+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 4 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 46

الموضوع: تاريخ العالم

  1. #11

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم


    الإنسان العاقل

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ

    إذا نظرنا إلى العمر الذي عاشه نوعنا، أي الإنسان العاقل حتى الآن بالقياس إلى طول الأزمنة قبل التاريخية وجدناه عمراً قصيراً، فالإنسان المنتصب قد عاش على الأرض واستغلها بنجاح لفترة أطول منا بحوالي عشر مرات.



    ولكن كما قلنا في السابق لا توجد خطوط فاصلة واضحة، ولابد أن تكون أنواع مختلفة وكثيرة من البشريات قد عاشت على الأرض طوال آلاف السنين وبصورة متداخلة، بحيث عاصرت الأجيال الأخيرة من بعض فصائلها الأجيال الأولى من فصائل أخرى.
    وهذا واحد من الأسباب التي تجعل من الصعب تحديد زمن ظهور النوع التالي الهام من البشريات، وكل ما يمكننا أن نقوله هو إنه ازدهر بين عامي 250.000 و 50.000 قبل الميلاد
    وفي هذا التاريخ الأخير كان المجال مفسوحاً لوجود كائنات بشرية تشبهنا بشكل أوضح.



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  2. #12

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم


    النياندرتاليون

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ

    تبدأ القصة باكتشاف جمجمتين في أوروبا عمرهما حوالي ربع مليون سنة، كان شكل هاتين الجمجمتين مختلفاً عن جمجمة الإنسان المنتصب، كما كان دماغهما أكبر منه، ولكنهما لا تشبهان جمجمة البشر الحديثين كثيراً، وكل ما دلتنا عليه هو وجود شيء مختلف عن الإنسان المنتصب. بعد ذلك يحل عصر جليدي جديد ويسدل الستار، فتختفي بقاياه وبقايا البشريات إلى أن تعود المستحاثات لتظهر منذ حوالي عام 100.000 قبل الميلاد، أي في منتصف المرحلة الدافئة التالية. تدل هذه الآثار الجديدة على قطع خطوة كبيرة نحو الأمام، لأنها أول أثر ضمن فصيلة الإنسان على النوع المسمى الإنسان العاقل. ويسمى هذا النوع تحديداً الإنسان العاقل النياندرتالي، على اسم المكان الذي اكتشفت فيه أول جمجمة تنبئ بوجوده أي وادي نياندرتال في ألمانيا، غير البعيد عن دوسلدروف.

    كان شكل النياندرتاليين مختلفاً بعض الشيء عن شكل أكثر البشر الحديثين، إذ كانت ذقنهم صغيرة جداً وكانوا ذوي بنية غليظة جداً، والحقيقة أن شكل أول جمجمة وجدت كان غريباً إلى حد أن بعض العلماء حسبوها جمجمة إنسان حديث متخلف عقلياً. ولكن ربما كان بعض البشر الحديثين يشبهون النياندرتاليين قليلاً، فلا داعي إذاً للمبالغة بالفروق بيننا وبينهم، كما أننا نعلم أنهم كانوا يستخدمون اليد اليمنى مثل أكثر البشر الحديثين، أي أن نقاط التشابه بيننا عميقة, إن الفرق الحاسم الذي يميز النياندرتاليين عن البشريات الأبكر إنما هو حجم دماغهم الأكبر.
    ولما كان من الصعب ربط النياندرتاليين بالبشريات الأسبق فقد مال البعض في البداية إلى الظن أنهم انفصلوا عنها لسبب ما ربما بسبب الجليد، ولكن مع تزايد المعلومات بات من الواضح أنهم كانوا منتشرين انتشاراً واسعاً جداً، من أوروبا الغربية والمغرب وحتى الصين، وكانت لهم مستوطنات غيرها في الشرق الأدنى 200.000 ق.م.
    من المؤكد على كل حال أنهم كانوا يعيشون في قسم كبير من أوروبا وآسيا في حوالي 80.000 ق.م، أي مباشرة قبل بداية عصر جليدي آخر( كان الأسوأ) .

    صحيح أن شكل النياندرتاليين يبدو لنا بدائياً، إلا أنهم كانوا في الحقيقة على درجة كبيرة من النجاح، وأكثر قدرة وتطوراً ذهنياً من أي كائن ظهر على الأرض قبلهم، وعندما عاد الجليد لم يتجهوا إلى الجنوب، بل بذلوا قصارى جهدهم للتعايش مع البرد، فانتقلوا إلى الكهوف بحثاً عن الحماية، واستخدموا النار التي كانوا يبقونها مشتعلة في حفر جعلوها بأرض كهوفهم تلك.



    إنسان نياندرتال


    ولا يمكن لحياة الكهوف أن تكون مريحة، فالنار تملؤها بالدخان، كانوا على الأرجح يحرقون دهن الحيوانات وعظامها لأن الخشب ازداد ندرة في سهول التندرة الجديدة الناتجة عن الجليد.
    عدا عن الرائحة الكريهة المنبعثة من الفضلات على الأرض، والرطوبة الكامنة من أعماقها حيث لاتصل حرارة النار.
    إلا أن الكهوف قد سهلت بقاءهم، وكانوا في جميع الحالات تقريباً يختارونها متجهة نحو الجنوب لكي يضمنوا أكبر قدر ممكن من أشعة الشمس، وربما غطوا مداخلها بستائر من الجلد في أشهر الشتاء.


    لقد كان هذا استخداماً للتقنية بطريقة جديدة، كان النياندرتاليون يرتدون الجلود أيضاً، وكانت أدواتهم الحجرية أفضل شكلاً من أدوات أسلافهم. ويوحي تزايد سلطتهم على الطبيعة بأنهم كانوا يملكون لغات معقدة، ولو أن بعض العلماء يقولون إن جماجمهم توحي بأن أجزاء الدماغ التي تعالج الكلام كانت أقل تطوراً من الأجزاء الأخرى، ومع هذا فلابد أنهم كانوا يملكون بعض الأفكار المتقدمة جداً وبالتالي الكلمات اللازمة للتعبير عنها، لأنهم أيضاً كانوا يمارسون أمراً جديداً كل الجدة:
    لقد كانوا يدفنوا موتاهم
    تدل بعض قبور النياندرتاليين على عناية كبيرة بالدفن، فقد وجد قرب سمرقند مثلاً جسم طفل نياندرتالي دفن ضمن حلقة من قرون الحيوان، بينما نجد في العراق قبراً آخرا يضم جسد رجل محاط بأكداس الأزهار والأعشاب البرية وضعت في القبر قبل دفنه. إن هذه الأمور مهمة، لأنها أولاً أقدم حالة تمكننا من معرفة حقائق عن الماضي من خلال القبور وكثيراً ما تعطينا القبور معلومات غنية، كما أنها من ناحية أخرى تدل على تغير هائل في التفكير، فلماذا كان النياندرتاليون يدفنون موتاهم؟؟!!


