الكتابة

استمرت الحضارة السومرية من عام 3300 إلى عام 2000 ق.م تقريباً. فمنذ زمن باكر جداً كان الناس فيها يصنعون أختاماً أسطوانية الشكل، محفور عليها صور صغيرة يدورونها بالصلصال.
ومن هذه الصور طور السومريون صوراً مبسطة كانوا ينقشونها على ألوح الصلصال بواسطة ساق القصب، كانت هذه خطوة كبيرة نحو الكتابة الحقيقية.
ثم تطورت هذه إلى أسلوب يسمى الكتابة المسمارية، تستخدم أدوات وإشارات ومجموعات من الإشارات للدلالة على الأصوات والمقاطع الصوتية.
وقد أدى استخدام الكتابة المسمارية إلى تحسن في تبادل المعلومات لا سابق له، وسهل كثيراً العمليات المعقدة من ري الأراضي والحصاد وتخزين المحاصيل، فمكن بالتالي من استغلال الموارد بفعالية أكبر، كما أنه متن الحكم بصورة كبيرة وارتباطاته بطبقات الكهنة الذين كانوا يحتكرون معرفة الكتابة في البداية.








الكتابة المسمارية


لقد حفظت لنا الكتابة منذ ذلك الحين أعداداً كبيرة من السجلات، وأتاحت لنا معرفة أشياء كثيرة عن ذلك الزمان لأنها حفظت الأدب، فصار بإمكاننا أخيراً أن نتعامل بالعملة الصعبة عند الحديث عن الأفكار.
إن أقدم قصة في التاريخ هي ملحمة جلجامش، وهي رواية ظهرت في الأزمنة السومرية، ودونت بعد عام 2000 ق.م بقليل، كان جلجامش رجلاً حقيقياً يحكم مدينة (أوروك)، وقد صار كذلك أول فرد وأول بطل في الأدب العالمي، وإن اسمه هو أول اسم شخص يجب ذكره في هذا الكتاب.
إن أكثر ما يلفت نظر القارئ الحديث في تلك الملحمة هو قدوم طوفان عظيم يقضي على البشرية جمعاء، ما خلا عائلة نجت بفضل بنائها فلكاً، ومنها ينشأ عرق جديد ليعمر الأرض من بعد همود الطوفان. ولا نجد هذه القصة في أقدم نسخ الرواية، بل في قصيدة منفصلة تظهر بأشكال كثيرة في الشرق الأدنى، وبعد ذلك في العهد القديم لليهود، وسبب دمجها في الملحمة السومرية واضح، لأن الفيضانات كانت كوارث مميزة لجنوب بلاد الرافدين، وقد حاول علماء الآثار تحديد فيضان كارثي مفرد كان وراء أسطورة الفلك، ولكنهم لم يتوصلواً إلى نتائج مقنعة، ولو أن هناك أدلة وافرة على حدوث الفيضانات المتكررة.
من الصعب أن ننفذ إلى التاريخ من خلال هذه الملحمة، فما بالك أن تعرف عن علاقتها بشخصية جلجامش التاريخية، تقول الملحمة إن الأرض تبزغ في النهاية من الماء، فربما كانت هذه رواية السومريين عن خلق العالم، عن تكوينه. وفي الكتاب المقدس المسيحي أيضاً تبزغ الأرض من المياه بإرادة الله، وقد ظلت هذه الرواية مقنعة لأكثر الناس المثقفين في أوروبا طوال ألف سنة، فنحن إذ ندين بشيء من تراثنا الفكري لأسطورة بناها السومريون بعناصر مما قبل تاريخهم، عندما كانت الأراضي الزراعية تستصلح من مستنقعات دلتا مابين النهرين.




جلجامش



إحدى أحداث أسطورة جلجامش


لقد ظلت الأفكار السومرية واسعة الانتشار في الشرق الأدنى بعد أن انتقلت بؤرة التاريخ بعيداً عن بلاد الرافدين بزمن طويل، وظهرت نسخ وأجزاء مختلفة من تلك الملحمة في أرشيف وبقايا شعوب كثيرة في أنحاء مختلفة في هذه المنطقة في الألف الثانية ق.م.

ورغم أن جلجامش قد توارى عن الأنظار إلى أن أعيد اكتشافه في الأزمنة الحديثة، فقد بقي طوال ألفي سنة تقريباً اسمه معروفاً يذكره الأدب في لغات كثيرة، وقد عاشت اللغة السومرية أيضاً قروناً في المعابد ومدارس الكتبة، مثلما استمرت اللاتينية بين المتعلمين في أوروبا من بعد انهيار العالم الكلاسيكي الغربي لروما.