أبقى العرب في الأندلس إبان الفتح الإسلامي لها على التعامل بالنقود البيزنطية ، ذات النقوش والشارات والرموز النصرانية وذلك عملاً بسياسة التسامح التي اتبعها العرب مع سكان البلاد التي فتحوها ، وهذا ما تؤكده مجموعة النقود التي ضربت في عهد موسى بن نصير (ت 97هـ - 715م) .
ومع تثبيت أركان الدولة الإسلامية الجديدة في الأندلس ، بدأ العرب بضرب دينار جديد عام 98هـ 717م يحمل على أحد وجهيه كتابات عربية تشتمل على الشهادة مكتوبة في وسط الدينار ونصها محمد رسول الله ، وعلى الإطار نقش كتابي نصه ضُرب هذا الدينار في الأندلس سنة ثمان وتسعين . أما ظهر الدينار فكان يحمل نقشاً لاتينياً . ويلاحظ من تاريخ الدينار السابق أنه متأخر في تعريبه عن مثيله في المشرق الذي عُرب في عام 73هـ - 692م على يد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان . وفي الواقع فإن هذا الأمر ليس فيه غرابة ، إذ يتفق مع طبيعة التدرج ، حيث لم يحبذ الضارب المسلم للسكة أن يفاجأ أهل البلاد بعملة جديدة تماماً ، وإنما سار بالتدرج المعقول ، حتى يصل إلى ضرب عملة إسلامية خالصة في فترة قصيرة لم تتجاوز ربع القرن . ومن الجدير بالذكر أن الدينار العربي اللاتيني النقش لم يظهر إلا في الأندلس خاصة ، وهذا يرجع إلى معرفة أهل البلاد من الأسبان بالرموز اللاتينية إلى جانب أن لهجتهم كانت مشتقة من اللغة اللاتينية نفسها .

وفي عام 103هـ - 720م ظهرت أول عُملة ذهبية إسلامية في الأندلس ، وقد سُكت ، وقد سكت على طراز الدينار المغربي الذي كان قد ضرب في السنة السابقة بمدينة إفريقية (تونس حالياً) . وكانت النقود الأندلسية الأسبانية المضروبة في الأندلس قبل عام 114هـ -732م ، تحمل اسم دار الضرب الأندلسي ، وهي قطع نادرة الوجود .

ومن الجدير بالذكر أنه لم تصل إلينا أية عُملات من بداية الحكم الأموي في الأندلس ، وقد يعلل ذلك أن الأمير عبد الرحمن الداخل اكتفى باستعمال العملات التي كانت متداولة في الأندلس إبان دخوله إليها ، ويحتفظ متحف أشمولين بمدينة أكسفورد بقطعة نادرة في شكل دينار مؤرخ بعام 116هـ -734م من ضرب الأندلس . وتأتي أهمية هذا الدينار لكونه يمثل آخر عملة ذهبية أندلسية معروفة ، حيث توقف بعدها السك إلى حوالي قرنين من الزمان .

وأول عُملة ذهبية جديدة ظهرت في الأندلس بعد ذلك ، كانت في عهد الخليفة عبد الرحمن الثالث عام 317هـ - 929م وهو أول من انشق على الخلافة العباسية ، وأعلن نفسه خليفة على الأندلس . ومنذ عام 317هـ 929م وحتى نهاية الحكم الأموي في الأندلس كانت أسماء وألقاب الحاكم تنقش على ظهر العملة إلى جانب اسم دار الضرب وسنتها ، وكانت من أهم أماكن الضرب الأندلسية حينذاك مدينة قرطبة وبلنسية وغرناطة وشاطبة ومالقة ومرسية والجزيرة الخضراء وأشبيليا .
وبعد ضعف الخلافة الأموية في الأندلس في حوالي 400هـ - 1010م ، بدأ الحكام الأندلسيون بضرب عملاتهم الخاصة . وكان الكثير منها يضرب على الطراز الأموي إلى درجة أن بعض الأمراء قام بنقش اسم خليفة سابق ، قد انتهت مدة خلافته على العملة .

وفي عصر ملوك الطوائف ، مثل بني عباد في أشبيليا وبني الأفطس ببطليوس ، وبني ذي نون بطليطلة ، وبني جهور بقرطبة ، وبني حيوس بغرناطة ، أخذ هؤلاء بوضع أسمائهم وألقابهم على العملة التي كان معظمها كسور الدنانير . وكان يعيب دنانير تلك الفترة أنها كانت تُضرب بنوع رديء من الذهب ، ما يدل على تدهور الحالة الاقتصادية والسياسية حينذاك .
أما فترة حكم المرابطين في الأندلس ، فقد شهدت ازدهاراً ملموساً في سك النقود وكان الدافع إلى ذلك هو التنافس الكبير بين ملوك المسلمين والملوك النصارى ، لدرجة أن الملك ألفونس الثامن أمر بضرب عملات تحمل نقوشاً عربية على غرار طراز عملة أمراء مرسية .

ومن الجدير بالذكر أن دور الضرب الأندلسية قد انتعشت انتعاشاً كبيراً على يد الأمير علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي ، حيث وصلت إلينا عُملات ضربت في جميع مدن الأندلس منها المرية ، غرناطة ، قرطبة ، أشبيليا ، مرسية ، مالقة ، دانية ، شاطبة ، نول لمطة وغيرها .
وفي عصر الموحدين تميزت العملة بارتفاع قيمتها وبصفة خاصة الدينار المؤمني والدرهم المؤمني ، نسبة إلى الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي . وأهم ما كان يميز الدينار الموحدي هو شكله المربع الذي أمر بسكه المهدي محمد بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية ، كذلك سك كل من الخليفة يوسف بن عبد المؤمن وولده الخليفة يعقوب المنصور بالأندلس عملة ثقيلة ضربت في أشبيليا وقرطبة وغرناطة ومالقة والمرية . وبهزيمة الموحدين في معركة العُقاب بالأندلس أمام جيوش الأسبان ، تقلص دور المسلمين الدفاعي هناك ، مما ساعد على سقوط معظم مدن الأندلس في يد الأسبان ، مثل مدينة قرطبة وأشبيليا ومالقة ومرسية ، وغيرها . ولم يبق من ديار الإسلام في الأندلس إلا مملكة غرناطة العربية التي كان يحكمها بنو نصر آخر الملوك المسلمين بالأندلس ، وتعد عملاتهم آخر العملات الإسلامية التي ضربت في الأندلس . وقد تميزت عملات بني نصر ، بأنها كانت تضرب بعناية ، إلى جانب أنها كانت متأثرة بالأسلوب المغربي الثقيل . وقد اشتملت عملات بني نصر على نقوش عديدة تضمنت آيات من الذكر الحكيم ، إلى جانب اسم الحاكم دون أن يضرب عليها سنة السك ، وأكثر ما يميز العملة في عهد بني نصر هو شعار :

(لا غالب إلا الله)

أما أهم دور الضرب في عهدهم فكانت مدينة غرناطة باعتبارها آخر معاقل المسلمين في الأندلس .

لنا تتمة بإذن الله