التعديل الوراثي للغذاء فسح أم سحب..!

الموجة لم تنته بعد، والصراع بين المعارضة الشرسة ضد كل ما يتدخل في خلق الله النباتي والحيواني الذي أوجده الله من منظمات المعارضة وبين العلماء وجحافل الباحثين ومن ورائهم الحكومات مازال قائماً. فالمنظمات المعارضة تتهم العلماء بإخفاء الحقائق، وتتهم الشركات المتبنية لهذه التقنيات بأنها تشتري الإعلام والأقلام لتحقيق أرباحها التجارية، وهي كذلك تتهم الحكومات بالدعم غير المحدود لشركات هندسة الجينات. وفي المقابل مازالت المنتجات تنتج ومازالت الأغذية المعدلة وراثياً تغزو الأسواق سوقاً فسوقاً فسوقاً. ومن هنا فإن هناك وجهة نظر للمعارضة لهذه التقنية بجانب السيل المندفع من الآراء المعارضة الأخرى وتتمثل وجهة النظر المعارضة هنا في عدم تمكن الباحثين من وصل الجين المنقول ومكان وصله في (DNA) المستقبل واحتمالية أن هذا الجين المنقول قد يؤثر سلباً على فاعلية ودور الجينات الأخرى في الكائن المستقبل. الشركات مستمرة واليوم يمكن للمتأمل لما وصل إليه الأمر أن يلحظ ما حققته كثير من الشركات العاملة في مجال الهندسة الوراثية من نتائج متميزة في إنتاج بعض المحاصيل المعدلة وراثياً. ففي أمريكا يتوقع أن تصل عدد المحاصيل المحورة وراثياً إلى 150 محصولاً خلال السنوات القليلة القادمة، وقد حصلت بعض المحاصيل المحورة وراثياً على شهادة فسح من وزارة الزراعة الأمريكية أو إدارة الأغذية والأدوية، من هذه المحاصيل على سبيل المثال فول الصويا، الذرة، البابايا، البطاطس، الطماطم، القرع الأصفر، القطن، كما شمل الفسح بعض منتجات الألبان المنتجة من أبقار مطعمة بهرمونات محورة وراثياً. وفي بريطانيا رغم العواصف المضادة لهذه المنتجات تم ترخيص معجون الطماطم وبعض أنواع البطاطس. وفي الفلبين أجريت تعديلات على بعض أنواع الأرز وفي الباكستان على القطن. ومازالت الدول تتسابق في إنتاج هذه المحاصيل رغم المعارضات الشديدة من بعض الهيئات والمنظمات النشطة. حيرة الصحة لم تُحسم: لم يتسع بعد انتشار هذه الأغذية بالدرجة التي يتضح خطرها على الصحة العامة على الناس، ولكن يشير بعض الباحثين وتقارير بعض الهيئات إلى أن هناك احتمالاً لانتقال بعض المورثات من المحاصيل المعدلة وراثياً إلى المحاصيل المشابهة الطبيعية، وهذا قد لا يكون محكوماً من قبل الشركات المنتجة. ويشير تقرير للجمعية الملكية البريطانية أن لفت الزيت المستخدم للاستهلاك الآدمي يحتوي على نسبة منخفظة من حامض (erucic) السام، بينما يحتوي اللفت المستخدم في صناعة الزيت على نسبة عالية من هذا الحامض، لذا يزرع هذان المحصولان دائماً متباعدين للحد من هذه المشكلة، وكذلك الحال في بعض المحاصيل الأخرى. وتعتبر عملية نقل الجينات الحاملة لصفة مقاومة للمضادات الحيوية بواسطة بعض أنواع البكتريا الممرضة قد يجعلها أكثر خطراً، إلا أن ذلك لم يثبت علمياً بعد غير أن المعامل قد أخذت الحيطة حيال ذلك. ولتلافي المشكلات الصحية التي تنتج عن المحاصيل المحورة وراثياً تفرض الهيئات الحكومية في أمريكا وأوروبا على الشركات المنتجة فصل المحاصيل العادية والمعدلة وراثياً ووضع علامات على المنتجات المعدلة وراثياً تدل عليها وترشد المستهلك ليكون له بعد ذلك الخيار في استخدامها. وتتحمل الحكومات مسؤولية حماية المستهلك في كل بلد من خطر المنتجات المستجدة، ففي بلد مثل بريطانيا تشكل بعض المنظمات وبعض التجمعات مثل السلام الأخضر وأصدقاء الأرض وغيرها ضغطاً شعبياً ضد التحوير الوراثي. فعندما أعلن الباحث (Arpad pusztai) من مركز أبحاث رويت في أبردين عن تأثير البطاطس المحور وراثياً على النظام المناعي وتلف بعض الأعضاء في فئرات التجارب، والذي على أثرها فصل من منصبه في مركز الأبحاث وأكد صحة نتائجه الباحث (Sajgo) من هنجاريا، تضامن مع بوزتاي 22 باحثاً بريطانياً. وقد وجه كثير من الباحثين وبعض المراكز تحذيرات من خطر استعمال الأغذية المعدلة وراثياً ما لم تثبت سلامتها والتي تحتاج إلى وقت أطول من الباحثين لإثبات ذلك. فسح أم سحب؟! تتمتع الشركات المنتجة لهذه الأغذية أو مصادر هذه الأغذية بهيمنة وقوة اقتصادية تجعل لها نفوذاً على كثير من الحكومات. وبنفس الوقت تسعى الحكومات إلى التوفيق بين إعطاء الفرصة لمثل هذه الشركات ومنتجاتها والضغط الشعبي المتخوف من هذه المنتجات. فكان لابد من نظام فسح في كل بلد والحكومات في الدول التي تمتلك مثل هذه الشركات تكون أكثر مرونة في ذلك، كما أن الدول النامية التي تسعى إلى حل مشكلات الغذاء فيها مثل البرازيل أو الدول الفقيرة تعطي مرونة أكثر وتستغل الشركات المنتجة هذه الفرصة بعيدة عن أعين المنظمات المراقبة في الدول المتقدمة لتجرب بحرية محاصيلها وتصنعها أيضاً بغياب الرقيب. إلا أن كثيراً من الدول الأقل تقدماً والنامية قد أخذت الحيطة وأصدرت تشريعات وتنظيمات لاستيراد واستخدام وتسويق الأغذية المعدلة وراثياً. ففي بريطانيا ورغم القيود التي يفرضها الرأي العام تم فسح أكثر من 16 منتجاً ما بين عام 1990 و1996م. إلا أن معظم هذه المنتجات محلية، ولم تسهل بريطانيا ولا الاتحاد الأوروبي فسح المنتجات المستوردة من أمريكا خصوصاً تلك المنتجة من قبل شركة مونسانتو حسب ما أشارت مجلتا التغذية 1996 والطبيعية 1996، إلا بعد فصل المنتجات العادية من كل من فول الصويا والذرة عن المنتجات المعدلة وراثياً ووضع ملصق يدل عليها، وبرغم أن موضوع الخلاف بين أمريكا والاتحاد الأوروبي على فسح المنتجات المعدلة وراثياً، قد اشتد إلى حد المستوى السياسي، إلا إنه انتهى بإطلاق سراح هذه المنتجات بتنظيمات معينة، وهكذا يكون حال المنتجات في الدول الأخرى، فبعض الدول قد وضعت تشريعات بخصوص إنتاج واستيراد وتسويق واستهلاك هذه المنتجات، ولكن مازالت دول أخرى تقف موقف الحياد من هذه القضية بانتظار حسم الجدل القائم حالياً حيال المنتجات المعدلة وراثياً، وتنص تشريعات بعض الدول المستوردة على إمكان فسح هذه المنتجات إذا كانت مفسوحة في بلد المنشأ. وتشترط دول أخرى وضع ملصقات تبين أن هذه المنتجات معدلة وراثياً بينما تقف دول أخرى ضد إدخالها وتسويقها. الدول المستوردة: تعدالمملكةالعربية السعودية من الدول المستوردة للمنتجات الغذائية أو المواد التي تدخل في تصنيعها من دول انتشرت فيها المنتجات المعدلة وراثياً، كان لزاماً على الجهات المعنية سواء الوزارات (التجارة، الزراعة، الشؤون البلدية). أو الغرف التجارية، أن تضع تشريعاً يحكم تداول هذه المنتجات (استيرادها، تسويقها، استهلاكها أو حتى تصنيعها) ويضمن حماية المستهلك ولكن يبدو أن هذا الموضوع مازال تحت الدراسة. ويجب الحيطة من المنتجات الغذائية المستوردة بشكل عام والمستجدة منها بشكل خاص. وعلى الجهات الرقابية المعنية أن تفرض رقابة صارمة على الشركات المستوردة وفحص الأغذية المستوردة خصوصاً تلك التي تستورد عن طريق مطاعم الوجبات السريعة العالمية والتأكد من أن المواد خالية من منتجات معدلة وراثياً أو على الأقل تكون مسموحاً بها في بلد المنشأ على أن تُغطى هذه المنتجات بملصق يدل على مصدرها وأنها من منتجات معدلة وراثياً. ومن الضروري أيضاً تحري وجهة النظر الشرعية حول هذا الموضوع خصوصاً عن المنتجات المعدلة باستخدام جينات من مصادر حيوانية. مما سبق نخلص إلى القول أن السعودية بحاجة ماسة وسريعة إلى جهة معنية بمراقبة الأغذية عامة، والأغذية المستجدة في الأسواق، بما في ذلك المنتجات المعدلة وراثياً شاملة المحاصيل والبذور والمنتجات النباتية والحيوانية .
يتبع................