قومية "جوانغ":

تعتبر قومية " جوانغ" أكبر الأقليات في البر الصيني طبقا للإحصاءات الرسمية, وتقع معظمها في منطقتي"قوانغشي" و "يونان" , ويبلغ عدد هذه القومية نحو 17 مليون نسمة طبقا لبعض الإحصائيات , ويعيش نحو 91 % من هذه القومية في الجزء الغربي من مقاطعة –قوانغشي- ذات الحكم الذاتي , والباقي مقسم على المقاطعات الأخرى ومقاطعة "جوانزي" تقع في الجزء الشرقي من البر الصيني وهي منطقة جبلية , ويقطن معظم هذه القومية في المرتفعات الشمالية من المقاطعة. والواقع أن المنحدرات والقمم التي تنساب بينها النهار تشكل منظرا جماليا خلابا, ولهذا فهناك قول متداول في تلك المنطقة يقول (( إن المناظر في "يانغشوه" هي الأفضل في " قويلين" )). وساحل هذه المنطقة يعتبر غنيا بالكثير من المنتجات البحرية ومنها اللؤلؤ الذي يعتبر الأشهر في الصين.

ومتوسط درجة الحرارة نحو 20 درجة مئوية , والجو دافئ في الشتاء لكنه شديد الحرارة في فصل الصيف , ولاسيما في الجنوب,وحيث أنها تقع بقرب خط الاستواء , لذا فإن المطر يتساقط بشكل دائم, مما جعل الأرض تكتسي حلة خضراء على الدوام , ولتواجد المطر الدائم والجو الدافئ فإنه أصبح من اليسير زراعة الأرز والذرة والموز وقصب السكر والمانجو. والجبال الممتدة من الشمال إلى الجنوب بمحاذاة الساحل الغربي غنية بالفضة والنحاس , والمنغنيز , والزنك , بالإضافة إلى الذهب , لكن هذه المنطقة تختص ببعض المنتجات التي تتميز بها, مثل بعض أنواع الشاي , والمشروم, والسمسم,وكذلك النباتات الطبية الخاصة بالطب الصيني.
وهذه القومية تعتبر من أقدم الأقليات العريقة والقديمة في الصين تحت أسماء مختلفة , لكنها أخذت هذا الاسم "جوانغ" قبل نحو ألف عام , وذلك في عهد أسرة "سونغ" , ولقد أصبحت منطقة هذه القومية تحت الحكم الصيني المركزي قبل نحو ألفي عام , منذ قام الإمبراطور الأول من أسرة " تشين" بتوحيد هذه المنطقة مع الصين المركزية عام 221 قبل الميلاد, وقد بدأ هذا الإمبراطور في ذلك الوقت بعمل قنوات الري المختلفة , كما شجع على نقل عدد من السكان من مناطق مختلفة إلى هذه المنطقة , مما ساعد على اندماج سكان هذه المنطقة مع الآخرين , كما أنه ساعد على الرفع من المستوى الثقافي والاقتصادي للسكان.
وفي القرون التالية , اندمجت كثير من القبائل مع بعضها , فشكلت مجموعات ذات نفوذ , استطاعت أن تعيش في رغد من العيش بامتلاك مساحات واسعة من الأراضي , وعدد من العبيد والخدم , وفي عصر أسرتي " تانغ وسونغ" تركز الاقتصاد على زراعة الرز , وتربية المواشي , واستخراج الحديد والنحاس , لكن المستوى المعيشي ظل أقل منه في بعض المناطق الصينية , حيث ظل العمل مقتصرا على الزراعات المحلية والصيد , وكان السكان هناك منقسمين إلى ثلاث طبقات هي : طبقة الملاك الإقطاعيين , وطبقة المزارعين , وطبقة العبيد , وقد أزيل هذا النمط من التقسيم في عصر أسرة " تشينغ" (1644-1911) , وهو تاريخ انتهاء الإقطاع في الصين.
وفي الغالب فإن القيادة لدى هذه القومية , والقوميات الصينية الأخرى , تقع على كاهل الرجل, ولهذا فقد تول الرجال الحكم في المنطقة لمدة ألف علم من حكم أسرة " تانغ" حتى حكم أسرة " تشينغ" إلا أن الأمر تغير فيما بعد , وفي عام 1851 قامت ثورة "تاي بينغ" , فانضم إليها عدد غير قليل من هذه القومية , مما جعل عددا منهم يتقلد مراكز قيادية في الجيش. وفي العصور اللاحقة شارك أبناء هذه القومية في الدفاع عن الصين ضد الغزاة , مثل مشاركتهم الفعالة في القتال ضد الغزو الياباني ,و الفرنسي , كما شاركوا في ثورة 1911 م.
كل قومية من قوميات الصين تتميز ببعض الثقافات والتراث , ومن ضمن تلك الثقافات اللغة , ولقومية " جوانغ" لغتها الخاصة التي يتحدث بها أبناء هذه القومية فيما بينهم , وهي تشابه في صفاتها اللغوية اللغة التبتية , ولقد حاول أبناء هذه القومية إيجاد حروف مكتوبة خاصة هم ونجحوا في ذلك في عصر أسرة " سونغ" عام (1127-1279) , لمن هذه الحروف لم يكتب لها النجاح والانتشار فخبت واستبدلت بالحروف الصينية.
واشتهر أبناء هذه القومية بفن الرسم , فقد عثر على لوح جصية على ضفاف نهر" زوجيانج" في أكثر من 50 موقعا , يزيد عمرها عن 2000 عام ,مازالت تزهو بألوانها.
أما الأسطوانات النحاسية فقد وجد منها الكثير في هذه المنطقة ,التي يعود عمرها إلى أكثر من 1500 عام , و لا أحد يعرف سبب حرص أبناء المنطقة على اقتناء مثل هذه الأسطوانات المتنوعة في الحجم والتصميم , والثقيلة الوزن , حتى أن وزن بعضها يصل إلى نصف طن. فمن قائل يقول إن ذلك يعود إلى المباهاة, وآخر يرى أنها تستخدم لأسباب عسكرية, والبعض يرى أنها آلة من الآلات الموسيقية المستخدمة في ذلك الوقت, وعزا البعض ذلك إلى أسباب عقدية. في الأعياد يتجمع عدد من أبناء القرى القريبة للاحتفال بالعيد والاستمتاع بالرقصات المحلية , وفي مثل هذه المناسبات تكون الفرص متاحة لاختيار الزوجات. وفي غنائهم يستخدمون الطبول , والآلات النحاسية , والمزمار , وبعض الآلات المستخدمة من قرون وعظام الحيوانات مثل الخيل , ولديهم رقصات خاصة بهم فردية وجماعية بطيئة وسريعة.
فيما مضى كان أبناء هذه القومية يقطنون منازل ذات دورين, يكون فيها الدور الأول للخزن, بينما يستمتعون بالسكن في الدور الثاني , لأن ذلك يقيم تأثير الرطوبة , أما وقد دخلت إلى البلاد الأساليب الحديثة في البناء , والتي تعمل على عزل الرطوبة , وتوفير البرودة اللازمة,فلم يعد ذلك النوع من المساكن محببا.
ويرتدي أبناء قومية " جوانغ" نفس ملابس قومية " هان" الكبيرة في الوقت الحاضر , لكن الملابس التقليدية مازالت تلبس في بعض المناسبات,وعموما فإن النساء والرجال يلبسون في الماضي والحاضر ملابس محتشمة, وبعض النساء يفضلن وضع الوشم على أيديهن وأجسادهن.
وكما هي عادة أهل المناطق الجنوبية في الصين, فإن أبناء قومية " جوانغ" يعتمدون على الأرز كغذاء رئيس, بالإضافة إلى الذرة وبعض الخضروات المتوفرة.
ولدى أبناء هذه القومية عادة غريبة في الزواج , فالزوجة تبقى بعيدة عن بيت زوجها بعد ليلة زفافها لمدة قد تصل إلى سنتين أو ثلاث , لكنها وزوجها يختليان بين الفنية والأخرى للقاء معا, عند انشغال الوالدين بالعمل في المزرعة , أو أثناء الأعياد أو المناسبات , ولهذا فإن هذه العادة مع كونها قاسية على كلا الطرفين إلا أنها تجعل اللقاء بعد العناء , أكثر حرارة, والتأثير أكبر على خلجات الطرفين , مما يزيد من الشوق والهيام , ولذا فإن عودنها بعد سنوات ثلاث , تكون عودة منتظرة بفارغ الصبر , وبعد مزيد من الانتظار , مما يجعل فرص الاستمرار كبيرة على حد اعتقادهم.
ومن غرائب أبناء قومية "جوانغ" احتفالهم بعيد الشيطان , والذي يقام في الشهر الثامن الميلادي , حيث تحضر كل عائلة طعاما مكونا من الدجاج , والبط , وخمسة أنواع من الأرز الملون , ليتم التقرب به للأجداد ولطرد الأرواح الشريرة , والواقع أن مثل هذه العادات مع شيء من الاختلاف كانت سائدة في منطقة الشرق الأوسط قبل ظهور الإسلام وتحريمه لها. ولديهم عيد آخر يسمى عيد"حيوية الماشية" , وفيه تقوم كل عائلة بتحضير خمسة أنواع من الأرز الملون , مع شيء من الحشائش, ثم يقومون ببعض الطقوس الخاصة مثل تحريك الأيدي والانحناء وتحريك الرقبة, ثم يتم تقديم نصف كمية الأرز مع الحشائش للحيوانات, معتقدين أن ذلك سوف يعيد لها الحيوية والنشاط بعد عناء الحرث.




يتبع