الواقعة العظيمة، والحرب ذات القتل الشديد، وموضع القتال والجمع ملاحم، مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها، وقيل هو من اللحم لكثرة لحوم القتلى. ويقال: لاحمتُ الشيء بالشيء: إذا ألصقته به. وقد اجتمعت هذه المعاني اللغوية كلها فيما عرفه العرب منذ القديم عن مفهوم الملحمة، حيث يلتحم المقاتلون في مواضع القتال وتختلط لحوم قتلاهم وكان العرب يعدون أنفسهم في (الملحمة) بمجرد تجمعهم للحرب، ويشير إلى هذا ما ذكرهُ البخاري في حديث طويل يوم فتح مكة عندما قال أحد الصحابة من الأنصار وهو سعد بن عبادة وكان يحمل راية الجيش: اليوم يوم الملحمة، ففزع لذلك أبو سفيان وقال للنبي : أمرت بقتل قومك؟ قال: لا، فذكر له ما قاله الأنصاري ثم ناشده الله والرحم فقال النبي : يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز الله قريشًا، وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه فدفعها إلى ابنه قيس، وقد ظل مفهوم الملحمة في العربية مرتبطًا بمعارك القتال، وكان ذكر الملاحم يعني الحروب الطاحنة التي تختلط بين رحاها أجساد المقاتلين.
المعني الشرعي
اصطلاحًا: الملحمة بمفهومها الحربي أحد الأجناس الأدبية التي عنى بها الباحثون في الدراسات الأدبية في العصر الحديث وبخاصة (الأدب المقارن).
شرح المصطلح
ولعل هذا هو الذي عناه صاحب كتاب (المنجد) وهو يتحدث عن السبب في تسمية الموقعة القتالية بالملحمة فيقول: وذلك مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها، ثم يربط هذه التسمية بتصوير هذه الوقائع الحربية والتعبير عنها في أعمال أدبية فيقول: كناية عن عمل شعري طويل يتألف من أناشيد عديدة نظمت في وصف حرب من الحروب، ووصف جيوشها وأبطالها والأمكنة التي دارت فيها، وتشترك الآلهة في وقائعها وتقوم على الأساطير والخرافات كإلياذة هو ميروس وما شاكلها. أما الدكتور محمد غنيمي هلال، وهو أحد المعنيّين بالدراسات الأدبية المقارنة في العصر الحديث، فيذكر في معرض حديثه عن الأجناس الأدبية، حيث يُعدّ الملحمة أولى هذه الأجناس فيقول: الملحمة من حيث هي جنس أدبي: هي قصة بطولة تحكى شعرًا، وتحتوي على أفعال عجيبة، أي على حوادث خارقة للعادة، وفيها يتجاور الوصف مع الحوار وصور الشخصيات والخطب، وإن كانت الحكاية هي العنصر الذي يسيطر على باقي العناصر الأخرى. وللملحمة في أبطالها وحوادثها أصول تاريخية، ولكنها تختلط بالأساطير والخرافات في تلك العهود التي لم تقم فيها حدود فاصلة بين الحقائق والخيالات. ثم يشير د. غنيمي هلال إلى أهم الملاحم في الأدب اليوناني القديم وهي (إلياذة هوميروس)، حيث تدور وقائعها وأحداثها حول حصار طروادة، أما أبطالها فهم خليط بين البشر والآلهة كذلك يذكر من الملاحم الرومانية (الإنيادة) لشاعر اللاتين: (فرجيل) وهي ملحمة وطنية غايتها الإشادة بأصل الإمبراطورية الرومانية. ومن الواضح أن الأدب العربي لا توجد فيه (الملاحم) بهذا المفهوم الفني لذلك الجنس الأدبي، وإن كان في (الأدب الشعبي) ما يمكن أن يطلق عليه (الملحمة الشعبية) من أمثال ملاحم أبي زيد الهلالي والزير سالم، والظاهر بيبرس، وغيرها
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)