د. راغب السرجانى : سلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت
أحداث سنة 621 هجرية

في هذه السنة حاول غياث الدين أن يثبت ملكه في منطقة فارس (جنوب وغرب إيران) ولكن حدثت فتنة بينه وبين أحد الأمراء في هذه المنطقة يدعى "سعد الدين بن دكلا"، ودار بينهما قتال طويل استغرق هذا العام حتى رضي الطرفان أن تقسم عليهما البلاد! ولا حول ولا قوة إلا بالله!..
وبينما كان غياث الدين مشغولاً في جنوب إيران بالقتال مع سعد الدين هجم التتار بفرقة تترية صغيرة لا تتجاوز ثلاثة آلاف فارس على مدينة "الري"، ووضعوا فيهم السيف، وقتلوا كيف شاءوا، ونهبوا البلد وخربوه، ثم ساروا إلى مدينة "ساوة" ففعلوا بها كذلك، ثم اتجهوا إلى مدينة "قم" (جنوب طهران الآن) وإلى مدينة "قاشان" فدمروا المدينتين، وقتلوا أهلهما وخربوا ديارهما، ثم قصدوا "همذان" فأبادوا أهلها قتلاً وأسراً ونهباً، وخربوا البلد كما خربوا غيره، ثم عادوا بعد ذلك سالمين إلى جنكيزخان!!..
ثلاثة آلاف تتري فقط فعلوا ما ذكرناه منذ قليل!!..
لقد كثر الله عز وجل التتار في عيون المسلمين، وقلل المسلمين في عيون التتار.. وعظمت هيبة التتار وضاعت هيبة المسلمين..
لماذا؟! لأن المسلمين قد انشغلوا بأنفسهم، وما عادوا يدركون مَن العدو ومَن الصّديق، وبينما كان ينبغي للأزمات أن تجمع الصف المسلم إذا بها تفرقه، وما ذلك إلا لقلة الإيمان في القلوب، ولعظم الدنيا في العيون، ولسوء التربية أو انعدامها في فترات طويلة متراكمة..
وكنتيجة طبيعية جداً لهذه الأدواء الأخلاقية والأمراض القلبية حدث ما ذكره ابن الأثير في معرض كلامه عن أحداث عام 621 هجرية.. قال ابن الأثير:
"وفي هذه السنة قلت الأمطار في البلاد، ثم إنها كانت (أي الأمطار) تجيء في الأوقات المتفرقة مجيئاً قريباً لا يحصل منه الري للزرع، فجاءت الغلات قليلة، ثم خرج عليها الجراد، ولم يكن في الأرض من النبات ما يشتغل به عنها، وكان (أي الجراد) كثيراً عن الحد، فغلت الأسعار في العراق والموصل وسائر ديار الجزيرة، وديار بكر وغيرها، وقلت الأقوات"..
ما حدث في هذه الفترة من مصائب عن طريق الجراد والسنين ونقص الثمرات هو أمر طبيعي جداً، وهو أمر موافق للسنن الإلهية.. وليس من قبيل المصادفة..
وإذا مر على المسلمين زمان شعروا فيه أن الأسعار قد ارتفعت، وأن الغلات قد قلت، وأن الاقتصاد قد تأثر، وأن الحياة قد صعبت، فليراجعوا أنفسهم، وليقفوا مع أنفسهم وقفة للمحاسبة، وليعرضوا أنفسهم على كتاب الله عز وجل..
وحتماً - إن كانوا صادقين - سيجدون المرض، وسيعرفون العلاج..
"ما فرطنا في الكتاب من شيء"..
أحداث سنة 622 هجرية:
في هاتين السنتين خفت القبضة التترية على غرب الدولة الخوارزمية (غرب وشمال إيران) واكتفوا ببعض الحملات المتباعدة، واهتموا بتوطيد ملكهم وتثبيت أقدامهم في شرق الدولة الخوارزمية في مناطق نهري سيحون وجيحون، وفي شمال أفغانستان وشرق إيران..
ولكن حدث أمر جديد في هاتين السنتين، إذ ظهر على مسرح الأحداث فجأة الأمير "جلال الدين بن محمد بن خوارزم"، والذي كان قد فرّ قبل ذلك إلى الهند منذ خمس سنوات (في سنة 617 هجرية)، وذلك أنه لم يستطع إكمال حياته في الهند، فقد كانت العلاقات أصلاً سيئة مع ملوك الهند، ثم إنه وجد أن التتار قد تركوا منطقة فارس نسبياً، وأن جنكيزخان قد عاد إلى بلاده لمعالجة بعض الأمور هناك وترك زعيماً غيره على جيوش التتار، وأن أخاه غياث الدين قد سيطر على معظم أجزاء فارس بعد أن تقاتل مع سعد الدين بن دكلا، واتفقا في النهاية على تقسيم فارس بينهما، وكان النصيب الأكبر لغياث الدين، وتم ذلك في سنة621 هجرية كما أشرنا من قبل..
وجد جلال الدين أن الظروف الآن مواتية للعودة إلى مملكة خوازرم للبحث عن الملك الضائع، ولكنه للأسف لم يدقق النظرة، ولم يشخص المرض الذي أصاب الأمة الإسلامية في ذلك الوقت.. ولم يدرك أنه الفرقة والتشتت والاستهانة بدماء المخالفين من المسلمين كانت من الأسباب الرئيسية لهذه الحالة المخزية التي وصلت إليها أمة الإسلام..
لم يدرك جلال الدين هذه الأمور، ومن ثم فإنه بدلاً من أن يبذل مجهوداً لتجميع الأطراف المتناحرة والأقاليم المتصارعة، دخل إلى مملكة خوارزم وهو يجهز نفسه ليكون طرفاً جديداً في الصراع الإسلامي - الإسلامي!!..
ماذا فعل جلال الدين؟!
لقد عبر نهر السند ودخل إقليم كرمان (جنوب باكستان) ثم تجاوزه إلى جنوب فارس (جنوب إيران) ثم بدأ يجمع حوله الأنصار له، وذهب إلى "سعد الدين بن دكلا" وتحالف معه ضد أخيه غياث الدين!!!!..
وبدأ جلال الدين في غزو إقليم فارس من جنوبه إلى الشمال محارباً أخاه غياث الدين، حتى وصل إلى غرب إيران، وأصبح قريباً من الخلافة العباسية، وكانت العلاقات القديمة بين مملكة خوارزم والخلافة العباسية متوترة جداً، ووجد جلال الدين في نفسه قوة، ووجد في الخلافة ضعفاً، فأعلن الحرب على الخلافة العباسية.. (هذا وجيوش التتار قابعة في شرق إيران!!!) ولا عجب؛ فقد كان جل الزعماء في تلك الآونة مصابين بالحول السياسي الذي أشرنا إليه من قبل، ودخل جلال الدين بجيشه إلى البصرة، وحاصرها لمدة شهرين، ثم تركها واتجه شمالاً ليمر قريباً من بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وخاف الناصر لدين الله الخليفة العباسي على نفسه؛ فحصن المدينة وجهز الجيوش لدفع جلال الدين، ولكن لم يكتف بذلك بل ارتكب فعلاً شنيعاً مقززاً، إذ إنه أرسل إلى التتار يستعين بهم على حرب جلال الدين!!!!
سبحان الله!!!..
أيأتي بالتتار وهو يعلم تاريخهم وحروبهم مع المسلمين ليحاربوا جلال الدين؟! حتى لو كان الظلم كل الظلم في جانب جلال الدين، والحق كل الحق في جانب الخليفة.. أيأتي بالتتار لنجدته؟! أما علم أن التتار إذا قضوا على جلال الدين فإن الخطوة التالية مباشرة هي القضاء على الخلافة العباسية؟!
ماذا أردت يا خليفة المسلمين؟!
أردت أن تطيل فترة ملكك أعواماً قليلة؟!
أردت أن تموت عبداً للتتار بدلاً من أن تكون عبداً لجلال الدين؟!
ليس هذا - بالطبع - دفاعاً عن جلال الدين.. بل نلومه أشد اللوم على تفريق طاقة المسلمين وجعل بأسهم بينهم، وما أشبهه بصدام حسين!! فكما ترك جلال الدين نيران التتار تبتلع ديار المسلمين، وانصرف لحرب الدولة العباسية.. كذلك فعل صدّام يوم كانت أطماع الغرب والشرق تحدق بالأمة في فلسطين وأفغانستان وفي الشيشان وكشمير... فأعرض عن كل ذلك وغزا الكويت!!!
وبرغم كل هذا التدني في الأخلاق وفي السياسة.. إلا أن الحل لا يكون أبدًا أن نأتي بقوة كافرة مهولة مروعة لنزرعها داخل بلاد المسلمين تحل لهم مشاكلهم، وتعالج لهم أمراضهم..
لقد كان الخليفة العباسي الناصر لدين الله كالمستجير من الرمضاء بالنار... كان كمن بغته لص صغير في بيته، فأسرع بالاستنجاد بأكبر لصوص المنطقة، فجاء اللص الكبير وأزاح اللص الصغير، ثم سرق هو البيت، بل ولم يكتف بذلك بل سرق البيوت المجاورة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!..
ومع استعانة الخليفة بالتتار، إلا أن التتار كانوا مشغولين ببسط سيطرتهم في المناطق الشاسعة التي احتلوها, فلم يحدث بينهم وبين جلال الدين قتال إلا في أواخر سنة 622 هجرية.. واستثمر جلال الدين هذه الفترة في بسط سيطرته على المناطق المحيطة ببغداد، ثم شمال العراق ثم منطقة شمال فارس، وبدأ يدخل في أذربيجان وما حولها من أقاليم إسلامية.


كلمات البحث

راعي عام زراعه عامة .انتاج حيواني .صور زراعية .الصور الزراعية .هندسة زراعية.ارانب. ارنب.الارنب.خضر.خضار.خضر مكشوفة.محصول.محاصيل.المحاصيل.ابحاث زراعية.بحث زراعي.بحث مترجم.ترجمة بحثية.نباتات طبية.نباتات عطرية.تنسيق حدائق.ازهار .شتلات.افات.افة.الافة.حشرات.حشرة.افة حشريا.نيماتودا.الديدان الثعبانية.قمح.القمح.الشعير.الارز.ارز.اراضي طينية. اراضي رملية.برامج تسميد.استشارات زراعية .برامج مكافحة.امراض نبات .الامراض النباتية.مرض نباتي.فطريات .بكتيريا.كيمياء زراعية .الكيمياء الزراعيه.تغذية .التغذية.خضر مكشوفة.صوب زراعية.السمك.زراعه السمك.مشتل سمكي. زراعة الفيوم.مؤتمرات زراعية.مناقشات زراعية.التقنية.براتمج نت.برامج جوال.كوسة, خيار,طماطم.بندورة.موز.بطيخ؟خيار.صوب.عنكبوت.ديدان.بياض دقيقي.بياض زغبي.فطريا