من هم الغجر ؟ ومن أين يأتون ؟ وإلى أين يرحلون ؟
عالم أشبه بالأساطير ، ظن البعض أن ولوجه محرم وأعتبر كثيرون أنه وقف على أصحابه ولا يعرف أسراره سواهم .
يطوون الأسرار بين خباياهم وفي الشتاء يغرقونها فى السواحل وفى الصيف ينقلونها معهم إلى أعالي الجبال والرجال والنساء يعملون كل له عمله الخاص به .
منذ امد بعيد والمحاولات جارية للكشف عن سر تلك الجماعات التي تملك فى كل بلد مكانا ، والتي تعيش مع الحضارة وعلي هامشها فى آن معا ، دويلات داخل الدول لها كل المقومات إلا مقومات الأرض والحدود .
مئات الكتب خصصت للحديث عنهم وجميع الوسائل استخدمت لخرق أسرار أصلهم وفك رموز رحيلهم الدائم وتسلسل اختلاط قبائلهم ، بيد أن سر الغجر ما يزال غامضا وشعبهم مازال اكسر الشعوب مدعاة إلى الدهشة فى تاريخ البشرية .
ذلك أنهم أخر من يمد يد العون لعلماء التاريخ الذين ينكبون على دراسة أصلهم ، فيخرجون باستنتاجات متناقضة .
وبلمحات من الحقيقة التاريخية ممزوجة بحكايات وأساطير ، لا يعرف مدي ارتباطها بالوقائع التاريخية وتضخيمها لها .
يعيش الغجر فى أوربا فى رحيل بطئ ولأنهم رحل يبتعد الناس عنهم ويخافونهم ، فالناس لا يحبذون أن يتصرف الآخرون على غير شاكلتهم .
وهذا ما دفع بالأوربيين لأن ينظروا إلى الغجر على غير حقيقتهم ، ويحملونهم بعض مالا يطيقون حمله من الأوزار .
اتهموهم بسرقة الأطفال والواقع أن هذه التهمة لا تمت إلى الحقيقة بصلة ، إذ درج الغجر على التقاط الأولاد المنبوذين ، فسارع الناس إلى صبغ هذه العادة بنوايا سوداء ، وقالوا أن الغجر إنما يلتقطون الأطفال لتشغيلهم فيما بعد .
قام بعض المؤرخين بإجراء دراسات حول الغجر ومن خلال استنتاجاتهم تبين لديهم إن تاريخ هذه القبائل يعود إلى أصول البشرية تقريبا ، أي إلي ما قبل ثلاثة آلاف سنة من التاريخ القديم .
فقد تجمعت آنذاك على شواطئ الهندوس قبيلة من الجنس الأبيض ، يتقن أفرادها صنع المعادن ويعرفون أسرار البرونز ، تلك الأسرار التي أطلعوا عليها شعوبا أخري عندما حان موعد الهجرة الكبري .
بدأت هذه الهجرة سنة ألف ق . م فانطلق الغجر من الهند ، وتوجهوا نحو أسيا الصغرى .
ومن هناك تفرقوا إلى مجموعتين كبيرتين ، انقسمتا إلى فروع متعددة .
اتجهت قافلة نحو جزيرة كريت وبلاد البلقان ، وتقدمت أخرى نحو مصر وإفريقيا الشمالية لتصل أخيرا إلى أسبانيا وتفرع عنها قسم أجتاز شبه الجزيرة الإيطالية ، وعبر منها إلى سويسرا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا ، ومن هناك إلى انجلترا .
ومن الفرعين الأساسيين ، انطلقت فروع فى عدة اتجاهات فبلغت أوربا الشمالية والدانمارك والسويد .
أكتشف المؤرخون إن الغجر زرعوا أولي بذور الحضارة فى كل مكان أجتازوه ، منذ أزمنة ما قبل التاريخ ، حتي إن هوميروس أطلق عليهم أسم شعب النجمة وقد أسس بعضهم بقيادة زعمائهم بلدانا كألبانيا ، التي تأخذ أسمها من كلمة ألبا أي أبيض وكانت كلمة أبيض تطلق علي الرؤساء بصفة خاصة ، وتطلق بصفة عامة علي الشعب الغازي المنتصر ، بينما تطلق كلمة أسود على الشعوب المغلوبة علي أمرها .
وكان من شيوع استعمال كلمة أبيض عند الغجر ، ما حمل المؤرخين علي اتخاذها بمثابة مؤشر لتتبع آثار هجراتهم حتي أقدم الأزمنة .
فكانت لهم عونا أكيدا ، لأن تراث هذا الشعب الرحال ، تراث شفهي كله ، ينتقل من الأم إلي أبنتها ولا يمكن معرفة شئ عنه ، سوي ما يقبل الغجر بكشفه .
أسفرت البحوث عن أن الغجر هاجروا حوالي سنه 500 ق . م إلي أسبانيا ، مرورا بالمغرب وصادفوا الكثير من الاضطهاد فى شبه الجزيرة الأيبيرية وأطلق عليهم أسم السود أما فى قشطيلية فقد أطلق عليهم لقب خيتانوس أي الأشرار .
ولكن حين يطلب الباحث الحقيقة من أفواه أصحابها يجد أن الأساطير تختلط لديه بالوقائع التاريخية ، فالغجر يتقنون رواية القصص ويزينون الحكايات الخارقة أطول السهرات .
وهم يؤكدون أنه من الطبيعي جدا أن يري الغجر المستقبل بأكثر وضوح من سائر الشعوب لأنهم شعب مختار ، ويؤكدون مقولة عمرها نصف قرن تقول أن الغجر حين تحين ساعتهم وينتهي الناس البلهاء من إفناء بعضهم بعضا ، بإطلاقهم قوي عشواء ، ينزلون من جبال تيبت ويصبحون ينبوع حياة جديدة علي الأرض .
ويطلق الغجر علي أنفسهم ألقابا مختلفة ، كأولاد الطرقات ، وشهود الزمان ، وأبناء الرياح ، لأنهم لا يركنون أبدا إلى مكان ثابت .
إن من يستسقي أخبار الغجر ، يتضح له أنهم انتظموا منذ أمد بعيد فى طبقات اجتماعية تختلف عاداتها وطرق حياتها .
أنهم يصنفون إلى مجموعتين رئيسيتين : المانوش والروم
يشكل المانوش قاعدة الهرم الاجتماعي عند الغجر ، ويتكلمون لغة تقربها من الألمانية نقاط تشابه عديدة ويكثر من بينهم الموسيقيون وعازفوا الكمان والجيتار
أما الروم فينقسمون إلي ثلاث فئات أو طبقات اجتماعية : اللوارا والتشوراترا و والكالديراش .
يختل اللوارا مبدئيا قمة الهرم الاجتماعي ومن وظائفهم الرئيسية نقل أسرار الأجداد من الأم لأبنتها ، وكذلك القوانين التي تسير عليها قبائل الغجر منذ فجر التاريخ ، وكانت هذه الفئة تحصل على قوتها من الاتجار بالخيل ، ثم ما لبثت أن تحولت ببطء إلى الاتجار بالسيارات المستعملة ، وهي تتواجد بكثرة في ألمانيا الغربية وهولندا وبلجيكا وفرنسا .
ليس من نقاط تشابه بين اللوارا والتشوراترا سوي تجارة الخيل ، وفيما عدا ذلك فإن أعضاء هذه الفئة يفضلون المشاجرات علي الكمان والجيتار ، ويحبون التنقل أكثر من جميع أقرانهم ، حتي أنهم نادرا ما يبقون في مكان واحد أكثر من ساعات معدودة .
أما الكالديراش ، فهم أقل القبائل تنقلا ، حتي ليعتبرهم البعض شبه حضر ، ومن عاداتهم أن يقيموا في ضواحي المدن ويمارسوا فيها حرفهم اليدوية لبعض الوقت ، ثم لا يلبث الحنين إلي الرحيل أن يحملهم علي شد رحالهم ، لأنهم هم أيضا من أبناء الرياح .
الجدير بالذكر أن الغجر من حيث أتوا ، وإلي أية طبقة اجتماعية انتموا ، لهم لغة مشتركة أسهمت كثيرا في الحفاظ علي وحدة عميقة بين صفوفهم .
يقيمون عليهم رئيسا ، يمكن تمييزه بوضوح ، من عصاه والأزرار المذهبة علي سترته ، وهذا الرئيس يمارس سلطة قريبة من السلطة المطلقة كما أنه يطلق الأحكام القضائية ، ولا استئناف لحكمه .
وفضلا عن ذلك فأنه هو الذي يبارك الزواج ، وفقا لعادات قديمة ، تقوم علي تقديم الخبز والملح للخطيبين ، ومبادرتهم بالصيغة التالية : عندما لايبقي لهذا الخبز وهذا الملح أي طعم في فمكما ، تكونان قد مللتما واحدكما الأخر ثم يجرح معصمي الرجل والمرأة ويمزج دماؤهما .
ومما يذكر أنه تردد الحديث فى الستينات عن إنشاء دولة مستقلة للغجر ، وقد تدخلت هيئة الأمم المتحدة في الموضوع ولكن لم يسفر عن أي نتيجة ، والسبب الذي أعطي عن ذلك هو إن عشرات الألوف من الغجر عارضوا هذا المشروع .
لماذا عارض هؤلاء ؟
يبدو أن الإجابة عن هذا السؤال تعد من الأسرار التي يحتفظ بها الغجر بشدة ، ولكن ما يعرف بالتأكيد ، هو أن الغجر يعتبرون أنفسهم أبناء الرياح والشعب المختار .
يقول مثل غجري ( إذا قطعت غجريا إلي عشرة أقسام ، فلا تظنن أنك قتلته ، وإنما أنت في الحقيقة قد صنعت منه عشرة غجريين )
مواقع النشر (المفضلة)