نشأة الخلافة الأموية

تأسست الخلافة الأموية عام الجماعة سنة 41 هـ، إِثْر تنازل الحسن بن علي لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم جميعًا عن الخلافة؛ رغبةً في حقن دماء المسلمين، وتوحيًدا لكلمتهم بعد الذي حدث في الفتنة الكبرى من أحداث ومعارك، فكانت هذه النشأة قمعًا لأهل الفتنة، وتخييبًا لآمالهم، وما كانوا يرجونه لأمة الإسلام من الشر، كما كانت مصدرَ سعادةٍ واستقرارٍ للمسلمين بعد الفتن والقتال؛ ولذا كانت خلافة معاوية رضي الله عنه تامَّة الشرعية.
*الأمويون بين القوة والضعف
يتكون تاريخ الدولة الأموية من عصرين للقوة؛ امتد الأول من عام 41 إلى 64 هـ، وشمل عصر خليفتين هما: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وابنه يزيد. وامتد الثاني من عام 86 إلى 125هـ، وشمل خمسة خلفاء هم: الوليد بن عبد الملك بن مروان، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز بن مروان، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك.
كما كان هناك عصر ضعف قصير امتد من عام 125 إلى سقوط الدولة في 132هـ، وشمل عددًا من الخلفاء.
وكان هناك عصر فتنة، وصراعات بين المسلمين، وقتال على الحكم من عام 64هـ إلى 86هـ، بدأ بمعاوية بن يزيد بن أبي سفيان، مرورًا بمروان بن الحكم، ثم ابنه عبد الملك بن مروان.
*الخليفة المؤسس والبداية القوية
أمّا بالنسبة لعهد القوة الأول، فقد بدأ مع أول خليفة أموي، وهو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وهو صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء سنة 7 هـ، وبقي يخاف من اللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم بسبب أبيه، ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح، فيُروى عنه أنه قال: "لما كان عامُ الحديبية وصَدُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت، وكتبوا بينهم القضية وقع الإسلام في قلبي، فذكرت لأمي، فقالت: إياك أن تخالف أباك. فأخفيتُ إسلامي، فوالله لقد رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وإني مصدق به، ودخل مكة عام عمرة القضية وأنا مسلم، وعلم أبو سفيان بإسلامي، فقال لي يومًا: لكنَّ أخاك خير منك، وهو على ديني. فقلت: لم آلُ نفسي خيرًا، وأظهرتُ إسلامي يوم الفتح، فرَحَّبَ بي النبي صلى الله عليه وسلم وكتبتُ له. وقد كان من رواة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمعاوية رضي الله عنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، ومسنده في (مسند بقيّ) مائة وثلاثة وستون حديثًا، واتفق البخاري ومسلم على أربعة منها، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة، وقد عمل الأهوازي مسندهفي مجلد.
*شهادات المؤرخين من السنة والشيعة
تولى معاوية الخلافة ووراءه تجربة طويلة في الحكم والإدارة وسياسة الناس، فولايته على الشام قبل الخلافة لمدة تزيد عن العشرين عامًا، أكسبته خبرة كبيرة هيأت له النجاح في خلافته. والحقيقة أن معاوية رضي الله عنه كان يتمتع بصفات عالية ترشحه لأن يكون رجل الدولة الأول، وتجعله خليقًا بهذا المنصب الخطير. وقد شهد له بذلك مؤرخو السُنَّة بناءً على رأي الصحابة الذين عاصروه، يقول ابن تيمية: "فلم يكن من ملوك المسلمين ملك خيرًا من معاوية، إذا نُسِبَتْ أيامه إلى أيام من بعده، أمّا إذا نُسِبَتْ إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل".
كما شهد له عدد من المؤرخين الشيعة – رغم عداوتهم الشديدة لبني أمية – ومنهم ابن الطقطقا واليعقوبي والمسعودي.
وهكذا يكاد إجماعُ علماء الأمة من الصحابة والتابعين ومن تلاهم ينعقد على الثناء على معاوية رضي الله عنه وجدارته بالخلافة، وحُسْنِ سياسته وعدله، مما مكَّن له في قلوب الناس، وجعلهم يجمعون على محبته، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ".
(رواه مسلم).

كان معاوية رضي الله عنه مجاهدًا في سبيل الله محبًّا للجهاد، كما كان إداريًّا بارعًا، واقتصاديًّا خبيرًا؛ لذا شهد عهده أعظم الرخاء للمسلمين، وكان المسلمون سعداء بحكمه