ووجه دلالة التعبير بالغدو والآصال عن التذكير بالموت - على ما توحى به عبارته- هو أنه "عند الإصباح يخرج الإنسان من شبه الموت إلى شبه الوجود وهو اليقظة، وعند العشاء يخرج الإنسان من اليقظة إلى النوم(1) يقول البقاعي:

'خص هذين الوقتين وإن كان المراد الدوام بتسمية كل من اليوم والليلة باسم جزئه، ليذكر بالغدو:
الانتشار من الموت
وبالأصيل: السكون بالموت والرجوع إلى حال العدم فيستحضر بذلك جلال الله عز وجل، فيكون ذلك حاويا على تعظيمه(2)

أما وجه دلالة التعبير بهما على قيام الساعة فـلأن ساعتيهما، أثناء الطي والبعث(3).
وعن الدلالة الظاهرة على طي الخلق وزوال الدنيا كلها والخلود إلى الراحة الجسدية بعد البعث، وعلى انتشار الناس بعد الاستيقاظ إلى الأمور الضرورية التي بها قوام حياتهم، يقول البقاعي في تفسيره لقول الله تعالى:

(واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا .. الإنسان/25)

أي :عند قيامك من منامك، وتذكرك أنه يحيي الموتى ويحشرهم إليه جميعا، وعند انقراض نهارك وتذكرك انقراض دنياك وطي هذا العالم لأجل إيجاد يوم الفصل(4)، وهو في معنى ما ذكره الإمام الفخر.

(1) الر ازي 12/452.
(2) نظم الدرر 3/179.
(3) السابق 5/57.
(4) السابق 8/276 بتصرف، وينظر 6/114، 7/266.

5- كونهما من الأوقات التى تختلف فيها أحوال الناس وتتغير تغيرا ظاهرا مصححا لوصفهم بالخروج عما قبلها والدخول فيها(1).
وهذا أمر ملموس ويستوجب ذكره سبحانه بمجامع التسبيح وتنزيهه عن كل نقص إذ فى ذكر أوقات التسبيح في آية الروم إشارة إلى ما فيها من التغير الذي هو منزه عنه وإلى ما يتجدد فيها من النعم ووجود الأحوال الدالة على القدرة على الإبداع الدال على البعث لذا قال لافتا الكلام إلى الخطاب لأنه أشد تنبيها ودالا على الاستغراق بنزع الخافض (حين تمسون) مقدما المحو لأنه أدل على البعث الذي النزاع فيه وهو الأصل(2) وفي هذا المعنى أخرج الإمام أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن السني في عمل اليوم والليلة والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدعوات عن معاذ بن أنس قوله
- صلى الله عليه وسلم - :
(ألا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله الذى وفى؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى: سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد فى السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون)

وفيه أخرج أبو داود والطبراني وابن السني وابن مردويه عن ابن عباس قوله - صلى الله عليه وسلم - :

(من قال حين يصبح (سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون .. إلى قوله تعالى: وكذلك تخرجون)
أدرك ما فاته في يومه، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته من ليلته)،

إلى غير ذلك من الأخبار المؤدية إلى ذلك المعنى والدالة عليه.

(1) الآلوسي 21/45 مجلد 12.
(2) ينظر نظم الدرر 5/609.

6- كونهما المنوط بهما والمتطلع بالصلاة في زمانيهما إلى التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، لحديث جرير بن عبد الله البجلي، الذى يقول فيه:
كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر يعني ليلة البدر فقال:

(إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون(1) في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)

ثم قرأ

(وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب .. ق /39)(2).

يقول ابن حجر: فيه إشارة إلى قطع أسباب الغلبة المنافية للاستطاعة كالنوم والشغل ومقاومة ذلك بالاستعداد له، وقوله: (فافعلوا) أى عدم الغلبة، وهو كناية عما ذكر من الاستعداد، ووقع فى رواية شعبة... فلا تغفلوا عن صلاة قبل طلوع الشمس .. الحديث
(قوله: قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)
زاد مسلم يعنى صلاة العصر والفجر، ولابن مردويه من وجه آخر عن إسماعيل:
(قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، وقبل غروبها صلاة العصر)(3).

وقال الخطابى فيما نقله عنه الحافظ: هذا يدل على أن الرؤية قد يرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الصلاتين(4).
وذكر أهل العلم أن وجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية، أن الصلاة أفضل الطاعات، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما، ما ذكر من اجتماع الملائكة فيهما ورفع الأعمال وغير ذلك، فهما أفضل الصلوات، فناسب أن يجازى المحافظ عليهما بأفضل العطايا وهو النظر إلى الله تعالى، والحكمة فى اجتماعهم في هاتين الصلاتين من لطف الله تعالى بعباده وإكرامه لهم، فقد جعل اجتماع ملائكته في حال طاعة عباده لتكون شهادتهم لهم أحسن شهادة(5)

1) أي لا يحدث لكم ضيم والمراد نفي الازدحام.
(2) أخرجه البخاري 554، 7434 ومسلم 633، وأبو داود 4729، والترمذي 2551، وابن ماجة177، وابن حبان 7442وأحمد 4/360.
(3) فتح الباري 2/26.
(4) السابق 2/27.
(5) السابق 2/27، 28.