+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 10 من 46

الموضوع: تاريخ العالم

العرض المتطور

  1. #1

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم


    صنع الأدوات

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    من المؤكد أن سرعة التغير في العصر الباليوليتي الأعلى كانت بطيئة جداً. وكانت حياة الناس أثناءه قليلة التنوع إلا ما يفرضه توفر الغذاء، ولابد أن العيش على الصيد وجمع الطعام كان هو القاعدة. ويبدو أن إنسان كرومانيون في أوروبا كان خبيراً في صيد الأسماك والحيوانات، وأنه طور تقنيات جديدة باستخدام الشباك والرماح المشوكة. وكانت أدوات الإنسان العاقل خيراً من أدوات أسلافه كما أنها استمرت بالتحسن. وقبل ذلك بوقت طويل، في الأزمنة قبل البشرية، كانت أولى الأدوات القاطعة تصنع من أية مادة مناسبة تقع بمتناول اليد، فقد وجدت أدوات مصنوعة من الحصى والكوارتزيت وحتى من مستحاثات الخشب. ولكن بمرور الزمن صار استخدام الصوان يزداد بشكل مستمر. وربما صارت كمياته نادرة في بعض الأماكن بعد مئات الألوف من السنين، لأن الطرق الباكرة في تشكيله كانت تهدر كميات كبيرة منه، فأحياناً كانت تسعة أعشار الكتلة تقشر عنها لإعطائها حداً قاطعاً.
    وفي العصر الباليوليتي الأعلى بدأ الحرفيون البدائيون بابتكار طرق جديدة في صنع أدوات الصوان، فكانوا يصنعون منه لباً بشكل أنبوب مخروط بحيث يمكن أن ينزعوا عنه " شفرات" ذوات وجهين متوازيين وسماكة متجانسة، فكانت هذه طريقة اقتصادية، كما صار بالإمكان تحسين الشفرات من أجل صنع أدوات رقيقة وجميلة، ويبدو أن أفضلها كانت تصنع في أوروبا وشرق المتوسط. ومن بين هذه الأدوات الجديدة والمتخصصة التي أمكن صنعها إزميل لحفر الخشب والعظم يسمى "المنقاش". كان للمنقاش حواف ضيقة للقطع والتقعير والحفر، تدعمها حواف عريضة تكسبها القوة، ولابد أن يكون قد ساهم في تقدم البشر ضمن مناطق جديدة، خصوصاً نحو الشمال، لأنه مكّن من استخدام قرون الوعل وأنياب الماموث لصنع رؤوس الرماح والحرابين*. إن العاج وقرن الوعل أقوى من الخشب وأكثر مرونة من الصوان، فكانت هذه الأدوات أطول عمراً من الأدوات السابقة.



    أدوات من العصر الباليوليتي


    لقد وجدت آثار تقنية صنع المنقاش على امتداد نصف الكرة الشمالي من أوروبا حتى مضيق بيرنغ وألاسكا، وقيل إنها ربما هي التي مكّنت البشر من غزو الأمريكيتين. أما في نصف الكرة الجنوبي فلا تجد أثراً للمنقاش، فربما كان هذا دليلاً من النوع السلبي على أهميته الخاصة في شغل المواد من أجل تأمين الطعام واللباس في المناخ الباردة.

    ثم إن هناك مهارة أخرى جديدة في شغل الصوان، هي صنع "شفرات" دقيقة منه تثبت في الأسلحة وغيرها من الأدوات المصنوعة من الخشب أو العظم. من تلك الأدوات المنجل، كان مستخدماً في قطع النباتات في أماكن عديدة عند نهاية العصر الحجري القديم. ولا يدل استخدام المنجل على أن الناس كانوا يزرعون المحاصيل، بل على أنهم كانوا قد تعلموا تمييز بعض نباتات الحبوب البرية التي تصلح للطعام وجمعها.
    وقد صار صيد الحيوانات أسهل أيضاً، لأن الصيادين باتوا مزودين بالأقواس وبالسهام والرماح ذوات الرأس الصواني وبقاذفات الرماح. وكانت هذه الأسلحة على درجة كبيرة من الأهمية، لأن القوس وقاذف الرمح قد ازدادت سرعتهما بدرجة كبيرة، فاتسع بالتالي المجال الذي تبلغه الأسلحة القاذفة كما ازدادت دقتها وقدرتها على القتل، وكان الكثير من هذه الأدوات الجديدة يصنع من مواد جيدة، مثل العظم وقرن الوعل والخشب.
    وكان بالإمكان استخدام بعضها للحصول على مصادر جديدة من الغذاء بصنع خطافات وحرابين لصيد الأسماك.
    وقد مكن العظم أيضاً من صنع الإبر، ومازالت هناك نماذج دقيقة جداً منها تعود لثقافات الصيد الأخيرة في العصر الباليوليتي.








    الموضوع الأصلي: رد: تاريخ العالم // الكاتب: عبير العبير // المصدر: خير بلدنا الزراعي

    كلمات البحث

    راعي عام زراعه عامة .انتاج حيواني .صور زراعية .الصور الزراعية .هندسة زراعية.ارانب. ارنب.الارنب.خضر.خضار.خضر مكشوفة.محصول.محاصيل.المحاصيل.ابحاث زراعية.بحث زراعي.بحث مترجم.ترجمة بحثية.نباتات طبية.نباتات عطرية.تنسيق حدائق.ازهار .شتلات.افات.افة.الافة.حشرات.حشرة.افة حشريا.نيماتودا.الديدان الثعبانية.قمح.القمح.الشعير.الارز.ارز.اراضي طينية. اراضي رملية.برامج تسميد.استشارات زراعية .برامج مكافحة.امراض نبات .الامراض النباتية.مرض نباتي.فطريات .بكتيريا.كيمياء زراعية .الكيمياء الزراعيه.تغذية .التغذية.خضر مكشوفة.صوب زراعية.السمك.زراعه السمك.مشتل سمكي. زراعة الفيوم.مؤتمرات زراعية.مناقشات زراعية.التقنية.براتمج نت.برامج جوال.كوسة, خيار,طماطم.بندورة.موز.بطيخ؟خيار.صوب.عنكبوت.ديدان.بياض دقيقي.بياض زغبي.فطريا



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  2. #2

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم


    أساليب الحياة

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ

    تشير هذه المعلومات إلى توافر كمية أكبر من الطعام، ولكن بالرغم من هذا، وبالرغم من شبههم بنا جوهرياً من الناحية الجسمانية، كان البشر في العصر الحجري أقصر ممن أتوا بعدهم وأخف وزناً. ولا يمكن أن يكون غذاؤهم متوازناً، يبدو أن النياندرتاليين كانوا يعانون من عوز الفيتامينات، ولابد أن اللحم الذي يأكلونه كان في أكثر الأحيان قد بدأ بالتعفن، ولكن الحقيقة أنه حتى أيامنا هذه مازال الناس يحبون تناول لحم حيوانات الصيد عندما يكون زنخا. والأرجح ألا يكون قد بلغ سن الأربعين من بشر العصر الحجري إلا قلائل، وحتى الذين بلغوه كانت حياتهم تعيسة جداً بمعاييرنا، بسبب آلام التهاب المفاصل والروماتيزم وداء الحفر*، وأخطار الموت كلما كسر لهم عظم أو نخرت سن، ولو أنهم لم يعرفوا السكر الذي يساهم في تلف أسناننا اليوم، وسوف تبقى هذه حال الكثيرين من الناس في العالم لزمن طويل بالطبع.

    كان استخدام النار قد وسع خيارات مكان العيش إلى حد كبير، وتعود أولى الأدلة على توليد النار إلى حوالي عام 300.000 ق.م، ولابد أن تكون قد جعلت الحياة أسهل، إلا أن الملابس والمساكن المصنوعة تشير إلى التحكم بالبيئة بأساليب أخرى في العصر الباليوليتي الأعلى، ولولاها لكان من المستحيل على البشرية أن تستقر على كافة سطح الأرض كما فعلت.
    لم تكن هناك في ذلك الزمان أقمشة منسوجة، ولكنهم كانوا يقطعون الجلود بشكل شرائط متباينة العرض ثم ينعمونها ويطرونها باستخدام حجر الصوان من أجل الحصول على الملابس، إن أقدم جثة ترتدي الملابس وجدت حتى الآن يعود تاريخها لحوالي 35.000 ق.م، وقد اكتشفت في روسيا وكانت ترتدي بنطالاً من الفرو وقميصاً مزركشاً.
    في العصر الباليوليتي الأعلى تبدأ بالظهور أيضاً العلامات الضعيفة الأولى على البناء المقصود للمساكن. صحيح أن هناك حيوانات أخرى تستطيع البناء، إلا أنها تفعل ذلك بطرق محدودة وموروثة ومبرمجة بالغريزة؛ أما البشر فيستطيعون البناء في أي مكان، وتعديل الأسلوب والتقنية بحيث تتلاءم مع المناخ المحلي وطبيعة الأرض والمواد، وبالحجم الذي يناسب أغراضهم. فعدا عن وضع الصخور بعضها فوق بعض، كانت المواد الأساسية المستخدمة في صنع الملاجئ في البداية هي الطين والقش، وهي مواد سريعة الهلاك.
    لقد ظل البشر مضطرين للتنقل مع قطعان الطرائد التي يصطادونها على مدار السنة حتى نهاية العصر الحجري القديم
    ورغم أن هذا الأمر كان يعيدهم المرة تلو الأخرى إلى كهوف معينة تحمل آثار إقامة طويلة، فإنه لم يترك آثار أبنية دائمة. ولكن وجدت في الشرق الأدنى بعض بقايا أكواخ تعود لحوالي 9000 ق.م .
    كما يبدو أنه كان هناك مساكن كبيرة في سهول شرق أوروبا، حيث كانت الكهوف قليلة، ذوات هياكل مصنوعة من عظام الماموث أو أنيابه ومغطاة بالجلود.
    كانت أرضها على عمق قدمين أو ثلاثة تحت الأرض، وكانت أحياناً مجمعة في مستوطنات يسكنها بضع مئات من الناس ويوحي هذا الأمر ببدايات مستوى جديد من التنظيم الاجتماعي.



    الإسقربوط – داء ينجم عن عوز فيتاميني



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  3. #3

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    أول الفنون

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    من الواضح أن البشرية كانت قد قطعت درباً طويلاً في أواخر العصر الحجري، ومن أبرز العلامات على ذلك ما نراه في جزء صغير نسبياً من غرب أوروبا، حيث يوجد أبهى دليل نملكه حتى الآن على بدايات الفن. تبدأ تلك الأدلة بمجموعات صغيرة مخزنة من صباغ المَغْرة الأحمر، جمعها نياندرتاليون منذ حوالي خمسين ألف سنة خلت. لقد درست هذه الأصبغة كثيراً ولكننا لا نعلم فيما كانت تستخدم. إن سبب صعوبة الحديث عن أصول الفن هو ندرة الأدلة الباقية على بداياته الأولى، يحق لنا أن نخمن أن البشر الباكرين كانوا يخربشون أشكالاً في الطين، ويلطخون أجسامهم بالألوان، ويشكّون الأزهار أو الريش في شعورهم، أو يرقصون بأنماط معقّدة مثل غيرهم من الشعوب اللاحقة، ولكن هذه الأشياء كلها إن وجدت لم يبق منها أي أثر.

    والصعوبة الثانية هي أننا لا ندري لماذا تكلف البشر عناء صنع الفن الأول الباقي، وماذا كانوا يعتقدون أنهم يفعلون.

    في الأزمنة التاريخية اللاحقة كان الكثير من الناس يلونون وجوههم وأجسادهم لأسباب مختلفة، ربما قام بعضهم بأشياء مثل هذه في الأزمنة القديمة، إما لأسباب دينية أو عملية (التمويه) أو كجزء من ثقافتهم الجنسية، أو لمجرد التسلية والمتعة. ولكننا على الأرجح لن نعلم أبداً ماذا كان الغرض من تلك المغرة الحمراء، فلو تخيلنا أن علماء الآثار بعد آلاف السنين من أيامنا لم يكن لديهم كدليل على بعض مجتمعات القرن العشرين إلا بعض علب من كحل العينين وحمرة الشفاه، لشق عليهم معرفة الغرض منها. إلا أننا منذ حوالي 35.000 ق.م فما بعد نجد في أوروبا زاداً مستمراً من المعلومات، وهي أدلة أنتجت على مدى فترة زمنية طويلة استمرت حتى عام 10.000 ق.م تقريباً، كما أن هناك كهوفاً وصخوراً في أماكن أخرى مثل أفريقيا نجد فيها الكثير من التصوير والحفر من فترة ما قبل التاريخ. ولكننا لم نجد حتى الآن فناً قديماً قدم الفن الباليوليتي في أوروبا، وأغلب ما بقي منه يوجد في منطقة محدودة جداً، هي عدد من المواقع في جنوب غرب فرنسا وشمال إسبانيا.
    إن أقدم الأشياء التي وجدت هناك هي أغراض صغيرة مزينة وملونة ومصنوعة في أغلب الحالات من العظم والعاج، كقاذفات الرماح المحفورة مثلاً، وكثيراً ما نجد عليها صوراً محفورة لحيوانات. بعد ذلك، في حوالي عام 20.000 ق.م تبدأ مرحلة استغرقت خمسة آلاف سنة، تركت سلسلة باهرة من اللوحات والرسوم المحفورة على جدران الكهوف وأراضيها، وأكثرها تمثل الحيوانات أيضاً. ثم تأتي بعدها المرحلة الأخيرة من الفن الباليوليتي، حيث تسود صور الأيل، وتنتهي بمجموعة وفيرة من الأدوات والأسلحة المزخرفة، والغريب أن هذا التقليد انقرض بعد ذلك على ما يبدو، ولم يظهر فن جميل طوال ستة آلاف عام.

    إن بقاء هذا الفن أمر مذهل، ولكنه غامض في الوقت نفسه، لقد جرت محاولات تخمين كثيرة لتفسيره، وأكثر ما اجتذب اهتمام العلماء هو السلاسل العظيمة من رسوم الكهوف، فهي متوضعة في زوايا قاصية من الكهوف يصعب الوصول إليها، ولا يمكن أن تظهر إلا باستخدام ضوء اصطناعي، ومن الواضح أن الكثرة الغالبة للحيوانات هي أمر هام أيضاً، ففنان العصر الباليوليتي لم يكن يمضي وقته في رسم المناظر الطبيعية ولا حتى البشر، واللافت أن البشر يظهرون دوماً بشكل مجرد وغير واقعي بينما ترسم الحيوانات بعناية دقيقة بالتفاصيل، فربما كان رسم الأشياء بصورة واقعية يعني السيطرة عليها.
    لقد حاول بعض العلماء البحث عن أنماط ما في تكرار بعض الحيوانات، ولكن من دون جدوى. يحق لنا أن نخمن أن تلك الرسومات كانت تحمل رسائل إلى الذين ينظرون إليها في تلك المجتمعات التي لم تعرف الكتابة، فإذا تذكرنا أيضاً الدلائل القليلة على عادة الدفن في الأزمنة النياندرتالية فإننا نميل للاعتقاد بأن طقوساً دينية أو سحرية كانت تمارس في تلك الكهوف المعتمة، وإذا كان هذا صحيحاً فربما كان مرتبطاً بمحاولة للتأثير في حركات وسلوك الطرائد التي كان البشر الأُول يعتمدون عليها في معيشتهم. ويتوافق هذا التفسير مع تزايد صور الأيل بمرور الزمن، لأن الرنة والماموث الموجودين في الصور الأقدم كانا ينقرضان مع تراجع الجليد البطيء.




    رسوم على جدارن المغاور في العصر الباليوليتي


    إن ما نعرفه عن أول فن عظيم في الحقيقة ضئيل جداً، ولكن ما يوجد منه شيء كافٍ للدلالة على أن البشر في أواخر العصر الباليوليتي كانوا قادرين على القيام بإنجازات عقلية مدهشة، وعلى مراقبة العالم من حولهم بدقة.
    ربما كانوا يفقدون ثقتهم بقدرتهم على التأثير في سلوك الحيوانات، لأنهم لم يكونوا يعلمون أن سلوكها هذا محكوم بالمناخ، ففقدوا معها الحافز لإنتاج الفن أيضاً. ولا يمكن أن يكونوا قد مارسوا الفن للفن أو بغرض بيعه كما هو الحال في عصور لاحقة، ولكن لاريب في أن ما أنتجوه هو فن بالمعنى الكامل للكلمة، لأنه إبداع خلاق تم بعناية ودقة، يصور أشياء جميلة ومؤثرة وقادرة على اجتذابنا ليس بما يمكن فعله بها فقط، بل بحد ذاتها أيضاً.


    يتبع


    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  4. #4

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    بداية الزراعة

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    إن للفن ثمناً لابد من دفعه حتى عندما لا يُشترى، فالأشخاص الذين نفذوا رسوم الكهوف العظيمة، لم يكن بإمكانهم الخروج للبحث عن الطعام عندما كانوا منشغلين بالرسم مهما كانت حاجاتهم بسيطة، فقد كان هناك إذن بعض الغذاء الفائض عن الحاجة المباشرة حتى في مجتمعات الصيد وجمع الطعام الباكر.
    إلا أن الخطوة الحاسمة في زيادة ذلك الفائض إنما حصلت عندما تعلم الناس زراعة المحاصيل للغذاء وحصادها، وتدجين الحيوانات واستغلالها.
    فكان اكتشاف (أو اختراع) الزراعة.



    الصيد والجني والزراعة

    لقد بات من الواضح الآن أن قصة البشر كلها هي قصة تغير مستمر، جزء كبير منه من صنع الإنسان، ولكن بعض الخطوات في تلك القصة تبرز بسبب أهميتها الخاصة، والزراعة واحدة منها، مثل السيطرة على النار وتعلم الكلام.
    كانت الزراعة تقريباً آخر الخطوات الكبرى التي خطتها البشرية في حقبة ما قبل التاريخ، والحقيقة أنها قد غيرت الحياة بصورة كبيرة وعميقة للغاية، ولولاها لما حصل أي من التغيرات اللاحقة.
    لقد أنجزت بقاع مختلفة من العالم الزراعة في أزمنة مختلفة، ولابد أن يكون المناخ والبيئة الطبيعية هما السببان الأساسيان لهذا الاختلاف، كما أنهما يفسران لماذا توصلت بعض الشعوب إلى الزراعة لوحدها؟ بعد زمن طويل من عالم أوراسيا
    * القديم – في الأمريكيتين مثلاً- ولماذا عجزت غيرها عن التوصل إلى الزراعة إلا بتأثير من الخارج كما هي الحال في أوروبا الغربية في عصور ما قبل التاريخ. يقال إن أقدم آثار النباتات المزروعة تعود لحوالي عام 10.000 ق.م، وقد وجدت في جنوب شرق آسيا، وهي أشكال باكرة من الدخن (الجاورس) والأرز، ومازال كلاهما نباتين هامين في تلك المنطقة حتى اليوم.
    وبعد حوالي 8.000 عام تعلم الناس في أمريكا الوسطى زراعة نوع من البطاطا الحلوة وشكل بدائي من الذرة.
    إلا أن منطقة الشرق الأدنى هي التي وجدت فيها معلومات وافرة عن المراحل الباكرة من الزراعة، فقد انتشرت في هذه المنطقة بين عامي 9000 و 6000 ق.م تقريباً أنواع كثيرة من الحبوب التي مازلنا نستخدمها حتى يومنا هذا.


    أوروبا وآسيا معاً



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  5. #5

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    الهلال الخصيب

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    يطلق الناس أحياناً تسمية الهلال الخصيب على منطقة هامة للغاية، هي بشكل قوس تمتد شمالاً من دلتا النيل عبر فلسطين وشرق المتوسط، ثم تنعطف شرقاً على طول هضاب الأناضول إلى أن تنتهي على المرتفعات الواقعة بين إيران وبحر قزوين على الطرف الآخر من وديان أنهار بلاد الرافدين. لقد فقد قسم كبير من الهلال الخصيب هذا جاذبيته اليوم، ولكنه منذ عشرة آلاف سنة خلت كان يتمتع بأمطار سخية وتربة خصبة جعلته غنياً بالغابات، وكان غاباته تعج بحيوانات الصيد. ومع انسحاب العصر الجليدي الأخير صار نمو الغابات أقل كثافة منه في الشمال وكان اقتلاعها أسهل.على الهضاب كانت تنمو أجداد نباتات الحبوب اللاحقة، مثل الشعير البري والعلس (القمح البري) وأنواع كثيرة من الأعشاب، ويبدو أن التقنيات الجديدة في الزرع والحصاد قد انتشرت من هذه المنطقة إلى جنوب شرق أوروبا وإلى وادي النيل أيضاً.





    الهلال الخصيب

    ويمكننا أن نرتب تسلسل انتشار الزراعة كما يلي: في حوالي عام 9500 ق.م كان الناس يحصدون الأعشاب والحبوب البرية في آسيا الصغرى، وفي عام 7000 ق.م كانت أولى عمليات الزراعة وتربية النباتات قد بدأت في شرق المتوسط وبلاد الرافدين، ثم انتقلت خلال الآلاف الثلاثة التالية غرباً حتى نهر الراين (تقريباً)، إلى أن بلغت أوروبا الغربية والجزر البريطانية بحلول عام 3000 ق.م، وربما توصلت مناطق أخرى إلى طرق جديدة في زراعة النباتات للغذاء بصورة مستقلة، أما إلى الشرق والشمال من المتوسط فيبدو أن الناس قد تعلموها من جيرانهم.
    كان لتعلم تدجين الحيوانات تأثير ثوري يساوي تأثير الزراعة تقريباً، وكانت شعوب الصيادين في أوروبا قد دجنت الكلاب فكانت تلك خطوة كبيرة أخرى في تسخير طاقة الطبيعة لاستخدام البشر.
    ثم جاءت الخطوة التالية في جمع الحيوانات البرية والاحتفاظ بها ضمن قطعان، وقتل بعضها من أجل لحمها وجلدها وصوفها أو قرونها وعظامها.
    كانت الحيوانات تسرح بكثرة في الهلال الخصيب وكانت طيعة لسيطرة الإنسان، وكثر الغنم والماعز خصوصاً أو أجدادها بينما كانت أنواع مختلفة من الخنازير تعيش طليقة في كافة أنحاء العالم تقريباً. وعندما تعلم الناس تربية الحيوانات حية بدلاً من اصطيادها، ترتب على ذلك نتائج كثيرة مثل استخراج الحليب وأخذ البيض من الطيور الداجنة، وفي مرحلة تالية سوف يأتي استخدام الحيوان للركوب والحمل والجر. هناك أربعة حيوانات كان تدجينها أساس استغلال الحيوانات الأليفة ومازال، وهي الماعز والغنم والخنازير والبقر، تنتمي هذه الحيوانات كلها لفصائل ثدييات نصف الكرة الشمالي، وتكمل بعضها بعضاً بصورة مفيدة للإنسان.

    فالماعز حيوان شديدة التحمل، يستطيع العيش على القليل من العشب، ويمد الإنسان باللحم والحليب والجلد والصوف ويعيش الغنم حيثما وجد العشب، وكان العشب وفيراُ على هضاب المنطقة المعتدلة، ويمكن استخدامه بطرق استخدام الماعز نفسها وتجد أقدم الآثار على تربيته في حوالي عام 9000 ق.م في شمال العراق.
    أما الخنازير فهي تمد الإنسان باللحم، وتستطيع البحث عن طعامها في الأحراش والغابات، كما أنها تنمو بسرعة وتلد عدداً كبيراً من الصغار وبتكرار عال. وينتج عن البقر اللحم والحليب والجلد، كما يمكن استخدامها لجر الأشياء وحملها، ومن أفضل الأدلة على تدجين الحيوان اكتشاف عظام حيوانات كانت تؤكل في المستوطنات الزراعية الباكرة، وهي في جميع الأحوال بقايا صغارها التي قد تقتل قبل أن تبلغ سن النضج، بينما كانت الحيوانات التي تقتلها شعوب الصيادين كاملة النمو في جميع الحالات تقريباً.

    لقد كانت زراعة الحبوب وتربية الحيوانات هي النواة التي تشكلت من حولها النظم الزراعية، ولكن بعض مناطق العالم لم تعرف إلا جزءً من هذا التطور، فعندما صار سكان أمريكا الوسطى يزرعون النباتات لم ينتقلوا إلى مرحلة تدجين الحيوانات والسبب الأرجح هو أنهم لم تكن لديهم حيوانات كثيرة مناسبة لذلك، إلى أن أدخلها بعد زمن طويل من أتوا بعد كولومبوس. لذلك لم يبرع الإنسان في مهارات رعي الحيوانات إلا في جبال الآندس، حيث كان حيوان اللَّامة يُنتج له كل ما يحتاجه من لحم وحليب وصوف، عدا عن حمل الأثقال.
    ويدلك هذا على أن الانعزال سرعان ما بدأ يميز الحياة في الأمريكيتين عنها في أصقاع العالم القديم. وحتى ضمن العالم القديم كانت هناك صعوبات في الاتصال، وربما كان هذا هو سبب الاختلافات الكبيرة في طرق تطور الزراعة. فصحيح أن المعرفة والمحاصيل قد انتشرت بسهولة من الشرق الأدنى عبر شمال أفريقيا إلى غرب أوروبا وحتى إلى وادي نهر الدانوب، ولكن يبدو أن انتشارها شرقاً إلى آسيا كان أصعب بكثير، كما أن الفروق المناخية الكبيرة لم تسمح بتطور الأمور على الصورة نفسها. فعندما صارت الصين بلداً زراعياً كانت محاصيلها المناسبة لظروفها المحلية مشتقة من نباتات محلية، ولم تأتها من الخارج مثلما أتت الحبوب إلى أوروبا من الشرق الأدنى. والمثال البارز على ذلك هو نبات الأرز، الذي يتميز بأنه لا يحتاج إلى حيوانات لزراعته بل يحتاج إلى مجهود بشري مكثف، وربما لهذا السبب لم يرب الصينيون إلا حيواناً واحداً من أجل لحمه وهو الخنزير، ولو أنهم استخدموا أنواعاً مختلفة من البقر لاحقاً في أشغالهم، ولكن علماء الآثار مازالوا منقسمين وغير متأكدين من أصول الزراعة في الصين، لذلك يفضل ألا نجزم بالأمر.



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  6. #6

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم


    عالم يتغير

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    لقد استغرقت هذه الثورة الناجمة عن تعرّف الزراعة في ظروف حياة الإنسان آلاف السنين. كانت المستوطنات الزراعية الباكرة ذوات عمر قصير، وقد ظل المزارعون الأوائل على الأرجح متنقلين يمارسون زراعة القطع والحرق، وهي طريقة مازالت مستخدمة بين الشعوب البدائية حتى اليوم.
    يختار الناس في هذا النوع من الزراعة بقعة من الغابة تكون تربتها خصبة بسبب تراكم الأوراق والفضلات المتعفنة، فيقتلون الأشجار بنزع لحائها، ثم يحرقونها ويقتلعون ما بقي من جذوعها إذا أمكن، ويزرعون المحاصيل بين الجذور. وبعد بضع سنوات تكون نباتات الغابة البرية قد صارت كثيفة جداً أو تستنفذ التربة خصبها، فيتحتم عليهم البحث عن موقع آخر.


    وقد بقيت هذه حال الزراعة لزمن طويل، لأن الناس لم يكونوا يعرفون طرقاً أفضل لحرث التربة، وكان من الصعب عليهم أن يزيلوا ما بقي من جذوع الأشجار بأدواتهم الحجرية ومعاولهم المصنوعة من قرون الوعول. ولكن مع مرور القرون ظهرت في بعض الأماكن حقول نتيجة عودة الناس المستمرة إليها لسكنها وزراعتها، وعندها بدأ المزارعون الأوائل يصبحون أكثر ارتباطاً بمكان واحد أي أنهم باتوا مستقرين. وقد اكتشف علماء الآثار الكثير من تلك الأماكن المبكرة، وإن هذا الميل للاستقرار هو واحد من أول التأثيرات المعروفة للزراعة في سلوك البشر.


    لقد أثرت الزراعة في البيئة غير البشرية أيضاً، لأن الخضار والمحاصيل القديمة كانت مختلفة الشكل كثيراً عما نعرفه اليوم. فنباتاتنا اليوم أكبر بكثير، كما أنها تختلف أحياناً عن الأنواع البرية من ناحية الشكل واللون والحجم، لأن البشر تدخلوا في عملية التطور، فهم باختيارهم سلالات معينة للزراعة ونبذهم سلالات أخرى بدؤوا منذ زمن بعيد بتبديل توازن الطبيعة، ولولا تدخلهم لأنتجت الطبيعة أنواعاً مختلفة جداً.
    كانت الحبوب والبذور من أهم تلك المحاصيل الجديدة، صحيح أن محاصيل الأوراق والجذور والبصلات كان بالإمكان زرعها وسرعان ما زرع بعضها فعلاً، إلا أن القمح والشعير والبازلاء والعدس تدوم فترة أطول بكثير، لأنها عندما تجفف يمكن تخزينها فتؤمن الغذاء في الشتاء وفي السنوات التي لا تكفي فيها الغلال.
    فكانت هذه خطوة جديدة في التحرر من جمود إيقاعات الطبيعة، ولو أنها لم تكن كاملة، لأن عمليات البذار والحصاد تحتاج بدورها إلى متطلبات جديدة، إلا أنها كانت على كل حال خطوة جديدة نحو حرية فعل أشياء أخرى غير الصيد من أجل البقاء الذي ابتدأته البشريات اللاحمة منذ زمن بعيد جداً.

    وقد ظهرت آثار أفعال البشر في الحيوانات أيضاً، فلاشك أن أولى الخراف والخنازير المدجنة كانت صغيرة وهزيلة جداً بالقياس إلى الأغنام السمينة الغزيرة الصوف التي ترعى في هضاب انكلترا اليوم، أو الخنازير الضخمة الراقدة في زرائبها. ولم تقتصر التغيرات على الحجم وحده، ففي أغلب الحيوانات والطيور المدجنة نلاحظ قصر الخطم، لأن البشر ضمنوا لها طعامها، فتمكنت من البقاء كسلالات أقل تطور من ناحية أسنانها وأفكاكها حسب ما تحتاجه الحياة في البرية.
    بل ربما كانت الحيوانات الحالية أقل ذكاء من أجدادها البرية، لأن الإنسان حماها من أعداء وأخطار الطبيعة الكثيرة، فتمكنت من البقاء كسلالات ضعيفة التطور من الناحية الدماغية في الأجزاء التي تعالج الرسائل الآتية من العالم الخارجي. ثم أن هناك فرقاً لافتاً آخر، هو أن ألوان الحيوانات تصبح أكثر تنوعاً عند تدجينها، لأن انتزاعها من موطنها الطبيعي يسمح ببقاء أشكال ذوات ألوان مختلفة ربما كانت هلكت في البرية بسبب سهولة تمييزها.
    ولكن لا يمكننا أن نعلم متى بدأ الناس بمحاولة إحداث تغيرات كهذه وإلى أي مدى، فقد صار بديهياً اليوم أن مزاوجة الخراف ذوات الصوف الكثيف أو الأبقار ذوات الحليب الغزير تعطي سلالات أفضل، ولكن لابد من أن تكون الصدفة قد لعبت دوراً كبيراً في المراحل الأولى. وربما كانت الدوافع الأولى لتدخل الإنسان في عملية الاصطفاء الطبيعي مختلفة عن دوافعه اليوم، فربما اختار بعض الرعاة الأوائل مثلاً أن يزاوجوا حيوانات معينة ويربوها بسبب علامات مميزة أعجبتهم، أو لأنها تسهل التعرف عليها؛ ونحن في الحقيقة لا نعلم شيئاً عن هذا الأمر.


    إن النتيجة الأهم لتلك الأساليب الجديدة أو لأي شكل من أشكال الزراعة هي نتيجة واضحة، ألا وهي توفر كميات من الغذاء أكبر بكثير من السابق، صحيح أن الفرق بين الصيد والزراعة يتعلق بنوع حيوانات الصيد من جهة، وبنوع النباتات والتربة من جهة أخرى، إلا أن أهمية الزراعة تبقى واضحة إذا عرفنا أن عائلة من البشر تعتمد على جمع الطعام والصيد تحتاج إلى مئات الأكرات
    * لكي تحصّل كمية كافية، في حين تكفيها خمسة وعشرون أكراً في حال الزراعة البدائية.
    كانت هذه إذن نتيجة أول قفزة كبيرة في إنتاج الغذاء، وقد تبدو ضئيلة بالقياس إلى التطورات الهائلة التي حدثت منذ ذلك الحين، إلا أن الزراعة قد جلبت معها في الحقيقة أول زيادة جادة في تأمين الغذاء بعد عملية الصيد، وكانت تحمل في ثناياها بذوراً أغنى. لقد أدّت وفرة الغذاء إلى زيادة أعداد البشر، لأنها مكنت من إطعام أعداد أكبر ولا يمكننا أن نقيّم هذا التطور بشكل جيد، إلا أن نتائجه واضحة لعلماء الآثار في بقايا المستوطنات التي صارت أكبر من السابق، وهي القرى الأولى.


    يدل ظهور القرى على حدوث تغيرات أخرى في الحياة الاجتماعية أيضاً، فقد ازدادت الإقامة المستمرة في المستوطنات نفسها وضعفت الحاجة للتنقل سعياً وراء حيوانات الصيد والنباتات الفصلية. وفي الوقت نفسه ظهرت أبنية أكثر صلابة. ومن الأمثلة المعروفة على هذا التطور أريحا، التي كان فيها قبل عام 9000 ق.م قرية على موقع ينبوع ماء لا يشح، بعد ألف عام كان حجمها قد ازداد إلى أن غطت بيوتها المصنوعة من الصلصال مساحة بين 8-9 أكرات
    ، وكانت محاطة بأسوار كبيرة من الواضح أن سكانها كانوا يشعرون أن لديهم أشياء تحتاج للحماية، وربما كان لهم أعداء يخشون منهم عليها، لقد كانت لديهم ثروات، ومنذ ذلك الزمان كان البشر قد اكتشفوا طريقة سريعة للحصول على الثروة، هي أخذها ممن يملكونها.

    لقد بزغت في أماكن مثل أريحا رويداً رويداً أنماط جديدة من الحياة، بينما كانت المجتمعات تعالج المتطلبات والفرص الخاصة ببيئاتها بمزيد ومزيد من النجاح. وكان هذا مختلفاً عما حدث بعد عصور الجليد الأبكر، عندما لم يكن هناك كائن واسع الحيلة مثل الإنسان العاقل قادر على استغلال ما خلفته العصور الجليدية. ولكن بما أن عدد الناس في العالم قد ظل قليلاً لزمن طويل فقد بقيت جماعاتهم معزولة إحداها عن الأخرى في العادة، بعد ذلك طورت تلك الجماعات مهارات جديدة، وتغلبت على المزيد من التحديات في بيئاتها، وازداد تباعد بعضها عن بعض في أساليب حياتها، أي في ما يمكننا أن نسميه ثقافاتها، التي مابرحت تزداد تعقيداً.
    ولابد أن يكون الناس الذين نشؤوا في تلك الثقافات قد قبلوها دون تفكير، كما هي حال أكثر الناس في العالم اليوم، وأن يكون الروتين هو السائد فيها إذا أرادت الجماعة البقاء. لذلك ظلت الثقافات المختلفة تتباعد لزمن طويل، ولاريب أن اللغة قد اتخذت أشكالاً مختلفة من أجل تلبية الحاجات المختلفة، فحتى يومنا هذا مازلنا نجد لغات كثيرة تعيش جنباً إلى جنب في مناطق مازالت بدائية. إن لكل قبيلة تقريباً لغتها الخاصة التي تلبي حاجاتها الدقيقة الخاصة بها، أما اللغات العالمية الكبرى مثل الإنكليزية والإسبانية الحديثتين فلم تظهر إلا بعد ذلك بزمن طويل وهي نتيجة للحضارة.

    بالرغم من هذه الفروق كانت تلك الجماعات تعيش بأساليب تبدو لنا متشابهة جداً، فقد كانت كلها ترتكز على تقنية بسيطة جداً، ولو أنها أكثر تعقيداً بكثير مما كانت عليه الحال قبلها بآلاف قليلة من السنين، وكانت تحمل قدرة هائلة على توليد المزيد من التغير المتسارع، كما ستبين المرحلة المتميزة التالية من تطور البشرية.

    أنف الحيوان وفكه الناتئان
    الأكر يساوي نحو أربعة آلاف متر مربع


    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  7. #7

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم


    الثورة النيوليتية

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    تدل تسمية "نيوليتي" على علاقة بالحجر، مثل تسمية "باليوليتي". وقد حاول الناس أحياناً تمييز مراحل ضمن العصر الحجري، فصاروا يتحدثون عن حقبة "ميزوليتية". وكما هي الحال في جميع التقسيمات الأخرى في ما قبل التاريخ، تبدأ هاتان الحقبتان وتنتهيان في أزمان تختلف باختلاف المناطق، ولم تحدث فيهما تغيرات مفاجئة، فالناس لم يستيقظوا في يوم من الأيام ليجدوا أنفسهم في حقبة جديدة، بل إن أساليب قيامهم بالأشياء كانت تتغير رويداً رويداً خصوصاً أساليب صنع أدوات معينة من الحجر، وهي أسهل الأمور تتبعاً على علماء الآثار، ولكن رغم أن هذا التغير كان متدرجاً فإن نتيجته النهائية واضحة، ومازالت المجتمعات وهي أشياء معقدة تتغير بالطريقة نفسها، ولو أن ذلك يجري اليوم بسرعة أكبر.
    ولاتهمنا الحقبة الميزوليتية لأغراضنا هنا رغم أهميتها للمختصين، أما الحقبة النيوليتية فهي تدل على مرحلة هامة جداً في تطور البشرية.

    ولكن ما سبب هذه الأهمية الكبيرة؟ إن علماء الآثار لا يستخدمون تسمية "نيوليتي" بمعناها الدقيق إلا للدلالة على ثقافة حلت فيها الأدوات الحجرية المشحوذة والمصقولة على الأدوات المصنوعة بقشر الرقائق. وقد لا يبدو هذا التطور بحد ذاته أمراً مثيراً، ولكن الحقيقة أن الموضوع ينطوي على أشياء أكثر بكثير، فقد أتت المرحلة النيوليتية من وجود الإنسان بعدد من التغيرات ذات الأهمية العظيمة والتي تفوق بكثير أهمية التطور في صنع الأدوات الحجرية، ولو كانت الأخيرة طريقة مناسبة لتحديد مراحله. صحيح أن تلك التغيرات قد تعود جذورها إلى الماضي السحيق، إلا أنها ما كانت لتبلغ مستواها الكبير ومداها الجغرافي الواسع إلا بفضل اكتشاف الزراعة قبلها.
    فالزراعة هي التي مكنت من ظهور مجموعة من التطورات سميت "الثورة النيوليتية"، وإذا كنا نفصلها إلى عناصر متميزة فما ذلك إلا لتسهيل وصفها. إن المجتمعات البشرية كلها مترابطة بأساليب معقدة، ويتعلق عمل كل قسم وتطوره بوجود الأقسام الأخرى، وعندما ندرك الأهمية العظيمة لتوافر كميات أكبر من الغذاء بفضل الزراعة، لا تعود بك حاجة ملحة لاعتبار هذه الناحية أو تلك حاسمة. لنبدأ إذن عند نقطة واضحة، ولو أن اختيارها اعتباطي، هي تقنية شغل الحجارة، وهي التي أعطت هذه الحقبة اسمها.


    لأن كلمة Ithos اليونانية تعني الحجر، وباليو تعني القديم، وميزو تعني الوسيط، ونيو تعني الجديد





    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

  8. #8

    • م/ صالح الشواخ غير متواجد حالياً
    • مشرف

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا/ الرقة
    المشاركات
    140

    افتراضي رد: تاريخ العالم

    بارك الله بجهودك
    سبحان الله العظيم وبحمده
    سبحان الله العظيم - استغفر الله

    اللهم ارنا الحق حقا وحببنا فيه .......وارزقنا اتباعه ...... وارنا الباطل باطلا وكرهنا فيه .... وارزقنا اجتنابه

  9. #9

    • عبير العبير غير متواجد حالياً
    • مساعد الادارة

    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    5,146

    افتراضي رد: تاريخ العالم



    على عتبة التاريخ

    كتاب تاريخ العالم - الفصل الأول - قبل التاريخ


    تبدو الحيوانات التي تعيش في جماعات، مثل النمل والنحل وقطعان الأيل، على درجة عالية من التنظيم، كما تبدو أفضل من البشر في الحفاظ على القواعد في مجتمعاتها. ولكن السبب هو أنها في الحقيقة مختلفة كل الاختلاف عن البشر
    فهي لا تلتزم أبداً بالقواعد، كما نفهمها نحن، بل تسلك سلوكاً آلياً تقريباً، أي أنها تفعل ما تفعله لأنها مبرمجة من خلال جيناتها أو من خلال أنماط سلوك محفورة فيها بصورة عميقة أو مغروزة، لذلك نسميها "غرائز" ولا يمكنها أن تسلك غير هذا السلوك إذا أرادت، بل إنها في الحقيقة لا تملك أن تريد أو أن لا تريد.
    أما المجتمعات البشرية فأمرها مختلف، صحيح أنها مضطرة لأن تأخذ بالاعتبار طبيعة البشر الأساسية بحاجاتها ودوافعها ولكنها تقدم طرقاً مختلفة كثيرة للقيام بهذا الأمر، وكثيراً ما يختار أفرادها هذه الطرق بإرادتهم.
    ففي كل أنحاء العالم مثلاً ينجذب الرجل والمرأة أحدهما إلى الآخر ويعيشان معاً وينجبان الأطفال، ولكن هناك الكثير من المجموعات المختلفة من القواعد التي يمكنهما أن يقوما بهذا الأمر ضمنها، وهذه القواعد وضعها البشر ولم تضعها الطبيعة. ففي إنكلترا مثلاً لا يسمح لك القانون باتخاذ أكثر من زوجة واحدة أو زوج واحد في الوقت نفسه، بينما يجيز لك ذلك في بلدان أخرى، أو لنأخذ مثالا مختلفاً تماماً:
    منذ بضع مئات من السنين لم يكن ممكناً في أوروبا أن يتخذ المرء مهناً معينة، كصنع الأحذية مثلاً إلا بعد أن ينتمي إلى نقابة خاصة بمن يمارسون تلك المهنة ويخضع لقواعدها في طريقة أداء عمله.
    ثم انهار هذا النظام لأسباب مختلفة، وانخفضت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر القيود القانونية المفروضة على الإنسان في اتخاذ المهنة التي يريدها والعمل بها كما يشاء، ولكن بقي من الصعب في بعض البلاد أن يختار الإنسان مهناً معينة دون الانتماء إلى النقابة المهنية المناسبة.
    قد لا يبدو للوهلة الأولى أن لهذا الأمر علاقة بما قبل التاريخ، ولكنه يجب أن يلفت انتباهنا إلى حقيقة أن ما نسميه "مؤسسات اجتماعية" أي طرقاً في تنظيم الناس لفعل الأشياء، هي إلى حد ما من اختيار المجتمعات المختلفة، وأنها قد تتباين كثيراً من مجتمع لآخر، وقد كان هذا الأمر صحيحاً حتى في الأزمنة الباكرة.

    تدل الفروق في الأساليب التقليدية لفعل الأشياء على أن بعض المجتمعات البشرية كانت قد أصبحت متميزة جداً منذ نهاية الأزمنة قبل التاريخية. وكان نهجها لتقاليدها الخاصة قد بدأ منذ زمن بعيد في العصر الباليوليتي. إلا أن تلك الفروق قد صارت أكثر حدة بكثير مع الاستقرار، وكان هذا بالطبع نتيجة أخرى من نتائج قدوم الزراعة. ففي أعالي وادي أحد روافد نهر دجلة، على هضاب يقطنها الأكراد، كانت هناك بحلول عام 6500 ق.م قرية صغيرة في مكان يدعى جرمو، لم يكن أهلها يعرفون تسخين الفخار بعد، ولكن كانت لديهم منازل من الصلصال، وكانت أساساتها من الحجر أحياناً وفيها أكثر من غرفة واحدة، وكان في بعض مساكنهم قطع أثاث ثابتة، مثل الأفران والأحواض المتوضعة في الأرض.
    وكان بإمكان سكانها أن يصنعوا أواني من الحجر الأملس عن طريق قطعه وشحذه، كما كانوا يصنعون منه أغراضاً للزينة مثل حبات الخرز والأساور. وكانوا يمارسون الزراعة وكانت لديهم حيوانات مدجنة من نعاج وماعز وثيران وخنازير وكلاب أيضاً. منذ ذلك الحين كان بعض الناس في جرمو يتميزون عن غيرهم بامتلاك ثروات صغيرة من أغراض زينة وأسلحة يعتزون بها. كان هناك دور للأفراد المختصين في هذا المكان، إذ لم يكن هناك بد من تنظيم شؤونها الإشراف على عمليات الحصاد وتخزين المحاصيل، ولكن عدد الأشخاص في جرمو لم يتجاوز بعض مئات على الأرجح. فإذا ابتعدنا غرباً إلى فلسطين، وجدنا أن أريحا كان يسكنها حوالي ثلاثة آلاف شخص في ذلك الوقت، وكانت هذه مجموعة كبيرة من الناس.

    كان في أريحا واحة هامة تحتاج إدارتها وصيانتها إلى تنظيم كبير، لذلك كانت الحاجة فيها للمهارات المختصة والحكومة المنظمة أكبر بكثير منها في جرمو. كانت تنشأ خلال العصر النيوليتي إذن، على الأقل بالشرق الأدنى، جماعات أكبر يؤدي لها الناس الولاء والطاعة، وكانت حياة البشر قد ابتعدت كثيراً عن حياة القبائل الرحل، وسارت باتجاه تنظيم الحياة الاجتماعية في وحدات أرضية مستقرة وخاضعة للقوانين نفسها، ومازالت هذه هي طريقة حكم الناس التي نألفها اليوم.


    مازلنا نجهل كيف كان كل من الرجل والمرأة يرى دور الآخر في تلك المجتمعات الباكرة، ولكن لابد أن تكون جذور هذا الأمر كامنة في الحقائق البيولوجية والاقتصادية المذكورة آنفاً.
    لما كان أطفال البشر وهم مستقبل القبيلة محتاجين إلى الكثير من العناية المديدة، فقد ترسخ تقسيم العمل بين الجنسين على الأرجح قبل أن تصبح الجماعات أكثر استقراراً، فصار الرجال يذهبون إلى الصيد وجمع الطعام، وبينما تبقى النساء في البيت. وعلى هذا التقسيم سوف تنمو تقاليد مختلفة من التربية، فيذهب الصبية مع الرجال عندما يكبرون ويصبحون قادرين على مجاراتهم في الصيد، أو لا يعودون مصدر إزعاج لهم على الأقل، أما النساء فربما كن يتعلمن مراقبة الحياة النباتية بعناية قرب البيت، فيجمعن المحاصيل المفيدة والمغذية، وربما كن يشكلن في أماكن كثيرة قوة العمل الأساسية في الزراعة، كما هي الحال اليوم. إننا نعلم بالتأكيد أنه قبل أن نصل إلى عصر التاريخ كانت قد ظهرت أشياء كثيرة سوف تصبح عادية طوال آلاف السنين، وسوف تستمر حتى اليوم.


    لنأخذ عام 5000 ق.م كنقطة إشراف وهمية، وليس لهذا التاريخ أية ميزة خاصة عدا عن أنه سهل التذكر. في ذلك الزمان كان شكل الأرض قريباً جداً من شكلها الحالي، ولم تتغير أشكال القارات وحواجز الاتصال ومسالكه الطبيعية كثيراً منذ ذلك الحين. كما يمكننا أن نعتبر أن المناخ قد استقر خلال هذه الفترة لأن سبعة آلاف سنة هي فترة زمنية لا تذكر بالقياس إلى تقلبات المناخ العنيفة على مدى مئات الألوف من السنين قبل آخر عصر جليدي، ولا يحتاج المؤرخ بعدها إلا للنظر في تقلباته القصيرة المدى. في المستقبل كان يقبع العصر الذي مازلنا نعيش فيه والذي كان أكثر التغيير فيه من صنع الإنسان.

    كانت بعض أجزاء العالم في عام 5000 ق.م قد قطعت شوطاً بعيداً ضمن الحقبة النيوليتية، فصارت حياة البشر كثيرة التنوع والتعقيد، ومختلفة جداً عن حياة الإنسان المنتصب، الذي كان قد بقي على حاله في كل مكان تقريباً رغم تطوراته الكبيرة. ولكن حياة الإنسان المنتصب كانت بدورها مختلفة جداً عن حياة الأشكال الضعيفة البائسة من قرد الجنوب، التي كانت تنتقل حول البحيرة التي كانت تملأ ممر أولدفاي الحالي منذ مليوني عام خلت، والتي لم تكن وسائلها في البقاء بأفضل من وسائل البهائم التي تزحف قربها وتشاركها موارد غذائها.


    بحلول الأزمنة النيوليتية أصبحنا في عالم ملأه البشر بتنوعهم وطاقاتهم الكامنة، وسوف يزداد هذا التنوع. سوف تتطور بعض الجماعات البشرية بسرعة، بينما تتطور بعضها ببطء، وسوف تلعب قوى جديدة دورها في تطور البشر مع اتصال الشعوب المختلفة بعضها ببعض وتعلمها الواحد من الآخر، أو مع تفكيرها في خبراتها واندفاعها نحو تجارب جديدة.
    أي أن تنوع البشرية سوف ينشأ أكثر فأكثر من قدرتها على تغيير الأمور بطريقة واعية فضلاً عن حقائق البيئة العمياء. وسوف تكون النتيجة المزيد من التعقيد، فلم توجد يوماً إمكانيات لاختلاف البشر كما هي الحال في عالمنا اليوم. ولكن العالم كان متنوعاً جداً حتى في عام 5000 ق.م، وليس ثمة خط واضح يفصل نهاية حقبة بشرية عن الأخرى، بل مرحلة زمنية ضبابية غير واضحة الحدود، فيندفع بعض الناس إلى الأمام على طريقهم نحو التحضر، بينما يبقى غيرهم عالقين في العصر الحجري الذي سوف يظل بعضهم فيه بعد آلاف السنين.


    لقد صار تسارع التغيير في هذا العالم هائلاً، وكان قد ابتدأ في زمن بعيد من مرحلة ما قبل التاريخ. ومن المهم هنا أن نرى الأمور بأبعادها الصحيحة. إن من يذكر اليوم أن الطائرة لم تكن موجودة عام 1900م، وأن الطاقة الذرية لا يزيد عمرها عن نحو خمسين سنة، وأن الكثير من أمم أفريقيا لم تكن قد اكتشفت قبل أربعين عاماً، وأن مرض الإيدز لم يعرف إلا في الثمانينيات؛ يُعْذَر إذا شعر أن شيئاً لم يتغير لقرون طويلة في العصور الوسطى مثلاً، فقد بقي الناس في قسم كبير من أوروبا يزرعون في القرن الخامس عشر بالطريقة نفسها التي كانوا يزرعون بها في القرن التاسع. ولكنك إذا نظرت إلى الفن الأوروبي في الأبنية مثلاً، في عام 800 م ثم بعد ذلك بخمسمائة عام، وجدت أن تغيراً كبيراً جداً قد حصل.


    أما فيما يتعلق بأول الفنون التي ظهرت، أي فن العصر الباليوليتي الأعلى، فيقول لنا الخبراء إن رسوم الكهوف العظيمة تكاد تظهر تغيراً لا يذكر في الأسلوب طوال خمسة أو ستة آلاف سنة. وإذا عدت إلى الماضي الأبعد، وجدت أن الاستمرار الطويل لطرق صنع الأدوات من الحجر دليل على بطء أكبر في التطور، وإذا رجعت إلى أزمنة أبكر منها أيضاً وجدت أن التطور الفيزيولوجي للكائنات البشرية يمكن ملاحظته، ولكنه كان ببطء أنهار الجليد حتى بالقياس إلى التغيرات الهزيلة في الفن الباليوليتي.


    إن السبب الحاسم لهذا التسارع الكبير في حدوث التغيير بحلول عام 5000 ق.م هو أن المصدر الأساسي للتجديد كان قد انتقل في ذلك الحين من القوى الطبيعية إلى البشر أنفسهم، وعند نهاية ما قبل التاريخ باتت قصة البشرية قصة اختيارات متزايدة. إن البشر يتخذون قرارات أكثر فأكثر للتصرف والتأقلم بأساليب معينة من أجل مواجهة مشاكلهم وتطوير طرق معينة في أداء الأشياء واستخدام مواد أو مهارات معينة.
    لهذا فإن ما يمكننا اعتباره أهم تغير على الإطلاق قد حدث في البداية، ولو أننا لا نستطيع أن نعلم زمانه أو مكانه بالتحديد. لقد حصل هذا عندما بدأ كائن ما ربما يكاد يكون بشرياً في أعيننا، يفكر في العالم كمجموعة من الأشياء المنفصلة والمتميزة عنه، ولو أمكننا أن نعلم متى حدث هذا التطور لربما كانت تلك خير بداية لما قبل تاريخ الإنسان، لأنها هي التي فتحت الطريق لاستخدام العالم. وتلك هي قصة كل الانتقال من الحياة التي تشكلها الطبيعة بصورة عمياء إلى الحياة التي تشكلها ثقافة البشر وتقاليدهم.
    ومن بعد ذلك يظهر ما يشبه الفائدة المركبة، لأنه مع ازدياد أعداد البشر اتسعت ساحات مواهبهم وتراكمت إنجازاتهم وخبراتهم التي يمكنهم التعويل عليها واستثمارها، وحتى الجماعات الصغيرة لم تعد بها حاجة لتجشم عناء تعلم كل شيء من البداية.

    إلا أننا نعلم جيداً أن البشر بالرغم من كل هذا قد خلقوا مشاكل جديدة بمثل سرعة حلهم للمشاكل القديمة، وأن قصة البشرية مليئة بالنكسات والفشل المأساوي أحياناً. ولكن هذا الأمر يعود فيؤكد من جديد حقيقة أساسية تتعلق بالبشر عند اقترابهم من حقبة خلق الحضارات الأولى، هي أنهم فريدون من ناحية قيامهم باستخدام العالم وتغييره بطريقة واعية.
    إن إحدى الطرق القليلة الجيدة لوصف الإنسان العاقل هي أنه قبل كل شيء حيوان صانع للتغيير، والدليل على هذا إنما يكمن فيما فعله، أي في تاريخه.
    وراء هذا التاريخ يقبع كل ما نظرنا إليه في هذا الكتاب نظرة سريعة، ملايين من السنين كانت خلالها الكائنات تتشكل بطرق جعلت البشر وحدهم من بين الرئيسات قادرين على قولبة مصائرهم، ومع أنهم لم يكونوا قادرين على فعل ذلك إلا ضمن حدود ضيقة، فإن أبكر الأدلة على تأثيره تعود إلى أزمان قديمة جداً.



    لِنسعَ إخوتي إلى العلا هيا
    نتجاوز الضياء مداه ونعدو الثريا

+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. تاريخ ونشأة الزّراعة في العالم
    بواسطة عبير العبير في المنتدى الزراعي العام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-12-2012, 11:40 PM
  2. تاريخ صناعة السكر في العالم
    بواسطة محمد كامل في المنتدى المنتدي العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 28-04-2011, 11:54 PM
  3. تاريخ مصر القديم
    بواسطة الصباح النجار في المنتدى أخبار الدنيا
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-10-2009, 06:34 PM
  4. تاريخ مصر القديمة
    بواسطة الصباح النجار في المنتدى أخبار الدنيا
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-09-2009, 07:04 PM
  5. تاريخ الأسكندرية
    بواسطة خالد محمد كمون في المنتدى أخبار الدنيا
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 13-05-2009, 09:25 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك