+ الرد على الموضوع
صفحة 4 من 4 الأولىالأولى ... 2 3 4
النتائج 31 إلى 37 من 37

الموضوع: شذرات عن الفتوحات الإسلامية

  1. #31

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    فتح ماسبذان

    بلغ سعد أن جماعة من الفرس قد تجمعت في ماسبذان الواقعة على يمين حلوان على الطريق إلى همدان
    فأخبر بذلك أمير المؤمنين فطلب منه أن يرسل لهم جيشاً بإمرة ضرار بن الخطاب الفهري
    ففعل وانتصر عليهم، وهرب أهل ماسبذان إلى رؤوس الجبال، فدعاهم ضرار فاستجابوا له ومنهم من أسلم
    ومنهم من لم يسلم فوضع عليه الجزية.

  2. #32

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    فتح الأهواز

    تغلب الهرمزان على منطقة الأهواز، وهو من أحد بيوتات فارس المشهورة وكان من الذين فروا من القادسية، وأصبح يغير على المناطق التي دانت لحكم المسلمين، فسار إليه جيشان من المسلمين، انطلق أحدهما من الكوفة من قبل وإليها عتبة بن غزوان، وسار الثاني من البصرة من قبل حاكمها أبي موسى الأشعري، وانتصر المسلمون عليه وهذا ما أجبره على طلب الصلح، فأعطوه ذلك. ثم نقض الهرمزان الصلح بعد أن استعان بجماعة من الكرد، فبرز إليه المسلمون فهزموه فتحصن في تستر (ششتر اليوم)، إلا أن أهل المنطقة قد صالحوا المسلمين عندما رؤوا إصلاح بلادهم، ودفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، وهذا ما جعل الهرمزان يطلب الصلح ثانية، ويصالح على عدد من المدن منها (تستر) و(جنديسابور)
    وكان حرقوص بن زهير قد فتح سوق الأهواز.

    ثم نقض الهرمزان الصلح ثانية بناء على تحريض يزدجرد، وبلغ الخبر عمر، فأمر أن يسير إليه جيش من الكوفة بإمرة النعمان بن مقرن، وكانت الكوفة مقر سعد بن أبي وقاص، كما أمر أن يسير جيش آخر من البصرة بإمرة سهيل بن عدي، وأن يكون على الجميع أبو سيرة بن أبي رهم، فالتقى النعمان بالهرمزان فهزمه، ففر إلى تستر فسار إليه سهيل بن عدي، كما لحقه النعمان، فحاصروه هناك، وكان أمير الحرب أبو سبرة بن أبي رهم ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وجد أن مع الهرمزان عدداً كبيراً من المقاتلين، فكتبوا بذلك إلى أمير المؤمنين، فطلب من أبي موسى الأشعري أن يذهب إليهم مدداً، فسار نحوهم، وحاصروا الفرس، واضطرهم إلى الاستسلام بعد فتح البلد عنوة، ولجأ الهرمزان إلى القلعة، فحاصروه وأجبروه على الاستسلام، وأرسلوه إلى عمر بن الخطاب بالمدينة مع وفد فيه الأحنف بن قيس وأنس بن مالك.

    ثم سار أبو سبرة بن أبي رهم في قسم من الجيش ومعه أبو موسى الأشعري والنعمان بن مقرن واستصحبوا معهم الهرمزان، وساروا حتى نزلوا (السوس) فحاصروها، وكتب إلى أمير المؤمنين بذلك، فأجابهم بأن يرجع أبو موسى الأشعري إلى البصرة، وأن يسير زر بن عبد الله بن كليب إلى جنديسابور، فسار، وبعث أبو سبرة بالخمس وبالهرمزان إلى المدينة، ولما وصل الوفد بالهرمزان إلى المدينة اتجه إلى بيت أمير المؤمنين، فقيل لهم : إنه بالمسجد للقاء وفد الكوفة، فانطلقوا إلى المسجد، فلم يروا فيه أحداً، ولما هموا بالعودة قال لهم غلمان يلعبون أمام المسجد :
    إنه نائم في زاوية المسجد، فانطلقوا فوجدوه نائماً، فقال الهرمزان :
    أين عمر ؟ فأشاروا إليه، وقد دهش لعدم وجود الحرس والحجاب كما اعتاد أن يرى في ملوك فارس وأكاسرتها.

    وفتحت السوس عنوة بعد حصار حتى طلب أهلها الصلح، وكذلك فقد فتح زر بن عبد الله جند يسابور،وتقدم المسلمون في بلاد فارس أيام عمر بن الخطاب من جهة ثانية، فقد كان العلاء بن الحضرمي والي البحرين يسابق سعد بن أبي وقاص في الفتح، فلما كتب الله النصر لسعد في القادسية، وكان له ذلك الصدى الواسع، أحب العلاء أن يكون له النصر على فارس من جهته، فندب الناس إلى الجهاد ضد فارس، فاجتمع الجيش وعبر العلاء بن الحضرمي البحر إلى فارس من جهته وذلك دون إذن أمير المؤمنين، اتجه العلاء نحو اصطخر، إلا أن الفرس قد حالوا بين المسلمين وسفنهم، فوجد المسلمون أنفسهم بين العدو والبحر، فعلموا جهدهم وقاتلوا بقوة فنصرهم على عدوهم، ثم خرجوا يريدون البصرة، فلم يجدوا سفنهم، كما رؤوا أن الفرس قد قطعوا عنهم الطرق، فاضطروا إلى البقاء محاصرين، ووصل الخبر إلى عمر بن الخطاب، فتأثر جداً، وأمر بعزل العلاء، وطلب منه الالتحاق بسعد بن أبي وقاص، وطلب من عتبة بن غزوان أن ينجد العلاء، فأرسل قوة بإمرة أبي سبرة بن أبي رهم ومعه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعاصم بن عمرو، والأحنف بن قيس، وحذيفة بن محصن، وعرفجة ابن هرثمة، وكان عدد هذه القوة اثنا عشر ألفاً، وسارت هذه القوة حتى وصلت إلى مكان حصار المسلمين، وكاد القتال أن ينشب بين المحاصرين والفرس، فجاءت القوة في الوقت المناسب، وانتصر المسلمون انتصاراً رائعاً، ثم عاد الجميع إلى عتبة بن غزوان في البصرة.

    وتجمع الفرس في مدينة نهاوند، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لا يريد أن ينساح المسلمون في بلاد فارس الواسعة خوفاً عليهم من ضياعهم فيها، وخوفاً عليهم من الفرس، واستمر ذلك مدة حتى وصل إليه الأحنف بن قيس في الوفد الذي يسوق الهرمزان معه، فسأل عمر الأحنف بن قيس عن الأحوال، وكان عمر يخشى أن يكون المسلمون يحيفون على أهل الذمة الأمر الذي يجعلهم ينقضون العهد، فقال عمر :
    لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى وبأمور لها ما ينتقضون بكم، فأجاب :
    ما نعلم إلا وفاء وحسن ملكة، قال :
    فكيف هذا ؟ فقال له الأحنف :
    يا أمير المؤمنين، أخبرك أنك نهيتنا عن الانسياح في البلاد، وأمرتنا بالاقتصار على ما في أيدينا، وإن ملك فارس حي بين أظهرهم، وإنهم لا يزالوا يساجلوننا ما دام ملكهم فيهم ولم يجتمع ملكان يتفقان حتى يخرج أحدهما صاحبه :
    وقد رأيت أنا لم نأخذ شيئاً بعد شيء إلا بانبعاثهم، وأن ملكهم هو الذي يبعثهم، ولا يزال هذا دأبهم حتى تأذن لنا فلنسح في بلادهم حتى نزيله عن فارس ونخرجه عن مملتكه وعزّ أمته : فهنالك ينقطع رجاء أهل فارس. فقال عمر :
    صدقتني والله وشرحت لي الأمر عن حقه.

    وجاءت الأخبار إلى عمر بن الخطاب أن الفرس قد تجمعوا في نهاوند، وهذا ما جعله يأمر بالانسياح في أرض فارس، وقد رغب أن يسير هو بنفسه على رأس جيش لقتال الفرس، إلا أنه عندما استشار الصحابة رؤوا غير ذلك، فعدل عن رأيه، وكان الذي أقنعه بذلك علي بن أبي طالب، فكتب إلى حذيفة ابن اليمان أن يسير بجند الكوفة، وإلى أبي موسى الأشعري أن يسير بجند البصرة، وإلى النعمان بن مقرن أن يسير بجند فإذا التقوا فكل على جنده أميرا، وعلى الجميع النعمان بن مقرن فإن قتل فقيس بن مكشوح و... حتى سمى عدة أمراء.

  3. #33

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    وسار المسلمون نحو نهاوند ولا يزيد عددهم على الثلاثين ألفاً إلا قليلاً، وكان قد تجمع فيها من الفرس ما يزيد على المائة والخمسين ألفاً، وكانت المعارك سجالا بين الطرفين مدة يومي الأربعاء والخميس، ثم انتصر المسلمون على أعدائهم الأمر الذي جعل الفرس يدخلون المدينة ويتحصنون فيها، فحاصرهم المسلمون، ولما طال الحصار استشار النعمان رجاله فأشاروا عليه بالتراجع أمامهم حتى إذا ابتعدوا من حصونهم انقضوا عليهم، فوافق النعمان على ذلك، وأمر القعقاع أن يبدأ القتال مع الفرس وأن يتراجع أولهم ففعل فلحقه الفرس.
    وعندما ابتعدوا من حصونهم بدأ النعمان بالقتال ونشبت معركة حامية قتل فيها من الفرس أكثر من مائة ألف رجل وتجلل وجه الثرى بالجثث، وسقط النعمان عن فرسه واستشهد، ولم يعلم بذلك سوى أخيه نعيم، فأخفى ذلك وأخذ الراية وسلمها لحذيفة بن اليمان فقاد المعركة إلى النهاية، وبانتهائها أعلم نعيم الجند عن مصرع قائدهم النعمان.
    أما قائد الفرس الفيرزان فقد فر، ولحقه القعقاع وقتله عند ثنية همدان، ودخل المسلمون نهاوند عنوة، ثم فتحوا أصبهان (جي). وفتح أبو موسى الأشعري (قم) وقاشان، وفتح سهيل بن عدي مدينة (كرمان).
    ولما وصلت أخبار نهاوند إلى عمر بن الخطاب بكى بكاء مريراً على شهدائها، وكلما ذكر له شهيد زاد بكاؤه، ولما وصلوا إلى ذكر أسماء لا يعرفها بكى وقال : وما ضرهم أن لا يعرفهم أمير المؤمنين ؟ لكن الله يعرفهم وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر.
    ولعل المرء يستطيع هنا أن يقف وقفة على اختيار عمر للأمراء وقادة الجند، وصحيح أنه كان لا يختار إلا الصحابة، إلا أنه في الوقت نفسه كان يعين الجندي أميراً ثم لا يلبث أن يضع أميراً عليه ويعيده جندياً يقاتل تحت راية من كان بالأمس يقاتل تحت رايته، وذلك حتى لا ترتفع بإنسان نفس وكي يشعر دائماً بالتواضع ويعرف مكانه الحقيقي، وأن قتاله إنما هو لله، وكذلك يشعر كل جندي في الجيش.
    ولما فتحت نهاوند أمر عمر بن الخطاب المسلمين بالانسياح في أرض فارس، وأعطيت الأوامر لسبعة أمراء بالتوغل في أعماق فارس بغض النظر عن عدد الجيش المنطلق وبغض النظر عن عتاده وتجهيزاته وبغض النظر عن القوة التي يمكن أن يلاقيها وعددها إذ أن المسلمين لم يكونوا ليقاتلوا بعدد أو بقوة تجهيزات وإنما بقوة الإِيمان الذي يحملونه بين جوانحهم.

    1- سار نعيم بن مقرن إلى همدان ففتحها، واستخلف عليها يزيد بن قيس، وتابع سيره إلى الري
    (موقع طهران اليوم) ففتحها، ثم بعث بأخيه سويد بن مقرن بناء على أوامر الخليفة إلى قومس فأخذها سلماً، وصالح أهلها، وجاء إليه أهل (جرجان) و(طبرستان) وصالحوه.
    وكان نعيم قد بعث وهو بهمدان (بكير بن عبد الله) إلى أذربيجان ثم أمده بسماك بن خرشة ففتح بعض بلاد أذربيجان على حين كان عتبة بن فرقد يفتح البلدان من الجهة الثانية.
    2- سار سراقة بن عمرو نحو باب الأبواب على سواحل بحر الخزر الغربية، وكان على مقدمته عبد الرحمن بن ربيعة فصالح عبد الرحمن ملكها بعد أن أرسله إلى سراقة بن عمرو، ثم بعث سراقة إلى الجبال في تلك المناطق بكير ابن عبد الله، وحبيب بن مسلمة، وحذيفة بن أسيد، وسلمان بن ربيعة، ومات هناك سراقة بن عمرو واستخلف مكانه عبد الرحمن بن ربيعة، وأقر الخليفة ذلك.
    3- سار الأحنف بن قيس على رأس جيش حتى دخل خراسان من الطبسين ففتح هراة عنوة، واستخلف عليها
    (صحار بن فلان العبدي)، وسار نحو (مرو الشاهجان) عن طريق نهر هراة، فامتلكها واستخلف عليها
    (حارثة بن النعمان)، ومنها سار إلى (مرو الروذ) مع وادي (مورغاب) ليلاحق يزدجرد حيث فر إليها، ووصلت الامدادات من الكوفة إلى الأحنف بن قيس، وسار المدد نحو (بلخ) حيث انتقل يزدجرد إليها، واستطاع أهل الكوفة دخول بلخ، ففر بزدجرد إلى بلاد ما وراء النهر، ولحق الأحنف بأهل الكوفة في بلخ وقد نصرهم الله على عدوهم، وأصبح الأحنف سيد خراسان إذ تتابع أهلها الذين كانوا قد شذوا أو تحصنوا إلى الصلح. وكان الأحنف وهو في طريقه إلى مرو قد بعث
    (مطرف بن عبد الله) إلى نيسابور، كما أرسل الحارث بن حسان إلى سرخس.
    عاد الأحنف إلى مرو الروذ بعد أن استخلف على (طخارستان) (ربعي بن عامر التميمي)، وكتب الأحنف إلى الخليفة عمربن الخطاب بفتح خراسان، فكتب عمر بن الخطاب إلى الأحنف أما بعد :
    فلا تجوزن النهر واقتصر على ما دونه، وقد عرفتم بأي شيء دخلتم على خراسان، فداوموا على الذي دخلتم به يدم لكم النصر، وإياكم أن تعبروا فتنفضوا.
    4- واتجه عثمان بن أبي العاص على رأس جيشٍ إلى اصطخر، وقد اجتاز مياه الخليج العربي من البحرين ففتح جزيرة (بركاوان) ونزل أرض فارس، ففتح جور واصطخر وشيراز وكان قد انضم إليه أبو موسى الأشعري بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب. وكان الحكم بن أبي العاص عون أخيه في فتوحاته.
    5- اتجه سارية بن زُنَيم الكناني سنة 645 م/23هـ لفتح ولايتين في بلاد الفرس هما (فسا) و(دارابجرد). وبينما كان يقاتل المشركين على أبواب نهاوند تكاثر عليه الأعداء.. وفي نفس اليوم كان الخليفة عمر بن الخطاب يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المدينة، فإذا بعمر رضي الله عنه ينادي بأعلى صوته أثناء خطبته:
    يا سارية الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم.

  4. #34

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    وبعد انتهاء الخطبة تقدم الناس نحو عمر وسألوه عن هذا الكلام فقال:
    والله ماألقيت له بالاً، شيءٌ أتى على لساني.
    ثم قدم سارية بن زنيم على عمر رضي الله عنه في المدينة فقال:
    ياأمير المؤمنين، تكاثر العدو على جنود المسلمين وأصبحنا في خطر عظيم، فسمعت صوتاً ينادي:
    يا سارية الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم .

    عندئذ التجأت بأصحابي إلى سفح جبل واتخذت ذروته درءاً لنا يحمي مؤخرة الجيش، وواجهنا الفرس من جهة واحدة
    فما كانت إلا ساعة حتى فتح الله علينا وانتصرنا عليهم.
    6- وسار عاصم بن عمرو التميمي على رأس قوة من أهل البصرة إلى إقليم سجستان، ففتح المنطقة، ودخل عاصمتها (زرنج) بعد حصار طويل اضطر أهلها إلى طلب الصلح، وتولى عاصم إدارة المنطقة، وعمل على توطيد الأمن فيها.
    7- وسار سهيل بن عدي الخزرجي بجيش إلى كرمان ففتحها.
    8- وانطلق الحكم بن عمير التغلبي بقوة إلى (مكران)، وتبعه مدد، والتقى المسلمون بأعدائهم على شاطئ نهر هناك، وعبر الفرس إلى المسلمين، ولكنهم لم يصمدوا طويلاً أمامهم، فدخل المسلمون معسكر الفرس، وقتلوا منهم عدداً كبيراً، وفتحوا المنطقة كاملة.
    9- واتجه عتبة بن فرقد إلى جهة شمال غربي فارس ففتحها - كما مر معنا
    مَقتَل الخليفَة عُمَر بن الخَطّاب كان عمر بن الخطاب بعيد النظر واسع الفكر، يخشى على المجتمع الإِسلامي من التلوث، ويخاف عليه من عدم التجانس بوجود عناصر غريبة فيه، تضيع معها الرقابة، وتنتشر آراء متباينة بالاختلاط، وتكثر فيه الإِساءة والنيل من مقوماته، يخشى أن يقوم الذي يأتون من خارج المجتمع من المجوس وسبي القتال بأعمال يريدون بها تهديم الكيان الإِسلامي، لهذا فإنه منع من احتلم من هؤلاء دخول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن عدداً من الفرس الذين دالت دولتهم قد أظهروا الإِسلام، ودخلوا المدينة، ولا تزال عندهم من رواسب الماضي صلات مختلفة بعقيدتهم المجوسية القديمة، وارتباطات بحكومتهم السابقة، أو أنهم أظهروا الإِسلام وأبطنوا المجوسية.

    طلب المغيرة بن شعبة أمير الكوفة من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يسمح لغلامه (فيروز) الذي يدعى
    (أبا لؤلؤة) بدخول المدينة للعمل فيها خدمة للمسلمين حيث هو رجل ماهر يجيد عدداً من الصناعات التي تفيد المجتمع وتخدم الدولة، فهو حداد ونقاش ونجار، فأذن له عمر. وكان أبو لؤلؤة خبيثاً ماكراً، يضمر حقداً، وينوي شراً، يحن إلى المجوسية ولا يستطيع إظهارها، وتأخذه العصبية ولا يمكنه إبداءها، فكان إذا نظر إلى السبي الصغار يأتي فيسمح رؤوسهم ويبكي، ويقول : أكل عمر كبدي.
    وكان أبو لؤلؤة يتحين الفرص، ويراقب عمر وانتقاله وأفعاله، ويبدو أنه قد وجد أن قتل الخليفة وقت الصلاة أكثر الأوقات مناسبة له، إذ يستطيع أن يأخذه على غفلة منه، ويغدر به دون مواجهة، وكان عمر إذا مر بين صفوف المصلين قال : استووا، حتى إذا لم ير فيها خللاً تقدم فكبر ودخل في الصلاة.

    فلما كانت صلاة فجر الثالث والعشرين من 23 ذو الحجة23هـ في السنة الثالثة والعشرين من هجرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، وفعل عمر كعادته، فما هو إلا أن كبر حتى طعنه أبو لؤلؤة ست طعنات، وهرب العلج بين الصفوف وبيده سكين ذات طرفين لا يمر على أحد يميناً أو شمالاً إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ما يزيد على النصف فلما رأى عبد الرحمن بن عوف ذلك القى عليه برنساً له، وأحس أبو لؤلؤة أنه مأخوذ لا محالة، لذا فقد أقدم على الانتحار بالسكين ذاتها.
    وجاء عبد الرحمن ليرى ما حل بالخليفة فوجده صريعاً، وعليه ملحفة صفراء قد وضعها على جرحه الذي في خاصرته ويقول : (وكان أمر الله قدراً مقدوراً).

    وأخذ عمر بيد عبد الرحمن فقدمه للصلاة، وفقد عمر بعد ذلك وعيه، أما عبد الرحمن فقد صلى بالناس صلاة خفيفة. وقد رأى هذا من كان على مقربة من الإمام، أما الذين كانا في نواحي المسجد فإنهم لم يعرفوا ما الأمر، وإنما افتقدوا صوت عمر فجعلوا يقولون : سبحان الله... سبحان الله... حتى صلى عبد الرحمن فانقطع صوت التسبيح.

    فلما أفاق عمر قال : أصلى الناس ؟ وهكذا لم ينقطع تفكيره بالصلاة على الرغم مما حل به.
    قال عبد الله بن عباس : نعم. قال عمر : لا إسلام لمن ترك الصلاة.
    ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى، وإن جرحه لينزف. ثم احتمل إلى بيته، فقال لابن عباس - وكان معه - : اخرج، فسل من قتلني، فخرج فقيل له طعنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، ثم طعن رهطاً معه، ثم قتل نفسه.
    فرجع وأخبر عمر بذلك، فقال عمر : الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط.

    وخشي عمر أن يكون له ذنب إلى الناس لا يعلمه، وقد طعن من أجله، فدعا ابن عباس وقال له :
    أحب أن تعلم لي أمر الناس، فخرج إليه ثم رجع فقال يا أمير المؤمنين، ما أتيت على ملأ من المسلمين إلا يبكون، فكأنما فقدوا اليوم أبناءهم.
    وجيء له بطبيب من الأنصار فسقاه لبناً فخرج اللبن من الجرح، فاعتقد الطبيب أنه منته، فقال : يا أمير المؤمنين اعهد. فبكى القوم لما سمعوا ذلك. فقال عمر :
    لا تبكوا علينا، من كان باكياً فليخرج، ألم تسمعوا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    يعذب الميت ببكاء أهله عليه.
    وكان عمر يخشى ما هو قادم عليه، فالمؤمن بين الخوف والرجاء، فيخاف عمر أن يكون قد قصر بحق الرعية ومسؤوليته ويقول لمن كان حاضراً وما أصبحت أخاف على نفسي إلا بإمارتكم هذه.

    وكان ابن عباس ما يريد أن يطمئنه ويخفف عنه، فيذكره بمكانه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند أبي بكر الصديق وأن رسول الله قد بشره بالجنة، فكان عمر يقول :
    والله لوددت أني نجوت منها كفافاً لا علي ولا لي، والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها لا أجر ولا وزر.

    وقال به ابن عباس، لقد كان إسلامك عزّاً، وإمارتك فتحاً، ولقد ملأت الأرض عدلاً. فقال عمر :
    أتشهد لي بذلك يا ابن عباس ؟ فقال علي بن أبي طالب لابن عباس : قل نعم وأنا معك.

    وطلب عمر من ابنه عبد الله أن يفي ما عليه من الديون. ثم أرسله إلى أم المؤمنين عائشة ا يستأذنها في أن يدفن بجانب صاحبيه، وقال له : قل لها :
    يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فمضي عبد الله فسلم واستأذن، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فسلم عليها وقال :
    يقرأ عليك عمر السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت :
    كنت أريده (المكان) لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي.

    وكان عمر لا يريد أن يستخلف إلا أن ابنه عبد الله قد أقنعه بذلك. فعن عبد الله بن عمر أنه قال :
    دخلت على حفصة ونوساتها (ضفائرها) تقطر ماء فقالت : علمت أن أباك غير مستخلف ؟ قلت : ما كان ليفعل، قالت : إنه فاعل.
    فحلفت أن أكلمه في ذلك، فغدوت عليه ولم أكلمه فكنت كأنما أحمل بيميني جبلاً حتى رجعت فدخلت عليه، فسألني عن حال الناس وأنا أخبره، ثم قلت له إني سمعت الناس يقولون مقالة، فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف. أرأيت لو أنك بعثت إلى قيم أرضك ألم تحب أن يستخلف مكانه حتى يرجع إلى الأرض ؟ قال : بلى. قلت :
    أرأيت لو بعثت إلى راعي غنمك، ألم تكن تحب أن تستخلف رجلاً حتى يرجع ؟ فماذا تقول لله عز وجل إذا لقيته ولم تستخلف على عباده ؟ فأصابه كآبة ثم نكس رأسه طويلاً ثم رفع رأسه وقال :
    إن الله حافظ هذا الدين، وأي ذلك أفعل فقد سن لي، إن لم استخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن استخلف فقد استخلف أبو بكر.فعلمت أنه لا يعدل أحداً برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه غير مستخلف.
    قال عمر :
    قد رأيت من أصحابي حرصاً شديداً، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر الستة الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، ثم قال :
    لو أدركني أحد رجلين، فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به. سالم مولى أبي حذيفة وأبو عبيدة بن الجراح فإن سألني ربي عن أبي عبيدة قلت :
    سمعت نبيك يقول إنه أمين هذه الأمة، وإن سألني عن سالم قلت :
    سمعت نبيك يقول إن سالماً شديد الحب لله.
    قال : المغيرة بن شعبة : أدلك عليه، عبد الله بن عمر. قال :
    قاتلك الله ‍ والله ما أردت الله بهذا، لا أرب لنا في أموركم وما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي، إن كان خيراً فقد أصبنا منه، وإن كان شراً فبحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ويسأل عن أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أما لقد جهدت نفسي، وحرمت أهلي، وإن نجوت كفافاً لا وزر ولا أجر إني لسعيد.

    وجعلها شورى في ستة : عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص م. وجعل عبد الله عمر معهم مشيراً وليس منهم، وأجّلهم ثلاثاً، وأمر صهيباً أن يصلي بالناس.
    وكان طلحة بن عبيد الله غير موجود آنذاك بالمدينة حيث كان مشغولاً، خارجاً ببعض أعماله. فدعا عمر القوم، وقال لهم : إني قد ظهرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقاً إلا أن يكون فيكم، فإن كان شقاق فهو منكم، وقال إن قومكم إنما يؤمرون أحدكم أيها الثلاثة (لعثمان وعلي وعبد الرحمن) فاتق الله يا علي، إن وليت شيئاً من أمور المسلمين فلا تحملن بني هاشم على رقاب المسلمين، ثم نظر إلى عثمان وقال : اتق الله، إن وليت شيئاً من أمور المسلمين فلا تحملن بني أمية على رقاب المسلمين. وإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس. ثم قال : قوموا فتشاورا فأمّروا أحدكم.
    فلما خرجوا قال : لو ولوها الأجلح (علي) لسلك بهم الطريق، فقال ابنه عبد الله :
    فما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تقدّم علياً ؟ قال :
    أكره أن أحملها حياً وميتاً.
    وذكر عمر سعد بن أبي وقاص فقال :
    إن وليتم سعداً فسبيل ذاك، وإلا فليستشره الوالي فإني لم أعزله عن عجزٍ ولا خيانة. وقال عمر : أمهلوا فإن حدث بي حدث فليصل لكم صهيب - مولى بني جدعان - ثلاث ليالٍ، ثم أجمعوا أمركم، فمن تأمرّ منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه.

    وأرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاري قبل أن يموت بقليل فقال له:
    كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت أحدهم فقم على الباب بأصحابك، فلا تترك أحداً يدخل عليهم، ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمّروا أحدهم. وقم على رؤوسهم، فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة ورضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس، ولا يحضر اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم، اللهم أنت خليفتي فيهم.

    وقد لزم أبو طلحة أصحاب الشورى بعد دفن عمر حتى بويع عثمان بن عفان.
    وبقي عمر ثلاثة أيام بعد طعنه ثم توفي يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين 23هـ
    وقد غسله وكفنه ابنه عبد الله، وصلى عليه صهيب.
    ويبدو أن عمر سار في جعل الأمر بين رجال الشورى على غير الطريق كان يتبعهاوهي طريقة الحسم في الأمر، إذ أن الاختيار ربما يجعل الرجل يفكر في أمر لم يكن يخطر في باله من قبل، بل ربما حدثت خلافات لم تكن لتحدث لو استخلف رجل معين فالكل يطيعون، والجميع لا يرغبون في هذا الأمر، هكذا الفطرة البشرية ترغب عند الاختيار، وتطلب حين الترشيح. وربما ظن بعضهم أن هذه خطيئة وقع فيها عمر، ويحاولون تخفيف ذلك الخطأ بأنه كان مصاباً ومن أجل ذلك حدث ما وقع، إلا أن التخطيط للانتخاب، ومحاولته معرفة سبب قتله، والنظرة البعيدة إلى المستقبل مع إصابته لتدل على مدى صحة تفكيره وسلامة عقله وعدم إضاعة أي شيء من النظر لمصلحة المسلمين. ولكن الخوف مما هو قادم عليه، جعله يريد أن يرفع المسؤولية عن نفسه، لقد كان يريد أن يستخلف إلا أنه خاف من تحمل التبعات وهو قادم للقاء الله عز وجل، وقد قال :
    لو ولوها الأجلح لسلك بهم الطريق، ويعني علياً، ولما قال ابنه عبد الله : فما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تقدم علياً ؟
    قال : أكره أن أحملها حياً وميتاً.

  5. #35

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    فتح شمال افريقيا


    لمــا ولـي عبد الله بـن سـعد بن أبـى السرح ولايـة مصر من قبـل عـثمــان بـن عـفــان؛ كـتب إليه أن الروم الذين لا يزالون يسيطرون عــلى شـمــال إفريقيـا يغيرون عـلى حدود مصر الغربيـة، و لابد مـن مـواجـهتهم قبـل أن يتجرءوا ويهـاجموا مصر نفسهـا، فـاقتنع عـثمــان بعد أن استشـار كبـار الصحـابـة، وأذن له بتجريد حمـلات عـسكـريـــة لردعـهم وكـف عـدوانـهم، كـمــا أرســل إليـه جـيشًا مـن المـديـنــة مـددًا، يـضم عددًا من الصحـابـة كـابن عبـاس، وعبد الله بـن الزبـير رضــى الله عـنهـمــا. وفــى سـنـة 27هـ = 647م انطـلق جـيش المـســلمـين بـقيــادة عبد الله بـن سـعد، وتوغـل غربًا حتـى وصــل إلى قـرطــاجـنــة عـاصمـة إقـليم تونس فـى ذلك الوقت، ودارت عـدة مـعـــارك بـين المـســـلمـين وبـين مــلكـهــا جـريـجوار أوجـرجير كمـا تسميه المصـادر العربيـة، انتهت بـانتصـار المسـلمين وقـتــل المــلك جـريـجوار عــلى يـد عبد الله بـن الزبير. ولم تكن تــــلك الحـمـــلة تـهدف إلى الاسـتقـرار، بـــل إلى ردع العـدوان، ولذا اكـتفــى عبد الله بـن سـعد بـعقـد مـعـاهدات صـلح مع زعمـاء تـلك البــلاد تـعهـدوا فـيهـا بدفع مبـلغ كبير
    وصـل المسـلمون فـى أواخر خـــلافـــة عـثمــان إلى تـونـس الحــاليــة، لكـنهـم لم يـواصــلوا فتوحـاتهم بسبب الفتن التـي استمرت حتـى نهـايـة خـلافـة عـلى بن أبــى طـالب 36 - 40هـ، فـلمـا استتب الأمر لمعـاويـة سنـة 41هـ، كــانـت جـبهــة شـمــالي إفريقيـا أولى الجبهـات التـي اهتم بهـا، لأنـهــا كــانـت تـخضع لنفوذ الدولة البيزنطيـة التـي عزم عـلى تضييق الخنـاق عـليهـا، فـأرسـل سنـة 41هـ حمـلة إليها بـقيــادة مـعــاويــة بـن حـديج، ثم أرسـله عـلى رأس حمـلة أخرى سـنــة 45هــ، فـاستطـاع أن يفتح العديد من البـلاد، مثـل جـلولاء وسـوسـة. أسند معـاويـة بن أبـى سفيـان قيـادة الجيش الفـاتح إلى عُقـبــة بـن نــافـع، وهـو واحـد مـن كـبـار القـادة الذين لمعت أسـمــاؤهـم فــي الفتوحـات الإسـلاميـة فـى العصر الأموي، ولم يكن عُقـبــة جـديـدًا عـلى الميدان، فقد شـارك فـى فتح تـلك البـلاد منذ أيــام عـمرو، واكـتسـب خـبرة كبيرة، فواصـل فتوحـاته فـى هذه الجـبهــة. ولمــا رأى عقبـة اتسـاع الميدان، وبعد خطوط مواصـلاته عـن قـواعـده فــي مـصر، شـرع فــي بـنــاء مدينـة تكون قـاعدة للجـيش، ومـركـزًا لانـطــلاقــاتـه وإمـداداته، فبنـى مدينـة القيروان 50 – 55هــ بــإذن مـن معـاويـة، وكـان لهذه المدينـة شـأن عظيم فــي الفـتوحــات وفــى الحـركــة العـلميـة، وأثنـاء تـأسيسهـا كـان عـقبــة يـرســل السرايـا للفتح، ويدعو النـاس إلى الإسـلام، فدخـل كـثيـر مـن البـربـر -سـكــان البــلاد- فــي الإســلام. ظـل عقبـة بن نـافع يواصـل فتوحـاته ونشر الإسـلام حتـى عزله معـاويـة وولَّى مـكـانه قـائدًا آخر، لا يقـل عنه شجـاعـة وإقدامًا، وحبـا للجهـاد فـى سـبيــل الله، هـو أبـو المـهــاجـر ديـنــار، وكـان يتمتع إلى جـانب مـهــارته العسكريـة بقدر من الكيـاسـة وحسن التصرف والفطنـة، فقد أدرك أن البـربـر سـكــان الشـمـال الإفريقـي قوم أشداء، يعتدُّون بـكرامـتهـم ويـحرصـون عــلى حـريتهم كـالعرب تمـامًا، وأن سيـاسـة الليـن والتـســامـح قـد تـجدي مـعهـم أكـثر مـن سـيـاسـة الشدة. وقد نـجحـت سـيــاســة أبـى المهـاجر فـى اجتذاب البربر إلى الإسـلام، وبـخــاصــة عـندمــا أظـهر تـســامـحًا كـبيـرًا مع زعيمهم كسيـلة بن لمـزم، و عــامــله فــي إجــلال وإكرام، فـأسـلم الرجـل متـأثرًا بتـلك المـعــامـلة، وأسـلم بـإسـلامه طـائفـة كبيرة من قومه. وفـى مقـابـل تــلك السـيــاســة المتسـامحـة مع البربر كـان عقبـة حـازمًا فـى تـعــامــله مـع الدولة البـيزنـطيــة التــي حــاولت أن تحتفظ بـالشمـال الإفـريـقــي بـعد أن فـقدت مـصر والشــام، لكـنهــا لم تـنجح، فقد حـقق أبـو المـهــاجـر نـصرًا عـسكريـا عـليهـا، مكَّنه من السير إلى الغـرب، فــاتـحًا مـعظـم المغرب الأوسط - الجزائر الحـاليـة - ووصـل إلى تـلمسـان. أعـاد الخـليفـة يزيدُ بن معـاويـة عقبةَ بن نافع مـرة أخـرى إلى شـمـــالي إفـريـقيـــا، فـواصـــل جـهود أبـــى المهـاجر، وقـام بحمـلته التـي اخترق بهـا السـاحـل كله فى شجاعة وجـرأة حـتــى بــلغ شــاطـئ المـحيـط الأطــلســي، و أوطـأ أقدام فـرسـه فــي مـيــاهـه، وقـال قولته المشهورة : اللهم اشهد أنـى قد بــلغـت المـجهود، ولولا هذا البحر لمضيت فـى البـلاد، أقـاتـل من كفر بـك حـتــى لا يـعبـد أحـدًا دونـك. وفــى أثـنــاء عـودة عقبـة من غـزوتـه المـظفـرة تـعرض لكـميـن نـصبـه له البـيزنـطيـون بـمســاعـدة كـسيــلة زعـيم البـربـر، الذى كــان عقبـة قد أهـانه، فبينمـا هـو يـسيـر فــي عـدد قــليـل من جنوده يبـلغ زهـاء ثـلاثمـائـة جندي انـقضـت القـوات البـيزنـطيــة عــليـه وعــلى مـن معه عند بـلدة تهودة فــاسـتشـهدوا جـميعًا سنـة 63هـ. وممـا أسهم فـى وقوع الكـارثـة أن عـقبــة قـد وقـع فــي خـطــأ عـسكـري كـبيـر، إذ سرَّح معظم جـيشـه، وأمـرهـم بـالسير أمـامه، فـابتعد عنه لمسـافـة طويـلة، ممـا جـعــل الجـيش البـيزنطـي ينفرد به ويهزمه هزيمـة ثقيـلة أضـاعت كـل الجـهود التـــي بـذلهــا المـســلمـون فــي فـتح تــلك البــلاد، واضـطر المـســـلمـون إلى الارتـداد إلى الخـــلف، ولم يـستـطيـعوا الاحـتفـــاظ بــالقـيروان، وعــادوا إلى بـرقــة. تـسـلَّم زهير بن قيس البـلوى قـيــادة الجـيش خـلفًا لعقبـة بن نـافع سنـة 63هـ، وعزم عـلى الثـأر مـن البـيزنـطيـين والبـربـر، لكنه لم يستطع أن يحقق هدفه إلا فـى سـنـــة 69هــ، نـظرًا لانـشغـــال الدولة الأمـويـــة بــالأحـداث والفـتن الخطيرة التـى حدثت فـى الداخـل بعد وفـاة يزيد بن معـاويـة سنـة 64هــ. تـحرّك زهـير بـجيـش كـبيـر وزحـف عـلى القيروان سنـة 69هــ، والتـقـى عـلى مقربـة منهـا بجيش كسيـلة، فهزم البربر هـزيمـة سـاحقـة بعد معركـة شديدة ، وفـى أثنـاء عودته إلى برقـة للدفــاع عـنهـا - بعد مـا نمـى إلى عـلمه أن البيزنطيين زحفوا عـليهـا فــى جـموع عـظيـمــة - تعرض لهجوم بيزنطـي مفـاجئ، فـلقـي حتفه هـو ومـن مـعه. وصـــلت أخـبــار اسـتشـهــاد زهـير ومـن مـعه إلى الخــليـفــة عبد المــلك بـن مروان وهو مشغول بصراعه مع الخوارج والشـيعــة وآل الزبـير، فـلم يتمكن من القيـام بعمـل حـاسم إلا بعد أن اسـتقـرت له الأوضــاع، فــأسند قيـادة جبهـة الشمـال الإفريقـي إلى حـســان بـن النـعمــان وأمده بجيش كبير من مصر والشـام، بـلغ عـدده نـحو أربـعيـن ألف جـندي. واستطـاع حسـان بعد جهد جهيد القـضــاء عـلى الوجود البيزنطـي فـى الشمـال الإفريقـي، وأن يحطم مـديـنــة قرطـاجنـة أكبر مركز بيزنطـي، وأن يبنـى محـلهـا مدينـة تـونـس الحــاليــة، كـمــا قضـى عـلى كـل مقـاومـة للبربر، بعد أن حـقق نـصرًا هـائـلا عـلى زعيمتهم الكـاهنـة التـي آلت إليهـا الزعـامـة بـعد مـقتـل كسيـلة، و نعم المسـلمون بـأولى فترات الاستقرار فـى المـغرب ولم يـكن حـســان بـن النـعمـان قـائدًا عسكريـا عظيمًا فـحسـب، بـــل كـــان رجـــل دولة وتـنظـيم وإدارة أيـضًا، فــأنـشــأ الدواويــن، ورتَّب أمـور الخـراج والجـزيـــة، ووطَّد ســـلطـــان الحـكم الجـديـد فــي الثـغور و النـواحــي، وجـدد مدينـة القيروان، وأنشـأ بـهــا المـسجـد الجــامـع، ووضـع سيـاسـات مستقبـليـة انتهت بـأهـل الشـمــال الإفـريـقــي كــله إلى اعـتنــاق الإســلام
    حـلّ موسـى بن نـصيـر سـنـة 85هـ محـل حسـان بن النعمـان فـى ولايـة شمـالي إفـريـقيــا وقـيــادة جيوش الفتح بهـا، فـأكمـل مـا بدأه سـابقوه من القــادة العـظــام، وقـدِّر له أن يـجنــى ثمـار غرسهم، ففـى ولايته تم فـتح المـغرب كــله، وأقـبــل أبـنــاؤه عـلى اعتنـاق الإسـلام فـى حـريــة تــامــة، بـعدمــا أدركـوا وفـهمـوا مـا يحمـله من عزة وكرامـة وحرية وعدل ومساواة

  6. #36

    • عبير
    • Guest

    افتراضي

    فتح الأندلس


    كــان الذى دعــا المسـلمين إلى فتح تـلك البـلاد هو يوليـان حـاكم ولايــة سـبتــة المـغربيـة الواقعـة عـلى سـاحـل البحر والخـاضعـة لحـكم القـوط آنـذاك، ولم يـكن المـســلمـون قـد فتحوهـا، فـاتصـل حــاكـمهــا بـطــارق بـن زيـاد حـاكم طنجـة، وعرض عـليه الفكرة، فـنقــلهــا إلى مـوسـى بن نصير الذى اتصـل بـالخـليفـة الوليد بن عـبد المــلك، فــأذن له الخــليـفــة، عــلى أن يـتـأكد من صدق نيـات يـوليــان، وأن يـرتـاد البـلاد بحمـلة استطـلاعيـة، ليعرف أخبـارهـا قـبــل أن يـدخـلهـا فـاتحًا. كـلَّف موسـى بن نصير أحد رجـاله وهو طـريـف بـن مــالك عــلى رأس خمسمـائـة جندى، بدخول الأندلس وجـمع مــا يـمكـن جـمعـه مـن أخـبــار، كـمــا طـلب من يوليـان أن يـوافيه بتقرير عن أوضـاع البـلاد، فـاتفقت معـلومـات طريف التـي جـمعـهــا مـع تـقريـر يـوليــان، وكــلهــا تفيد أن البـلاد فـى حـالة فـوضــى، وتـعــانــى مـن الضـعف العـسكـرى، و أن النـاس ينتظرون المـســلمـين ليـرفـعوا عـنهم الظـلم، وعـاد جيش طريف سنـة 91هـ مـحمــلا بــالغـنــائـم. اخـتــار مـوسـى بن نصير للقيـام بمهمـة فتح الأنـدلس طــارق بـن زيــاد وهـو من أصـل بربري لمـا يتمتع به من شـجــاعــة ومـهــارة فــي القـيــادة، فخرج فـى سبعـة آلاف جندي، مـعظـمهـم مـن البـربـر، وعـبر المـضيـق الذى يـفصـل بين السـاحـل المـغربــي و الســاحــل الأنـدلســي، والذى لا يزال يحمـل اسمه، ونزل عــلى الجـبـل - الذى حمـل اسمه أيضًا - فـى شهر رجب سنـة 92هـ، واسـتولى عــليـه بـعد عـدة مـعــارك مع القوات القوطيـة التـي كـانت تـقوم بـحراسـته، وتـوغَّل فــى جـنوبــى البــلاد. ومــا إن عـلم المـلك روذريـق بنزول المسـلمين فـى بـلاده وكـان فـى شمـالى غربـي البــلاد مـشغـولا بـقمـع ثـورة انـدلعت ضده - حتـى عـاد مسرعًا للقـاء المـســلمـين عــلى رأس جيش قوامه نحو مـائـة ألف جندي، ولمـا عـلم طــارق بـعودة المــلك طــلب مـددًا من موسـى بن نصير، فـأمدََّه بـخمـســـة آلاف، وأصـبح عـدد جـيشـه اثـنـــي عـشر ألفًا، والتـقــى الفـريـقــان فــي أواخـر شهر رمضـان سنـة 92هـ، وحقق المسـلمون نـصرًا حــاسمًا، ويـؤكد المـؤرخون أن هذه المعركـة المعروفـة بـاسم مـعركــة شـذونـة قد قررت مصير الأندلس لصـالح المسـلمين، لأن الجـيش القـوطــي دُحـر تمـامًا، وهبطت روحه المعنويـة إلى الحضيض، ولم يـعد قـادرًا عـلى المقـاومـة، فـانفتح الطريق أمـام البطـل الفـاتح طــارق بـن زيــاد، ليـستـولـي عــلى مـدن مهمـة، مثـل: قرطبـة، و غـرنــاطــة، و وصــل إلى طــليـطـلة فـى وسط البـلاد، وكـانت عــاصـمــة البــلاد فـى ذلك الوقت. أرسـل طـارق إلى موسـى بن نـصيـر يـبشـره بـهذه الانـتصــارات، ويـطــلب مـنه مددًا جديدًا، فعبر إليـه بـنفـسه عــلى رأس قـوة كـبيـرة قـوامـهــا ثـمــانيـة عشر ألفًا، و نـجح فــي فـتح عـدد من المدن فـى غربـي البـلاد مثـل إشبيـليـة وهـو فــى طريقه إلى لقـاء طـارق فـى طـليطـلة. اتفق القـائدان العـظيـمــان عــلى استكمـال فتح الأندلس، فـاتجه كـل منهمـا إلى نــاحـيـة فـأخذ طـارق بن زيـاد طريقه إلى الشمـال الشرقـي، فـي حـين اتـجه مـوســى إلى الشـمــال الغـربــي، و نـجح الاثنـان فـى غــضـون عـــــامــين 93 - 95هــ فـــى فـتح مـعظـم شـبه الجـزيـرة

  7. #37

    • الباحثة غير متواجد حالياً
    • عضو

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    العمر
    47
    المشاركات
    26

    افتراضي

    شكرا لكم وهكذا انتهت هذه الفتوحات
    والإسلام ستبقى له فتوحات على مر الزمن إلى ان يرث الله الأرض وما فيها
    شكرا لمروركم الكريم أيها الإخوة الأفاضل
    ستظلون إخوة في الهه أفخر بهم ما حييت

+ الرد على الموضوع
صفحة 4 من 4 الأولىالأولى ... 2 3 4

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. نبذة تاريخية عن النقود والعملات الإسلامية
    بواسطة عبير في المنتدى أخبار الدنيا
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 01-09-2011, 03:35 AM
  2. مجموعة من الأبحاث الإسلامية
    بواسطة najah.najah في المنتدى المنتدي الديني
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 29-01-2011, 09:06 PM
  3. الحضارات الإسلامية بالمغرب
    بواسطة رباب في المنتدى أخبار الدنيا
    مشاركات: 32
    آخر مشاركة: 04-10-2009, 01:58 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك