كريت القديمة

2600- 2000 ق.م
المرحلة المينوية: أولى المدن في شرق كريت وغرف الدفن الدائرية
2000-1570 ق.م
المرحلة المينوية الوسطى: بناء أول القصور في كنوسوس وماليا وفايستس، اتصالات بمصر واليونان، تبني الكتابة التصويرية
1700-1600 ق.م
وصول اللوفيين، ظهور الكتابة الخطية (أ) ، التأثر بأسلوب بناء القصور في بحر إيجة
1570-1425 ق.م
المرحلة المينوية الوسطى إلى المتأخرة، تطور التجارة والقوة البحرية، الكتابة الخطية (أ) تحل محل الكتابة التصويرية بناء القصور في كنوسوس وفايستُس وهاجيا تريادا
حوالي 1500- 1400 ق.م
تخرب قصر كنوسوس مرتين بسبب الزلازل وإعادة بنائه
حوالي 1300
إعادة استيطان فايسيُس وهاجيا تريادا، ظهور مستوطنات جديدة من كنوسوس في غرب كريت
حوالي 1400-1300 ق.م
مستوطنات أخائية من ميقينية تبدأ بإزاحة السكان الأصليين، استخدام الكتابة الخطية الأخائية (ب)، النار تدمر قصر كنوسوس
حوالي 1200 – 1100 ق.م
الدوريون يدمرون كنوسوس



بلغت الحضارة المينيوية ذروتها في حوالي عام 1600 ق.م، وبعد قرن واحد تقريباً دمرت قصورها، وربما كان هذا بفعل الزلازل، لأن الأبحاث الحديثة تشير إلى حدوث انفجار بركاني كبير في جزيرة ثيرا* في وقت يوافق هذا الدمار.
لذلك قيل إن سبب الكارثة قد يكون موجات مدية عاتية وزلازل أصابت جزيرة كريت التي تبعد عنها حوالي سبعين ميلاً (100 كم)، تلاها هبوط غيوم من الرماد خربت حقولها.
ولكن إذا كان هذا التفسير صحيحاً فإن هذه الكارثة الطبيعية إنما قصمت ظهر ثقافة واحدة ولم تكن نهاية الحضارة الباكرة في كريت، لأنها سوف تعرف أزمنة مزدهرة بعد.
ورغم أن سيادة حضارتها الأصلية زالت، فإن شعباً من اليونان سوف يأتي ويسكنها لمدة قرن آخر عرفت فيه الازدهار من جديد.
إلا أنها في بداية القرن الرابع عشر ق.م خربت مرة ثانية بفعل الحرائق ولم يتم بناؤها من بعدها، وهكذا تنتهي قصة حضارة كريت الباكرة.




قصر كنوسوس


بعد أكثر من ألف سنة كانت التقاليد اليونانية تقول إن كريت المينوية كانت تسيطر على بحر إيجة بفضل قوتها البحرية ولكن هذه الفكرة قد ضخمت كثيراً، فربما كان للمينويين سفن كثيرة ولكن من المستبعد أن يبلغوا حد الاختصاص في ذلك التاريخ الباكر، ولا يمكنك في عصر البرونز أن تميز بين التجارة والقرصنة، والقرصنة المضادة.
إلا أن المينويين كانوا على كل حال مطمئنين إلى الحماية التي يؤمنها لهم البحر، إذ أنهم كانوا يعيشون في مدن غير محصنة قريبة من الساحل وعلى أرض غير مرتفعة كثيراً.
وقد استغلوا البحر مثلما استغلت شعوب أخرى بيئاتها الطبيعية، وحفزهم هذا الأمر على تبادل البضائع والأفكار، فكانت لهم ارتباطات وثيقة بسوريا قبل عام 1550 ق.م، وكانت بضائعهم تنقل على سواحل بحر الأدرياتيك.
والأهم من هذا هو تغلغلهم في اليونان، فربما كان المينويون أهم منفذ انتقلت من خلاله بضائع وأفكار الحضارات الأولى في أوروبا في عصر البرونز.
وتجد منتجات كريت في مصر أيضاً ابتداء من الألف الثانية ق.م، وتلاحظ تأثير الفن الكريتي في فن المملكة الحديثة، بل إن بعض العلماء يعتقدون أن رجلاً مصرياً كان يقيم في كنوسوس، ربما للإشراف على مصالح هامة، ويقول بعضهم أن المينويين قد حاربوا على جانب المصريين ضد الهكسوس.
لقد وجدت المزهريات والبضائع المعدنية الكريتية في أماكن عديدة من آسيا الصغرى أيضاً، وكان المينويون يزودون البر بمنتجات كثير غيرها مثل الأخشاب والعنب والزيت وحتى الأفيون، وكانوا بالمقابل يأخذون المعادن من آسيا الصغرى والمرمر من مصر، وبيض النعام من ليبيا، ولقد كان ذلك العالم عالماً نشيطاً.

لقد مكنت الثروة المينويين من العيش بأبهة، وأجمل شاهد عليها هي قصورهم، إلا أن المدن أيضاً كانت حسنة البناء ومجهزة بأنابيب تصريف مجاري محكمة.
أما الإنجازات الأخرى فهي فنية أكثر منها فكرية، إذ يبدو أن المينويين قد أخذوا الرياضيات عن مصر وتركوها على حالها وزالت ديانتهم بزوالهم من دون أن تترك شيئاً للمستقبل على ما يبدو، بينما أثر الفن المينوي في أساليب حضارات أخرى ومازال حتى اليوم فناً بديعاً تتجلى عبقريته في صوره، وقد بلغ ذروته في الرسوم الجدارية التي تجدها في القصور والتي تتصف بحيوية وحركة مدهشتين، كما أنه أسلوب أصيل بحق قلدته شعوب ما وراء البحار في كل من مصر واليونان وسوف يساهم هذا الأسلوب من خلال فنون القصر الأخرى أيضاً، خاصة منها فن شغل الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة في تحديد أساليب الموضة في الخارج.

يعطينا الفن المينوي أيضاً أدلة على أسلوب حياة الكريتيين، ويبدو أنهم كانوا يرتدون ملابس قليلة، فالنساء يصورن عاريات الصدر عادة والرجال حليقين، كما تجد صور الأزهار والنباتات بوفرة توحي بتقدير عفوي لنعم الطبيعة. ويبدو أن المينويين لم يجدوا العالم مكاناً منفراً.
وتشهد على ثروتهم جرار الزيت الكبيرة والجميلة التي وجدت مصفوفة في قصورهم، ويظهر اهتمامهم بالراحة والجمال الأنيق بوضوح في رسوم الدلافين والزنابق التي تزين غرف ملكة مينوية. كما تدل الآثار على عالم ديني فريد لأنه ليس عالماً مرعباً، ولكن ليس بين أيدينا أية نصوص منه، ولا يمكننا أن نعرف شيئاً عن طقوسه.
إنك تلاحظ كثرة مذابح القرابين والفؤوس ذات الرأسين، كما يبدو أن العبادة كانت تتمحور حول شخصية أنثوية ربما كانت إلهة خصب نيوليتية من اللواتي يظهرن المرة تلو المرة في كافة أنحاء الشرق الأدنى كتجسيد لطاقة الأنثى الجنسية، مثل عشتار وأفروديت في أزمان لاحقة.
وتراها في كريت ترتدي تنّورة أنيقة، عارية الصدر، واقفة بين أسدين وممسكة بثعبانين. أما وجود إله ذكر فهو أمر غير واضح، ولكن يوحي به ظهور قرني الثور في أماكن كثيرة، والرسوم الجدارية التي تصور هذه الحيوانات النبيلة، خاصة إذا ربطناها بالأساطير اليونانية اللاحقة، لأن أوربا أم مينوس قد أغراها الإله زفس بشكل ثور، كما أن باسيفايه زوجة مينوس ضاجعت ثوراً فولدت وحش المونيتور، الذي كان نصفه ثوراً ونصفه الآخر رجلاً، هذا عدا عن طقوس القفز على الثيران وهي طقوس غامضة ولكنها هامة. وعلى كل حال لا تبدو ديانة كريت ديانة كئيبة، إذ أن اللوحات الجدارية التي تمثل أنواع الرياضة والرقص لا توحي بشعب حزين.

أما الحكم في الحضارة المينوية فمازال أمراً غامضاً، لقد كان القصر أشبه بمركز اقتصادي، أي أنه كان مخزناً كبيراً للسلع يقوم الحاكم بإعادة توزيعها، وكان معبداً أيضاً ولكنه لم يكن قلعة، وفي فترة نضجه كان مركز بنية عالية التنظيم، ربما كانت مستوحاة من آسيا.
كان المينويون يعرفون الكتابة ويحفظون السجلات، ولا نعلم شيئاً عن أدبهم، ولكننا نعلم أشياء قليلة عن إدارتهم من خلال مجموعة هائلة مكونة من آلف الرقم وجدت في القصر، وتدل على ما كانت الحكومة تطمح إليه على الأقل، أي الإشراف على الأمور إشرافاً شديداً ومحكماً لا تجد مثيلاً له إلا في إمبراطوريات آسيا وفي مصر.

مازال الكثير من تلك الرقم عصياً على القراءة، ولكننا نعلم أن أبكرها مدونة بكتابة تصويرية بعض رموزها مأخوذة من مصر، تليها مجموعة مدونة بالكتابة الخطية (أ) ثم مجموعة مدونة بالكتابة الخطية (ب).
ويتفق العلماء الآن، على أن هذه الكتابة الخطية (ب) هي أول شكل مدون نملكه من اللغة اليونانية، وهي تعود للفترة بين عامي 1450 إلى 1375 ق.م تقريباً. ويوافق هذا التاريخ الأدلة التي تعطيها الآثار عن وصول وافدين جدد من البر الرئيسي، في ذلك الوقت تقريباً، نجحوا في إزاحة سكان كريت الأصليين وأشرفوا على المرحلة الأخيرة من الحضارة المينوية. ويبدو أن هذه الشعوب الوافدة تشكل هي الأخرى جزءاً من قصة الشعوب الهندية الأوروبية التي تظهر مراراً وفي أماكن كثيرة خلال تلك الحقبة الغامضة.
وفي فترة لاحقة تبعهم آخرون من البر إلى كريت ونجحوا في استيطانها بعد الانهيار الأخير لكنوسوس واختفاء المينويين من تاريخ العالم.


* سانتورين الحالية

يتبع