+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 10 من 16

الموضوع: التاو (( إبتهالات إالى إمرآة من برج العقرب ))

العرض المتطور

  1. #1

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    إذا ما قدر لك أن تقف ساكناً على الجسر المعلق وصدف أن اجتاز هذا الجسر بعض الناس فإنك ستشعر باهتزازات خفيفة تسري في جسدك ..
    هذه الاهتزازات وتلك الضحكات المتداخلة مع النكات والتعليقات التي تنطلق من حناجر وأفواه الشبان والصبايا اللــذين بدأوا يجتازون الجسر ، أخرجته من دوامة الذكريات التي كاد أن يغرق فيها وقد ألقـى برأسه المتعب بين راحتيه وهو متكئ بكلتا يديه على الكتلة المعدنية الضخمة التي كتبت عليها تلك الكلمات التي أوشك الزمن أن يمسحها .. اختفت و بسرعة .. الأشباح والصور والأشخاص والذكريات في اللا شيء..
    نظر الى ساعته التي تطوق معصمه الأيسر كانت العاشرة تماماً .. همَّ بمتابعة طريقه .. لكن وكمن خطر على باله شيء مهم . عاد الى تلك الكتلة المعدنية وأخرج قلماً مر به فوق بقايا الخطوط الزرقاء الباهتة وأضاف لها سطراً جديداً كتب فيه ( الأحد 4/10/1998م ) تاريخ هذا اليوم فكأنها كانت مقارنة بين يومه الأخير الذي قضاه في هذا المكان ويومه الأول من هذا العام في نفس المكان ،

    لم يبق في الجسر من المارة .. سواه .. كان يسير ببطئ شديد .. يمتع ناظريه بزرقة المياه وزرقة السماء واخضرار البردي والغرب والطرفاء ويمتع مسمعيه بخرير المياه وخفيف الغرب وصوت العصافير وأنين الجسر ، كانت سمفونية من الألوان والأنغام .. أحس بوردة جديدة تتفتح في قلبه .


    أثناء سيرك في الطريق الممتد من نهاية الجسر المعلق وحتى بداية كلية الزراعة ، حيث يتفرع هناك لفرعين . تقفز لذهنك مباشرة الأسطورة التي تتحدث عن الطريق الذي كان يسلكه هارون الرشيد من الرقة الى بغداد حيث يقال أنه لم يكن يرى الشمس في هذا الطريق لكثرة أشجاره وظلاله .
    المقارنة بين الطريقين تجر مقارنة بينك وبين الرشيد .. شيء من الغرور ثم شيءٌ من الوضاعة ثم لا شيء..
    فعلى يمينك وعلى يسارك تمتد أشجار الأزدرخت الخضراء الضخمة التي تسعى نحو السماء والتي اصطفت بنسقين غاية في الانتظام والروعة .
    ويقال أن هذا الاسم الغريب ( أزد رخت ) ذو أصل فارسي ترجمته الحرفية ((أنا القاتل)) أنت لن تقنع بهذه الترجمة خصوصاً إذا شاهدتها في نيسان وشاهدت جمال أزهارها الزرقاء التي تثير البهجة في النفوس وتذكرك بالبنفسج .
    اندست بين أشجار الأزدرخت هذه وبخجل أشجار الأكاسيا والكازورينا والكينا والصفصاف والصنوبر وخف الجمل والى الخلف قليلاً أشجار المشمش والى اليمين أشجار الغرب والى اليسار أشجار النخيل وشجيرات الزعرور .
    فترى – وبخلفية زرقاء – اللون الأخضر بكل تدرجاته في الصيف وترى الأصفر بكل تدرجاته في بقية فصول السنة . ويكون المشهد أخاذا ، غاية في الروعة عندما تتحد ألوان الطبيعة بألوان الثياب والعيون وأحمر الشفاه لطالبات الكلية والمعاهد والعاملات في الحقول القريبة بعيونهن الجميلة . ويندر أن تسير في هذا الشارع دون أن تصادف أو تجتاز مواكب العشاق بخطواتهم البطيئة وضحكاتهم الخافتة وهمساتهم الهادئة وآهاتهم المحرقة ينظرون إليك دونما إكتراث وغالباً لا ينظرون البتة فهم غائبون عن عالمنا هذا …
    أما الذين لا تتاح لهم مثل هذه الخطوات البطيئة والضحكات الخافتة والهمسات الهادئة والآهات المحرقة فلا تسكن عيونهم لحظة واحدة . فتراها تختلس النظر هنا وهناك و تتلص على هؤلاء وهؤلاء …
    ويبدأ البحث في الذاكرة عن الأسماء ويبدأ الخيال بالعمل لتلفيق الأكاذيب وتفريق المحبين …
    ما قطع هذه السلسلة من التأملات حتى كان وسط زملائه اللذين أبعدتهم عنه العطلة اللعينة الطويلة . وبدآ الإتيكيت .وبدآ العناق و القبلات الحارة تنهال من كل جانب فكان يرد عليها بأحسن منها .
    وكان عناقاً طويلاً وقبلات دافئة وكلمات تنقل صدق المشاعر وإبتسامات نابعة من القلب تلك التي تبادلها مع ساهر .
    - ……..
    - ……..
    - لماذا لم تدخل الى محاضرتك يا غريب .
    - لقد وصلت للتو .
    - حمداً لله ....
    - ………….
    - ………….
    (دقائق قليلة وستخرج … وسآراها..أيعقل ذلك .. هل مضت هذه الأيام المائة بل هذه الأعوام المائة … هل سيغمى عليَّ … هل ستراني … هل سنتحدث سوية.. )



    - ما بك يا غريب .؟.
    - لا شيء
    - ما بك صامتاً ..؟!
    - إنني متعب قليلاً من السفر .
    ( تسألني ما بي يا صديقي .. ليتك تعرف كم سببت لي من الألم … لقد أحرقتني بنيران الغيرة وأنا أرى صداقتك معها تتوطد يوماً بعد يوم .. تلك الصداقة التي شجعتك عليها وباركتها .. لقد إخترتك يا صديقي عندما خيرت ما بينك وبينها .. لكني ما زلت أحبها .. ليتك أنهيت الموضوع يا ساهر .. فاتحتها وإنتهى
    الأمر .. كنت سأكون سعيداً لو وافقت عليك .. صدقني .. وكنت سأخبرك بكل شيء لو رفضتك .. لكنك عذبتني أكثر مما عذبت نفسك وعذبتها .. متى ستكلمها .. متى تنهي هذا الموضوع .. )
    - غريب
    - هاه
    - ما رأيك ؟!
    - بماذا ؟!
    - لا .. أنت لست طبيعي في هذا اليوم .. كنت أقول لك أنني اليوم سأرى ليلى … يا إلهي .. لا تعلم يا صديقي كم أنا مشتاق لها .
    - ألم ترها طوال هذه العطلة .
    - لا.... لكننا كنا نتحدث في الهاتف .
    - …. ليلى ….
    - ………….
    -….. ليلى ….
    ( كانت عيونه تبرق بآلوان عجيبة عندما كان يتحدث عنها … وكانت عيوني أيضاً تبرق بألوان عجيبة أخرى .. كان كل شيء فيه يقول أنه مشتاق لها .. وكان كل شيء فيَّ يقول أنني مشتاق لها
    لكنني الوحيد الذي كان يعرف كل الألوان ويفهم اللغتين ...كان قلبي يرتجف كعصفور صغير تحت مزراب كلما ذكر إسمها .. كذلك كان قلبه – فيما أعتقد – كان قلبانا يغردان معاً لنفس الزهرة … وعلى نفس الشجرة .كانت أربعة عيون صغيرة -على الأقل – ترصد باب الكلية تنتظر معجزة ستحل أو مفاجأة ستحدث أو رسول سينزل أو ملاك سيخرج منه .
    في ذلك المكان حيث المشهد أخاذٌ غايةٌ في الروعة عندما إتحدت ألوان الطبيعة بألوان الثياب والعيون وأحمر الشفاه ولحظات الانتظار .

    الموضوع الأصلي: // الكاتب: م/صالح الشبلي // المصدر: خير بلدنا الزراعي

    كلمات البحث

    راعي عام زراعه عامة .انتاج حيواني .صور زراعية .الصور الزراعية .هندسة زراعية.ارانب. ارنب.الارنب.خضر.خضار.خضر مكشوفة.محصول.محاصيل.المحاصيل.ابحاث زراعية.بحث زراعي.بحث مترجم.ترجمة بحثية.نباتات طبية.نباتات عطرية.تنسيق حدائق.ازهار .شتلات.افات.افة.الافة.حشرات.حشرة.افة حشريا.نيماتودا.الديدان الثعبانية.قمح.القمح.الشعير.الارز.ارز.اراضي طينية. اراضي رملية.برامج تسميد.استشارات زراعية .برامج مكافحة.امراض نبات .الامراض النباتية.مرض نباتي.فطريات .بكتيريا.كيمياء زراعية .الكيمياء الزراعيه.تغذية .التغذية.خضر مكشوفة.صوب زراعية.السمك.زراعه السمك.مشتل سمكي. زراعة الفيوم.مؤتمرات زراعية.مناقشات زراعية.التقنية.براتمج نت.برامج جوال.كوسة, خيار,طماطم.بندورة.موز.بطيخ؟خيار.صوب.عنكبوت.ديدان.بياض دقيقي.بياض زغبي.فطريا



  2. #2

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    بحثت عنه – تحسست صدري .. لم أجده – قلبي – تدحرج ، ذاب ، تبخر ، فرَّ ، كطائر سمان فزع لم ينهي بعد بناء عشه . أبحث عن الهواء - لا أجده – أفتح فمي ، أنفي ، أصرخ … لا أحد يسمع ..
    قطرات العرق عنيدة … باردة … باردة … الضباب . الغشاوة . أقطب حاجبي .. كان النور قوياً … ورائحة الياسمين … الجوري ..
    لقد خرجت … ليلى …
    تداخلت العظام – اللحم – العضلات – الأعصاب .
    لا أستطيع .. أكرر المحاولة أكرر – أكرر – لا أستطيع حبال المقعد قوية . الجسد ثقيل . ثقيل جداً – أبقى جالساً – الأصابع البلهاء تتحرك حركات غبية
    - الشاي بارد
    أشرب … أدخن … أضحك … أمسح العرق … (( أخرق ))
    - بعد أذنك يا غريب .
    - بالتوفيق .
    ركض إليها … وقفت تنتظره
    ابتسم لها … ابتسمت له … تكلم … أنصتت … تكلمت … تكلمت … ضحكت … ضحكت … أسنانها … أضراسها … بلعومها …
    (( رائحة الياسمين والجوري تزكم الأنوف ))
    كنت أتقطر من مقعدي … وكان المشهد أخاذاً غاية في الروعة … كانت تقف أمامه وطائر سمان يرفرف حولها .. لم يغمَّ عليَّ .. لم تراني … لم نتحدث …

  3. #3

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    إفتح الفرجار عن أخره وإرسم دائرة ، إملائها بالثلج ، إرسم داخلها وبقلم أسود دائرتان متماستان – إجعلهما كبيرتان – أفرغ فيهما ماء البحر وزرقة السماء . إن كنت رأيت الهلال لحظة ولادته في أول ليلة من الشهر فإرسم هلالاً فوق كل دائرة صغيرة .. وإن لم تره .. فإرسم - بقلم دقيق – خطاً ذهبياً فوق كل دائرة . بين الدائرتين الزرقاوين إرسم – إن أجدت الرسم – أنفاً دقيقاً مستقيماً ألقي تحته حبة كرز ناضجة ندية ويمكن – لو شئت – أن تستبدلها ببتلة جوري أو نقطة دم دافئة . لف الدائرة الكبرى بقطعة قماش بيضاء – ناصعة البياض – ثمينة لامعة – ولتكن من الحرير – صل ما بين بداية قطعة القماش ونهايتها بدبوس معدني صغير لا يكاد يظهر .
    تخيل – لو إستطعت – هيكلاً لآفروديت أو فينوس أو عشتار . ضعه تحت الدائرة الكبرى ، ألقي على الجسد ما إستطعت من الثياب الأنيقة الجميلة ولتكن حريراً أيضا ، وأسكب عليه شيء من رائحة الياسمين والجوري وماء الورد . ثم توضأ وأدعو الله – إن كنت تقياً – أن يسكن أحد ملائكته في هذا الجسد الجميل فإن تحقق دعائك .
    فإن ما تراه … هو من أحب …… ليلى……

  4. #4

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    عبثاً كنت أحاول رسم الإبتسامة . كانت تتضاءل سريعاً … كانت عيوني لو نظر إليها تفضح حقيقة مشاعري .. الغيرة .. كان الدخان يتصاعد كنت أتصنع الملل .. الإهمال .. آتثائب ..أنظر للسقف .. لكني بحقيقتي كنت أنصت لكل حرف ينطقه ولكل كلمة يلقيها .. أجاريه بضحكاته ، لكنه كان يضحك .. لا أستطيع الاستمرار .. أجمع بقايا الخبز البارد .. الطعام البارد .. الشاي البارد .. الكلمات الباردة …
    - صدقني يا غريب … كل شيء فيها كان يقول أحبك .. عيونها – نظراتها – سكتاتها حركاتها – ضحكاتها .. قالت أن العطلة طويلة .. لقد تذكرتني كثيراً .. لقد تكلمنا و تكلمنا .. اليوم كان للكلام طعم أخر
    (( مازال الدخان يتصاعد ))
    - قالت إنها كانت تتمنى أن أكون في نفس قسمها
    - قالت إنها تراني مختلفاً عن كل شباب الكلية (( لم تسأله عني أبداً ….))
    - تريدني أن أداوم غداً في قسمكم … ظل يثرثر ويثرثر وأنا أضمحل وأضمحل .. والأمل يتبخر ويختفي كالدخان .. (( لقد اختارته )) كانت ثرثرته هي هي في الأيام التالية وكنت أنا أضمحل .. كلما نظرت إلي بغرابة ودهشة – وهكذا كان يبدو ليَّ –لم تكلمني لم أكلمها

  5. #5

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    سعاد
    كان الإسم يلح على ذاكرتي بقوة … أهرب … أتناسى …أنسى … لا أستطيع .. كان يلاحقني بأحلامي .. بدفاتري بالوجوه .. بوجه ساهر .. وجه ليلى .. في المرآة ..
    - ألو سعاد …….
    - غريب ……...
    - ………….
    - …………
    - …………. لا تتأخري يا سعاد أنا أنتظرك ؟!
    لحظات دقائق …نظر إلى الساعة .. قبل الموعد .. فتح الباب … مازال إصبعها على الجرس … كان باب الشقة مفتوحاً .. وكان ملتصقين على الأرض … وحقيبتها ملقاة عند الباب ..

  6. #6

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    تتراكض الإبتسامة إلى شفاهك أحياناً أمام منظر طفل صغير يحبو … أو زهرةٍ عَطِرة تتمايل مع النسيم أو حمامة بيضاء تهدل .. أو إمرأة فاتنة تخطر أمامك … السبب الأخير أظهر أسنانه التي لم تكن ناصعة البياض ولا غاية في الإنتظام ، رمقته – تلك الفاتنة – وهي تتناول بطاقتها – بنظرةٍ هي مزيج من الدهشة والإستغراب والسؤال والقرف وأدارت ناظريها عنه وهي تدس البطاقة في حقيبة يدها الجلدية السوداء … ثم سارت تخطو خطو الغزال ، خيل إليه أنه سمعها تهمس ……
    (( سخيف )) ……..
    شلال من الذهب كان يتدفق من قمة رأسها حتى نهاية عمودها الفقري حيث كان يتطاير في الفضاء …وخُطىً بمنتهى الثقة والدلال وثياب صيفية زرقاء وغاية في الأناقة والذوق
    وظل يرقبها مشدوهاً حتى خرجت من باب المكتب .
    - بطاقتك الشخصية يا سيدي (( أعطى الموظف هويته ولما ينظر إليه بعد ))
    - الى أين ؟!
    - دير الزور ….
    - متى ؟!
    - اليوم .. الساعة الواحدة ليلاً ..
    ونظر لساعة يده … (( الحادية عشرة والنصف ليلاً …)) بدأ الموظف يدون المعلومات على بطاقة ورقية صفراء صغيرة ( الإسم – جهة السفر – رقم المقعد ) فيما كان هو يضع المبلغ على الطاولة … وفي الخارج كان الهواء منعشاً … محملاً برطوبة لذيذة … السماء صافية مقمرة والليل يدعو للتسكع ..
    دمشق هي جنة الدنيا حقاً .. وهز رأسه بقناعة راسخة وهو يتذكر قول الرشيد .. (( جنان الدنيا أربع " دمشق والرقة وري وسمرقند "
    دمشق رائعة وجميلة جداً .. هذا صحيح .. لكن لجمالها في الليل طعم أخر وجو أسطوري يحملك لليالي شهرزاد … هذه المدينة لا تعرف النوم أو الهدوء إلا قليلاً .. وسيانٌ لديها الليل والنهار ، أين منها مدينتي التي تغفو كطفلة صغيرة على كتف الفرات والشمس لم تلملم بعد أخر أشعتها عن وجه البحيرة …
    صعد الدرج ووقف قليلاً على حافة جسر السيد الرئيس ثم أتجه جنوباً نحو البرامكة وأنعطف شرقاً وسار بعدةِ أزقة من أزقة دمشق حتى وجد نفسه عند مقهى الحجاز . وهمَّ بأن يسير شرقاً تجاه سوق الحميدية ، لكنه فضل أن يمر بساحة المرجة ولم يدري كم مضى له بالضبط من الوقت و لا أياً من الشوارع إجتاز حتى وجد نفسه في الصالحية .
    دفع الباب .. دخل لمقهى الهافانا .. نظر لساعة يده بعد أن طلب فنجاناً من القهوة السادة ((لم يتبق الكثير ..))
    شرب الفنجان دفعة واحدة .. ونظر علهُ يعرف أحد هؤلاء المشاهير فهو طالما سمع أن هذا المقهى ملتقى لكثير من الأدباء .ليلة البارحة قال له صديقه أنه رأى فيه عبد الوهاب البياتي ومظفر النواب .قد يكونوا أحد هؤلاء الرواد .. ربما...
    مازالت رائحة القهوة تعبق في أنفه ونكهة القهوة تبعث النشاط فيه .
    أقدامه التي حفظت طريق العودة كانت تقوده دونما تفكير منه .. كان يفكر بشيء أخر … (( فراق دمشق )) .. لكم يعز عليه هذا الفراق ..
    تغمره السعادة عند اللقاء وهو يرى أنوار قاسيون تلتقي مع نجوم السماء حتى لكأنك تحسب النجوم تتساقط فوقه
    و آلمٌ كبير يغمره عند الفراق وهو يرى قاسيون يشمخ عالياً عالياً … وقد إلتف بعبائة ٍ سوداء نثرت الآلهة عليها ما إستطاعت من القطع الذهبية …
    الوقت في دمشق يمضي كما البرق . سوى الساعة الأخيرة فيها … تكون بطيئة .. باردة محملة بالحزن .. والآلم..
    - (( لم أتأخر كثيراً )) –
    لم يقلها – لكنه كان يفكر بها عندما رأى – من خلال الزجاج – رؤوس الركاب وقد ملأت كل المقاعد .. لم يفطن لها إن كانت جميلة أو..لا .. حزينةٌمثله بفراق دمشق أو لا …… كانت رؤوساً وكفى …
    صعد الدرجات الثلاثة التي وضعت عند الباب الأمامي ووقف في بداية الممر تماماً ضوء أزرق خفيف هادى بارد عميق غمرةُ …
    أحس أن كل العيون تنظر إليه بلا مبالاة – لا تعجبه نظرتها إليه
    إرتباك
    – وجدها في أخر جيب – كالعادة – البطاقة – بطاقة السفر
    أخرجها .. مع عدة أوراق غير مهمة – فاتورة هاتف – ماء – وصفة طبية – عنوان صديق .. بدأ يبحث عن المقعد رقم (21 ) تقدم ببطئ حاملاً بطاقته بيده ينظر إليها .. 17 .. 18 .. 19 .. 20 .. 21 ونظر كالمصعوق .. جحظت عيناه جمد في مكانه .. يا للحظ
    أي صدفة – أي صدفة سعيدة
    ستكون رحلة رائعة .. ألقى – برفق – هيكله الضخم في المقعد ..
    على يمينه تماماً وعلى بعد عدة سنتمترات بل مليمترات .. كان شلال من الذهب يتدفق من أعلى رأس حسناء ساهمة عنه وربما عن العالم كله تنظر عبر الزجاج النظيف للباص لشيء غير محدد – لم يرَّ ذلك الشيء غير المحدد لكنه إستنتجه –
    الضوء الأزرق للقميص كان صارخاً .. دافئاً .. حاراً .. يكاد يحترق .. لن ينظر إليها – إيتيكيت – لن ينظر.. لن ينظر .. إلتقت العيون ..
    (( لقد نظر ))
    نظرت (( هي ))
    دهشة .. إستغراب .. سؤال .. قرف .. نفس النظرة التي حفظها
    (( من أين جاء .. متى جاء .. سخيف ..))
    خياله يتوقع أسئلةًتدور بخيالها يخجل من نفسه .. لن ينظر مرة أخرى .. أغمض عينيه …
    (( أي عينين .. عيناها؟!.. ))
    يا إلهي .. لم أرَّ لهما شبهاً لم أتخيل لهما شبهاً .. ليس لهما شبه .. بلون الربيع .. بل ربيع أبدي .. لا يعرف الشتاء ، مرجين أخضرين لا حدود لهما .. حقلي قمح بأول نيسان ، قطعتي زمرد وضعتا بعناية على كومة ثلج تشوبها صفرة خفيفة لا تدل على مرضٍ أبداً ..
    نخلتين منفردتين زرعتا على أحد شواطئ هاواي الذهبية – لا تنسى القميص الأزرق –
    * * *

  7. #7

    • م/صالح الشبلي غير متواجد حالياً
    • الوسام الذهبي

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    سوريا - الرقة
    المشاركات
    220

    افتراضي

    الإهتزازات الخفيفة التي كانت تنتقل لجسده والظلال الخفيفة كانت قد اذنت ببدء الرحلة .. رغبة قوية في النظر مرةُ أخرى تدفعه لأن يدير رأسه الإحراج يمنعه … الخجل يكبله .. الرغبة أقوى الإحراج كبير .. الرغبة أقوى … أقوى …

    كانت تظهر فجأة وتختفي فجأة حتى أنك لا تستطيع تبين معالمها … السيارات ، الأشجار ، المنازل ، الناس ، الأضواء … لم يشعر بالحرج .. لم يجد في الأمر ما يدعو للخجل – لقد نظر – لم تأبه له .. لم تنظر إليه لتتحدى نظرته كما فعلت سابقاً .. كانت ساهمة تنظر للسماء وربما لا تنظر لشيء البتة .. فتجعلك تشعر أنها في عالم أخر هو بلا شك أفضل من عالمنا الذي نتحرك فيه .
    نظر الى حيث تنظر … لا شيء سوى النجوم وقمر تائه في السماء والخيال الوهمي للأنوار الزرقاء على الزجاج النظيف .. نقل نظرته بحذر وببطئ إليها .. تسمرت – عيناه - وراح يتأمل تلك الآلهة السومرية الصغيرة .. كان شلال الذهب يتدفق والربيع في عينيها .. وخيل إليه أن حدائق عينيها أزهرت ذهباً هي الأخرى … (( لقد كان القمر ينظر لنفسه فيها .. والنجوم أيضاً …)) نشوةٌ غريبة أحس بها .. رغبة خفيفة كانت تدب مع دمهِ .. (( كم هو رائع الاقتراب من الآلهة )) ..
    كان يفكر بذلك
    - أننا نغادر دمشق
    قالها بسرعة .. دونما تحضير مسبق .. دونما إعداد . خرجت عفوية تماماً لم يجد ما يفعله سوى الدمدمة هذه الجملة عندما نظرت إليه وهو يحملق بها . أومأت برأسها علامة الإيجاب .. دون أن تنبش ببنت شفة . لكنها ما زالت تحدق فيه . الصراحة أنه لم يكن ينتظر رداً أخر على جملته التي كانت جملة تقريرية لا تحمل صيغة سؤال أو جواب .
    - أيحزنك فراق دمشق ؟‍‍
    - ما الذي جرَّ إلى بالك هذا الخاطر .
    - أراكِ ساهمة صامتة مذ تحرك الباص . ويبدو عليك حزن يشبه حزن من يفارق شيئاً عزيزاً .
    - ولماذا لا يكون حزن سيلاقي شيئاً غير مرغوب
    - ربما .
    ضحكت ضحكة خافته قصيرة .. قصيرة جداً كانت أشبه بابتسامة . لكنها كانت كافية لإظهار اللؤلؤ . وبحركة دلال سريعة أزاحت بيسراها خصلة شعر ذهبية عنيدة عادت بسرعة الى جبينها مرة أخرى
    - أنت محق . إن فراق دمشق يحزنني جداً .
    صمتت لبرهة ونظرت إليه فوجدته هو الأخر صامتاً وكأنه ينتظر تتمة لحديثها فلم تجد بداً من المتابعة .
    - أنا شامية الأصل .. من أب وأم شامية . والشام هي المكان الذي إحتضن أجمل أيام حياتي الطفولة والشباب … ألا تعتقد أن أيام الطفولة والشباب هي الأجمل ؟
    (( - …………))
    أومأ برأسه دليلا على الموافقة .
    - ألا ترى أن هذه الأسباب كافية ؟ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
    كانت تعرف أنها كافية لكنها كانت تريد أن تنهي حديثها . فلم تجد طريقة سوى طرح هذا السؤال .
    - كافية جداً ..
    وعاد الصمت مرة أخرى … وعادت هي الى عالمها حيث القمر التائه والنجوم .. تبادر إلى ذهنه أنها ملت كلامه وملت صمته .. لم يعد للكلام معنى ولم يعد للصمت معنى .. محاولته الأولى بالإقتراب منها باءت بالفشل . قرر أن تكون هي الأخيرة وبدأت حركاته الميكانيكية الرتيبة المعتادة في كل رحلة له … أمسك بالحقبة الجلدية الصغيرة .. أخرج كتاباً أحمراً سميكاً متسخ الحواف . يبدو أنه قُريءِّ أكثر من مرة أغلق الحقيبة … أعادها الى مكانها أمسك الكتاب بكلتا يديه … الكتاب الذي حفظ أو كاد أن يحفظ أغلب محتوياتهِ عن ظهر قلب .. قلبَ...صفحاته بسرعة كبيرة كمن يحاول أن يستعيد كل أحداثه دفعةً واحدةً توقف في بعض الصفحات . قرأ بعض الكلمات وبعض الجمل (( باسمة – ناتاشا – يا حبيبتي … أراك تجهدين نفسك لتكوني ملاكاً وعندي ألف دليل على أنك شيطانٌ رجيم … لماذا … آلتدخلي الجنة … أنا أعرف في جسدك سبع شاماتٍ تدخلين بها الجنة بغير حساب ))
    (( وعلى الباب تناول سليمان كف باسمة …وكانت كما عهدها من قبل لدنهُ دافئة … وعلى غير عادتها . قوية القبضة )) ((رسائل من دمشق )) (( دموع باسمة )) (( بقية الدموع )) ثم عاد مرة أخرى إلى الصفحة الأولى بعد الغلاف الكرتوني السميك ليقرأ فيها الكلمات التالية التي كتبت بخط جميل ناعم واضح يوحي بأنه خط نسائي (( ترفقي بنا أيتها الدموع الحبيسة …وتلطف بنا أيها القدر .. إنهم يرحلون … يرحلون … دون أن يتركوا رسالةً خلف الباب .. أو تلويحهً مع الأفق )) وتحتها كتب بنفس الخط (( إلى الأخ غريب الشيخ أحمد مع التحية وأطيب التمنيات وفي السطر الأخير )) أخوك المهندس عبد اللطيف الإبراهيم أبو أيهم ثم التوقيع السهل التقليد .
    أسند رأسه للخلف تماماً ونظر إلى حيث الأنوار الزرقاء الخافتة للحظات … ترى ما هي أخبارك يا أبا أيهم … آه … كم أنا مشتاق للجلوس معك يا صديقي العزيز وللإستماع إليك .
    وعبد اللطيف كان من أفضل الزملاء الذين عرفهم في كلية الزراعة وليس أفضلهم على الإطلاق … ولم يقف فارق العمر بينها حاجزاً دون تطور تلك الزمالة إلى صداقة متينة يفخر بها – غريب – ويراها قوية جداً رغم عمرها القصير إن الصداقة - في نظره – لا تقاس بالآيام .. إنه من قلة من البشر ممن يملكون ما يسمى بقلب زجاجي أو بلوري ، صافي ، شفاف .. لا يعرف الكره .. لا يعرف الحقد وأيضاً لا يعرف الحب …
    عندما كتبت هذه الكلمات . كان قلبه الزجاجي محطماً .. إن القلب الزجاجي يحب لمرةٍ واحدة فقط وبعدها يتحطم .. نعم لقد عرف ذلك القلب الصافي الشفاف الحب … عرفه لكنه دفع الثمن غالياً .
    ترى ؟! …لماذا أهداه هذا الكتاب بالذات …هل السبب حبه الذي لا تحده حدود للمؤلف والذي أصبح موضوعاً للتندر عليه حتى أن بعض الأصحاب كانوا يسمونه (( عبد اللطيف العجيلي )) أم أن السبب إعجابه ببطلة القصة (( باسمة )) أم أن هناك أسبابٌ أخرى … أم أنه لا يقصد في الأمر شيئاً … إنها هدية – للذكرى – فحسب وها أنا آقرأ هذه الرواية للمرة الثالثة ولا أدرك السبب …
    وعاد مرة أخرى إلى الصفحة الأولى ليتم قرأة الكلمات المكتوبة . (( باسمة بين الدموع … رواية للدكتور عبد السلام العجيلي )) وكان العنوان الأول في الصفحة التي تليها (( طريق زلقة ))

    - إنها افضل طريقة لتمضية الطريق
    (( نظر إليها … كانت تنقل بصرها ما بين وجهه والكتاب والإبتسامة ترفرف حول شفتيها بعدما قالت جملتها تلك على حين بغته ))
    ولما ظل صامتاً ظنت أنه ما فهم جملتها فأردفت موضحة … ‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‌‌‍
    - كنت أقول أن المطالعة هي أفضل طريقة لتمضية الوقت أثناء السفر .. هكذا أعتقد؟!
    - في الحقيقة أنا لا أجزم بأنها الطريقة الأفضل تماماً .. ومع ذلك فأنا استمتع بها كثيراً والكتاب رفيقي الذي لا يفارقني في أسفاري حيثما توجهت
    - لطالما حاولت أن أصطحب معي كتاباً يسليني أثناء السفر .. لكني لم اكن أستطيع أن أتجاوز الصفحات العشر الأولى حتى أشعر بالملل .. أعتقد أن المطالعة تحتاج لصبر وتروي .
    - ربما هناك شيء من هذا القبيل .. لكن الأمر قبل كل شيء يتعلق بالكتاب نفسه أولاً … وبالكاتب ثانياً … وبالقارئ ثالثاً …
    - أوافقك … ولكن برأي رغبة القارئ هي السبب الأهم ، فأنا مثلاً … أفضل أن أمضي الطريق شاردة … أحصي نجوم السماء أو أرقب ترنح القمر في مساره … أو أرقب الأفق …حيث لا ترى سوى خط الأفق بتعرجاته الهادئة
    أو الحادة .. أو أبحث عن طائر ما في السماء أو غيمه ما تتحدى الشمس … أفضل أن لا أشغل دماغي إلا بأمور لا تحتاج إلى تفكير
    - عموماً .. ليس الأمر بالسوء الذي تتخيلين .
    - هل ترى أفكاري سخيفة أو سطحية .
    - سخيفة ؟! .. لا .. لا .. على العكس .. لكن .. قد نحتاج لبعض الأفكار السخيفة في حياتنا …
    - هل تشعر أن بعض أفكارك سخيفة أحياناً .
    - في الحقيقة لم أفكر بهذا .. لكنه الأمر لا يخلو ..
    - ما هي آخر فكرة سخيفة راودتك ؟!
    - هم … م .. م .. أخر فكرة سخيفة
    (( فكر للحظة .. وأمسك بشفته السفلى بين السبابة والإبهام .. وفجأة وكمن وجد ضالته تألقت عيونه ))
    - تصوري .. عندما رأيتك لأول مرة .. تخيلت أنك شعرت بالقرف لمجرد رؤيتي .
    - إنها ليست فكرة سخيفة .
    - ماذا تقصدين
    - قد تكون محقاً
    (( نظر إليها بسرعة غاضباً … معاتباً .. وفمه مليء بالكلام الذي سيدافع به عن نفسه لكن إبتسامتها الساحرة ونظرتها الهادئة … أفهمته أنها تقصد المزاح ))
    فلم يجد بداً من مبادلتها الإبتسامة … وبصوت هادئ ورقيق خاطبته قائلة
    : أتجد فضولي زائداً إذا سألتك عن هذا الكتاب الذي تقرأ .
    - لا أعتقد … فأنا أيضا متشوق لسماعك تتكلمين عن عوالمك التي تنسجيها لنفسك
    - أنت تبالغ . أي عالم هذا الذي تتحدث عنه . أنت واهم صدقني .
    - لكن هذا هو شرطي .
    - لا بأس .. لكن لتبدأ أنت أولاً .
    - قبل أن أبدأ أسألكِ هل سمعت بمدينة الرقة ؟
    - نعم
    - إذاً هل سمعت شيئاً عن الدكتور عبد السلام العجيلي ؟
    - في الحقيقة .. لا
    - لا … أيعقل … أيعقل أن يسمع أحد .. أي أحد .. عن الرقة . ولا يسمع عن أديبها الكبير الدكتور العجيلي ؟!
    - أهو بهذه الأهمية .
    - صدقيني .إن أغلب من عرف الرقة . يقول أنها قرية كبيرة . يمر فيها الفرات ويسكن فيها العجيلي .
    - أهذا . كل ما في الرقة ؟!
    - لا .. ولكن لو لم يوجد فيها غير هذين العظيمين لكفاها فخراً .
    - وما علاقة هذا بالكتاب الذي سألتك عنه .
    - إن العجيلي هو مؤلف هذا الكتاب … الرواية …
    - إذاً ستحدثني عن العجيلي أولاً .. ثم عن الرواية ثانياً .. على فكرة ما إسمها ؟!
    - باسمة بين الدموع … وهي رواية من روايات كثيرة كتبها هذا الأديب مثل قلوب على الأسلاك والمغمورين وساعة الملازم وأرض السياد .
    وهذا الأديب طبيب قبل أن يكون أديباً .. وطالما كرر كلام تشيخوف
    (( الطب زوجتي والأدب عشيقتي ))
    ولد من أسرة عربية في الرقة في فترة حرجة شهدت أواخر أيام العثمانيين وبداية مؤامرات الغرب . عاش حياة الصحراء والبداوة كما هي . وكان بحق خير صحراوي عرفته المدينة وخير حضري عرفته الصحراء . درس وتعلم وتفوق ولمع إسمه علمياً وسياسياً وأدبياً كطبيب ناجح ووزير لعدة وزارات ونائب في البرلمان .
    ويعتبر بحق رائد القصة القصيرة في الوطن العربي كتب فيها ما يربوا على الثلاثين مجموعةٍِ بإسلوبٍ شيقٍ جذاب لا يقل عنه روعة أسلوبه في الخواطر والمقالات أو الروايات .
    - وهذه إحدى رواياته .
    - نعم . وهي الأقرب الى قلبي .
    - لماذا
    - لا أستطيع أن أعطيك سبباً وجياً … فهذا الإرتباط عاطفي ولم أفكر أن أبحث عن مبررات له … ربما إعجابي بباسمة بطلة الرواية أو حتى للشخص الذي أهداني هذا الكتاب .
    - إذا لا بد أن أحدهما باسمة أو صديقك هذا شخص يستحق الإعجاب ..
    - كلاهما …فالشبه بينهما كبير . دعك من التفاصيل الصغيرة . وخذي الخطوط العريضة . أنهما شخصان متميزان حقاً … ناجحين . ومستمرين في النجاح . يستحق كل منهما أن يشار إليه بالبنان … يشعرانك بالقوة والأمان ..
    - أناس كهؤلاء خارقون … أنت تبالغ .
    - بل هم أناس مثلنا . لكنهم امتلكوا شيئاً عجزنا عن تذوق حلاوته .
    - ما هو .
    - الإرادة .؟!
    - نعم . عندما إمتلكوا القرار . إمتلكوا المصير … إمتلكوا أنفسهم .
    - أتريد القول بأننا لا نملك نحن العاديون إرادتنا .
    - بل لا نملك جزء كبيراً منها .
    - إذاً نحن – برأيك – لا نملك من الشجاعة ما نستطيع به رسم حياتنا ونسير وفقاً لخطى مرسومة لنا .
    - بالضبط .
    - لكني اذكر أن والدي أخبرني يوماً أن الله خلق الإنسان مخيراً لا مسيراً وأيد كلامه بأدلة دينية .
    - المشكلة هي أنه ليس الله الذي يسيرنا . بل المجتمع والمادة والتقاليد والعادات وأصحاب النفوذ والمراكز والمناصب والمسئولين وأهل الكروش والفروع الأمنية و….
    - رويدك … رويدك … أتريد الزعم بأن باسمة وصديقك هذا تمكنوا من تحطيهم كل هذه القيود الماسية .
    - بعضها … وربما القليل منها لكن هذا يبقى أمراً يحتاج إلى قوةٍ كبيرة ٍ.
    ولا تظني أن إلغاء النفاق والتملق ومسح الجوخ والتصفيف والهتاف والصراخ وترديد الكلمات دونما مبرر هو أمر سهل . لكنه إذا حدث مع أحد – كما حدث معهما – فهو يعني أن هذا الأحد يهتف ، إذا آمن بالهتاف .. ويردد ما يقنع به ويسير على مبدأه الذي يضعه ويعلم أن لا حدَّ و لا أحد في الدنيا يمس إنسانيته .. أو كرامته كإنسان.. يحب عندما يحب .. وعندما يريد أن يحب .ويكره عندما يريد هو أن يكره .
    - وهل للإرادة هذا التأثير حتى على القلب والعواطف .
    - وأكثر
    - إذاً يمكنك القول أنه ما من إمرأة عربية على الإطلاق تمتلك إرادتها .
    - أغلب النساء العربيات . لذلك أصر على رأي الذي أردده دائماً بأن المرأة الأوربية أكثر وفاء من المرأة العربية .
    - لا … هذا هجوم لن أسمح به . فالمرأة العربية معروفة دائماً بوفائها وإخلاصها .. عكس الأوربية التي تشتهر بعكس ذلك .
    - أنا لا أقصد الهجوم . لكنها الحقيقة . دعك من الصورة المشوهة التي رسمها الأعلام لنا ليجعلنا نحمد الله كثيراً على حياتنا هذه .. لكن المرأة الأوربية عندما تتزوج إنساناً فهذا يعني أنها هي التي إختارته زوجاً وقبل ذلك حبيباً .. إختارته لشخصه دون النظر لأي إعتبارٍ أخر .. إختارته لأنها تعتقد أنه الشخص الأفضل في العالم والأكثر ملائمة لها . فلا تقبل أن تقارن به أي شخصٍ أخر .. لذلك فوفائها له سيكون مطلقاً .. نابعاً من داخلها دون أن يقيدها مجتمع أو دين أو رقابة . يمكن أن تنفذ منها ببعض الأحيان . أما بالنسبة لأختها العربية والتي لا حول لها ولا قوة فزوجها لا يعني أبداً أنه الشخص الذي إختاره قلبها .. وليس بالضرورة هو الشخص الأفضل في العالم برأيها .. فهو ليس أكثر من ذكر يستطيع القيام بالوظيفة الفسيولوجية للرجل . ويمتلك بيتاً وربما أحياناً سيارة ما … ويمكنه شراء الكثير من الذهب والثياب والعطور والطعام … وجيوبه المنتفخة تسمح له بدفع ثمنها الغالي والمستمر بالارتفاع والمسمى مهراً .. كما أن هذه الجيوب المنتفخة دوماً تضمن له السعادة التي يمكن شراؤها من المحلات الراقية وستكون السعادة أكبر إذا كان هناك أمل بأن تزداد هذه الجيوب إنتفاخاً نتيجةً لربحٍ سريعٍ أو أرثٍ سيضاف بعد عمرٍ قصيٍر … لكن لا يعني أكثر من ذلك .
    يقدم لها كل أمور الحياة المادية وتقدم له المتعة والأطفال فقط . بطريقة ميكانيكية .. فكيف تريدين لإمرأة محطمة الروح والقلب أن تخلص لهذا الرجل الذي جاء أهلها يوماً ليقولوا لها هذا هو زوجك الغني فمضت إلى بيتهِ صاغرةً .
    أما عن إشتهارها بالعفاف فمبرره هذهِ القيود الصعبة جداً التي تحيط بعشقها من رقابة الزوج والأهل والمجتمع والدين ، وذلك العقاب القاسي جداً لأي محاولة بالرفض أو الصراح .. لكن أنا متأكد أن قلبها سيدق عند أول لحظة غفلة..

+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك