتي بقوة … أهرب … أتناسى …أنسى … لا أستطيع .. كان يلاحقني بأحلامي .. بدفاتري بالوجوه .. بوجه ساهر .. وجه ليلى .. في المرآة ..
    - ألو سعاد …….
    - غريب ……...
    - ………….
    - …………
    - …………. لا تتأخري يا سعاد أنا أنتظرك ؟!
    لحظات دقائق …نظر إلى الساعة .. قبل الموعد .. فتح الباب … مازال إصبعها على الجرس … كان باب الشقة مفتوحاً .. وكان ملتصقين على الأرض … وحقيبتها ملقاة عند الباب ..

  10. #10

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    تتراكض الإبتسامة إلى شفاهك أحياناً أمام منظر طفل صغير يحبو … أو زهرةٍ عَطِرة تتمايل مع النسيم أو حمامة بيضاء تهدل .. أو إمرأة فاتنة تخطر أمامك … السبب الأخير أظهر أسنانه التي لم تكن ناصعة البياض ولا غاية في الإنتظام ، رمقته – تلك الفاتنة – وهي تتناول بطاقتها – بنظرةٍ هي مزيج من الدهشة والإستغراب والسؤال والقرف وأدارت ناظريها عنه وهي تدس البطاقة في حقيبة يدها الجلدية السوداء … ثم سارت تخطو خطو الغزال ، خيل إليه أنه سمعها تهمس ……
    (( سخيف )) ……..
    شلال من الذهب كان يتدفق من قمة رأسها حتى نهاية عمودها الفقري حيث كان يتطاير في الفضاء …وخُطىً بمنتهى الثقة والدلال وثياب صيفية زرقاء وغاية في الأناقة والذوق
    وظل يرقبها مشدوهاً حتى خرجت من باب المكتب .
    - بطاقتك الشخصية يا سيدي (( أعطى الموظف هويته ولما ينظر إليه بعد ))
    - الى أين ؟!
    - دير الزور ….
    - متى ؟!
    - اليوم .. الساعة الواحدة ليلاً ..
    ونظر لساعة يده … (( الحادية عشرة والنصف ليلاً …)) بدأ الموظف يدون المعلومات على بطاقة ورقية صفراء صغيرة ( الإسم – جهة السفر – رقم المقعد ) فيما كان هو يضع المبلغ على الطاولة … وفي الخارج كان الهواء منعشاً … محملاً برطوبة لذيذة … السماء صافية مقمرة والليل يدعو للتسكع ..
    دمشق هي جنة الدنيا حقاً .. وهز رأسه بقناعة راسخة وهو يتذكر قول الرشيد .. (( جنان الدنيا أربع " دمشق والرقة وري وسمرقند "
    دمشق رائعة وجميلة جداً .. هذا صحيح .. لكن لجمالها في الليل طعم أخر وجو أسطوري يحملك لليالي شهرزاد … هذه المدينة لا تعرف النوم أو الهدوء إلا قليلاً .. وسيانٌ لديها الليل والنهار ، أين منها مدينتي التي تغفو كطفلة صغيرة على كتف الفرات والشمس لم تلملم بعد أخر أشعتها عن وجه البحيرة …
    صعد الدرج ووقف قليلاً على حافة جسر السيد الرئيس ثم أتجه جنوباً نحو البرامكة وأنعطف شرقاً وسار بعدةِ أزقة من أزقة دمشق حتى وجد نفسه عند مقهى الحجاز . وهمَّ بأن يسير شرقاً تجاه سوق الحميدية ، لكنه فضل أن يمر بساحة المرجة ولم يدري كم مضى له بالضبط من الوقت و لا أياً من الشوارع إجتاز حتى وجد نفسه في الصالحية .
    دفع الباب .. دخل لمقهى الهافانا .. نظر لساعة يده بعد أن طلب فنجاناً من القهوة السادة ((لم يتبق الكثير ..))
    شرب الفنجان دفعة واحدة .. ونظر علهُ يعرف أحد هؤلاء المشاهير فهو طالما سمع أن هذا المقهى ملتقى لكثير من الأدباء .ليلة البارحة قال له صديقه أنه رأى فيه عبد الوهاب البياتي ومظفر النواب .قد يكونوا أحد هؤلاء الرواد .. ربما...
    مازالت رائحة القهوة تعبق في أنفه ونكهة القهوة تبعث النشاط فيه .
    أقدامه التي حفظت طريق العودة كانت تقوده دونما تفكير منه .. كان يفكر بشيء أخر … (( فراق دمشق )) .. لكم يعز عليه هذا الفراق ..
    تغمره السعادة عند اللقاء وهو يرى أنوار قاسيون تلتقي مع نجوم السماء حتى لكأنك تحسب النجوم تتساقط فوقه
    و آلمٌ كبير يغمره عند الفراق وهو يرى قاسيون يشمخ عالياً عالياً … وقد إلتف بعبائة ٍ سوداء نثرت الآلهة عليها ما إستطاعت من القطع الذهبية …
    الوقت في دمشق يمضي كما البرق . سوى الساعة الأخيرة فيها … تكون بطيئة .. باردة محملة بالحزن .. والآلم..
    - (( لم أتأخر كثيراً )) –
    لم يقلها – لكنه كان يفكر بها عندما رأى – من خلال الزجاج – رؤوس الركاب وقد ملأت كل المقاعد .. لم يفطن لها إن كانت جميلة أو..لا .. حزينةٌمثله بفراق دمشق أو لا …… كانت رؤوساً وكفى …
    صعد الدرجات الثلاثة التي وضعت عند الباب الأمامي ووقف في بداية الممر تماماً ضوء أزرق خفيف هادى بارد عميق غمرةُ …
    أحس أن كل العيون تنظر إليه بلا مبالاة – لا تعجبه نظرتها إليه
    إرتباك
    – وجدها في أخر جيب – كالعادة – البطاقة – بطاقة السفر
    أخرجها .. مع عدة أوراق غير مهمة – فاتورة هاتف – ماء – وصفة طبية – عنوان صديق .. بدأ يبحث عن المقعد رقم (21 ) تقدم ببطئ حاملاً بطاقته بيده ينظر إليها .. 17 .. 18 .. 19 .. 20 .. 21 ونظر كالمصعوق .. جحظت عيناه جمد في مكانه .. يا للحظ
    أي صدفة – أي صدفة سعيدة
    ستكون رحلة رائعة .. ألقى – برفق – هيكله الضخم في المقعد ..
    على يمينه تماماً وعلى بعد عدة سنتمترات بل مليمترات .. كان شلال من الذهب يتدفق من أعلى رأس حسناء ساهمة عنه وربما عن العالم كله تنظر عبر الزجاج النظيف للباص لشيء غير محدد – لم يرَّ ذلك الشيء غير المحدد لكنه إستنتجه –
    الضوء الأزرق للقميص كان صارخاً .. دافئاً .. حاراً .. يكاد يحترق .. لن ينظر إليها – إيتيكيت – لن ينظر.. لن ينظر .. إلتقت العيون ..
    (( لقد نظر ))
    نظرت (( هي ))
    دهشة .. إستغراب .. سؤال .. قرف .. نفس النظرة التي حفظها
    (( من أين جاء .. متى جاء .. سخيف ..))
    خياله يتوقع أسئلةًتدور بخيالها يخجل من نفسه .. لن ينظر مرة أخرى .. أغمض عينيه …
    (( أي عينين .. عيناها؟!.. ))
    يا إلهي .. لم أرَّ لهما شبهاً لم أتخيل لهما شبهاً .. ليس لهما شبه .. بلون الربيع .. بل ربيع أبدي .. لا يعرف الشتاء ، مرجين أخضرين لا حدود لهما .. حقلي قمح بأول نيسان ، قطعتي زمرد وضعتا بعناية على كومة ثلج تشوبها صفرة خفيفة لا تدل على مرضٍ أبداً ..
    نخلتين منفردتين زرعتا على أحد شواطئ هاواي الذهبية – لا تنسى القميص الأزرق –
    * * *

+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك