+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 11 إلى 16 من 16

الموضوع: المسلمون الأوائل

  1. #11

    • كريم يحيى
    • Guest

    افتراضي أبوالدرداء - أيّ حكيم كان

    بينما كانت جيوش الاسلام تضرب في مناكب الأرض.. هادر ظافرة.. كان يقيم بالمدينة فيلسوف عجيب.. وحكيم تتفجر الحكمة من جوانبه في كلمات تناهت نضرة وبهاء...وكان لا يفتأ يقول لمن حوله:

    " ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند باريكم، وأنماها في درجاتكم، وخير من أن تغزو عدوّكم، فترضبوا رقابهم ويضربوا رقابكم، وخير من الدراهم والدنانير".؟؟
    وتشرئب أعناق الذين ينصتون له.. ويسارعون بسؤاله:

    " أي شيء هو.. يا أبا الدرداء"..؟؟

    ويستأنف أبو الدرداء حديثه فيقول ووجهه يتألق تحت أضوء الايمان والحكمة:

    " ذكر الله...

    ولذكر الله أكبر"..




    **




    لم يكن هذا الحكيم العجيب يبشر بفلسفة انعزالية ولم يكن بكلماته هذه يبشر بالسلبية، ولا بالانسحاب من تبعات الدين الجديد.. تلك التبعات التي يأخذ الجهاد مكان الصدارة منها...

    أجل.. ما كان أبو الدرداء ذلك الرجل، وهو الذي حمل سيفه مجاهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم، حتى جاء نصر الله والفتح..

    بيد أنه كان من ذلك الطراز الذي يجد نفسه في وجودها الممتلئ الحيّ، كلما خلا الى التأمل، وأوى الى محراب الحكمة، ونذر حياته لنشدان الحقيقة واليقين..؟؟

    ولقد كان حكيم تلك الأيام العظيمة أبو الدرداء رضي الله عنه انسانا يتملكه شوق عارم الى رؤية الحقيقة واللقاء بها..



    واذ قد آمن بالله وبرسوله ايمانا وثيقا، فقد آمن كذلك بأن هذا الايمان بما يمليه من واجبات وفهم، هو طريقه الأمثل والأوحد الى الحقيقة..

    وهكذا عكف على ايمانه مسلما الى نفسه، وعلى حياته يصوغها وفق هذا الايمان في عزم، ورشد، وعظمة..

    ومضى على الدرب حتى وصل.. وعلى الطريق حتى بلغ مستوى الصدق الوثيق.. وحتى كان يأخذ مكانه العالي مع الصادقين تماما حين يناجي ربه مرتلا آته..

    ( ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين).

    أجل.. لقد انتهى جهاد أبي الدرداء ضدّ نفسه، ومع نفسه الى تلك الذروة العالية.. الى ذلك التفوق البعيد.. الى ذلك التفاني الرهباني، الذي جعل حياته، كل حياته لله رب العالمين..!!




    **




    والآن تعالوا نقترب من الحكيم والقدّيس.. ألا تبصرون الضياء الذي يتلألأ حول جبينه..؟

    ألا تشمّون العبير الفوّاح القادم من ناحيته..؟؟

    انه ضياء الحكمة، وعبير الايمان..

    ولقد التقى الايمان والحكمة في هذا الرجل الأوّاب لقاء سعيدا، أيّ سعيد..!!

    سئلت أمه عن أفضل ما كان يحب من عمل.. فأجابت:

    " التفكر والاعتبار".

    أجل لقد وعى قول الله في أكثر من آية:

    (فاعتبروا يا أولي الأبصار)...

    وكان هو يحضّ اخوانه على التأمل والتفكّر يقول لهم:

    " تفكّر ساعة خير من عبادة ليلة"..

    لقد استولت العبادة والتأمل ونشدان الحقيقة على كل نفسه.. وكل حياته..



    ويوم اقتنع بالاسلام دينا، وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الدين الكريم، كان تاجرا ناجحا من تجار المدينة النابهين، وكان قد قضى شطر حياته في التجارة قبل أن يسلم، بل وقبل أن يأتي الرسول والمسلمون المدينة مهاجرين..

    بيد أنه لم يمض على اسلامه غير وقت وجيز حتى..

    ولكن لندعه هو يكمل لنا الحديث:

    " أسلمت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا تاجر..

    وأردت أن تجتمع لي العبادة والتجارة فلم يجتمعا..

    فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة.

    وما يسرّني اليوم أن أبيع وأشتري فأربح كل يوم ثلاثمائة دينار، حتى لو يكون حانوتي على باب المسجد..

    ألا اني لا أقول لكم: ان الله حرّم البيع..

    ولكني أحبّ أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله"..!!



    أرأيتم كيف يتكلّم فيوفي القضيّة حقها، وتشرق الحكمة والصدق من خلال كلماته..؟؟

    انه يسارع قبل أن نسأله: وهل حرّم الله التجارة يا أبا الدرداء...؟؟

    يسارع فينفض عن خواطرنا هذا التساؤول، ويشير الى الهدف الأسمى الذي كان ينشده، ومن أجله ترك التجارة برغم نجاحه فيها..

    لقد كان رجلا ينشد تخصصا روحيا وتفوقا يرنو الى أقصى درجات الكمال الميسور لبني الانسان..



    لقد أراد العبادة كمعراج يرفعه الى عالم الخير الأسمى، ويشارف به الحق في جلاله، والحقيقة في مشرقها، ولو أرادها مجرّد تكاليف تؤدّى، ومحظورات تترك، لاستطاع أن يجمع بينها وبين تجارته وأعماله...

    فكم من تجار صالحين.. وكم من صالحين تجار...



    ولقد كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تلههم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله.. بل اجتهدوا في انماء تجارتهم وأموالهم ليخدموا بها قضية الاسلام، ويكفوا بها حاجات المسلمين..

    ولكن منهج هؤلاء الأصحاب، لا يغمز منهج أبو الدرداء، كما أن منهجه لا يغمز منهجهم، فكل ميسّر لما خلق له..



    وأبو الدرداء يحسّ احساسا صادقا أنه خلق لما نذر له حياته..

    التخصص في نشدان الحقيقة بممارسة أقصى حالات التبتل وفق الايمان الذي هداه اليه ربه، ورسوله والاسلام..

    سمّوه ان شئتم تصوّفا..

    ولكنه تصوّف رجل توفّر له فطنة المؤمن، وقدرة الفيلسوف، وتجربة المحارب، وفقه الصحابي، ما جعل تصوّفه حركة حيّة في ل\بناء الروح، لا مجرّد ظلال صالحة لهذا البناء..!!



    أجل..

    ذلك هو أبو الدرداء، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلميذه..

    وذلكم هو أبو الدرداء، الحكيم، القدّيس..

    ورجل دفع الدنيا بكلتا راحتيه، وزادها بصدره..

    رجل عكف على نفسه وصقلها وزكّاها، وحتى صارت مرآة صافية انعكس عليها من الحكمة، والصواب، والخير، ما جعل من أبي الدرداء معلما عظيما وحكيما قويما..

    سعداء، أولئك الذين يقبلون عليه، ويصغون اليه..

    ألا تعالوا نف\قترب من حكمته يا أولي الألباب..

    ولنبدأ بفلسفته تجاه الدنيا وتجاه مباهجها وزخارفها..

    انه متأثر حتى أعماق روحه بآيات القرآن الرادعة عن:

    ( الذي جمع مالا وعدّده.. يحسب أن ماله اخلده)...

    ومتأثر حتى أعماق روحه بقول الرسول:

    " ما قلّ وكفى، خير مما كثر وألهى"..

    ويقول عليه السلام:

    " تفرّغوا من هموم الدنيا ما استطعتم، فانه من كانت الدنيا أكبر همّه، فرّق الله شمله، وجعل فقره بين عينيه.. ومن كانت الآخرة أكبر همّه جمع شمله، وجعل غناه في قلبه، وكان الله اليه بكل خير أسرع".

    من أجل ذلك، كان يرثي لأولئك الذين وقعوا أسرى طموح الثروة ويقول:

    " اللهم اني أعوذ بك من شتات القلب"..

    سئل:

    وما شتات القلب يا أبا الدرداء..؟؟

    فأجاب:

    أن يكون لي في كل واد مال"..!!

    وهو يدعو الناس الى امتلاك الدنيا والاستغناء عنها.. فذلك هو الامتلاك الحقيقي لها.. أما الجري وراء أطماعها التي لا تؤذن بالانتهاء، فذلك شر ألوان العبودية والرّق.

    هنالك يقول:

    " من لم يكن غنيا عن الدنيا، فلا دنيا له"..

    والمال عنده وسيلة للعيش القنوع تامعتدل ليس غير.

    ومن ثم فان على الناس أن يأخذوه من حلال، وأن يكسبوه في رفق واعتدال، لا في جشع وتهالك.

    فهو يقول:

    " لا تأكل الا طيّبا..

    ولا تكسب الا طيّبا..

    ولا تدخل بيتك الا طيّبا".

    ويكتب لصاحب له فيقول:

    ".. أما بعد، فلست في شيء من عرض الدنيا، والا وقد كان لغيرك قبلك.. وهو صائر لغيرك بعدك.. وليس لك منه الا ما قدّمت لنفسك... فآثرها على من تجمع المال له من ولدك ليكون له ارثا، فأنت انما تجمع لواحد من اثنين:

    اما ولد صالح يعمل فيه بطاعة الله، فيسعد بما شقيت به..

    واما ولد عاص، يعمل فيه بمعصية الله، فتشقى بما جمعت له،

    فثق لهم بما عند الله من رزق، وانج بنفسك"..!



    كانت الدنيا كلها في عين أبي الدرداء مجرّد عارية..

    عندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب الى المدينة رأى الناس أبا الدرداء يبكي... واقتربوا دهشين يسألونه، وتولى توجيه السؤال اليه:" جبير بن نفير":

    قال له:

    " يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الاسلام وأهله"..؟؟

    فأجاب أبو الدرداء في حكمة بالغة وفهم عميق:

    ويحك يا جبير..

    ما أهون الخلق على الله اذا هم تركوا أمره..

    بينما هي أمة، ظاهرة، قاهرة، لها الملك، تركت أمر الله، فصارت الى ما ترى"..!

    أجل..



    وبهذا كان يعلل الانهيار السريع الذي تلحقه جيوش الاسلام بالبلاد المفتوحة، افلاس تلك البلاد من روحانية صادقة تعصمها، ودين صحيح يصلها بالله..

    ومن هنا أيضا، كان يخشى على المسلمين أياما تنحلّ فيها عرى الايمان، وتضعف روابطهم بالله، وبالحق، وبالصلاح، فتنتقل العارية من أيديهم، بنفس السهولة التي انتقلت بها من قبل اليهم..!!




    **




    وكما كانت الدنيا بأسرها مجرّد عارية في يقينه، كذلك كانت جسرا الى حياة أبقى وأروع..

    دخل عليه أصحابه يعودونه وهو مريض، فوجدوه نائما على فراش من جلد..

    فقالوا له:" لو شئت كان لك فراش أطيب وأنعم.."

    فأجابهم وهو يشير بسبّابته، وبريق عينيه صوب الأمام البعيد:

    " ان دارنا هناك..

    لها نجمع.. واليها نرجع..

    نظعن اليها. ونعمل لها"..!!

    وهذه النظرة الى الدنيا ليست عند أبي الدرداء وجهة نظر فحسب بل ومنهج حياة كذلك..

    خطب يزيد بن معاوية ابنته الدرداء فردّه، ولم يقبل خطبته، ثم خطبها واحد من فقراء المسلمين وصالحيهم، فزوّجها أبو الدرداء منه.

    وعجب الناس لهذا التصرّف، فعلّمهم أبو الدرداء قائلا:

    " ما ظنّكم بالدرداء، اذا قام على رأسها الخدم والخصيا وبهرها زخرف القصور..

    أين دينها منها يومئذ"..؟!

    هذا حكيم قويم النفس، ذكي الفؤاد..

    وهو يرفض من الدنيا ومن متاعها كل ما يشدّ النفس اليها، ويولّه القلب بها..

    وهو بهذا لا يهرب من السعادة بل اليها..

    فالسعادة الحقة عتده هي أن تمتلك الدنيا، لا أن تمتلكك أنت الدنيا..

    وكلما وقفت مطالب الناس في الحياة عند حدود القناعة والاعتدال وكلما أدركوا حقيقة الدنيا كجسر يعبرون عليه الى دار القرار والمآل والخلود، كلما صنعوا هذا، كان نصيبهم من السعادة الحقة أوفى وأعظم..

    وانه ليقول:

    " ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يعظم حلمك، ويكثر علمك، وأن تباري الناس في عبادة الله تعالى"..

    وفي خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان معاوية أميرا على الشام نزل أبو الدرداء على رغبة الخليفة في أن يلي القضاء..

    وهناك في الشام وقف بالمرصاد لجميع الذين أغرّتهم مباهج الدنيا، وراح يذكّر بمنهج الرسول في حياته، وزهده، وبمنهج الرعيل الأول من الشهداء والصدّيقين..

    وكانت الشام يومئذ حاضرة تموج بالمباهج والنعيم..

    وكأن أهلها ضاقوا ذرعا بهذا الذي ينغصّ عليهم بمواعظه متاعهم ودنياهم..

    فجمعهم أبو الدرداء، وقام فيهم خطيبا:

    " يا أهل الشام..

    أنتم الاخوان في الدين، والجيران في الدار، والأنصار على الأعداء..

    ولكن مالي أراكم لا تستحيون..؟؟

    تجمعون ما لا تأكلون..

    وتبنون ما لا تسكنون..

    وترجون ما لا تبلّغون..

    وقد كانت القرون من قبلكم يجمعون، فيوعون..

    ويؤمّلون، فيطيلون..

    ويبنون، فيوثقون..

    فأصبح جمعهم بورا..

    وأماهم غرورا..

    وبيوتهم قبورا..

    أولئك قوم عاد، ملؤا ما بين عدن الى عمان أموالا وأولادا..".

    ثم ارتسمت على شفتيه بسمة عريضة ساخرة، ولوّح بذراعه في الجمع الذاهل، وصاح في سخرية لا فحة:

    " من يشتري مني تركة آل عاد بدرهمين"..؟!



    رجل باهر، رائع، مضيء، حكمته مؤمنة، ومشاعره ورعة، ومنطقه سديد ورشيد..!!

    العبادة عند أبي الدرداء ليست غرورا ولا تأليا. انما هي التماس للخير، وتعرّض لرحمة الله، وضراعة دائمة تذكّر الانسان بضعفه. وبفضل ربه عليه:

    انه يقول:

    التمسوا الخير دهركم كله..

    وتعرّضوا لنفجات رحمة الله، فان للله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده..

    " وسلوا الله أن يستر عوراتكم، ويؤمّن روعاتكم"...

    كان ذلك الحكيم مفتوح العينين دائما على غرور العبادة، يحذّر منه الناس.

    هذا الغرور الذي يصيب بعض الضعاف في ايمانهم حين يأخذهم الزهو بعبادتهم، فيتألّون بها على الآخرين ويدلّون..

    فلنستمع له ما يقول:

    " مثقال ذرّة من برّ صاحب تقوى ويقين، أرجح وأفضل من أمثال الجبال من عبادة النغترّين"..

    ويقول أيضا:

    "لا تكلفوا الناس ما لم يكلفوا..

    ولا تحاسبوهم دون ربهم

    عليكم أنفسكم، فان من تتبع ما يرى في الانس يطل حزنه"..!

    انه لا يريد للعابد مهما يعل في العبادة شأوه أن يجرّد من نفسه ديّانا تجاه العبد.

    عليه أن يحمد الله على توفيقه، وأن يعاون بدعائه وبنبل مشاعره ونواياه أولئك الذين لم يدركوا مثل هذا التوفيق.

    هل تعرفون حكمة أنضر وأبهى من حكمة هذا الحكيم..؟؟

    يحدثنا صاحبه أبو قلابة فيقول:

    " مرّ أبو الدرداء يوما على رجل قد أصاب ذنبا، والناس يسبّونه، فنهاهم وقال: أرأيتم لو وجدتموه في حفرة.. ألم تكونوا مخرجيه منها..؟

    قالوا بلى..

    قال: فلا تسبّوه اذن، وحمدوا الله الذي عافاكم.

    قالوا: أنبغضه..؟

    قال: انما أبغضوا عمله، فاذا تركه فهو أخي"..!!




    **




    واذاكان هذا أحد وجهي العبادة عند أبي الدرداء، فان وجهها الآخر هو العلم والمعرفة..

    ان أبا الدرداء يقدّس العلم تقديسا بعيدا.. يقدّسه كحكيم، ويقدّسه كعابد فيقول:

    " لا يكون أحدكم تقيا جتى يكون عالما..

    ولن يكون بالعلم جميلا، حتى يكون به عاملا".

    أجل..

    فالعلم عنده فهم، وسلوك.. معرفة، ومنهج.. فكرة حياة..

    ولأن تقديسه هذا تقديس رجل حكيم، نراه ينادي بأن العلم كالمتعلم كلاهما سواء في الفضل، والمكانة، والمثوبة..

    ويرى أن عظمة الحياة منوطة بالعلم الخيّر قبل أي شيء سواه..

    ها هو ذا يقول:

    " مالي أرى العلماء كم يذهبون، وجهّالكم لا يتعلمون؟؟ ألا ان معلّم الخير والمتعلّم في الأجر سواء.. ولا خير في سائر الناس بعدهما"..

    ويقول أيضا:

    " الناس ثلاثة..

    عالم..

    ومتعلم..

    والثالث همج لا خير فيه".



    وكما رأينا من قبل، لا ينفصل العلم في حكمة أبي الدرداء رضي الله عنه عن العمل.

    يقول:

    " ان أخشى ما أخشاه على نفسي أن يقال لي يوم القيامة على رؤوس الخلائق: يا عويمر، هل علمت؟؟

    فأقول نعم..

    فيقال لي: فماذا عملت فيما علمت"..؟

    وكان يجلّ العلماء العاملين ويوقرهم توقيرا كبيرا، بل كان يدعو ربّه ويقول:

    " اللهم اني أعوذ بك أن تلعنني قلوب العلماء.."

    قيل له:

    وكيف تلعنك قلوبهم؟

    قال رضي الله عنه:

    " تكرهني"..!

    أرأيتم؟؟

    انه يرى في كراهيّة العالم لعنة لا يطيقها.. ومن ثمّ فهو يضرع الى ربه أن يعيذه منها..



    وتستوصي حكمة أبي الدرداء بالاخاء خيرا، وتبنى علاقة الانسان بالانسان على أساس من واقع الطبيعة الانسانية ذاتها فيقول:

    " معاتبة الأخ خير لك من فقده، ومن لك بأخيك كله..؟

    أعط أخاك ولن له..

    ولا تطع فيه حاسدا، فتكون مثله.

    غدا يأتيك الموت، فيكفيك فقده..

    وكيف تبكيه بعد الموت، وفي الحياة ما كنت أديت حقه"..؟؟

    ومراقبة الله في عباده قاعدة صلبة يبني عليها أبو الدرداء حقوق الاخاء..

    يقول رضي الله عنه وأرضاه:

    " اني أبغض أن أظلم أحدا.. ولكني أبغض أكثر وأكثر، أن أظلم من لا يستعين عليّ الا بالله العليّ الكبير"..!!

    يل لعظمة نفسك، واشراق روحك يا أبا الدرداء..!!

    انه يحذّر الناس من خداع الوهك، حين يظنون أن المستضعفين العزّل أقرب منالا من أيديهم، ومن بأسهم..!

    ويذكّرهم أن هؤلاء في ضعفهم يملكون قوّة ماحقة حين يتوسلون الى الله عز وجل بعجزهم، ويطرحون بين يديه قضيتهم، وهو أنهم على الناس..!!

    هذا هو أبو الدرداء الحكيم..!

    هذا هو أبو الدرداء الزاهد، العابد، الأوّاب..

    هذا هو أبو الدرداء الذي كان اذا أطرى الناس تقاه، وسألوه الدعاء، أجابهم في تواضع وثيق قائلا:

    " لا أحسن السباحة.. وأخاف الغرق"..!!




    **




    كل هذا، ولا تحسن السباحة يا أبا الدرداء..؟؟

    ولكن أي عجب، وأنت تربية الرسول عليه الصلاة والسلام... وتلميذ القرآن.. وابن الاسلام الأوّل وصاحب أبي بكر وعمر، وبقيّة الرجال..!؟

  2. #12

    • كريم يحيى
    • Guest

    افتراضي الزبير بن العوّام - حواريّ رسول الله


    لا يجيء ذكر طلحة الا ويذكر الزبير معه..

    ولا يجيء ذكر الزبير الا ويذكر طلحة معه..

    فحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يؤاخي بين أصحابه في مكة قبل الهجرة، آخى بين طلحة والزبير.

    وطالما كان عليه السلام يتحدث عنهما معا.. مثل قوله:

    " طلحة والزبير جاراي في الجنة".
    وكلاهما يجتمع مع الرسول في القرابة والنسب.

    أما طلحة، فيجتمع في نسبه مع الرسول في مرة بن كعب.

    وأما الزبير، فيلتقي في نسبه مع الرسول في قصّي بن كلاّب كما أن أمه صفية عمة الرسول صلى الله عليه وسلم..

    وكل منهما طلحة والزبير كان أكثر الناس شبها بالآخر في مقادير الحياة..

    فالتماثل بينهما كبير، في النشأة، في الثراء، في السخاء، في قوة الدين، في روعة الشجاعة، وكلاهما من المسلمين المبكرين باسلامهم...

    ومن العشرة الذين بشّرهم الرسول بالجتة. ومن أصحاب الشورى الستة الذين وكّل اليهم عمر اختيار الخليفة من بعده.

    وحتى مصيرهما كان كامل التماثل.. بل كان مصيرا واحدا.




    **




    ولقد أسلم الزبير، اسلاما مبكرا، اذ كان واحدا من السبعة الأوائل الذين سارعوا الى الاسلام، وأسهموا في طليعته المباركة في دار الأرقم..

    وكان عمره يومئذ خمس عشر سنة.. وهكذا رزق الهدى والنور والخير صبيا..

    ولقد كان فارسا ومقداما منذ صباه. حتى ان المؤرخين ليذكرون أن أول سيف شهر في الاسلام كان سيف الزبير.

    ففي الأيام الأولى للاسلام، والمسلمون يومئذ قلة يستخفون في دار الأرقم.. سرت اشاعة ذات يوم أن الرسول قتل.. فما كان من الزبير الا أن استلّ سيفه وامتشقه، وسار في شوارع مكة، على حداثة سنه كالاعصار..!

    ذهب أولا يتبيّن الخبر، معتزما ان ما ألفاه صحيحا أن يعمل سيفه في رقاب قريش كلها حتى يظفربهم أو يظفروا به..

    وفي أعلى مكة لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله ماذا به....؟ فأنهى اليه الزبير النبأ.. فصلى عليه الرسول، ودعا له بالخير، ولسيفه بالغلب.

    وعلى الرغم من شرف الزبير في قومه فقد حمل حظه من اضطهاد قريش وعذابها.

    وكان الذي تولى تعذيبع عمه.. كان يلفه في حصير، ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه، ويناديه وهو تحت وطأة العذاب:" أكفر برب محمد، أدرأ عنك العذاب".

    فيجيبه الزبير الذي لم يكن يوم ذاك أكثر من فتى ناشئ، غضّ العظام.. يجيب عمه في تحدّ رهب:

    " لا..

    والله لا أعود لكفر أبدا"...

    ويهاجر الزبير الى الحبشة، الهجرتين الأولى والثانية، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع رسول الله. لا تفتقده غزوة ولا معركة.



    وما أكثر الطعنات التي تلقاها جسده واحتفظ بها بعد اندمال جراحاتها، أوسمة تحكي بطولة الزبير وأمجاده..!!

    ولنصغ لواحد من الصحابة رأى تلك الأوسمة التي تزدحم على جسده، يحدثنا عنها فيقول:

    " صحبت الزبير بن العوّام في بعض أسفاره ورأيت جسده، فرأيته مجذّعا بالسيوف، وان في صدره لأمثال العيون الغائرة من الطعن والرمي.

    فقلت له: والله لقد شهدت بجسمك ما لم أره بأحد قط.

    فقال لي: أم والله ما منها جراحة الا مع رسول الله وفي سبيل الله"..

    وفي غزوة أحد بعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكةو ندبه الرسول هو وأبو بكر لتعقب جيش قريش ومطاردته حتى يروا أن المسلمين قوة فلا يفكروا في الرجوع الى المدينة واستئناف القتال..



    وقاد أبو بكر والزبير سبعين من المسلمين، وعلى الرغم من أنهم كانوا يتعقبون جيشا منتصرا فان اللباقة الحربية التي استخدمها الصديق والزبير، جعلت قريشا تظن أنها أساءت تقدير خسائر المسلمين، وجعلتها تحسب أن هذه الطليعة القوية التي أجاد الزبير مع الصديق ابراز قوتها، وما هي الا مقدمة لجيش الرسول الذي يبدو أنه قادم ليشن مطاردة رهيبة فأغذّت قريش سيرها، وأسرعت خطاها الى مكة..!!



    ويوم اليرموك كان الزبير جيشا وحده.. فحين رأى أكثر المقاتلين الذين كان على رأسهم يتقهقرون أمام جبال الروم الزاحفة، صاح هو" الله أكبر".. واخترق تلك الجبال الزاحفة وحده، ضاربا بسيفه.. ثم قفل راجعا وسط الصفوف الرهيبة ذاتها، وسيف يتوهج في يمينه لا يكبو، ولا يحبو..!!

    وكان رضي الله عنه شديد الولع بالشهادة، عظيم الغرام بالموت في سبيل الله.

    وكان يقول:

    " ان طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء، وقد علم ألا نبي بعد محمد...

    واني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون".!

    وهكذا سمى ولده، عبدالله بن الزبير تيمنا بالصحابي الشهيد عبدالله بن جحش.

    وسمى ولده المنذر، تيمنا بالشهيد المنذر بن عمرو.

    وسمى عروة تيمنا بالشهيد عروة بن عمرو.

    وسمى حمزة تيمنا بالشهيد الجليل عم الرسول حمزة بن عبدالمطلب.

    وسمّى جعفر، تيمنا بالشهيد الكبير جعفر بن أبي طالب.

    وسمى مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عمير.

    وسمى خالد تيمنا بالصحابي الشهيد خالد بن سعيد..

    وهكذا راح يختار لأبنائه أسماء الشهداء. راجيا أن يكونوا يوم تأتيهم آجالهم شهداء.

    ولقد قيل في تاريخه:

    " انه ما ولي امارة فط، ولا جباية، ولا خراجا ولا شيئا الا الغزو في سبيل الله".

    وكانت ميزته كمقاتل، تتمثل في في اعتماده التام على نفسه، وفي ثقته التامة بها.

    فلو كان يشاركه في القتال مائة ألف، لرأيته يقاتل وحده في لمعركة.. وكأن مسؤولية القتال والنصر تقع على كاهله وحده.

    وكان فضيلته كمقاتل، تتمثل في الثبات، وقوة الأعصاب..

    رأى مشهد خاله حمزة يوم أحد وقد كثّل المشركون بجثمانه القتيل في قسوة، فوقف أمامه كالطود ضاغطا على أسنانه، وضاغطا على قبضة سيفه، لا يفكر الا في ثأر رهيب سرعان ما جاء الوحي ينهى الرسول والمسلمين عن مجرّد التفكير فيه..!!

    وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم مع علي ابن أبي طالب، فوقف أمام الحصن المنيع يردد مع علي قوله:

    " والله لنذوقنّ ما ذاق حمزة، أو لنفتحنّ عليهم حصنهم"..

    ثم ألقيا بنفسيهما وحيدين داخل الحصن..

    وبقوة أعصاب مذهلة، أحكما انزال الرعب في أفئدة المتحصنين داخله وفتحا أبوابه للمسلمين..!!

    ويوم حنين أبصر مالك بن عوف زعيم هوزان وقائد جيش الشرك في تلك الغزوة.. أبصره بعد هزيمتهم في حنين واقفا وسط فيلق من أصحابه، وبقايا جيشه المنهزم، فاقتحم حشدهم وحده، وشتت شملهم وحده، وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض زعماء المسلمين، العائدين من المعركة..!!




    **




    ولقد كان حظه من حب الرسول وتقديره عظيما..

    وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يباهي به ويقول:

    " ان لكل نبي حواريا وحواريي الزبير ن العوّام"..

    ذلك أنه لم يكن ابن عمته وحسب، ولا زوج أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، بل كان ذلك الوفي القوي، والشجاع الأبيّ، والجوّاد السخيّ، والبائع نفسه وماله لله رب العالمين:

    ولقد أجاد حسان بن ثابت وصفه حين قال:

    أقام على عهد النبي وهديه

    حواريّه والقول بالفعل يعدل

    أقام على منهاجه وطريقه

    يوالي وليّ الحق، والحق أعدل

    هو الفارس المشهور والبطل الذي

    يصول، اذا ما كان يوم محجّل

    له من رسول الله قربى قريبة

    ومن نصرة الاسلام مجد موثّل

    فكم كربة ذبّ الزبير بسيفه

    عن المصطفى، والله يعطي ويجزل




    **




    وكان رفيع الخصال، عظيم الشمائل.. وكانت شجاعته وسخاؤه كفرسي رهان..!!

    فلقد كان يدير تجارة رابحة ناجحة، وكان ثراؤه عريضا، ولكنه أنفقه في الاسلام حتى مات مدينا..!!

    وكان توكله على الله منطلق جوده، ومنطلق شجاعته وفدائيته..

    حتى وهو يجود بروحه، ويوصي ولده عبدالله بقضاء ديونه قال له:

    " اذا أعجزك دين، فاستعن بمولاي"..

    وسال عبدالله: أي مولى تعني..؟

    فأجابه: الله، نعم المولى ونعم النصير"..

    يقول عبدالله فيما بعد:

    " فوالله ما وقعت في كربة من دينه الا قلت: يا مولى الزبير اقضي دينه، فيقضيه".

    وفي يوم الجمل، على النحو الذي ذكرنا في حديثنا السالف عن حياة سيدنا طلحة كانت نهاية سيدنا الزبير ومصيره..

    فبعد أن رأى الحق نفض يديه من القتال، وتبعه نفر من الذين كانوا يريدون للفتنة دوام الاشتعال، وطعنه القاتل الغادر وهو بين يدي ربه يصلي..

    وذهب القاتل الى الامام علي يظن أنه يحمل اليه بشرى حين يسمعه نبأ عدوانه على الزبير، وحين يضع بين يديه سيفه الذي استلبه منه، بعد اقتراف جريمته..

    لكن عليّا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن، صاح آمرا بطرده قائلا:

    " بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار"..

    وحين أدخلوا عليه سيف الزبير، قبّله الامام وأمعن بالبكاء وهو يقول:

    " سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله"..!!



    أهناك تحيّة نوجهها للزبير في ختام حديثنا عنه، أجمل وأجزل من كلمات الامام..؟؟

    سلام على الزبير في مماته بعد محياه..

    سلام، ثم سلام، على حواري رسول الله...

  3. #13

    • م/ إيهاب عبد المؤمن غير متواجد حالياً
    • أبو حازم

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    3,596

    افتراضي

    بصبح علي حبيبي أبو وعد وكل يوم لنا عودة بإذن الله

    لاتحرمنا من درر الصحابة والتابعين والصالحين

    سننتظرها منك بشغف يا غالي

    جعلها الله في ميزان حسناتك
    دعاء تفريج الكرب

    لا إله إلا الله الحليم العظيم لا إله إلا الله رب العرش العظيم

    لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش
    الكريم

  4. #14

    • رباب
    • Guest

    افتراضي

    مجهود مميز منك يا ابو وعد بارك الله فيك وجعله في الميزان المقبول

    وهنرجع تاني ان شاء الله

  5. #15

    • د. محمد سعيد عيسى غير متواجد حالياً
    • مشرف

    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    العمر
    75
    المشاركات
    1,147

    افتراضي

    ابو وعد ..... وعدت فاوفيت
    والوفاء من شيم الصالحين
    وفيت لنا بذخيرة من السيرة العطرة
    سطرها قلمكم باقتدار وحنكة
    اثلج قلبى التجول فى بستان صحابة
    رسولنا المصطفى وبطولاتهم وغيرتهم على
    الاسلام وماكانت تلك الغيرة والحمية الا الاساس
    القوى لدين الله فى مهده .
    فالحمد لله والمنة والفضل منه ان جعلنا منتسبين للاسلام
    وجزاك الله كل خير ورفعة بكل حرف علمتنا اياه
    عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    ودمت لنا ودام عطاؤك

  6. #16

    • كريم يحيى
    • Guest

    افتراضي

    لا أخفيكم كم السعادة بهذا التواجد على صفحتى

    أشكركم المرور المميز والعطـــــر

    جل أحترامى لكم

+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. كنيسة عمرها اكثر من 1000 سنة ديكورها من عظام المسلمين +صور
    بواسطة عبير في المنتدى المنتدي العام
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 03-01-2011, 04:01 AM
  2. العلماء المسلمون
    بواسطة م/السيد محمد في المنتدى منتدى الكيمياء
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 18-07-2010, 04:21 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك