الإستزراع البحرى ... الأهمية والضرورة ؟
حققت مصر خلال العقدين المنصرمين معدلات نمو كبيرة فى مجال الاستزراع السمكى و على وجه التحديد فى استزراع أسماك المياه العذبة فاصبحت رقم 11 على العالم فى الاستزراع السمكى وفى المقابل فانها لم تحقق فى الاستزراع البحرى ما يتناسب مع امكانياتها سواء البشرية أو الطبيعية (مصر لديها ما يزيد عن 11 مليون فدان من المصايد البحرية تطل على البحر الأحمر والبحر المتوسط ), والذى يثير الدهشة أن مصر تعانى من نقص المياه العذبة حسب تقرير منظمة الزراعة والاغذية العالمية "حالة الموارد السمكية وتربية الاحياء المائية 2008" , وتعتمد المزارع السمكية بها على مياه الصرف الزراعى ولديها أقل من 2 مليون فدان من المياه العذبة , ورغم ذلك حققت تقدم فى جانب الاستزراع فى المياه العذبة وعلى الجهة الاخرى لا يلوح فى الافق أى تقدم فى جانب الاستزراع البحرى, وسط هذا التناقض لا بد أن نقف ونتسأل
ما أهمية و ضرورة الاستزراع البحرى لمصر ؟
هذا ما سنتناوله فى السطور التاليه
1 - الاحتياجات المستقبلية لتلبية الطلب المتوقع على الاسماك فى مصر فى عام 2020 .
بحسب توقعات المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية فان معدل استهلاك الأسماك فى العالم فى عام 2020 يتوقع أن يتعدى 20 كجم للفرد فى العام , وإذا كان من المتوقع أن يصل عدد سكان مصر الى 100 مليون نسمة فى عام 2020 فان حجم الاستهلاك سيصل الى 2 مليون طن ليعادل معدل الاستهلاك العالمى .
وإذا كان انتاج المصايد الطبيعية قد تراجع فى الفترة من 1999 الى 2008 من 422.665 الف طن الى 373.815 الف طن بنسبة تراجع 22% .شكل رقم 1
انتاج المصايد الطبيعية فى مصر فى الفترة من 1999 : 2008 (FAO 2008 )
واذا ما ظل انتاج المصايد الطبيعية المصرية فى تراجع كما هو متوقع فسيصل الانتاج إلى أقل من 300 ألف طن فى عام2020 .
وبذلك سيكون السوق متعطش الى حوالى مليون و700 الف طن يتم تغطيتها عن طريق قطاع الاستزراع السمكى سواء فى المياه العذبة أو البحرية إضافة الى الاستيراد .
2- الاستزراع البحرى الواقع و المستهدف.
إن واقع الاستزراع البحرى لا ملامح له على ارض الواقع رغم توافر بعض المقومات الكفيلة بتحقيق انطلاقة لهو تعبير عن خيبة الامل فلا يتعد الانتاج من استزراع الاسماك البحرية 5000 طن سنويا واغلب انتاج قطاع الاستزراع السمكى يتمثل فى انتاج البلطى والبورى والمبروك والقرموط الافريقى شكل ( 2)
وستزداد الحاجة الى الاسماك البحرية فى عام 2020 , فحسب الدكتورجيمس ديانا 2009
يتوقع ان يصل استهلاك الفرد من الماكولات البحرية الى 1.5 كجم فى عام 2020 وإذا كان من المتوقع وصول عدد سكان مصر الى 100 مليون فى عام2020 فان السوق سيكون فى حاجة الى حوالى 150الف طن فى 2020 !
وفى حال عدم اضلاع الاستزراع البحرى بدوره المأمول والمستهدف فإن ذلك سيحمل الميزان التجارى لمصر فاتورة باهظة التكاليف سنويا وستظل فاتورة الاستيراد ترتفع فمصر حاليا تستورد على سبيل المثال ما يقرب من 900 طن جمبرى من شركة واحده هى شركة الروبيان الوطنية " السعودية "
3- الاستزراع والمشكلات الهيكلة الحالية
إن استدامة أى قطاع ترتبط بنموه الافقى و / أو الرأسى وهذان الهدفان قد أصبحا بعيدا المنال بالنسبة للاستزراع الحالى فبالنسبة للتوسع الأفقى فقد أصبح شبه معدوم .
فقد أدت الطفرة الكبيرة في الاستزراع المائي في العقدين الأخيرين إلى تقلص مساحة البحيرات الشمالية بحوالي 750 ألف فدان إنشاء على اغلبها مزارع للأسماك , الأمر الذي أثار هيئة الثروة السمكية في الشهور الماضية فقامت بتوقيع بروتوكول تعاون مع الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء , بهدف تحديد الحدود الجغرافية للبحيرات المصرية والمسطحات المائية التي تقع تحت ولاية الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية في مصر 2009 - 2010 , ويعتبر مشروع التحديد الجغرافي لحدود المسطحات المائية والبحيرات من الإجراءات الهامة التي تحافظ على مساحة البحيرات وتمنع التعديات وعمليات
التجفيف المستمرة وبالتالي فإن فرصة التوسع الرأسي أمام هذا القطاع في منطقة الدلتا وخاصة في المحافظات الثلاث ( كفر الشيخ والبحيرة والدقهلية ) التي يتركز فيها قطاع الاستزراع المائي في مصر قد أصبحت شبه معدومة .
و إستمرارالمادة 48 من القانون 124 لسنة 1983 سيظل أيضا مانع فى طريق التوسع الأفقى .
وبالنسبة للتوسع الرأسى فحاله كما يلى:
يعتمد الاستزراع المائى حاليا فى مصر على إستزراع البلطى بصورة رئيسية وقد وصل السوق حاليا الى حالة التشبع (ان كمية العرض من البلطى تفوق كمية الطلب ) فى فترة موسمية الانتاج , مما يعنى إنهيار فى الاسعار ,فى تلك الحالة تتعدى تكلفة الانتاج سعر البيع , وبصورة اكثر توضيحاً أسماك البلطى ترتبط ايما ارتباط بالظروف المناخية سواء فى التفريخ اوالتربية والفترة المثالية لبداية الدورة تبدا من منتصف مارس حتى نهاية ديسمبر وبالتالى فالانتاج يتركز فى شهر ديسمبر ونوفمبر واكتوبر تخوفاً من الظروف الجوية الغير مواتية والتى قد تعصف بمحصول العام .
الامر الذى يعنى ان اى زيادة اجمالية فى ظل الوضع الراهن والذى لا يمكن فيه تصدير أسماك البلطى ستودى بالضرورة الى انخفاض اسعار البيع واذا ما نظر الى التوقعات فى جانب التكلفة وخاصة فى الاسعار المتوقعة للاعلاف ستؤدى الى خسائر متوقعة للمنتجين بصفة عامة ولن تتوقف تلك الخسائر الا اذا تراجع الانتاج ( العرض ) ليتساوى مع الاستهلاك ( الطلب ) أو وجد منفذ لتصدير الفائض , وستقترب تلك الحالة مما حدث فى اليونان فقد تهاوت الاسعار , ففى عام 2000 كان عدد شركات الاستزراع المائي في اليونان 269 شركة (مزرعة سمكية). وقد صاحب هذه القدرة الإنتاجية الهائلة نقص في أسعار الدنيس والقاروص, حيث انخفض هذا السعر من 15.57 يورو/كجم في عام 1989 إلى حوالي 4.5 يورو/كجم في عام 2000 ثم اقل من 4 يورو/كجم في عام 2002/2003 (Stirling Report, 2004). وكان هذا النقص في الأسعار راجعا إلى زيادة العرض (الإمداد) من الدنيس والقاروص, زيادة عدد العاملين في السوق وافتقار آلية التنسيق والتسويق بينهم, إضافة إلى سوء تنظيم سياسات التسعير.
وقد أدت زيادة الضغط على قطاع الاستزراع المائي إلى تناقص عدد المنتجين (ليصل إلى 167 شركة في عام 2002) .
و الارتفاع الحالى والمتوقع فى اسعار الاعلاف ربما يؤدى الى تجنب اغلب المزارعين الانظمة المكثفة لزيادة المخاطرة وعدم توقع اسعار الاعلاف فضلاً عن محدودية الربح بالمقارنة بحجم المخاطر فى نظام يتطلب الرقابة والمتابعة المستمرة , وبالتالى قد قد يلجا المزارعون الى الاعتماد على الاسمدة فى الشهورالاولى من الدورة سعياً وراء خفض التكلفة ( يقترب هذا النهج من الدراسة التى قام بها الدكتور جيمس ديانا فى بحثهTiming of supplemental feeding for tilapia production)
أضف الى ذلك ان السياسات المائية المتبعة فى مصر يتوقع ان تاثر بالسلب على انتاجية القطاع ومستقبل تصدير الاسماك ( نتيجة لزيادة معدلات تلوث المياه المتوقعه ) فالاستمرار فى إعادة استخدام مياه الرى الزراعى للرى بعد خلطها بمياه النيل سياسة اتبعت فى الفترة السابقة والسياسات فى الفترة القادمة تخطط لزيادة إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي لمنطقة الدلتا في عام 2014 لتصل إلى 1.4 أضعاف , مما يؤدى الى أثار بيئية عديدة ستؤثر على نظم الاستزراع البيئية وعلى انتاجها فى مناطق دلتا النيل حيث أن المياه المتاحة للاحواض الترابية لن تكون مناسبة , وزيادة الملوحة قد يؤثرعلى كلا من القدرة الانتاجية والتركيب الانتاجى تلك الساسيات بحسب تقديرات دراسة (Aquaculture in Egypt: a fragile colossus ) ستأثر بالسلب على حوالى 60% من الانتاج الفعلى لتربية الاحياء المائية .
أضف إلى ذلك أن تخفيض مساحات زراعة الأرز ( الهدف من زراعة الارز فى دلتا النيل ضمان وجود أكبر ضاغط ممكن من المياه العذبة لمنع تداخل مياه البحر ) فى دلتا النيل من 2.2 مليون فدان العام الماضى إلى 1.2 مليون فدان حاليا ( سيوفر من 6: 7 مليار متر مكعب من المياه ) . على خلفية مشكلة مياه النيل ودول المنبع ، سيؤدى بالضرورة إلى تخفيض كمية مياه الصرف الزراعى وبالتالى إرتفاع نسبة ملوحة مياه الصرف الأمر الذى قد يؤثر على كلاً من القدرة الانتاجية والتركيب الانتاجى , حيث يعتمد القطاع بصورة رئيسية على إستزراع أسماك البلطى (البلطي يمكن أن يتسامح مع ملوحة مياه تصل إلى 18 ٪ ولكن المدى الامثل من الملوحة لتحقيق النمو هو 6 ٪ ) والذى تمثل نسبة مساهمته 55.6 من أسماك المزارع السمكية كما هو واضح فى الشكل رقم (2 )
أضف أيضا ان سياسة تطوير الرى المتبعة حاليا تهدف إلى الاستغلال الامثل للموارد المائية والتى ستؤدى بالضرورة الى انخفاض كمية مياه الرى التى كانت تلقى فى المصارف الزراعية وهو ما سيؤدى بالضرورة الى تناقص كمية المياه الجيدة التى تدخل المصارف ومن ثم تستخدم فى المزارع .
وفى النهاية فأن معدلات النمو ستتناقص وسيحقق المنتجين خسائر هائلة ستودى لا محالة الى تركهم الاستثمار فى هذا القطاع, وبالتالى فمن المتوقع الا يكون القطاع جاذب لمستثمرين جدد ,واذا ما كان قطاع الاستزراع البحرى حينئذ قائم وجاذب للاستثمار فربما سيجذب الفئة التى تركت الاستثمار فى المياه العذبة لسابق خبرتهم بمجال الاستزراع المائى بصفة عامة , وسيكون على قطاع الاستزراع البحرى الاضلاع بدور حيوى .
المصادر
Diana, James S. “Aquaculture Production and Biodiversity Conservation.” Bioscience 59.1 (2009): 27–38. Web.
Diana, J.S., C.K. Lin, and Y. Yi, 1996. Timing of supplemental feeding for tilapia production. J. World Aquacult. Soc., 27:410–419
Sadek S., Osman M.F and Mezayen A. (2006). Aquaculture in Egypt: a fragile colossus ?. AQUA 2006 International Conference and Exhibition, Firenze (Florence), Italy, May 9-13, 2006
General Authority for Fish Resources Development (GAFRD). 2009. Statistics of fish production of year 2008. GAFRD, Ministry of Agriculture and Land Reclamation,
FAO, 2008. Fish, crustaceans, molluscs, etc - Capture production by countries or areas . All fishing areas. A-2
منظمة الزراعة والاغذية العالمية "حالة الموارد السمكية وتربية الاحياء المائية 2008"
منظمة الزراعة والاغذية العالمية " استعراض قطاع الاستزراع المائي في اليونان "
محمودعبدالهادى . "الاستزراع السمكى ... ضرورةً وليس خياراً !".
محمودعبدالهادى ." تأثير مشكلة موسمية الانتاج على قطاع الاستزراع السمكى المصرى".
محمودعبدالهادى "قرصنة وزير الرى *** المزارع السمكية منحة أم محنة !"
الإستزراع البحرى ... الأهمية والضرورة ؟ 
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د ربيع
مواقع النشر (المفضلة)