يونيو/حزيران 2009، روما - يمكن للتخفيف من آثار الزراعة على تفاقم تغيُّر المناخ لدى البلدان النامية أن يُزيد مرونة القطاع ذاته في مواجهة تطرُّفات ظاهرة التغيُْر المناخي وأنماطها الشاذة... وفي الوقت ذاته خفض مستويات الجوع والفقر، حسبما ذكرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "FAO" في موجز لاستعراض السياسات خلال اجتماعٍ جارٍ بمدينة بون الألمانية تعقده أطراف التفاوُّض الدولية بشأن تغيٍْر المناخ.
وقال الخبير ألكساندر مولير، المدير العام المساعد لدى المنظمة "فاو" أن "الزراعة لدى البلدان النامية إن أضحت أعلى قدرةً على الاستدامة، وإذا رفعت معدلات إنتاجيتها وأصبحت أكثر مرونة في وجه آثار تغيُّر المناخ فإن ذلك قد يُساعد أيضاً في خفض عدد نحو مليار نسمة حالياً من الجياع وإتاحة فرصٍ أفضل للعمل والدخل".
وأفاد الخبير بيتر هولمغرِن، الذي يقوم بدور نقطة الوصل المركزية لدى المنظمة "الفاو" في إطار مفاوضات الأمم المتحدة الجارية حول ظاهرة تغيُّر المناخ، قائلاً أن "الملايين من المُزارعين الفقراء حول العالم بوسعهم المساعدة في تقليص كميات الغازات الُمسبِّبة للاحتباس الحراري"؛ مضيفاً "لكن ذلك يتطلّب قدراً هائلاً من الاستثمارات والمعلومات في المتناول من أجل تغيير أساليب الزراعة غير المُستدامة وتدريب المزارعين على ممارسات التخفيف من وطأتها. ولذا فإن الاتفاقية العالمية الجديدة للمناخ، المنتظر إقرارها في ديسمبر/كانون الأوّل من هذا العام من المُتعيّن أن تتضمّن الزراعة".
آليات لا تَطول المُزارعين
أوضح خبير المنظمة بيتر هولمغرِن أن ترتيبات التمويل العالمية الراهنة، مثل آليّة التنمية النظيفة التي تُطبِّقها معاهدة كيوتو، لا تَطول فوائدها المزارعين لدى البلدان الفقيرة. وأضاف أن ثمة حاجة إلى آليّات تمويلٍ جديدة أكثر مرونة لتحفيز المزارعين، بما في ذلك صغار أصحاب الحيازات على المشاركة طوعياً في جهود خفض غازات الاحتباس الحراري والتخلّص منها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، من الممكن توسعة نطاق آليّة التنمية النظيفة كي تتضمّن خفض العوادم الناجمة عن إزالة الغابات وعن الأنشطة التي تؤدي إلى تدهور الأراضي الحرجية ومناطق الأهوار والمناطق المحصولية والأراضي العُشبية، مما سيُتيح بالتالي تسخير الإمكانيات الكبرى لاحتجاز الكربون الكامنة في التربة والكُتلة العضوية الحيّة فوق سطحها.
من جهةٍ ثانية، ينبغي أن تأتي تمويلات الأنشطة الجارية لمُواجَهة ظاهرة تغيُّر المناخ في قطاع الزراعة لدى البلدان النامية، من مواردٍ جديدة وإضافية إذ يجب أن تُفصَل تلك بوضوح عن المساعدات الإنمائية الرسمية؛ في حين يَتعيّن استشراف موارد التمويل البديلة إستشرافاً كاملاً للوقوف على مجالات الدعم المتبادل الممكنة بين القطاعات.
خلفيّة عامة: الزراعة مصدرٌ وبالوعة
تشكّل الزراعة مصدراً رئيسياً للغازات الُمسبِّبة لظاهرة الاحتباس الحراري إذ تُعَدّ مسؤولةً عن 14 بالمائة من العوادم العالمية المنطلقة من هذه الغازات؛ بينما تُعَدّ تغييرات استخدام الأراضي مثل إزالة الغابات وحدها مسؤولةً عن 17 بالمائة إضافيّة من كميات تلك العوادم.
وخلال الفترة 1990 - 2005، سجّلت عوادم الزراعة لدى البلدان النامية زياداتٍ بنحو 30 بالمائة، ومن المتوقّع أن تواصل الارتفاع.
وفي المقابل، فإن أساليب الزراعة المُستدامة تُتيح خياراتٍ هامة للتخفيف من غازات الاحتباس الحراري، وفي الوقت ذاته زيادة الإنتاجيّة الزراعية. وتتجلّى إمكانيات احتجاز الكربون في التربة من خلال العَزق المخفَّف، والنهوض بإدارة الأراضي العُشبية، واستعادة الأراضي المتدهورة إلى حالةٍ سليمة بوصفها القسط الأكبر من الجهود التخفيف الكامنة والمنشودة التي يملُكها القطاع الزراعي.
وتتضمّن خيارات التخفيف الأخرى الاستخدامات الأعلى كفاءةً للأسمدة، وتحسين إدارة المياه وزراعة الأرز، وغرس الأشجار، وتعديل الأعلاف، والتطبيق المستمر للتنوّع الوراثي الحيواني.