    إننا لا نملك الجواب الدقيق، ولن نعرفه على الأرجح ، ولكن ربما كان بعض النياندرتاليين قد بدؤوا بتجريب الطقوس، فربما كانوا يحاولون التحكم بالطبيعة عبر القيام بأفعال معينة من أجل إحداث أشياء ما، بل ربما كانت عمليات الدفن هذه والآثار الضئيلة لطقوس متعلقة بالحيوانات في مواقع أخرى لهم علامات على بدايات الدين.
    وربما بعضهم قد بدأ يؤمن بعالم آخر غير منظور ولكنه قوي، بل كانت الحياة بعد الموت ممكنة فيه.
    إننا لا نعلم الحقيقة، إلا أن التأمل في هذا الموضوع يبين بصورة واضحة أن النياندرتاليين قد بلغوا مستوى جديداً من العقل. إن العلامات الجديدة ، مثل حجم جمجمتهم ودماغهم الكبير، تدل على أنهم كانوا بشراً يستطيعون بطريقة ما أن يفكروا بشكل مجرد، كما نفعل نحن، كانت مواردهم العقلية على مستوى جيد مكنهم من مواجهة تحديات آخر العصور الجليدية، فتأقلموا معها بنجاح وعاشوا ردحاً طويلاً ضمن الحقبة الباردة. لقد عاشوا على الأرجح إلى جانب سلالات بشرية أخرى، وربما تزاوجوا معها أحياناً، وربما تنازعوا معها، إلا أنهم في النهاية قد هزموا من الناحية الجينية.


    وحل محلهم فرع من الفصيلة ننتمي إليه نحن، ألا وهو الإنسان العاقل العاقل. ويبدو أن هذا الفرع الجديد قد نشأ بشكل منفصل عن النياندرتاليين، وأنه يمثل خطاً مختلفاً من تحدر البشريات، خطاً ذا جماجم أخف ووجوه أصغر وأطراف أكثر استقامة. وتجد أقدم أفراد هذا النوع في شرق المتوسط
    * والشرق الأدنى والبلقان بين عامي 50.000 و 40.000 ق.م، وربما تقدموا نحو الشمال والغرب مع انحسار الجليد.




    إنسان كرومانيون

    في التاريخ الأخير كانوا قد ثبتوا أقدامهم في غرب أوروبا حيث يسمى الإنسان العاقل أحياناً "إنسان كرومانيون" ويبدو أن وصولهم إلى الشرق الأقصى قد حصل في زمن لاحق. وفي حوالي 30.000 ق.م كان بعض البشر قد عبروا مضيق بيرنغ بعد انسحاب الجليد فدخلوا الأمريكيتين، ولم يكن فيها في ذلك الحين سكان من البشريات على ما نعلم، وخلال الخمس عشرة ألف سنة التالية انتقل خلفاؤهم رويداً رويداً نحو الجنوب حتى صار البشر يعيشون في كافة أنحاء الأمريكيتين، وفي تلك الأثناء كان غيرهم قد بلغوا أستراليا، حيث أُرِّخت أول بقايا البشر بحوالي عام 25.000 ق.م.
    لقد كان هذا الإنجاز عظيماً، إذ لا يوجد نوع آخر من الرئيسات انتشر مثل هذا الانتشار الواسع، ولن ينتشر أي منها مثله، إلا بواسطة البشر، ولكن رغم أن البشر قد انتشروا في كافة أنحاء العالم، وبسرعة كبيرة مقارنة بالأنواع الأسبق، فقد بقيت أعدادهم قليلة لزمن طويل.
    يقدّر أحد العلماء العدد الكلي للبشر أنه لم يتجاوز العشرة ملايين في عام 40.000 ق.م، كما قدر غيره أن عددهم لم يتجاوز العشرين ألفاً في فرنسا كلها في الأزمنة النياندرتالية أي أن ذاك العالم كان مختلفاً كل الاختلاف في عالمنا. إلا أن البشر كانوا قد حققوا فيه أشياء مدهشة، وكانت قدرتهم على تغييره لصالحهم تزداد وضوحاً.




    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  3. #13

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم


    النمط الجسماني

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    يعتبر علماء البيولوجيا جميع البشر أفراداً في نوع واحد. صحيح أن التشابه بين أي شخصين قد لا يكون إلا ضئيلاً ماعدا حالة التوأم الحقيقي، وأنه لا يوجد حيوان تختلف أفراده في الشكل إلى هذه الدرجة، ولكننا نبقى جميعاً بالرغم من هذا كائنات بشرية. إن الفروق اللافتة فيما بيننا من ناحية المظهر (في لون الجلد، وشكل العينين والأنف وملاسة الشعر أو تجعده وغيرها لا تمنع البشر من اختيار شركاء ذوي ملامح جسدية مختلفة عن ملامحهم، ومن إنجاب أطفال يحملون صفات جسدية مأخوذة عن الوالدين بدرجات متباينة. ومن الضروري ألا تغيب هذه الحقيقة عن بالنا، لأن بعض الناس ظنوا في مراحل عديدة من الماضي أن الفروق الأساسية في المظهر بين البشر بناء على صفات عرقية تعكس فروقاً أعمق هي أيضاً جزء من ميراثهم الجسدي. ولكن هذا الرأي لم يعد مستحسناً اليوم، ولو بقي له مؤيدوه. إن الفروق في طرق سلوك الجماعات المختلفة من البشر هي فروق حقيقية تماماً، لكن يعتبر الآن أن أصولها تكمن في اختلاف ظروف العيش والتقاليد وأساليب الحياة، أي في الثقافة، وهي مجمل ما يتعلمونه من جماعاتهم، وليس في الميراث الجيني كما هي الحال في لون الجلد أو شكل الملامح.

    مازالت هذه الفروق الجسمانية تقسم الجنس البشري إلى مجموعات كبرى معينة متباينة في المظهر، ويقع أكثر الناس ضمن واحد مما اصطلح على تسميته منذ زمن طويل "العروق" البشرية الأساسية، فيما يتعلق بالمظهر. صحيح أن هذه التقسيمات ليست مطلقة من الناحية الجينية، وأنها اليوم غير محبذة لأنها تتخذ أحياناً أساساً للتمييز العنصري الظالم، إلا أنها تبقى الملامح التي رآها البشر واعترفوا بها طوال الحقبة التاريخية. فعلى هذا الأساس، وبعد استبعاد فروق أخرى أكثر تعقيداً هي في أغلب الحالات أكثر أهمية، يقع القسم الأكبر من سكان العالم في ثلاث مجموعات أساسية، هي المجموعات الزنجانية والقوقاسية، والمغولانية. فالزنجانيون ذوو بشرة سوداء أو داكنة جداً وشعرهم صوفي عادة، ويتباينون كثيراً من ناحية القامة، ويكون أنفهم عادةً واسعاً ومسطحاً وشفاههم ثخينة، ونجد أكثر شعوب هذا النمط الجسماني في المناطق الاستوائية من أفريقيا، إلا أن بينهم شعوباً تعيش على الطرف الآخر من المحيط الهندي حتى غينيا الجديدة وجزر فيجي والفيليبين
    بل وحتى تسمانيا
    *. أما القوقاسيون فكانوا موزعين منذ وقت مبكر على امتداد رقعة واسعة إلى الشمال من الشعوب الزنجانية، في شمال أفريقيا وأوروبا وغرب آسيا، وكثيراً ما يطلق على هذه المجموعة اسم "البيض" مع أن لون بشرتهم يتباين بين الفاتح جداً الذي لا يصطبغ بأشعة الشمس، إلى الأسمر الداكن جداً، بل إنك تجد قوقاسيين في الهند وسيلان ذوي بشرة سوداء، ولكنهم يشبهون الأوروبيين كثيراً إذ تكون أنوفهم وشفاههم رفيعة نسبياً وشعرهم أملس أو متموج
    كما أن شعر لحيتهم كثيف عادةً. وبالمثل فإن لون جلد المغولانيين يتباين من الأصفر إلى الأسمر الداكن أما صفاتهم الأخرى فهي الشعر الأملس والأسود عادة، وقلة شعر اللحية، والوجه المسطح، والعينان المائلتان اللوزيتا الشكل، ومواطنهم الأساسية في آسيا الوسطى والصين واليابان، ولكنهم يعيشون أيضاً في ماليزيا وأندونيسيا. ويعتقد بعض العلماء أن هنود أمريكا الأصليين في كل من الشمال والجنوب كانوا أيضاً مغولانيين ، ولكن هذا الأمر لم يحسم بعد، فربما كان المهاجرون إلى أمريكا منذ حوالي 20.000 سنة مضت في مجموعات أقرب إلى القوقاسيين من ناحية الشكل.


    لقد توزعت هذه المجموعات الأساسية الثلاث اليوم في أنحاء الأرض، وتزاوحت فيما بينها كثيراً، فأمست البشرية معقدة جداً من ناحية المظهر، عدا عن تعقد ميراثها الجيني، كما أن هناك شعوباً في أماكن أخرى، خاصة في نصف الكرة الجنوبي، لايمكن تصنيفها في أي من هذه المجموعات الثلاث، مثل سكان أستراليا الأصليين وشعب البُشمان
    * في صحراء كالاهاري. أما كيف ظهرت تقسيمات الجنس البشري الأساسية الثلاثة هذه فلا نعلم عنه الشيء الكثير؛ إن جسم الإنسان لا يحافظ على نفسه بعد الموت باستثناء العظام، فالجلد والدهن وغيرها من الأنسجة تتحلل بسرعة.
    إن بحوزتنا جماجم تعود لأزمان قديمة جداً، أما الأجسام المحفوظة والتي تسمح لنا باستنتاج بعض الحقائق حول المظهر فلا تتوفر إلا منذ آلاف قليلة من السنين فقط، أي بعد أن كانت الفروق الأساسية في المظهر قد رسخت تماماً. ولكن من المرجح أن تكون المجموعات الأساسية الثلاث قد ظهرت في أماكن مختلفة ثم انتشرت منها حتى التقت بالأخريات وامتزجت بها أحياناً.

    وكانت الآليات الأساسية في البداية هي على الأرجح آليات الاصطفاء الطبيعي من خلال البيئة لسلالات جينية ملائمة لبعض المناطق والمناخات وأنواع الطعام والارتفاعات وخطوط العرض وغيرها، بعد أن كان البشر الأوائل قد اكتسبوا وسائل البقاء فيها. ففي المناخات الباردة مثلاً يستطيع المغولانيون العيش بكفاءة عالية، لأن لديهم تحت الجلد كمية من الدهن أكبر من القوقاسيين والزنجانيين، أما القوقاسيون فلم يكونوا بحاجة لهذا لأنهم كانوا يعيشون غالباً في مناطق أكثر اعتدالاً، كما أنهم لم يكونوا بحاجة لصباغ الجلد الذي يحمي الشعوب السوداء من أشعة الشمس، فالشمس ليست شديدة في أوروبا وغرب آسيا.ولكننا نعلم أيضاً أن تغيرات الطعام والبيئة قد تعطي تغيرات لافتة في البنية والمظهر خلال أجيال قليلة فحسب.
    لذا يبدو أن ما نعتبره فروقاً جسمانية دائمة بين البشر لم يظهر إلا بعد حوالي عام 40.000 ق.م، أي أن الحقبة التي انتشر فيها الإنسان العاقل ليثبت أقدامه في كافة أنحاء الأرض ويواجه الظروف الجديدة.
    وإن هذه الفروق هي التي مكنت البشر من الاستقرار بسهولة في بعض المناطق أصلاً. وبعدما استقروا سرعان ما توزعوا توزعاً عرقياً بقي ثابتاً حتى وقت قريب جداً، فهو لم يتغير كثيراً إلا منذ حوالي عام 1500 للميلاد.



    جزيرة في أستراليا
    شعب من القناصين الرحل- المورد




    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  4. #14

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    التسلسل الزمني في العصر الحجري

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    التسلسل الزمني والتسميات العلمية

    في العصر الحجري (الباليوليتي)


    600.000 ق.م بداية المرحلة الباليوليتية السفلى
    600.000 – 540.000 ق.م عصر جليدي
    540.000 – 480.000 ق.م مرحلة بين عصرين جليديين
    480.000 – 430.000 ق.م عصر جليدي
    430.000 – 240.000 ق.م مرحلة بين عصرين جليديين
    240.000 – 180.000 ق.م عصر جليدي
    180.000 – 120.000 ق.م مرحلة بين عصرين جليديين
    120.000 – 100.000 ق.م عصر جليدي
    100.000 ق.م بداية المرحلة الباليوليتية الوسطى
    50.000 ق.م بداية المرحلة الباليوليتية العليا
    إنسان كرومانيون يحل محل الإنسان النياندرتالي
    10.000 ق.م بدايات الثورة النيوليتية مع انحسار الجليد
    وبداية المستوطنات البشرية




    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  5. #15

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم


    البشرية في العصر الحجري القديم

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ

    يقع القسم الأكبر من حياة الإنسان على الأرض فيما يسمى "العصر الحجري"، وهي تسمية قديمة ومألوفة ولكنها تستخدم استخداماً مطاطاً جداً. وتسمية العصر الحجري واحدة من ثلاث تسميات اخترعت للحديث عما قبل التاريخ: أي عصور الحجر والبرونز والحديد، وكثيراً ما يعود العلماء إلى هذا التقسيم لأن الطرق الأدق والأكبر تعقيداً في وصف ما قبل التاريخ لا تخلو من العيوب. إن هذه التقسيمات مبنية على حقيقة أن البشرية قد تعلمت بالتسلسل كيف تستخدم الحجر أولاً ثم البرونز ثم الحديد، أي أنها تصنيف لتطور البشرية، وهي تريحنا من التقسيمات الزمنية المبنية على أنواع الصخور أو البيولوجيا أو المناخ التي يستخدمها الجيولوجيون وعلماء المستحاثات القديمة، كما أنها تركز على ما فعله البشر وعلى الأدوات التي يستخدمونها. إلا أن هذه الطريقة في النظر لماضي البشر لها هي الأخرى بعض المتاعب رغم فائدتها، لأن هذه التقسيمات ليست لها نهايات وبدايات واضحة، فقد استمر العصر الحجري في بعض أنحاء العالم حتى وقت قريب جداً، بل مازال هناك حتى اليوم عدد قليل ممن يستخدمون أدوات ليست أفضل بكثير من أدوات إنسان ما قبل التاريخ، ولو أن أعدادهم تتقلص بسرعة.

    ثم إن هناك مشكلة أخرى في تسمية " العصر الحجري" هي أنها تغطي امتداداً هائلاً من الزمن، صنعت فيها الأدوات الحجرية واستخدمت من قبل كائنات عديدة، ولكننا غير واثقين من أنها كلها بشر بالمعنى الكامل للكلمة كالإنسان المنتصب مثلاً، فلهذه الأسباب قسم علماء ما قبل التاريخ العصر الحجري تقسيمات أدق، ولا حاجة بنا في هذا الكتاب لأكثر تلك التسميات، إلا أن بينها واحدة هي تسمية "العصر الباليوليتي" وهي كلمة مشتقة من اليونانية تعني العصر الحجري القديم، وهي تشمل القسم الأعظم مما قبل تاريخ الإنسان وتستمر حتى حوالي 10.000 ق.م، ويضم هذا العصر آخر الحقب الباردة والمرحلة التي ثبّت فيها الإنسان العاقل قدميه بشكل واسع، وهي مرحلة فرعية تسمى أحياناً " العصر الباليوليتي الأعلى" لأن آثارها توجد عادة في الطبقات الأعلى من الحفريات، وهذه المرحلة طويلة جداً ربما بلغت 30.000 سنة، لذلك يجب أن نكون حذرين في وصف الحياة خلالها.
    كانت المناخات تختلف كثيراً من منطقة إلى أخرى في العالم، وكانت الحيوانات والنباتات تقدم فرصاً مختلفة وتحديات مختلفة، بينما كان البشر يزدادون تنوعاً في أساليب أداءهم للأشياء، التي يمكن أن نسميها ثقافاتهم التقليدية.

    أدوات حجرية








    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  6. #16

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم


    صنع الأدوات

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    من المؤكد أن سرعة التغير في العصر الباليوليتي الأعلى كانت بطيئة جداً. وكانت حياة الناس أثناءه قليلة التنوع إلا ما يفرضه توفر الغذاء، ولابد أن العيش على الصيد وجمع الطعام كان هو القاعدة. ويبدو أن إنسان كرومانيون في أوروبا كان خبيراً في صيد الأسماك والحيوانات، وأنه طور تقنيات جديدة باستخدام الشباك والرماح المشوكة. وكانت أدوات الإنسان العاقل خيراً من أدوات أسلافه كما أنها استمرت بالتحسن. وقبل ذلك بوقت طويل، في الأزمنة قبل البشرية، كانت أولى الأدوات القاطعة تصنع من أية مادة مناسبة تقع بمتناول اليد، فقد وجدت أدوات مصنوعة من الحصى والكوارتزيت وحتى من مستحاثات الخشب. ولكن بمرور الزمن صار استخدام الصوان يزداد بشكل مستمر. وربما صارت كمياته نادرة في بعض الأماكن بعد مئات الألوف من السنين، لأن الطرق الباكرة في تشكيله كانت تهدر كميات كبيرة منه، فأحياناً كانت تسعة أعشار الكتلة تقشر عنها لإعطائها حداً قاطعاً.
    وفي العصر الباليوليتي الأعلى بدأ الحرفيون البدائيون بابتكار طرق جديدة في صنع أدوات الصوان، فكانوا يصنعون منه لباً بشكل أنبوب مخروط بحيث يمكن أن ينزعوا عنه " شفرات" ذوات وجهين متوازيين وسماكة متجانسة، فكانت هذه طريقة اقتصادية، كما صار بالإمكان تحسين الشفرات من أجل صنع أدوات رقيقة وجميلة، ويبدو أن أفضلها كانت تصنع في أوروبا وشرق المتوسط. ومن بين هذه الأدوات الجديدة والمتخصصة التي أمكن صنعها إزميل لحفر الخشب والعظم يسمى "المنقاش". كان للمنقاش حواف ضيقة للقطع والتقعير والحفر، تدعمها حواف عريضة تكسبها القوة، ولابد أن يكون قد ساهم في تقدم البشر ضمن مناطق جديدة، خصوصاً نحو الشمال، لأنه مكّن من استخدام قرون الوعل وأنياب الماموث لصنع رؤوس الرماح والحرابين*. إن العاج وقرن الوعل أقوى من الخشب وأكثر مرونة من الصوان، فكانت هذه الأدوات أطول عمراً من الأدوات السابقة.



    أدوات من العصر الباليوليتي


    لقد وجدت آثار تقنية صنع المنقاش على امتداد نصف الكرة الشمالي من أوروبا حتى مضيق بيرنغ وألاسكا، وقيل إنها ربما هي التي مكّنت البشر من غزو الأمريكيتين. أما في نصف الكرة الجنوبي فلا تجد أثراً للمنقاش، فربما كان هذا دليلاً من النوع السلبي على أهميته الخاصة في شغل المواد من أجل تأمين الطعام واللباس في المناخ الباردة.

    ثم إن هناك مهارة أخرى جديدة في شغل الصوان، هي صنع "شفرات" دقيقة منه تثبت في الأسلحة وغيرها من الأدوات المصنوعة من الخشب أو العظم. من تلك الأدوات المنجل، كان مستخدماً في قطع النباتات في أماكن عديدة عند نهاية العصر الحجري القديم. ولا يدل استخدام المنجل على أن الناس كانوا يزرعون المحاصيل، بل على أنهم كانوا قد تعلموا تمييز بعض نباتات الحبوب البرية التي تصلح للطعام وجمعها.
    وقد صار صيد الحيوانات أسهل أيضاً، لأن الصيادين باتوا مزودين بالأقواس وبالسهام والرماح ذوات الرأس الصواني وبقاذفات الرماح. وكانت هذه الأسلحة على درجة كبيرة من الأهمية، لأن القوس وقاذف الرمح قد ازدادت سرعتهما بدرجة كبيرة، فاتسع بالتالي المجال الذي تبلغه الأسلحة القاذفة كما ازدادت دقتها وقدرتها على القتل، وكان الكثير من هذه الأدوات الجديدة يصنع من مواد جيدة، مثل العظم وقرن الوعل والخشب.
    وكان بالإمكان استخدام بعضها للحصول على مصادر جديدة من الغذاء بصنع خطافات وحرابين لصيد الأسماك.
    وقد مكن العظم أيضاً من صنع الإبر، ومازالت هناك نماذج دقيقة جداً منها تعود لثقافات الصيد الأخيرة في العصر الباليوليتي.








    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  7. #17

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم


    أساليب الحياة

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ

    تشير هذه المعلومات إلى توافر كمية أكبر من الطعام، ولكن بالرغم من هذا، وبالرغم من شبههم بنا جوهرياً من الناحية الجسمانية، كان البشر في العصر الحجري أقصر ممن أتوا بعدهم وأخف وزناً. ولا يمكن أن يكون غذاؤهم متوازناً، يبدو أن النياندرتاليين كانوا يعانون من عوز الفيتامينات، ولابد أن اللحم الذي يأكلونه كان في أكثر الأحيان قد بدأ بالتعفن، ولكن الحقيقة أنه حتى أيامنا هذه مازال الناس يحبون تناول لحم حيوانات الصيد عندما يكون زنخا. والأرجح ألا يكون قد بلغ سن الأربعين من بشر العصر الحجري إلا قلائل، وحتى الذين بلغوه كانت حياتهم تعيسة جداً بمعاييرنا، بسبب آلام التهاب المفاصل والروماتيزم وداء الحفر*، وأخطار الموت كلما كسر لهم عظم أو نخرت سن، ولو أنهم لم يعرفوا السكر الذي يساهم في تلف أسناننا اليوم، وسوف تبقى هذه حال الكثيرين من الناس في العالم لزمن طويل بالطبع.

    كان استخدام النار قد وسع خيارات مكان العيش إلى حد كبير، وتعود أولى الأدلة على توليد النار إلى حوالي عام 300.000 ق.م، ولابد أن تكون قد جعلت الحياة أسهل، إلا أن الملابس والمساكن المصنوعة تشير إلى التحكم بالبيئة بأساليب أخرى في العصر الباليوليتي الأعلى، ولولاها لكان من المستحيل على البشرية أن تستقر على كافة سطح الأرض كما فعلت.
    لم تكن هناك في ذلك الزمان أقمشة منسوجة، ولكنهم كانوا يقطعون الجلود بشكل شرائط متباينة العرض ثم ينعمونها ويطرونها باستخدام حجر الصوان من أجل الحصول على الملابس، إن أقدم جثة ترتدي الملابس وجدت حتى الآن يعود تاريخها لحوالي 35.000 ق.م، وقد اكتشفت في روسيا وكانت ترتدي بنطالاً من الفرو وقميصاً مزركشاً.
    في العصر الباليوليتي الأعلى تبدأ بالظهور أيضاً العلامات الضعيفة الأولى على البناء المقصود للمساكن. صحيح أن هناك حيوانات أخرى تستطيع البناء، إلا أنها تفعل ذلك بطرق محدودة وموروثة ومبرمجة بالغريزة؛ أما البشر فيستطيعون البناء في أي مكان، وتعديل الأسلوب والتقنية بحيث تتلاءم مع المناخ المحلي وطبيعة الأرض والمواد، وبالحجم الذي يناسب أغراضهم. فعدا عن وضع الصخور بعضها فوق بعض، كانت المواد الأساسية المستخدمة في صنع الملاجئ في البداية هي الطين والقش، وهي مواد سريعة الهلاك.
    لقد ظل البشر مضطرين للتنقل مع قطعان الطرائد التي يصطادونها على مدار السنة حتى نهاية العصر الحجري القديم
    ورغم أن هذا الأمر كان يعيدهم المرة تلو الأخرى إلى كهوف معينة تحمل آثار إقامة طويلة، فإنه لم يترك آثار أبنية دائمة. ولكن وجدت في الشرق الأدنى بعض بقايا أكواخ تعود لحوالي 9000 ق.م .
    كما يبدو أنه كان هناك مساكن كبيرة في سهول شرق أوروبا، حيث كانت الكهوف قليلة، ذوات هياكل مصنوعة من عظام الماموث أو أنيابه ومغطاة بالجلود.
    كانت أرضها على عمق قدمين أو ثلاثة تحت الأرض، وكانت أحياناً مجمعة في مستوطنات يسكنها بضع مئات من الناس ويوحي هذا الأمر ببدايات مستوى جديد من التنظيم الاجتماعي.



    الإسقربوط – داء ينجم عن عوز فيتاميني



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  8. #18

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    أول الفنون

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    من الواضح أن البشرية كانت قد قطعت درباً طويلاً في أواخر العصر الحجري، ومن أبرز العلامات على ذلك ما نراه في جزء صغير نسبياً من غرب أوروبا، حيث يوجد أبهى دليل نملكه حتى الآن على بدايات الفن. تبدأ تلك الأدلة بمجموعات صغيرة مخزنة من صباغ المَغْرة الأحمر، جمعها نياندرتاليون منذ حوالي خمسين ألف سنة خلت. لقد درست هذه الأصبغة كثيراً ولكننا لا نعلم فيما كانت تستخدم. إن سبب صعوبة الحديث عن أصول الفن هو ندرة الأدلة الباقية على بداياته الأولى، يحق لنا أن نخمن أن البشر الباكرين كانوا يخربشون أشكالاً في الطين، ويلطخون أجسامهم بالألوان، ويشكّون الأزهار أو الريش في شعورهم، أو يرقصون بأنماط معقّدة مثل غيرهم من الشعوب اللاحقة، ولكن هذه الأشياء كلها إن وجدت لم يبق منها أي أثر.

    والصعوبة الثانية هي أننا لا ندري لماذا تكلف البشر عناء صنع الفن الأول الباقي، وماذا كانوا يعتقدون أنهم يفعلون.

    في الأزمنة التاريخية اللاحقة كان الكثير من الناس يلونون وجوههم وأجسادهم لأسباب مختلفة، ربما قام بعضهم بأشياء مثل هذه في الأزمنة القديمة، إما لأسباب دينية أو عملية (التمويه) أو كجزء من ثقافتهم الجنسية، أو لمجرد التسلية والمتعة. ولكننا على الأرجح لن نعلم أبداً ماذا كان الغرض من تلك المغرة الحمراء، فلو تخيلنا أن علماء الآثار بعد آلاف السنين من أيامنا لم يكن لديهم كدليل على بعض مجتمعات القرن العشرين إلا بعض علب من كحل العينين وحمرة الشفاه، لشق عليهم معرفة الغرض منها. إلا أننا منذ حوالي 35.000 ق.م فما بعد نجد في أوروبا زاداً مستمراً من المعلومات، وهي أدلة أنتجت على مدى فترة زمنية طويلة استمرت حتى عام 10.000 ق.م تقريباً، كما أن هناك كهوفاً وصخوراً في أماكن أخرى مثل أفريقيا نجد فيها الكثير من التصوير والحفر من فترة ما قبل التاريخ. ولكننا لم نجد حتى الآن فناً قديماً قدم الفن الباليوليتي في أوروبا، وأغلب ما بقي منه يوجد في منطقة محدودة جداً، هي عدد من المواقع في جنوب غرب فرنسا وشمال إسبانيا.
    إن أقدم الأشياء التي وجدت هناك هي أغراض صغيرة مزينة وملونة ومصنوعة في أغلب الحالات من العظم والعاج، كقاذفات الرماح المحفورة مثلاً، وكثيراً ما نجد عليها صوراً محفورة لحيوانات. بعد ذلك، في حوالي عام 20.000 ق.م تبدأ مرحلة استغرقت خمسة آلاف سنة، تركت سلسلة باهرة من اللوحات والرسوم المحفورة على جدران الكهوف وأراضيها، وأكثرها تمثل الحيوانات أيضاً. ثم تأتي بعدها المرحلة الأخيرة من الفن الباليوليتي، حيث تسود صور الأيل، وتنتهي بمجموعة وفيرة من الأدوات والأسلحة المزخرفة، والغريب أن هذا التقليد انقرض بعد ذلك على ما يبدو، ولم يظهر فن جميل طوال ستة آلاف عام.

    إن بقاء هذا الفن أمر مذهل، ولكنه غامض في الوقت نفسه، لقد جرت محاولات تخمين كثيرة لتفسيره، وأكثر ما اجتذب اهتمام العلماء هو السلاسل العظيمة من رسوم الكهوف، فهي متوضعة في زوايا قاصية من الكهوف يصعب الوصول إليها، ولا يمكن أن تظهر إلا باستخدام ضوء اصطناعي، ومن الواضح أن الكثرة الغالبة للحيوانات هي أمر هام أيضاً، ففنان العصر الباليوليتي لم يكن يمضي وقته في رسم المناظر الطبيعية ولا حتى البشر، واللافت أن البشر يظهرون دوماً بشكل مجرد وغير واقعي بينما ترسم الحيوانات بعناية دقيقة بالتفاصيل، فربما كان رسم الأشياء بصورة واقعية يعني السيطرة عليها.
    لقد حاول بعض العلماء البحث عن أنماط ما في تكرار بعض الحيوانات، ولكن من دون جدوى. يحق لنا أن نخمن أن تلك الرسومات كانت تحمل رسائل إلى الذين ينظرون إليها في تلك المجتمعات التي لم تعرف الكتابة، فإذا تذكرنا أيضاً الدلائل القليلة على عادة الدفن في الأزمنة النياندرتالية فإننا نميل للاعتقاد بأن طقوساً دينية أو سحرية كانت تمارس في تلك الكهوف المعتمة، وإذا كان هذا صحيحاً فربما كان مرتبطاً بمحاولة للتأثير في حركات وسلوك الطرائد التي كان البشر الأُول يعتمدون عليها في معيشتهم. ويتوافق هذا التفسير مع تزايد صور الأيل بمرور الزمن، لأن الرنة والماموث الموجودين في الصور الأقدم كانا ينقرضان مع تراجع الجليد البطيء.




    رسوم على جدارن المغاور في العصر الباليوليتي


    إن ما نعرفه عن أول فن عظيم في الحقيقة ضئيل جداً، ولكن ما يوجد منه شيء كافٍ للدلالة على أن البشر في أواخر العصر الباليوليتي كانوا قادرين على القيام بإنجازات عقلية مدهشة، وعلى مراقبة العالم من حولهم بدقة.
    ربما كانوا يفقدون ثقتهم بقدرتهم على التأثير في سلوك الحيوانات، لأنهم لم يكونوا يعلمون أن سلوكها هذا محكوم بالمناخ، ففقدوا معها الحافز لإنتاج الفن أيضاً. ولا يمكن أن يكونوا قد مارسوا الفن للفن أو بغرض بيعه كما هو الحال في عصور لاحقة، ولكن لاريب في أن ما أنتجوه هو فن بالمعنى الكامل للكلمة، لأنه إبداع خلاق تم بعناية ودقة، يصور أشياء جميلة ومؤثرة وقادرة على اجتذابنا ليس بما يمكن فعله بها فقط، بل بحد ذاتها أيضاً.


    يتبع


    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  9. #19

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    بداية الزراعة

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    إن للفن ثمناً لابد من دفعه حتى عندما لا يُشترى، فالأشخاص الذين نفذوا رسوم الكهوف العظيمة، لم يكن بإمكانهم الخروج للبحث عن الطعام عندما كانوا منشغلين بالرسم مهما كانت حاجاتهم بسيطة، فقد كان هناك إذن بعض الغذاء الفائض عن الحاجة المباشرة حتى في مجتمعات الصيد وجمع الطعام الباكر.
    إلا أن الخطوة الحاسمة في زيادة ذلك الفائض إنما حصلت عندما تعلم الناس زراعة المحاصيل للغذاء وحصادها، وتدجين الحيوانات واستغلالها.
    فكان اكتشاف (أو اختراع) الزراعة.



    الصيد والجني والزراعة

    لقد بات من الواضح الآن أن قصة البشر كلها هي قصة تغير مستمر، جزء كبير منه من صنع الإنسان، ولكن بعض الخطوات في تلك القصة تبرز بسبب أهميتها الخاصة، والزراعة واحدة منها، مثل السيطرة على النار وتعلم الكلام.
    كانت الزراعة تقريباً آخر الخطوات الكبرى التي خطتها البشرية في حقبة ما قبل التاريخ، والحقيقة أنها قد غيرت الحياة بصورة كبيرة وعميقة للغاية، ولولاها لما حصل أي من التغيرات اللاحقة.
    لقد أنجزت بقاع مختلفة من العالم الزراعة في أزمنة مختلفة، ولابد أن يكون المناخ والبيئة الطبيعية هما السببان الأساسيان لهذا الاختلاف، كما أنهما يفسران لماذا توصلت بعض الشعوب إلى الزراعة لوحدها؟ بعد زمن طويل من عالم أوراسيا
    * القديم – في الأمريكيتين مثلاً- ولماذا عجزت غيرها عن التوصل إلى الزراعة إلا بتأثير من الخارج كما هي الحال في أوروبا الغربية في عصور ما قبل التاريخ. يقال إن أقدم آثار النباتات المزروعة تعود لحوالي عام 10.000 ق.م، وقد وجدت في جنوب شرق آسيا، وهي أشكال باكرة من الدخن (الجاورس) والأرز، ومازال كلاهما نباتين هامين في تلك المنطقة حتى اليوم.
    وبعد حوالي 8.000 عام تعلم الناس في أمريكا الوسطى زراعة نوع من البطاطا الحلوة وشكل بدائي من الذرة.
    إلا أن منطقة الشرق الأدنى هي التي وجدت فيها معلومات وافرة عن المراحل الباكرة من الزراعة، فقد انتشرت في هذه المنطقة بين عامي 9000 و 6000 ق.م تقريباً أنواع كثيرة من الحبوب التي مازلنا نستخدمها حتى يومنا هذا.


    أوروبا وآسيا معاً



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  10. #20

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    الهلال الخصيب

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    يطلق الناس أحياناً تسمية الهلال الخصيب على منطقة هامة للغاية، هي بشكل قوس تمتد شمالاً من دلتا النيل عبر فلسطين وشرق المتوسط، ثم تنعطف شرقاً على طول هضاب الأناضول إلى أن تنتهي على المرتفعات الواقعة بين إيران وبحر قزوين على الطرف الآخر من وديان أنهار بلاد الرافدين. لقد فقد قسم كبير من الهلال الخصيب هذا جاذبيته اليوم، ولكنه منذ عشرة آلاف سنة خلت كان يتمتع بأمطار سخية وتربة خصبة جعلته غنياً بالغابات، وكان غاباته تعج بحيوانات الصيد. ومع انسحاب العصر الجليدي الأخير صار نمو الغابات أقل كثافة منه في الشمال وكان اقتلاعها أسهل.على الهضاب كانت تنمو أجداد نباتات الحبوب اللاحقة، مثل الشعير البري والعلس (القمح البري) وأنواع كثيرة من الأعشاب، ويبدو أن التقنيات الجديدة في الزرع والحصاد قد انتشرت من هذه المنطقة إلى جنوب شرق أوروبا وإلى وادي النيل أيضاً.





    الهلال الخصيب

    ويمكننا أن نرتب تسلسل انتشار الزراعة كما يلي: في حوالي عام 9500 ق.م كان الناس يحصدون الأعشاب والحبوب البرية في آسيا الصغرى، وفي عام 7000 ق.م كانت أولى عمليات الزراعة وتربية النباتات قد بدأت في شرق المتوسط وبلاد الرافدين، ثم انتقلت خلال الآلاف الثلاثة التالية غرباً حتى نهر الراين (تقريباً)، إلى أن بلغت أوروبا الغربية والجزر البريطانية بحلول عام 3000 ق.م، وربما توصلت مناطق أخرى إلى طرق جديدة في زراعة النباتات للغذاء بصورة مستقلة، أما إلى الشرق والشمال من المتوسط فيبدو أن الناس قد تعلموها من جيرانهم.
    كان لتعلم تدجين الحيوانات تأثير ثوري يساوي تأثير الزراعة تقريباً، وكانت شعوب الصيادين في أوروبا قد دجنت الكلاب فكانت تلك خطوة كبيرة أخرى في تسخير طاقة الطبيعة لاستخدام البشر.
    ثم جاءت الخطوة التالية في جمع الحيوانات البرية والاحتفاظ بها ضمن قطعان، وقتل بعضها من أجل لحمها وجلدها وصوفها أو قرونها وعظامها.
    كانت الحيوانات تسرح بكثرة في الهلال الخصيب وكانت طيعة لسيطرة الإنسان، وكثر الغنم والماعز خصوصاً أو أجدادها بينما كانت أنواع مختلفة من الخنازير تعيش طليقة في كافة أنحاء العالم تقريباً. وعندما تعلم الناس تربية الحيوانات حية بدلاً من اصطيادها، ترتب على ذلك نتائج كثيرة مثل استخراج الحليب وأخذ البيض من الطيور الداجنة، وفي مرحلة تالية سوف يأتي استخدام الحيوان للركوب والحمل والجر. هناك أربعة حيوانات كان تدجينها أساس استغلال الحيوانات الأليفة ومازال، وهي الماعز والغنم والخنازير والبقر، تنتمي هذه الحيوانات كلها لفصائل ثدييات نصف الكرة الشمالي، وتكمل بعضها بعضاً بصورة مفيدة للإنسان.

    فالماعز حيوان شديدة التحمل، يستطيع العيش على القليل من العشب، ويمد الإنسان باللحم والحليب والجلد والصوف ويعيش الغنم حيثما وجد العشب، وكان العشب وفيراُ على هضاب المنطقة المعتدلة، ويمكن استخدامه بطرق استخدام الماعز نفسها وتجد أقدم الآثار على تربيته في حوالي عام 9000 ق.م في شمال العراق.
    أما الخنازير فهي تمد الإنسان باللحم، وتستطيع البحث عن طعامها في الأحراش والغابات، كما أنها تنمو بسرعة وتلد عدداً كبيراً من الصغار وبتكرار عال. وينتج عن البقر اللحم والحليب والجلد، كما يمكن استخدامها لجر الأشياء وحملها، ومن أفضل الأدلة على تدجين الحيوان اكتشاف عظام حيوانات كانت تؤكل في المستوطنات الزراعية الباكرة، وهي في جميع الأحوال بقايا صغارها التي قد تقتل قبل أن تبلغ سن النضج، بينما كانت الحيوانات التي تقتلها شعوب الصيادين كاملة النمو في جميع الحالات تقريباً.

    لقد كانت زراعة الحبوب وتربية الحيوانات هي النواة التي تشكلت من حولها النظم الزراعية، ولكن بعض مناطق العالم لم تعرف إلا جزءً من هذا التطور، فعندما صار سكان أمريكا الوسطى يزرعون النباتات لم ينتقلوا إلى مرحلة تدجين الحيوانات والسبب الأرجح هو أنهم لم تكن لديهم حيوانات كثيرة مناسبة لذلك، إلى أن أدخلها بعد زمن طويل من أتوا بعد كولومبوس. لذلك لم يبرع الإنسان في مهارات رعي الحيوانات إلا في جبال الآندس، حيث كان حيوان اللَّامة يُنتج له كل ما يحتاجه من لحم وحليب وصوف، عدا عن حمل الأثقال.
    ويدلك هذا على أن الانعزال سرعان ما بدأ يميز الحياة في الأمريكيتين عنها في أصقاع العالم القديم. وحتى ضمن العالم القديم كانت هناك صعوبات في الاتصال، وربما كان هذا هو سبب الاختلافات الكبيرة في طرق تطور الزراعة. فصحيح أن المعرفة والمحاصيل قد انتشرت بسهولة من الشرق الأدنى عبر شمال أفريقيا إلى غرب أوروبا وحتى إلى وادي نهر الدانوب، ولكن يبدو أن انتشارها شرقاً إلى آسيا كان أصعب بكثير، كما أن الفروق المناخية الكبيرة لم تسمح بتطور الأمور على الصورة نفسها. فعندما صارت الصين بلداً زراعياً كانت محاصيلها المناسبة لظروفها المحلية مشتقة من نباتات محلية، ولم تأتها من الخارج مثلما أتت الحبوب إلى أوروبا من الشرق الأدنى. والمثال البارز على ذلك هو نبات الأرز، الذي يتميز بأنه لا يحتاج إلى حيوانات لزراعته بل يحتاج إلى مجهود بشري مكثف، وربما لهذا السبب لم يرب الصينيون إلا حيواناً واحداً من أجل لحمه وهو الخنزير، ولو أنهم استخدموا أنواعاً مختلفة من البقر لاحقاً في أشغالهم، ولكن علماء الآثار مازالوا منقسمين وغير متأكدين من أصول الزراعة في الصين، لذلك يفضل ألا نجزم بالأمر.



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 4 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. تاريخ ونشأة الزّراعة في العالم
    بواسطة عبير العبير في المنتدى الزراعي العام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-12-2012, 11:40 PM
  2. تاريخ صناعة السكر في العالم
    بواسطة محمد كامل في المنتدى المنتدي العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 28-04-2011, 11:54 PM
  3. تاريخ مصر القديم
    بواسطة الصباح النجار في المنتدى أخبار الدنيا
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-10-2009, 06:34 PM
  4. تاريخ مصر القديمة
    بواسطة الصباح النجار في المنتدى أخبار الدنيا
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-09-2009, 07:04 PM
  5. تاريخ الأسكندرية
    بواسطة خالد محمد كمون في المنتدى أخبار الدنيا
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 13-05-2009, 09:25 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك