تعتبر الحركة الإنطباعية نقلة نوعية في مسار الفن التشكيلي في أوربا و العالم، و من الممكن اعتبارها البداية الفعلية للفن الحديث.
ورغم أن بدايات هذه الحركة تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر إلا أن منطلقاتها الأساسيّة لم تتوضح إلا في القرن العشرين. فقد تميزت أعمال الفنانين الإنطياعيين بطابعها العصري إلى درجة جعلت معاصريها يعجزون عن تكوين رأي عنها و فهمها.
و كما جرت العادة، ترجم هذا العجز رفضا قاطعا و هجوما شرسا أججه القائمون على أكادميات الفنون الجميلة التي كانت أنذاك تسيطر على المشهد التشكيلي في أوروبا- و خاصة في فرنسا- و التي كانت تضع قوانين محدد و دقيقة لتدريس الفنون أهمها التأكيد على أولوية الرسم على اللون و تفضبل العمل في الأماكن المغلقة على العمل في الهواء الطلق و محاكاة الطبيعة بطربقة أقرب إلى ‘ الكمال‘.
و لكن الإنطباعيين كان لهم رأي آخر في هذا المجال، فلم يكتفوا بما تعلموه من مبادئ الرسم في الأكاديمية، بل أظافوا له انطباعاتهم عن ما يلاحظونه من تأثير الضوء و الزمن في المشاهد التي يرسمونها، و بالتالي كانت بداية الثورة على الطابع الجامد للفن الأكاديمي بالخروج من المرسم إلى الحدائق و خاصة إلى ضفاف نهر السين بفرنسا لرصد تأثير الضوء و الظلال على الأماكن و الأشخاص مما دعا إلى الإسراع في تنفيذ العمل الفني قبل تغير موضع الشمس في السماء و بالتالي تبدل تأثير الظل و النور. لذلك اعتمد الإنطباعيون في رسومهم على الجرأة في استعمال اللون بتدرجاتة و بإهمال التفاصيل الصغيرة في رسم المشاهد. فكان التحرر من حصار الجدران للرسام و حصار الحدود و القوانين للوحة. و خرجت اللوحات من عتمة المرسم و قوانينة إلى نور الحدائق و انطلاقها.
وقد كان من الطبيعي أن يلاقي الجيل الأول من الرسامين الإنطباعيين صعوبة كبيرة في عرض أعمالهم و إيصالها للناس ممّا اضطرهم للعرض في الشارع. و نذكر منهم على سبيل المثال: إيدوار مانيه183-1883،و كلود مونيه، و ألفريد سيسلي1839-1899، و بول سيزان 1839- 1906...
و لكن إصرار هذه المجموعة من ’المستقلين’ – كما كان يحلو للبعض تسميتهم- أدّى إلى تأسيس صالون المستقلين أين كان بسمح لهم بعرض لوحاتهم. وقد لاقى صالون المستقلين إقبالا كبيرا من الزوّار، فاق أحيانا نسبة الإقبال على قاعة العرض الرّسمية التي كانت تحتوي على لوحات الفنّانين الأكاديميين مثل جان ليون جيروم1824- 1904، و وليام بوغيرو1825- 1905.
و لم تكن حركة الإنطباعية ثورة على مستوى أساليب الرسم فحسب،بل فتحت آفاقا جديدة على مستوى المواضيع، فبرزت لوحات تعبر عن اليومي، مثل لوحة ’الكوّاءة’ لإدغار ديغا1869 و لوحة ’مشهد صيف’ لفريدريك بازيل1869، و لوحة ’لاعبي الورق’ لبول سيزان1892- 1895.
فقد كان الفنانون الجدد يؤمنون بأن فن الرسم لا يمكن أن يكون جامدا و ثابتا،و سعوْا دائما للتجديد و التطرق لمواضيع طريفة مثلما هو الحال عند سيزان الذي برزت معه لوحات *الطبيعة الميتة علما أن ما صوّره في لوحاته هذه لا هو طبيعة خالصة، و لا هو موات خالص. و هو في معظم الأحيان فواكه و أواني جاء بها و رتبها فوق مسطح ليتأملها، ثم بعد ذلك يترجم المشهد إلى مسطحات لونية معتمدا في ذلك على ذاكرته البصرية. وقد اعتبرت هذه المجموعة من الأعمال من أهم مفاتيح تغيير صورة الفن و أشكاله. كذلك ساعد هذا التيّار على التخلّص من آثار المشهد الثقافي المسيّس في زمن الإمبراطورية الثانية في فرنسا.
و قد نجح الإنطباعيون في انتزاع الاعتراف الرسمي بهم، إذ اندرج كل من مونيه و سيسلي و أغوست رينوار[1841- 1919]، و فريديريك بازيل1841- 1870 ضمن أكاديمية الفنون الجميلة في سنة 1862، و هو ما يعتبر بداية الاعتراف الجماهيري بهذه الحركة التي أصبحت واحدة من أبرز حركات التحرر على مستوى الفن التشكيلي في العالم. وتعتبر الإنطباعية إحدى التيّارات الأكثر ثورية في تاريخ الفن التشكيلي و هو ما جعله الإتجاه الأبرز حتى يومنا هذا، بل أن التيّار المهم الذي تلاه، و ضمّ من بين من ضمّ، فنّانين مثل غوغان 1848- 1903، و فان غوغ1853- 1890
و لوتريك1864- 1901سمّي ما- بعد الإنطباعية.
و لم يتوقف تأثير هذا التيار في تاريخ الفن التشكيلي عند هذا الحد، بل كان مصدر إلهام لعديد التيارات الأخرى مثل التيّار التكعيبي 1908 الذي أخذ مبادئه من مبدأ بول سيزان في الرسم، إذ أنه يعتبر أن كل شيء في الطبيعة يأخذ شكله من إحدى هذه الحالات: الدائري،و المخروطيو الأسطواني.
و يعتبر كل من جورج براك 1882- 1963، و بابلو بيكاسو1881- 1973 من أشهر رسّامي هذا التيار.
رد: الإنطباعيون و خروج اللوحة من بين أسوار الأكاديمية
من بين الرسامين الانطباعيين
ألفرد سيسلي
ألفرد سيسلي Alfred Sisley (عاش 30 اكتوبر 1839- 29 يناير 1899) رسام انطباعي إنگليزي عُرف برسم المناظر الطبيعية.
جذب سيسلي الانتباه بمزجه المتنوع الذي ينعكس في مناظره الطبيعية التي تتراوح بين البهجة والمرح، إلى النزوع للحزن والانقباض.
أفضل لوحاته تم تلوينها بصورة مرهفة تنم عن ذوق رفيع وأحاسيس رقيقة. وبهذا تميزت عن لوحات رفقائه الانطباعيين الآخرين.
لقد تفوق سيسلي من الناحية الانطباعية في التصوير بالرسم لمناظر الثلوج الضبابية.
وُلد سيسلي في باريس من أبوين إنجليزيين. وفي ستينيات القرن التاسع عشر درس في استديو باريس الذي يملكه الفنان السويسري مارك-شارل-گابرييل گلير. وقابل هناك الانطباعيين الواعدين: جان فريدريك بازيل، كلود مونيه، بيير أوجست رينوار.
ركز سيسلي في لوحاته الأولى على الألوان البنية والخضراء. وفي عام 1870م استخدم الألوان الفاتحة، وصار يلون رسومه بصورة عفوية
ونفَّذ أفضل عمل له في السبعينيات من القرن التاسع عشر.
الإنطباعيون و خروج اللوحة من بين أسوار الأكاديمية 
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)